عندما كنا صغاراً، أرعبنا «علماء الدين»: «من يضع (الدش) في بيته، فهو ديوث، عليه لعنات الله»، وازداد هلعنا عندما حذرونا: «هذا غزو صليبي يحتل البيوت وغرف النوم، وهو أخطر من الغزو العسكري الذي يحتل مناطق». وكنت أمرّ في شارعنا أحسب عدد «الديايثة»، فأيقنت أن الغربيين احتلوا غرف نومنا، خلاص، وقررت المقاومة، على بركة الله، فالإسلام كما فهمته مبني على «جسد امرأة»، شعرها وخصرها وحيضها وعينيها وصوتها، ووو، هذا جل ما كانوا يتحدثون عنه… شرّف الله الدين عن دنسهم.
وكبرت، وابتلاني الله بآفة لا شفاء لي منها، القراءة. فاكتشفت أن علماء الأزهر في مصر طردوا إمامهم الأكبر الشيخ العلامة محمد عبده من الأزهر، ومنعوه من الإفتاء وكفروه، بعدما أفتى أن «خلع الطربوش وارتداء البرنيطة حلال»، واتهموه بأنه يقبض أموالاً من الإنكليز ليغير الثقافة العامة المصرية ويساعدهم في غزوهم الثقافي. ثم أصدروا فتوى مضادة: «ارتداء البرنيطة كفر». ثم قرأت في كتب الثورات أن أحمد عرابي طلبَ من أتباعه تعلّم اللغة الإنكليزية، على أساس أن «من تعلم لغة قوم أمن مكرهم»، فأصدروا حكمهم: «خرج عرابي عن الملة»، فانصرف أنصاره من مجلسه وبقي وحيداً مع أولاده.
وقرأت أن تدريس البنات في السعودية كان محرماً، وجهاز «التلكس» كان محرماً، بحجة أنه «استخدام للجن»، ومن صدّق باختراع «الإِمطار»، أي المطر الصناعي، كافر، ومن «ادّعى» معرفة ما في الأرحام كافر، طقة واحدة، فـ»الغيث وما في الأرحام» لا يعلمهما إلا الله، وهلمّ جرا على أشواك الفتاوى.
وكبرت أكثر، للأسف، فشاهدت «العلماء» ينتشرون في الفضائيات بواسطة الدش، واكتشفت أن بناتهم أصبحن جامعيات، وقرأت فتاوى لهؤلاء «العلماء» يأتي في أسفلها رقم «الفاكس والتلكس» الخاص بهم، وهو دليل على أن الجن يتطور، فبعدما كان على شكل تلكس، أصبح فاكس رول، واليوم صار الجني على هيئة إنترنت 3 ميغا بايت، وصارت شركات الاتصال تؤجر لنا الجن بالشهر، وأصبحت هناك صيانة للجن، واقتنع «العلماء» اليوم أن أي طبيب في «طيبة كلينيك» بإمكانه اكتشاف جنس المولود منذ الشهر الرابع للحمل، بل وبإمكان الأبوين التنسيق مع طبيب الولادة لتحديد جنس المولود. ثم شاهدت المصريين يرتدون البرنيطة، وعلمت أن أبناء علماء الأزهر أصبحوا بلابل إنكليزية، ووو… ويقول الدراويش لنا: «ما العائق الذي وضعناه أمام العلم، نحن على العكس نطالب بالعلم»، فنجيبهم: «أنتم تفسرون الدين خطأ وتزرعونه عائقاً أمام العلم والاختراعات، وحكاية (الإمطار) شاهدة عيان، وحكاية جنس المولود، بل وحتى الزلازل والأعاصير والبراكين أنتم تدّعون أنها (غضب إلهي) وتطوون الصفحة وتنامون، ولو صدقكم الأميركان واليابانيون لما استطاعوا اكتشاف فورة البراكين وأجلوا الناس قبل انفجارها، ولما استطاعوا اكتشاف الأعاصير والزلازل، في الغالب، قبل موعدها، ولو بفترة وجيزة، فتقلص بذلك عدد الضحايا. وانظروا إليهم الآن وهم يرصدون مليارات الدولارات لمحاولة اكتشاف الزلازل ومهاجمتها تحت الأرض، لقتلها في مهدها، ومازالوا يحاولون، وسينجحون بالتأكيد. في حين أن علماء الطبيعة والجيولوجيا المسلمين لم يبحثوا في الأمر وصدقوكم واتكؤوا على تفسيركم (غضب إلهي)، وناموا».
واليوم، يصرخ أحمدي نجاد وشركاؤه، أثناء انتظارهم المهدي، كما يدّعون: «إسرائيل وأميركا والغرب يغزون إيران ثقافياً»! الحجة الأزلية ذاتها، وهي تشبه لعبة شعبية كويتية يمارسها الأطفال «أنا الذيب باكلكم، أنا أمكم باحميكم»، والغرب هو الذئب، ونجاد هو الأم الحنون التي تُجلس خصومها السياسيين على خوازيق، وتنتهك أعراضهم في السجون، وتُطلق عليهم الكلاب في الشوارع.
وأنا أصدق نجاد، وأظن أن الموساد الإسرائيلي، فعلاً، غزا إيران والأمة العربية، ونجح في أن زرع لنا أعداداً هائلة من «المفتين، ومفسري الأحلام على الطريقة الإسلامية، ومشعوذي البصق على وجوه المرضى»، الذين شغلونا وانشغلوا بجناح البعوضة، فانشغل الغرب وعلماؤه بجناح طائرة الشبح وجناح المكوك الذي وصل إلى القمر… والجناح بالجناح والبادئ أظلم.
وفي مقالة الغد سأضع براهيني على أن بعض علماء السنة والشيعة مِن صُنع الموساد، أو على الأقل، هم يفعلون ما يرضي الموساد.