محمد الوشيحي

لا بطاطس ولا طماطس يا ياسمين

هذه فكرة سبق أن كتبت مثلها في الأزمنة السحيقة، في أول شهر كتابة، عندما كان لا يقرأ لي إلا المصحح وشقيقي منصور وذوو القلوب الرحيمة. واليوم أعمل للفكرة "ريسايكلنغ" وأعيد تكريرها وتصديرها مع بعض الإضافات والتوابل…
نحن الشعوب العربية – أجلكم الله – الأقل ولاء لبلداننا، ونحن الأكثر تنطعاً وتغزلاً في حبها بين الشعوب. خذ عندك أغاني  وطنية، وخذ احتفالات برغوة، وخذ مسيرات ورفع أعلام، وخذ مقالات كتّاب، في حين أنك لن تلاحظ مثل هذا التصنّع بين الشعوب التي تحتل بلدانها المراتب الأولى عالمياً، كفنلندا وآيسلندا وهولندا والنرويج، التي ترتفع فيها مؤشرات الإنتاج والتنمية الإدارية والحقوق المدنية والشفافية والاستقرار النفسي وبقية المؤشرات الدالة على الرفاهية. وهنا أرجوك ألا تقنعني أن ولاء الفنلنديين لوطنهم يعادل ولاء العربان لأوطانهم.
خذ الكويت والكويتيين مثالاً، ثم ارمِ المثال وارم الكويتيين واغسل يديك جيداً… فبعض الكويتيين لا يشعر فقط بعدم الولاء لبلده، بل يكرهه. ولا تصدق ما نقوله عن اشتياقنا أثناء السفر إلى الكويت، واللهفة على غبارها ورمالها وطوزها وكوسها فهذه "كليشة" نرددها كالببغاوات والغربان والخفافيش.
ولا أظنني في حاجة إلى سَوْق الأمثلة على كره هؤلاء الكويتيين لبلدهم، ولا على سوء إدارة الحكومة التي قادت إلى إضعاف الولاء في صدور الناس، فالأمثلة تسوق نفسها بنفسها وتكفيني العناء، وهي أكثر من التفاح في تشيلي، ومن الفضة في الأرجنتين، ومن أكياس الزبالة في مصر.
ولو نظرنا إلى دول العالم الثالث، لشاهدنا بوضوح كيف يجيّر الحاكم دولته وشعبه وخيرات البلد لأبنائه وأقربائه، إذ هم الوزراء وهم الوكلاء والمسؤولون والتجار. والأجهزة والمؤسسات الحكومية في خدمتهم. وستجد – يا للطرافة – هؤلاء هم الأكثر حديثاً عن الوطنية وعن الولاء ووجوب التضحية وحقوق الدولة على المواطنين. وهنا تذكرت اللقاء الذي أجرته إحدى المجلات المغربية مع ممثلة أفلام بورنو وخلاعة، وهي فرنسية من أصل مغربي اسمها ياسمين، إذ قالت ياسمين رداً على سؤالها عن نظرتها إلى الفتيات المغربيات: "لا مانع من أن يواكبن العصر، لكنني للأسف أراهن في طريق الانحلال، ويجب على الدولة توعيتهن وتذكيرهن بالعادات والتقاليد المغربية المحافظة". أي والله، هذا ما نقلته مجلة "تيل كيل" المغربية عن ياسمين، وهذا ما نقلته الصحف عن أولئك الوزراء. ومفيش حد أحسن من حد.  
ومن الجهة الأخرى، يرفع المشعوذون والحواة أيديهم في خطب الجمعة: "اللهم أصلح بطانة وزرائنا"! على اعتبار أن الوزراء، اسم الله عليهم، تقاة غرر بهم رفقاء السوء، المستشارون الفاسدون المحيطون بهم. ولطالما حاول الوزراء، يا كبدي، إبعاد مستشاريهم لكنهم عجزوا، ولطالما صرخوا في وجوههم: "ابعدوا عنا يا أشرار يا ويلكم من الله"، لكن لا حول ولا قوة، ربنا لا تحملنا ما لا طاقة لنا به. وإذا صرخنا: "بعض الوزراء أفسدوا في الأرض وأضرّوا بالناس وقتلوا الولاء"، صرخ الحواة: "هذه الخادمة الآسيوية تلبس البنطلون الضيق… واإسلاماه"، وارتفع صوتهم فغطى على صوتنا… كلهم أعضاء فريق واحد، المستشارون والدراويش، عيال الـ… ياسمين.
وزراعة الولاء كزراعة الخضراوات، ما لم تتوافر الشمس والماء والطقس المناسب، فلا بطاطس ولا طماطس ولا جرجير ولا لياليَ حمراء، وما لم تتوافر الحكومات القدوة فلا ولاء. ولا أظن أن الولاء سيملأ الصدور ما دام أكثر الأمثال شيوعاً عند الحكام الظالمين هو "جوّع كلبك يتبعك"، على أساس أن شعبه كلب… وهو ابن شعب.

