احمد الصراف

هذه هي الحياة

قرأت طرفة في مجلة العربي قبل نصف قرن، وعلى الرغم من إنها أعجبتني في وقتها وحفظتها، فإنني لم افكر يوما في تطبيقاتها! تقول الطرفة إن جمعا من الرجال التقوا بصبي اعرابي اشتهر بذكائه فقالوا له: هل تعطينا عقلك وتأخذ مقابله ألف دينار؟ ففكر الصبي مليا وهز رأسه رافضا العرض المغري! فسألوه عن السبب فقال: اخاف ان تذهب قلة عقلي بألف دينار، فأبقى بلا عقل ولا ألف دينار!
قررت في شهر مايو الماضي مرافقة صديق لمنتجع صحي في ألمانيا لمحاولة فقد بعض ما تراكم على جسدنا الطاهر من شحوم على مدى عقود عدة، بعد ثلاثة اسابيع وصرف عشرة آلاف يورو نجحت في التخلص من ستة كيلو غرامات، ولكن فرحتي لم تستمر طويلا بعد ان تبين لي أنني فقدت ما سبق وان صرفت آلاف اليوروهات على الطعام والشراب لكسبه من وزن!
المهم بعدها قمت بمرافقة بعض من عائلتي في رحلة طويلة لأميركا، وهناك، وخلال أسابيع معدودة، وتناول ما لا لذ ولا طاب من أكل أميركي «جنك»، استعدت «بكل جدارة واستحقاق» كل ما فقدته من وزن في ألمانيا، وايضا بعد صرف آلاف الدولارات على الطعام والشراب، وكأنني يا «أبو زيت» لا رحت ولا جيت!
وهنا تذكرت قصة أخرى من أيام الطفولة ايضا عن ذلك الثعلب الذي اراد دخول بستان عنب من خلال فتحة صغيرة في جداره، ولكن بطنه المنتفخ منعه من ذلك، فمكث بجانب الفتحة حتى شعر بالجوع وزال الانتفاخ وتمكن من دخول البستان، وهناك التهم كمية كبيرة من العنب وعندما اراد الخروج منعه انتفاخ بطنه من المرور من الفتحة نفسها فمكث بجانبها حتى زالت الاعراض فخرج من الفتحة جائعاً كما دخل جائعا، ولكن دون ان يدفع يورو أو دولارا واحداً.

أحمد الصراف

احمد الصراف

«حزب الله».. والمسيحي!

