حسن العيسى

في الذكرى العاشرة

إذا لم يكن تحرير الكويت عام 91 سبب انقلاب وحش «القاعدة» على خالقه «فرانكشتين» الأميركي، فقد كان المناسبة كي تعلن القاعدة عداءها لصانعها وحلفائه، وكانت جريمة 11 سبتمبر 2001 على مركز التجارة الدولية والبنتاغون في نيويورك أظهر تجليات العداء، فقد سبق تلك الجريمة البشعة محاولة تفجير مركز التجارة عام 93 والاعتداء على مدمرة سفن أميركية في اليمن «التعيس»، بعدها تمت محاولة تفجير  السفارة الأميركية بكينيا.
فقد أسامة بن لادن ما تبقى من عقله حين دخلت القوات الأميركية المملكة العربية السعودية، وتوهم بخبله الأصولي أن أقدام الجنود الأميركان ستدنس أرض الحرمين، وعرض أن يتولى تنظيمه من الأفغان العرب مهمة تحرير الكويت، ويمكننا أن نتصور حدوث التحرير، لكن بعد عشرة آلاف سنة من النضال مع جيوش أم المعارك.
يمكن عد جريمة 11 سبتمبر على أنها أبشع جرائم العصر الحديث حين لم يفرق الإرهابيون في أهدافهم بين المدنيين والعسكريين، فذبحهم كلهم «حلال» حسب الثقافة الدينية التي ترعرع عليها بن لادن ورفاقه، ووجد فيهم الغرب، أيام الحرب الباردة، أعظم أغبياء في التاريخ ليكونوا عونه ضد الملاحدة السوفيات الذين كانوا في أفغانستان بطلب من حكومتها في ذلك الوقت.
لم يكن في بشاعة تلك الجريمة وأكثر منها غير «هولوكوست» (المحرقة) لليهود في ألمانيا في الحرب الكونية الثانية، ثم تشريد الشعب الفلسطيني وطرده من أرضه من قبل ضحايا الأمس اليهود.
جريمة 11 سبتمبر مهدت الأرض لسيادة اليمين الجديد، فنهض رفاق الراحل «ريغان» مثل بيرل (أمير الظلام) وولفوتز وغيرهما ليعلنوا ما ينبغي أن تكون عليه السياسة الأميركية في تقسيم العالم إما معنا أو ضدنا، وإن ضرورات الحرب على الإرهاب تملي نشر مبادئ الديمقراطية ولو بالقوة، وكان العراق أرض التجربة الخصبة لها كما تصوروا!
ورسخت كونداليزا رايس سياسة التخلص من الأنظمة التسلطية ونشر الديمقراطية بدولنا، فهذا، عندها، أجدى للمصلحة الأميركية، لكن على أرض الواقع  ومع ارتفاع تكلفة تلك الحروب الممتدة في أفغانستان والعراق كان لابد، في ما بعد، من «تعديل» إخراج فيلم مذهب «نشر» الديمقراطية والحريات بما يتوافق طبعاً مع  المصالح  الغربية والأميركية، وهذا حكم السياسة وليس حكم الأخلاق والمبادئ  السامية.
ولم يعد ذلك الشعار القائل «طالما ظل أنبوب النفط يضخ فلا شأن لنا مع النظام الحاكم مطلقاً»، وإنما يصبح انتقائياً، فما لا يمكن السكوت عنه في ليبيا، يمكن غض الطرف عنه في أماكن أخرى في دولنا، وتم في ما بعد إدخال تعديلات على فلسفة مثلث الشيطان وأدبيات «لماذا يكرهوننا»، أو «ما على العرب غير لوم أنفسهم» وهو ما كتبه الأميركي اللبناني فؤاد عجمي.
ماذا سيكون عليه الحال بعد اليوم، الذي نشهد فيه ربيع العالم العربي وترافقه أزمة اقتصادية تجتاح أوروبا وأميركا تكاد تنفخ الروح في كارل ماركس، وليست مجرد دعوات لإحياء الكينزية في عدم ترك القطاع الخاص يفعل ما يشاء حين استغل وشوه فكر رب الاقتصاد الكلاسيكي آدم سميث؟
ليست هي تمردات وثورات «كرامة» فقط كما في دولنا العربية، وإنما هي شرارات افتقار الطبقة الوسطى وضريبة غالية تدفعها تلك الطبقة بينما «النخب» المالية تحيا في بحبوحة ورغد العيش! ماذا عنا في دول الخليج وماذا سنفعل غير تكرار عبارات مثل «وين رايحين المعازيب احنا وياهم» و»نحن بخير طالما أسعار ذهبنا الأسود بعافية وألف خير»؟!
11 سبتمبر 2001 قد يكون بداية لانقلاب تاريخي لا نعرف فك رموزه، فلنكن على حذر من الغد القادم، ولنخطط لأسوأ الفروض، فالأمور لا تسير دائما على البركة كما يتوهم الكبار.