سامي النصف

فبراير يا شهر الشهور

نرفض احتفالات «الفوم» ونرفض ان يكون رمز اعيادنا الوطنية صورا لأطفال يحملون علم الكويت في يد والفوم في اليد الأخرى، ان ندرة الفرح وقلة الاحتفالات في البلد على مدار العام هي التي تتسبب في ذلك الانفلات غير الحضاري حالنا حال من تربط يداه وقدماه 11 شهرا في السنة ثم يترك له المجال بعد ذلك للانطلاق فتجده يجري وينط ويسقط فرحا بفك قيده، اجعلوا شهور العام كلها فبراير وستختفي ظاهرة «الفوم» والمخالفات والتجاوزات إلا ما ندر.

شكوى مريرة من صديق اقتصادي مخضرم شديد الاحتراف يرى ضمنها ان بعض الشركات المساهمة تنهب وتضرب ضرب غرائب الابل دون ان يكون لوزارة التجارة دور فيما يجري مستشهدا بمقولة مدير ادارة الشركات في الوزارة داود السابج لجريدة «الأنباء» أمس: إن دور الوزارة هو «ضيف شرف» لغياب التشريعات الصارمة، ويرى الصديق ان هناك تلاعبات تتم في سجلات المساهمين وفي الحضور وفي ميزانيات الشركات لصالح بعض الادارات المتلاعبة ويستغرب من ان وزارة التجارة التي تمنح التصاريح للشركات لا تملك حق مراقبتها في وقت يجب ان تختص ادارة الشركات ـ لا المحاكم ـ بشرعية الجمعيات العمومية وقراراتها، ولنا عودة لاحقة للموضوع.

وشكوى مريرة من رئيس جمعية تعاونية أشهد له بالكفاءة والأمانة الشديدة يرى ان قانون الجمعيات الجديد به كثير من الايجابيات الا ان به سلبيات قد تقضي على تلك الايجابيات حيث ان تحديد وتقصير مدة بقاء مجالس الادارات قد يعني وجود ادارات جديدة للجمعيات طوال الوقت لا تملك الخبرة اللازمة مما سيفتح المجال للادارات التنفيذية للعب والتجاوز الشديد على اموال المساهمين، ويطلب ضمان وجود خبرات في مجالس الادارات.

وقوف بعض النواب بشكل مسبق مع أو ضد أي قضية (استجواب أو غيره) يحسب عليهم لا لهم حيث ان الحكم العادل يتم بعد المداولة أما الحكم الجائر القائم على الأهواء فيصدر قبلها، في كل قضية تطرح اسمعوا وأنصتوا وحكّموا ضمائركم ثم أعلنوا احكامكم للتاريخ وللأجيال المقبلة كي لا نخلق اعرافا لم يشهد لها العالم مثيلا تمزق ما تبقى من ثوب ديموقراطيتنا الذي ملأته ممارستنا السالبة ثقوبا حتى لم يبق منه ما يستر العورة.