عندما أنظر الى مساهمة اللبناني الفرد في التراث الثقافي والفني والإنساني، محليا وعالميا، بخلاف منجزات، وأيضا كأفراد، في عالم المال والأعمال، أجد أن هناك طغياناً للمسيحيين بينهم مقارنة بغيرهم! أكتب ذلك بمناسبة انتخاب الروائي اللبناني الفرنسي أمين معلوف عضوا في الأكاديمية الفرنسية، وهي الهيئة الثقافية الأكثر رفعة في العالم، إضافة إلى حالات كثيرة مماثلة سبقتها في أكثر من مجال، مثل ادوار خراط ود. مدور والأخطل الصغير وشارل مالك، وتوفيق الهبري ومايكل دبغي، هذا غير دور جبران خليل جبران، الأميركي – اللبناني، في الثقافة الأميركية والعالمية بالتالي. ولكون غالبية هؤلاء من المسيحيين لم يأت مصادفة أو عبثا، فقد كان لمؤسسات العلم والثقافة الحرة، التي نهل منها هؤلاء، وبالذات من المؤسسات التعليمية العريقة، الدور الأكبر في تنشئتهم وتهيئتهم للعالمية، حدث ويحدث ذلك في الوقت الذي انشغلت فيه قوى و«زعامات» الأطراف الأخرى، بأمور أبعد ما تكون عن العلم والتعليم الجاد والمثمر.
أكتب ذلك تعليقا على ملاحظة أوردتها صديقة لبنانية بخصوص ما ابديته من آراء عن «حزب الله»، حيث ذكرت بأن مصالح شيعة لبنان ستتأثر كثيرا، إن تخلى الحزب عن سلاحه، وان مصير الشيعة سيكون مظلما وقتها، وسيتكالب عليهم أعداؤهم وتضعف شوكتهم!
قد يكون في كلام صديقتنا الكثير من الصحة، وقد يتعرض الشيعة للاضطهاد وربما لأكثر من ذلك، في حال فقد الحزب سلاحه، ولكن هذا سبب واهٍ لاستمرار الحزب في تحدي الدولة والتهديد بشل الحياة السياسية والاقتصادية إن لم تلب الحكومة، بين الفترة والأخرى، مطالبه، هذا إضافة إلى أن هذا الخوف من تعرض مصالحهم ومكانتهم للخطر لم يأت من فراغ، فهناك من أجج العداوة بين الشيعة وغيرهم، وأشعرهم بأنهم بغير سلاح الحزب سيكونون عرضة للاهانة، وبما أن هذا السلاح لا يمكن أن يستمر للأبد في يد الحزب، فما الذي سيحدث ان اضطر مستقبلا، لأي سبب كان، للتخلي عنه؟
ومن جانب آخر، نرى أن محاولات بعض «المتمولين» من المسلمين تجسير أو تضييق، الهوة التعليمية والثقافية بينهم وبين المسيحيين، من خلال خلق كيانات تعليمية جامعية، ستكون محاولات لن تزيد على كونها مراكز تفريخ «خريجين»، إن لم تلتزم هذه المؤسسات بمبادئ حرية البحث والدرس الكاملين، من دون قيود دينية مذهبية أو عرقية، فقد خسر لبنان، والشيعة بالذات والمسلمون بشكل عام، ما يكفي نتيجة عدم اكتراث الزعامات والسياسيين المسلمين، في المائة سنة الأخيرة، ببناء صروح تعليمية تنافس غيرها علميا، وفشل «حزب الله» في هذا المجال أكبر من غيره، على الرغم من كم المبالغ الهائلة التي «سالت» بين ايديه خلال العقود الثلاثة الماضية على الأقل، ولا يزال الجنوب ومناطق بعلبك وغيرها تعاني نقصا مخيفا في الخدمات التعليمية والطبية والثقافية العالية. وأخيرا من الضروري التخلي عن «مبدأ» ربط رفاهية وسلامة الشيعي اللبناني باستمرار وجود فوهة «الكلاشن» في خاصرة الطرف الآخر، فهذا «الكلشن» سيصدأ يوما ويصبح غير ذي قيمة، فمن سيحمي اللبناني الشيعي وقتها غير ما يمكن أن يمثله من ثقل ثقافي واقتصادي وعلمي ناتج عن مؤسسات تعليمية عالية الأهمية؟!