احمد الصراف

الخوف من الظلام الإيراني (3-2)

لا أعرف من شعراء ايران الكبار غير سعدي وحافظ وفردوسي، وعمر الخيام. وبخلاف الأخير لا تتعدى معرفتي بالآخرين الاسم فقط، فلا شيء عن تاريخهم ولا اشعارهم ولا حتى اتجاهاتهم الفكرية، وبالأمس فقط، بسبب سياسة التجهيل بالآخر المتعمدة، وخصوصا «المختلف» عنا، اكتشفت أن في ايران شاعرا كبيرا، هو بهار، (1884-1951)، ويلقب بملك شعرائها، ويعتبره البعض بمنزلة شوقي أو المتنبي، عند العرب، وان بصورة عصرية، ومع هذا لم أسمع به في حياتي، و لم أعلم عنه شيئا، وهو الذي احتفلت بعض دول آسيا، السوفيتية السابقة، وليس ايران، بذكرى ميلاده الـ125!.
يعتبر بهار من سياسيي ايران الحديثة ومثقفيها، وله نصوص أجنبية ونشاط صحفي، وبالرغم من أنه عاش في القرن العشرين فان اشعاره تتسم بتقليدية واضحة. تتلمذ بهار على يد والده مجمد كاظم صبوري، رجل الدين والشاعر في بلاط مظفر الدين الذي منحه لقب «ملك الشعراء». كان بهار يتقن التحدث والكتابة بالعربية، وأتقن الفرنسية في سن مبكرة، وعندما كان في الـ 18، وهي السن التي تيتم فيها، تحول لرجل دين ووضع قصيدة مطولة بالفارسية أهداها لمظفر شاه فأعجب بها ومنحه لقب «ملك الشعراء» وهو لم يتجاوز الــ 19، ولكن مع بدء شرارة الثورة الدستورية (1906-1911) تخلى بهار عن لقبه ولحق بالثورة التي طالبت بالديموقراطية وببرلمان، وأصبح انشط أعضاء الثورة في مدينة مشهد، مسقط رأسه، التي أسس فيها صحيفتي خراسان وتازه بهار، وطالب من خلالهما باجراء اصلاحات سياسية وادارية شاملة وبدستور حديث، وعندما نجحت الثورة في مساعيها انتخب بهار لمرات عدة عضوا في البرلمان. وفي عام 1918، في عهد آخر ملوك الأسرة القاجارية، أعاد بهار تشكيل حياته وتخلى عن مهمته كرجل دين، وأصبح شخصا جديدا منفتحا، وساهم مع آخرين في الانفتاح على الأدب والثقافة الغربية. وفي عام 1934، افتتحت جامعة طهران، فأصبح استاذا للآداب فيها. وخلال حكم رضا شاه، والد آخر شاه لايران، عمل بهار لفترة وزيرا للثقافة والتعليم، واصيب بعدها بالسل ومات عن 67 عاما، بعد ان وضع بصماته الواضحة على الأدب والثقافة الايرانيين.