آخر محطة:

(1) رغم ما يرفعه الاشتراكي ونصير الضعفاء والفقراء (!) مصطفى بكري من شعارات فضفاضة لا يؤمن شخصيا بها بدلالة «البزنس» المتضخم الخاص به وما يصرفه من مبالغ باهظة على صحيفته وحملاته الانتخابية، الا انه في النهاية قلم يمكن استقطابه بدلا من تركه يعتاش على مليارات أبناء صدام (المتباكي عليهم) المنهوبة من دماء الشعب العراقي.

(2) وكانت «حلوة» من بكري استباقه للزمن وإعلانه كذبة اول ابريل في نهاية فبراير عبر حكاية فقر وضنك عيش عائلة وأيتام صدام.. وهو بالطبع واحد منهم!

(3) اشكالية ومظلمة العرب الحقيقية ليست في قلة «الدكر» منهم كما ذكر بكري، بل بوفرة من جعلوا انفسهم حظايا ونساء وأيتاماً للطغاة ولـ «الدكور» الزائفين منهم، «دكر» ويختبئ كالفأر في الغار، ماذا لو كان غير ذلك؟!

احمد الصراف

مخيرق.. اليهودي الشهيد

لفت صديق نظري لمقال كتبه أحد الكارهين لكل جميل في الحياة تعلق بحادثة القبض على أحد اليهود في دولة عربية في بداية خمسينات القرن الماضي، بتهمة مساعدة اسرائيل، وكيف حكم عليه بالاعدام، وتم تنفيذ الحكم في ساحة امتلأت بعشرة آلاف «فضولي»! ويبدو ان صاحبنا نسي ان حادث سير في اي ساحة من مدننا يمكن ان يجذب الآلاف لوفرة اعداد العاطلين عن العمل والفضوليين في كل شارع وحي.
***
يقول د. مقتدر خان (*) ان هناك الكثير من القصص التي يتجنب ائمة مساجدنا التطرق اليها في خطب الجمعة، ومنها قصة «مخيرق»، اليهودي وراباي المدينة المنورة.
كان مخيرق من اغنياء المدينة، وكان زعيم قبيلة «ثعلبة» وشارك في عام 625 ميلادية في معركة «أحد» الى جانب المسلمين. وقد طلب مخيرق من قومه الانضمام اليه في الحرب، ولكنهم رفضوا لكون اليوم سبتا، وهم لا يقومون بشيء في ذلك اليوم، فلعنهم مخيرق لعدم فهمهم لمعنى «السباث»، وأوصى بثروته، ان قتل، ان تذهب بكاملها للرسول. وعندما نشبت المعركة كان مخيرق من اوائل «شهدائها»، وعندما سمع الرسول بموته، بعد ان تعافى من اصاباته البليغة، قال ما معناه انه كان افضل اليهود.
انتقلت تركة «مخيرق» للرسول وتضمنت سبعة بساتين، وثروات اخرى، وشكلت نواة اول وقف في الاسلام، وساهمت تلك الثروة، حسب قول «مقتدر خان» في التخفيف من عوز الكثيرين في المدينة.
***
ان مثل هذه القصص لا يميل لسماعها او التحدث عنها الكثير من الدعاة ورجال الدين والمتاجرين فيه، من كتاب وغيرهم، لانها ببساطة تشكل خطرا على مكانتهم وقوت يومهم. فتجارة الكثير من هؤلاء تعتمد على بث الفرقة بين المسلمين وغيرهم، وتكريس كراهية الآخر وبث الاعتقاد بان جميع اليهود مجرمون وغيرهم سفلة منحطون وان من صميم اهداف هؤلاء الاساءة لنا ولديننا والعمل على افنائنا!
(*) مقتدر خان، استاذ الدراسات الاسلامية في جامعة ديلاور في اميركا.

أحمد الصراف