أحمد الصراف

احمد الصراف

الكلب.. والوهم الأصغر

هناك عداء مستحكَم ضمن سطور تقاليدنا وتراثنا وتصرفاتنا لكل ما له صلة بالكلب، الذي يكاد يكون الحيوان المستأنَس الوحيد الذي يعتبر «نجساً»، إضافة إلى الخنزير المظلوم أيضا. ولو قارنا وضع بقية الحيوانات المستأنسة لوجدناها أقل فائدة وأكثر قذارة وضررا من الكلب والخنزير، ومع هذا لا نشعر نحوها بالعداء نفسه، فالخنزير، الأقرب في تركيبة جيناته للإنسان، وأجزاء منه تحتل مكانها المشرف في أجساد عشرات ملايين البشر، ومنهم مرضى مسلمون، هو الذي يُستخدَم اسمه عندما نود إهانة الآخر، وكذا مع الكلب، ولكننا في الوقت نفسه لا نشتم أحدا بوصفه بقط أو جحش، والذي يُطلق على الصغار أحيانا.. تحببا، علما بشبه انعدام فائدة هذين الحيوانين وغيرهما من حياتنا، عدا البقرة ربما! كما يستنكف الكثيرون وجود الكلب بينهم، دع عنك لمسه أو اللعب معه. ويعتقد آخرون، كما ورد في كتاب طبعه النائب خالد السلطان على نفقته في بداية تشدده في السبعينات، أن الكلب الأسود بالذات يُبطل الصلاة إن مر أمام من يصلي! علما بأن أبحاثا علمية جديدة كشفت أن الكلب هو الحيوان الوحيد، إضافة إلى الخنزير، الذي تتعاظم أهميته في حياتنا يوما بعد يوم، بصرف النظر عن لونه، حيث ينصح الذين يعانون الوحدة، أو من يعيشون في مناطق نائية باقتنائه. كما أن له دوره المهم في كشف بعض الجرائم وتهريب المخدرات والكشف عن القنابل. أما دوره في مساعدة آلاف المرضى فهو في تعاظم مستمر، فقد تمكن العلماء، بمساعدة مدربي كلاب متمرسين، من الاستفادة من قوة الشم لدى الكلب، والتي تعادل مائة ضعف ما لدى الإنسان العادي، من الاستدلال أو التعرف على بعض الأمراض قبل وقوعها أو استفحالها، وذلك من خلال تعرف الكلب على التغيرات الكيماوية التي تحدث داخل جسم الإنسان نتيجة إصابته بمرض ما والقيام بإنذاره بطريقة ما بتلك التغيرات ليتمكن من أخذ الاحتياطات أو الأدوية، أو اجراء الفحوصات في الوقت المناسب. كما أن بإمكان بعض الكلاب التعرف مبكرا على إصابة شخص ببعض أنواع السرطان من رائحة بوله. كما يعتمد الكثير من المصابين بمرض السكر على كلابهم في لفت نظرهم لارتفاع او انخفاض نسبة السكر لديهم. وكل هذه المزايا «الكلبية» شجّعت مرضى عديدين على مغادرة بيوتهم، والعيش بطريقة طبيعية، بعد أن اطمأنوا إلى أن كلابهم ستكون بجانبهم لمساعدتهم وقت الحاجة. وللمهتمين في هذا الموضوع الرجوع للإنترنت للحصول على مواصفات وعناوين مثل هذا النوع من الكلاب.
والآن، كم هو مقدار ما لدينا من أفكار ومعتقدات تحتاج لإعادة النظر؟ لقد عاش الإنسان ملايين السنين وهو يعتقد بأن الأرض مسطحة، وعاش أقل من ذلك وهو يعتقد بأنها مركز الكون، وفجأة جاء من ينسف كل ذلك بكشف عظيم، ولكننا «تواقحنا» وأصررنا على التمسك بسابق اعتقادنا الى أن عجزنا، ولم يكن أمامنا غير الإقرار بصحة تلك الاكتشافات، ولكن بعد 400 عام من التياسة.. نسبة الى التيس!

أحمد الصراف

مبارك الدويلة

الغرب يغذي «القاعدة»

عندما أراقب مواقف الدول الغربية من بعض قضايا الساعة مثل الثورات العربية ودعمها وتأييدها سياسيا أحيانا وعسكريا أحيانا أخرى أقول ان الدنيا بخير.. وان العالم الغربي رجع الى رشده وأصبح يتعامل مع القضايا وفقا للمبادئ وليس وفقا للمصالح.
لكن سرعان ما يخيب ظني وأنا أرى هذه المبادئ تتكسر كلما كانت القضية الفلسطينية طرفا في الموضوع. خذ مثلا دولة جنوب السودان.. تم الاعتراف فيها من قبل المجتمع الغربي خلال 12 ساعة من اعلان استقلالها، وكلنا يعرف الضرر الذي أصاب اكبر دولة عربية عندما انفصل ثلثها الغني عنها وترك لها الصحراء والأمراض والفقر. وبالمقابل تهدد أميركا السلطة الفلسطينية اذا ما فكرت في التقدم للامم المتحدة للاعتراف بالدولة الفلسطينية وفقا لاتفاقيات السلام!
كنا نظن أن هذا الغرب أخذ درسا واتعظ من نشوء التطرف الاسلامي في العالم العربي نتيجة الكيل الغربي بمكيالين تجاه قضايا العرب وأمة الاسلام. ففي الوقت الذي يدعم أمن اسرائيل ويلغي مبادئ العدالة والانسانية من قاموسه يطالب الغرب الأنظمة باحترام حقوق الانسان ويسمح لاسرائيل بالعربدة كيف ما تشاء في قطاع غزة!
نشأ «القاعدة» وترعرعت مبادئه في هذه الأجواء السياسية التي أوجدتها ممارسة أميركا وأوروبا لسياسات عرجاء برجل واحدة وعوراء بعين واحدة في الشرق الأوسط. وان كانت تظن أنها نجحت في اضعافه والنيل من قدراته، فان استمرار هذه السياسات الخرقاء سيكون الوقود الذي يحيي معاني الجهاد، وفقا لمفاهيم «القاعدة»، في نفوس الشباب اليائس والمحبط.
النتيجة النهائية لمشاهدات عشر سنوات مضت ان السياسة لا مبادئ فيها ولا أخلاق لها وفقا للمفهوم الأميركي الأوروبي.
****
عندما تحصل على جنسية كويتية بالتأسيس وأنت وافد للكويت في عام 1948 ومقطوع من شجرة هنا يحق لنا أن نطالب بسحب الجنسية لأنك حصلت عليها بالتزوير! وهذا ليس له علاقة عندما نتحدث عن حقوق مدنية «للبدون» ونعترض على حرمانهم منها لأن أصولهم عراقية!! فرق واضح لكن تبي من يفهم أو من يحب أن يفهم!!