أحمد الصراف

مبارك الدويلة

حقيقة «ويكيليكس»

عندما نشرت وثائق «ويكيليكس» للمرة الاولى قلنا، نحن في الكويت، كما قال غيرنا إنها وثائق حقيقية نشرت فضائح الدول الاخرى واسرار انظمة حاكمة ومكالمات سرية. وقلنا حينها ان الاميركان تعمدوا نشرها لاحراج هذه الدول وللضغط على هذه الانظمة.
ولكن عندما نُشرت وثائق تتعلق بالكويت وبعض رجالها وساستها، تأكدت لنا حقيقة هذه الوثائق! حيث تبين انها تقارير استخباراتية كتبها سفراء اميركا او بعض العاملين في سفاراتها، استنادا إلى ما يتناوله الناس في تلك الدول ويصل الى مسامعهم! هذا بالضبط ما اكتشفناه عندما قرأنا ما نشر عن الكويت وما جرى وما يجري فيها. فكل ما يتحدث به بعض الناس، وليس بالضرورة عموم الناس، ينقلونه في تقارير الى وزارة الخارجية الاميركية بغض النظر عن دقته وصحته،
وإلا فما معنى نشر خبر عن سحب الخرافي لمبلغ ستة ملايين دينار من احد البنوك اثناء الحملة الانتخابية غير كلام سمعوه من ضمن ما قيل اثناء هذه الحملة وبعدها، ونحن نعرف جيدا ما يصاحب الحملات من اشاعات وادعاءات واتهامات لمن نجح وتبريرات لمن لم يوفق، كما حدث مع ما تم نشره ع‍لى لساني زوراً وبهتاناً بحق الاخوين الفاضلين النائبين ضيف الله بورمية ومحمد الفجي؟ ولعل آخر صرعات «ويكيليكس» ما ذكرته عن شخصية سمو ولي العهد، ونحن نعلم في الكويت اكثر من غيرنا مدى حب الكويتيين لهذا الرجل واحترامهم له، لكنهم نشروا ما سمعوا وما لم يسمعوا في كثير من الاحوال. الآن فقط عرفنا انها وثائق تنشر كل ما يقال في الدواوين من محب ومن مبغض، من عاقل ومن مجنون، من دون التحقق من دقته او مدى واقعيته.

***
نعي فاضلين
فقد العالم الاسلامي في الاسبوع الماضي شيخين فاضلين كان لهما اثر بالغ في تأصيل مفاهيم اسلامية في المجتمع الاسلامي، وتركا ارثا كبيرا من العلم والفضل وهما الشيخان احمد بزيع الياسين وعبدالله العقيل، يرحمهما الله تعالى رحمة واسعة، وسيظل التاريخ يذكر لهما جهادهما في نشر الدعوة الاسلامية وتصحيح كثير من المفاهيم الخاطئة. تعازينا لذويهما وكل محب لهما ولعموم المسلمين.

سامي النصف

حيث يمرون لا ينبت العشب!

خلال سنوات 1968 ـ 1970 استبدلت قيادات وزعامات مسالمة في عدة دول عربية بقيادات إبادية قمعية، بدأت منذ أيامها الأولى بنصب المشانق وفتح أبواب السجون وشن الحروب بالداخل والخارج، وحولت ثروات بلدانها العامة الى حساباتها الشخصية، وكان لسان حالها يتمثل بمقولة «اتيلا» الرهيب: «حيث يمر حصاني لا ينبت العشب أبدا»!

***

وقد يصعب فهم التوجه السياسي «الحقيقي» لتلك الأنظمة المدمرة، فقد ادعت الوطنية والقومية واليسارية وحتى الإسلامية في حين امتلأت سجونها بالوطنيين والقوميين واليساريين والإسلاميين، وتناقضت أقوالها مع أفعالها، فالعداء الزائف للغرباء بالخارج والعداء الحقيقي المعمد بالدم للأقرباء بالداخل.

***

هذه الأيام نرقب تساقط او «تقاعد» تلك الأنظمة تباعا بعد ان تسببت في إفلاس دولها وخواء خزائنها، وغيبت عن شعوبها التنمية السياسية الحقيقية التي تجعلها تتعايش مع بعضها البعض، وتركت خلفها ثارات وأحقادا ودماء تهدد دولها بالانفصال والانقسام والحروب الأهلية القادمة لا محالة بعد ان انفصل جنوب السودان الذي تفوق مساحته 15 ضعف مساحة فلسطين التاريخية التي قامت «انقلابات» الامس بحجة نصرتها وتناستها بالمطلق «ثورات» شعوب هذه الأيام لكثرة ما تعرضت للقمع والإبادة تحت راياتها.

***

وللحقيقة والتاريخ ثارت إبان الحكم الاستعماري دير الزور السورية السنية في العشرينيات فتجاوب معها الفرات العراقي الشيعي في ثورته الكبرى، وتم تبادل خطب الجمعة بين المساجد الشيعية والسنية في بغداد، وتآخى الهلال والصليب في مصر، ومنح الفرنسيون الدروز دولة مستقلة حاكمها سليم الأطرش فأسقطها الدرزي الثائر سلطان الأطرش بالتعاون مع أهل دمشق بقيادة الدكتور الشهبندر، كما منحوا العلويين دولة أسقطها الثائر العلوي صالح العلي بالتعاون مع الكردي السني إبراهيم هنانو، أما إبان الحكم الوطني هذه الأيام فقد باتت دولنا مهددة بالانشطار لعشرات الدول المتقاتلة و.. ألا ليت الاستعمار يعود يوما فنخبره بما فعله الحكم الوطني الثائر بنا من جرائم يندى لها جبين الانسانية!

***

آخر محطة: (1) أيهم أكثر رحمة ورأفة بالمواطن السوري من يتظاهر في الجولان المحتلة أم في حمص المحررة؟!

(2) ما موقف قيادة حركة حماس مما يحدث في بلاد الشام هذه الأيام؟!

 

احمد الصراف

الخوف من الظلام الإيراني (3-1)