حسن العيسى

كلام مأخوذ خيره

كأن الحكومة تخاطب نواب المجلس، وخصوصاً نواب الاستهلاك، حين كلفت لجنة التخطيط والتنمية «العمل على تحديث الدراسات الكفيلة بإصلاح الوضع الاقتصادي»، ثم استمع مجلس الوزراء إلى شرح من محافظ البنك المركزي عن الأوضاع الاقتصادية العالمية (وهي في أزمة كبيرة)، واثر المصروفات في بند الرواتب والأجور، وهو يكاد يستغرق مورد النفط… إلخ. 
الحكومة تصرح وكأن كلامها جديد علينا ولم نشبع ونسأم منه منذ زمن طويل! شروح محافظ البنك المركزي وتحذيراته ستدخل من الأذن اليمنى للحكومة وتخرج من الأذن اليسرى، أما الدراسات التي كلف بها المجلس الأعلى للتخطيط فأبصم أنها ستوضع على أرفف النسيان، وسيعلوها الغبار بارتفاع شبر…! إذن، لأجل مَن هذا الخطاب يا حكومة؟ لنواب الصرف أم لأجل ذاتك كتكفير عن عقدة ذنب كبيرة منك حين تراخيت في مواجهة الاستهلاك الريعي والفساد، أم أن هذا الخطاب من أجل الاستهلاك السياسي لا أكثر؟ أرجح الجواب الأخير.
فالحكومات المتعاقبة، وليس حكومات الشيخ ناصر المحمد كي نكون منصفين، هي التي خلقت هؤلاء النواب والجمهور الذي انتخبهم منذ البداية، الكارثة كانت أبعد من البقاشيش السياسية لما بعد التحرير مباشرة (خمسمئة دينار للصامدين، وفتح الأبواب للعمالة الأجنبية رغم أن الصامدين أظهروا معدنهم الصلب في الاعتماد على الذات أيام الاحتلال)، وامتدت سياسة التسكيت وشراء الولاءات حتى هذه اللحظة، فكان يكفي أن يطالب أي نائب، ولو كان وحيداً، بأي مطلب يثقل كاهل الميزانية ويدمر روح المساهمة الوطنية في الواجب العام حتى تبادر الحكومة بالبصم عليه، والحساب عليكم من إسقاط فواتير الكهرباء والماء حتى صرف الألف دينار لكل مواطن، وتكفل الدولة «بماجلة» البيت لأربعة عشر شهراً، والسطور لن تتسع لعدد مناسبات الرشوة السياسية للمواطنين سواء جاءت بتشريع ملزم أم بالصرف من تحت الطاولة لمن أحبتهم عين الحكومة فلم يضمهم الدهر! 
كانت الحكومات تصرف وتنفق بلا حساب ومن غير عمل مقابل للمواطن، ليس من أجل عيون هذا المواطن، بل كي يتم تخدير وعيه وتربية روح اللامبالاة في قضايا الإنفاق العام، فكأن الحكومات تقول له «خذ المعلوم وصهين…» ونجحت السلطة إلى حد كبير في سياسة تربية روح الإنفاق والتواكل للمواطنين، لكن على حساب المستقبل والجيل القادم الذي سيواجه المجهول، الحكومة اليوم لن تستطيع الرد على أي نائب يتكلم بحق أو باطل عن حاجات أو (تدليع) فئة من الشعب، فبيت الحكومة من زجاج، ويسهل على هذا النائب أن يرد بمطولات عن قضايا الفساد الحكومي، وكيف تمالئ السلطة هذه الجماعة أو تلك من المتنفذين… فلماذا يكون حلالاً على الكبار حراماً على الصغار! منطق بسيط ولكنه يصيب بيت الحكومة الزجاجي بسهولة… والحل لن يكون بغير العودة السلطوية إلى سياسة التسكيت وشراء الصمت ولو كانت الدولة على شفا الإفلاس. في النهاية أعتقد جازماً أن هذه الحكومة غير قادرة على الإصلاح الاقتصادي والإصلاح السياسي، فقبل كل ذلك يفترض أن يكون لديها منهج ورؤية لإصلاح اجتماعي أولاً، وهذا يتطلب إصلاح الفرد بالتعليم الجيد وخلق روح المبادرة والإبداع بالتشجيع، وأن يكون ولاة الأمر قدوة حسنة له، وهذا محل شك كبير.

احمد الصراف

برونو والوهم الأكبر

لا تختلف طريقة تفكير أو تعامل مجتمعاتنا اليوم مع العلم والعلماء عن طريقة تفكير أوروبا قبل 400 عام أو أكثر! فعندما جاهر الفيلسوف الإيطالي جيوردانو برونو (1600/1548)، برأيه في أن الشمس نجم كغيرها من النجوم، وأن هناك عوالم أخرى متعددة في الفضاء، مكملا مسيرة كوبرنيكوس، كان ذلك كافيا لأن تعتبره الكنيسة كافرا وتأمر بسجنه. وعندما أصر على آرائه بعد 6 سنوات من الحبس، قطعت الكنيسة لسانه وقتلته حرقا! جاء بعده العالم الرياضي والفلكي غاليليو غاليلي، ولم تزل أوروبا غارقة في أفكار وتقاليد عصور الظلام والإيمان بأن الأرض مركز الكون وأن النجوم والكواكب، بما فيها الشمس، تدور حول الأرض، وتوصل لاكتشافات فضائية خارقة تخالف ما جاء في الكتب الدينية المسيحية، ولكن المصير الذي لقيه برونو منعه من الجهر بها. وقد توصل لاكتشافاته بفضل توصله لاختراع التلسكوب الذي مكنه من قلب كل النظريات التقليدية القديمة، وتأكيد أفكار كوبرنيكوس عن النظام الشمسي. وقد تجرأ في عام 1632 ونشر آراءه العلمية وكان ذلك كافيا لأن تنقلب عليه الكنيسة بعد أن بين الصورة الحقيقية وراء ذلك المظهر الخادع والسطحي للأشياء الذي تريد الكنيسة التغطية عليه، وخاصة عندما ذكر بأن ما ورد في الكتاب المقدس عن مركزية الأرض يجب ألا يؤخذ به، فقد كان ذلك كافيا لأن تستدعيه محاكم التفتيش وتصدر بحقه أحكاما قاسية، وكان وقتها قد أصبح طاعنا في السن متعبا تلاحقه الأمراض والأوجاع، ولكن الكنيسة نجحت في إجباره على تغيير آرائه، وانتهى مغضوبا عليه، بالرغم من تخفيف الأحكام عنه، وتوفي عام 1642 بعد أن فقد بصره، وأنكروا عليه حتى دفنا لائقا. المهم هنا أن الكنيسة الكاثوليكية في روما اصدرت في عام 1992، أي بعد 400 عام عفوا عنه، واعترفت بصحة ما توصل إليه وبخطأ ما ورد في كتب اللاهوت عن مركزية الأرض وغير ذلك.
والآن، لو قارنا كم الوهم الذي أغرقنا «علماؤنا» فيه على مدى قرون، وكم الوهم الذي لا نزال نعيش فيه نتيجة مختلف المسلمات الخاطئة، فهل لدى أي جهة الجرأة على الاعتراف بذلك والاستعداد للتخلي عن هذه الأوهام؟ لا أعتقد ذلك، فالأرض، برأي علمائنا، لا تزال مسطحة وهي مركز الكون، وستبقى كذلك!

أحمد الصراف

علي محمود خاجه

اختبار ذاتي

• هل تعتقد أن النفط الكويتي لن يكون قادرا على تسديد مصاريف الكويت في الأعوام العشرة المقبلة؟
• هل تعتقد أنك لن تأخذ حقك إن علا شأن خصمك أو سطوته في البلد؟
• هل تعتقد أن التعليم في الكويت بشكله الحالي لن يقود أجيال المستقبل إلى صنع مستقبل أفضل؟
• هل تعتقد أن القضاء الكويتي غير نزيه؟
• هل تعتقد أن كبار لصوص المال العام لا يحاسبون على سرقاتهم في الكويت؟
• هل تعتقد أن هناك الكثير من الكويتيين يسعون إلى إقصاء الآخر وأقصد بالآخر: “طائفة، عرق، قبيلة، عائلة، جنس”؟
• هل استخدمت أو ستستخدم “الواسطة” حتى إن كانت تتجاوز القانون؟
• هل استخدمت أو لا مانع لديك من استخدام العذر الطبي لتفادي الذهاب إلى عملك حتى إن لم تكن مريضا؟
• هل تعتقد أن الوضع الصحي في الكويت سيئ ولا تلوح هناك أي حلول على المدى القريب؟
• هل تعتقد أن الوافدين في الكويت يفوقون احتياج الكويت الفعلي؟
• هل تعتقد أن الكفاءة غير مدرجة في لائحة معايير الدولة للحصول على المنصب أو المسؤولية؟
• هل تعتقد أن الفن في الكويت أصبح متدنيا وقريبا من الإسفاف؟
• هل أنت نادم على اختيارك لمن يمثلك في مجلس الأمة؟
• هل تعتقد أن الحكومة الحالية سيئة؟
• هل تجد أن هناك تعديا على حرية الاعتقاد في الكويت؟
• هل تؤمن بأن الفرد الكويتي العادي لم يعد قادرا على توفير متطلبات الحياة الأساسية كالسكن الخاص به؟
• هل تجد أن الكويت متكاملة الموارد المالية والبشرية ولكنها تسير إلى الخلف؟
• هل تعتقد أن إيقاف نشاط الكويت الرياضي دوليا هو صنيعة كويتية؟
• هل تجد أن رواتب المواطنين الكويتيين بعد الكوادر والزيادات غير مستحقة؟
• هل تعتقد أن مطلب إسقاط القروض هو مكافأة غير مستحقة؟

طرحت عشرين تساؤلا عن مختلف قطاعات الدولة، فإن كانت إجاباتك بـ”نعم” تتراوح بين الـ5-10 إجابات فالكويت في مشكلة بنظرك، وإن كانت الإجابات بـ”نعم” بين الـ11-15 فالوطن في مصيبة بنظرك، أما إن زادت إجاباتك بـ”نعم” على الـ15 إجابة فالكويت تسير إلى الهاوية بسرعة قصوى، وكل ما يلزم في جميع الحالات حتى إن كنت قد أجبت بـ”نعم” واحدة فقط هو العمل من أجلها لبقائها وبقائنا مكرمين ومعززين.

احمد الصراف

هل سيكون عبدالوهاب مارشالنا؟

حاجة الكويت لمشروع مماثل لــ«خطة مارشال» لا تقل عن حاجة أوروبا لها قبل 60 عاما، وذلك، كما سبق وذكرنا، بسبب الوضع المتردي الذي وصلت إليه الأوضاع الاقتصادية والإدارية في البلاد وعجز أجهزة الدولة شبه التام في الاستفادة من الفوائض المالية. وبالتالي يمكن النظر لاختيار السيد عبدالوهاب الهارون، لإدارة ملف الخطة كأمل أخير، فقدرات الرجل وخبراته تجعله واحدا من اكثر المؤهلين للمهمة، ولكن حجم التحديات التي تواجهه ليست بالهينة، كما أنه يعلم بأن المشكلة لم تكن يوما في الأشخاص بقدر ما كانت ولا تزال في النهج! يمكن القول إن الوزير الجديد تواجهه جملة تحديات منها: أولا: صعوبة ضمان الدعم غير المشروط والسريع من جميع الفرقاء الحكوميين للمتطلبات اللوجستية للخطة، ثانيا: القيود الإدارية المعيقة لإطلاق يد الوزير في إصلاح جهاز وزارة التنمية والتخطيط. فقد أهمل هذا المرفق طوال عقود، وحالة الاحباط التي تسود كل قطاعاته، نتيجة التعيينات العشوائية في أجهزته، أمر لا يمكن تجاهله! ثالثا: نقص التشريعات واللوائح والقرارات الوزارية المتعلقة بتنفيذ سياسات الخطة وأهدافها. رابعا: صعوبة متابعة برامج خطة التنمية، لاسيما تلك المتعلقة برفع مستوى التعليم والخدمات الطبية والتنمية الإدارية، ومستوى عطاء الموظف، والموازنة بين التوظيف في سوقي العمل الخاص والعام، ومعالجة الاختلال الحاصل في التركيبة السكانية، وتنفيذ كل ذلك ضمن فترة قصيرة نسبيا، وهي الحيوية لضمان نجاح الخطة. خامسا: ضرورة إعادة النظر في القوانين المعيقة للتنمية كالـ «بي. أو. تي»، وقانون الشركات، وقانون تشجيع المستثمر المحلي والأجنبي.
على الرغم من صعوبة مثل هذه التحديات فانه ليس من المستحيل التغلب عليها شريطة توافر عاملين اثنين:
أولا: الوقت، ليس هناك ضمان بأن السيد الهارون سيستمر وزيرا للتنمية للسنوات الأربع المقبلة، وهي الفترة المطلوبة لظهور أولى نتائج تطبيع الخطة، وقدوم غيره قد يعيد الأمور للمربع الأول.
ثانيا: دعم السلطة، وليس الحكومة فقط، غير المحدود للوزير لتجنيبه، قدر الإمكان، الخضوع للضغوط النيابية فيما يتعلق بالتعيينات، فبغير ذلك ستفشل الخطة لا محالة.
هنا نعتقد أن الوزير الهارون سيدخل تاريخ الكويت السياسي إما كأسرع الوزراء استقالة، أو أن يصبح اسمه مقترنا إلى الأبد بأكثر خطط التنمية طموحا في تاريخ الكويت!

أحمد الصراف

احمد الصراف

مارشال أميركا

قامت أميركا بعد الحرب العالمية الثانية، ومن خلال «خطة مارشال»، نسبة لجورج مارشال – وزير خارجية أميركا وقتها – بتقديم أكبر برنامج مساعدات لإعادة بناء أوروبا، بلغت ميزانيتها 13 مليار دولار واستغرق تنفيذ برنامج الخطة 4 سنوات.
ولو نظرنا، بعد أكثر من 60 عاما لفلسفة الخطة، التي كانت احد اهدافها وقف التمدد السوفيتي في أوروبا الغربية، لوجدنا أنها تتطابق في الكثير من أوجهها مع خطة التنمية في الكويت، من حيث تركيزها على المستقبل، بدلا من إصلاح ما خلفته الحرب من دمار، وذلك عن طريق تحديث الصناعات وتطوير اساليب العمل باستخدام افضل التقنيات الاميركية، وإزالة العوائق الإدارية والقانونية أمام مختلف الأنشطة، وبث روح الأمل في شعوب المنطقة بتوقع مستقبل زاهر. وتبين بعد انتهاء تنفيذ الخطة عام 1952 أن النتائج تخطت التوقعات بكثير، وتمتعت أوروبا الغربية بعدها بازدهار غير مسبوق لا يزال مستمرا حتى اليوم.
ولو نظرنا الى أوضاعنا في الكويت لمرحلة ما بعد الغزو والاحتلال لوجدنا أننا ساهمنا جميعا في تحطيم كل مقومات النهضة في وطننا من خلال صراعات نوابنا وتلكؤ حكوماتنا وتردد قراراتنا بشكل عام، بحيث وصلنا الى مرحلة نحن في أمس الحاجة فيها الى برنامج نهضوي جريء كــ «خطة مارشال»، أو «خطة الهارون»، نسبة لوزير التنمية الجديد عبدالوهاب الهارون، للنهوض بالوطن من الوضع المخجل الذي نحن فيه بسبب تعطل المشاريع وتخلف الأنظمة وغياب القوانين وتعطل تطبيق الموجود منها وترهل الإدارة الحكومية والنقص المخيف في الخدمات الأساسية وحاجة البنية التحتية الماسة للتطوير وضرورة تنمية الموارد البشرية وخلق عشرات آلاف الوظائف، وإحلال العمالة الوطنية في مختلف القطاعات، والإيمان بان الاستقرار الاقتصادي سيؤدي حتما الى الاستقرار السياسي.
وإلى مقال الغد.

أحمد الصراف

حسن العيسى

كيف نحتفل باليوبيل الذهبي للدستور؟

حتى يكون الاحتفال بمرور خمسين عاماً على الدستور متناسباً مع رغبة سمو أمير البلاد لابد أن تتجاوز هذه المناسبة الشكل الاحتفالي الذي يتمثل عادة في البهرجة الإعلامية، كما يتجسد في خطابات المسؤولين الوعظية التي تذكرنا بنعم الدولة علينا وإنجازات الحكومة الكبرى من أجل رفاهية وراحة المواطنين، ثم يتعالى هذا الشكل الاحتفالي ليصل إلى خواء المهرجانات والأغاني الوطنية و»اللمبات» الملونة التي تزين المباني الحكومية لنتوه بهذا المكياج الرسمي المتأصل في عادات الدولة وتقاليدها الحكومية.
تجاوز هذا «المكياج» الرسمي أصبح اليوم ضرورة بعد التغيرات التي تعصف بالمنطقة لنصل إلى العمق والمضمون الدستوريين في ذكرى الدستور «الذهبية»، التي أضحى معها الدستور بعد خمسين عاماً معدناً صدئاً ومجرد «تنك» يلمع من غير روح تنبض بالحياة وتنمو وتكبر مع الزمن، فاليوم نحتفل بالذكرى الذهبية ونأسى على الأيام الذهبية لهذا الدستور وهذه الدولة. تلك الأيام التي ولت إلى غير رجعة، الأيام الذهبية كانت سنوات الستينيات من القرن الماضي، وهي أيام ولادة دستور والسنوات القليلة التي تبعتها، ولم يمض وقت طويل حتى بدأ يظهر تململ «شيوخنا» من الدستور وأحكامه، فكان تزوير الانتخابات البرلمانية في النصف الثاني من الستينيات، وبعدها كانت سنين أو شهور المجلس محكومة برغبات التفرد بالسلطة، فإما أن يساير المجلس النيابي دولة الشيوخ أو الحل اللادستوري، وبعد التحرير حتى بداية الألفية الثانية وإن كفت السلطة الحاكمة عن هز عصي الحل غير الدستوري بوجه المجلس، وتقدمت بخطوة كبيرة نحو منح المرأة حقوقها الدستورية في الانتخابات والترشيح إلا أنها وقفت عند تلك الحدود متوهمة أن هذا هو كامل «الجسد» الدستوري ولا شيء بعده، فالدستور والديمقراطية في الفهم القاصر هما  صناديق انتخابات فقط، فالأحزاب السياسية ممنوعة وقانون التجمعات رغم إلغاء المحكمة الدستورية أهم مواده لكن الحكومة مازالت تسير تحت ظله، أما مشروع استقلال القضاء فتم وضعه بأدراج النسيان، وأهم من كل ذلك فإن حرية التعبير وبقية حريات الضمير تئن من وطأة وزارة «الحقيقة» ministry of  truth أي وزارة الإعلام بالتعبير «الأوريلي» (نسبة إلى جورج أوريل برواية ١٩٨٤)، فهذه الوزارة مع قوانين الجزاء والمطبوعات والنشر تحسب كل كلمة تنشر في المدونات الإلكترونية وتبحث عن أي سبب لخنق الرأي الناقد للسلطة، فهي بصورة أخرى وزارة مخابرات بلباس مدني، وهي سلطة نافذة «لتوصيل الطلبات» إلى السلطة الحاكمة، فأي ديمقراطية «دستورية» نتحدت عنها اليوم وهذه الوزارة وأسلحتها القانونية «الستينية» تشحذ سكاكينها لنحر المدونات والتويتر والفيس بوك أبناء ثورة الاتصالات!
أما على صعيد الحريات الفردية الخاصة فقد تدهورت ببركة القوى الرجعية التي رعتها السلطة في السنوات الماضية لحسبات داخلية كضرب اليساريين والقوميين، وخارجية تنفيذاً لرغبات العم سام بمحاربة الشيوعيين الكفار في أفغانستان، ثم أضحت تلك الجماعات أبشع صورة للإرهاب الدولي بعد أن كانت الطفل المدلل لدولنا والراعي الغربي.
دعونا نحتفل غداً باليوبيل الذهبي للدستور، تحقيقاً لرغبة أمير البلاد وأبناء الوطن، وليكن الاحتفال على مستوى المضمون لا الشكل.