يخاف الكثيرون من الظلام بسبب الجهل، فخوفنا من الغرف المظلمة سرعان ما يتبدد بمجرد إضاءة المصباح. ولو طبقنا هذه الحقيقة على علاقاتنا، كعرب أو خليجيين، بإيران، التي اتسمت، على مدى عقود طويلة، بالكثير من الشك والريبة وحتى الخوف، لوجدنا أن سبب ذلك يكمن في جهل كل طرف بالطرف الآخر، وهو الجهل الذي ربما ساهم سياسيو الطرفين في تكريسه عن قصد! فمن فترة ليست بالبعيدة كان التاجر الخليجي يفتخر باتقانه التحدث بالفارسية، والتعامل تجاريا مع الناطقين بها، وإذ، وبعد اقل من نصف قرن، ينقلب الوضع، ويصبح كل ما يتعلق بإيران ولغتها وتاريخها واخبارها أمرا غير مستحب، وربما تكون القبس من وسائل الإعلام القليلة التي تهتم مثلا بما ينشر في الصحافة الإيرانية، وهذا مثال واحد فقط. كما أعتقد أن مناهج الطرفين الدراسية تخلو من أي إشارة إيجابية لتاريخ وحضارة الطرف الآخر، وإن وجد شيء فهو مسيء غالبا، فنحن نعتبر إيران جارة كبيرة، ولها طموحات إقليمية ومذهبية واسعة، وهذا سبب كاف للخوف منها، أو هكذا نعتقد، كما نكره صورتها عنا، ويقول الأديب البحريني عبدالله خليفة: «..إن هناك رفضا شديدا، داخل إيران، لتاريخها الإسلامي والعلاقة مع العرب. ويعتقد بعض كتابها ومفكريها أن إيران الساسانية والأخمينية دمرَ حضارتها المزدهرة البداةُ المتوحشون من آكلي السحالي، الحفاة العراة، البدو قاطني الصحراء، وأن هذه صورة العرب في اجزاء كثيرة من الأدب الفارسي..»!
كما أن إيران تسعى من جهتها لأخذ الحيطة والحذر منا بسبب «ارتباطاتنا وتبعيتنا للغرب»، وإمكانية استخدامنا للنيل منها، إضافة لكوننا، في مجموعنا، لا نمثل وجهة نظر واحدة، وهذا يربكها ولا يجعلها، هي أو غيرها، قادرة على اتباع سياسة موحدة ومحددة ازائنا، هذا غير ما تعتقده من أنها، ولأسباب دينية ومذهبية تاريخية، مستهدفة من قوى الظلم والاستكبار العالمية، وبالتالي هي تميل لاتباع مبدأ «من ليس معي فهو بالضرورة ضدي»!.
من المهم أن نعرف هنا أن مواقف الدول العربية من إيران لا تتسم بالانسجام أصلا، فسياسات واتجاهات ومصالح كل دولة تختلف منها عن الأخرى، حتى بين دول الخليج فما بالك بغيرها، الأبعد والأكثر تعقيدا. ولكن هذه الدول غالبا ما تتحد في مواقفها من دول مثل إيران وتركيا، وإن من دون اقتناع، في المختلف من القضايا، ولكنها نادرا ما تتحد في المواقف الجيدة والسليمة!
أعود لموضوع تأثير الجهل وأقول إنني، وعلىالرغم من كل ما «كنت» ادعيه من معرفة بالثقافة الإيرانية، وبعد ان بلغت خريف عمري أو كدت، لكن الإنترنت كشفت لي أنني لا أعرف شيئا جوهريا وثريا أو ما يكفي عن إيران، فما بالك بغيري، سواء كان ابن القبيلة أو الطائفة؟
***
ملاحظة: أنا في أجمل العواصم، باريس، وعلى الرغم من روعة الطقس أشعر بالاختناق، وصعوبة التنفس، نتيجة ما أصبحت أقرأه من «كوارث» كويتية، سواء ما نشر عن حسابات النواب والرشى وتضخم أرصدة أو تسريبات «الويكيليكس»، وكأن الكويت، بمناراتها الألف قد أصبحت مدينة الفساد والانهيار الخلقي والاداري. فهل بعد كل هذا، لا تزال يا صديقي، تعتقد أنك ستنجز شيئاً وتحقق تنمية؟

أحمد الصراف

محمد الوشيحي

عجّل علينا

كان الله في عون بعض المسؤولين الكويتيين بعد انهمار سيل «ويكيليكس»، من أين خرج هذا الويكيليكس الله يلعن نصه والنص الثاني بعد أسبوع، على رأي ذلك اليمني الغاضب؟
وأجزم أن ما نشر من وثائق إلى الآن لا يعادل ربع جناح بعوضة مما سينشر لاحقاً، وما سينشر لاحقاً لا يعادل ربع جناح بعوضة من كمية الفساد المعروضة في السوق.
على أن أكثر ملف يهمني ويدفعني إلى تفتيش الأوراق ورفع السجاد وسحب الكنب بحثاً عنه هو «ملف الإعلام»، وآه يا ملف الإعلام، كم من إعلامي يشار إليه بالسبابة وبعد نشر الوثائق سيشار إليه بغيرها، وكم من إعلامي يشعر اليوم بالإسهال الشديد، وكم من منظّر سيضيع في الكازوزة، وكم من صحافي سيكنسه التاريخ بمكنسته إلى حيث «الدرامات الصفر»، وكم من صحيفة ترتدي قبعة «غيفارا» فإذا بويكيليكس يُسقط القبعة لنكتشف أنها من «شبيحة الفساد»، وكم من قناة تلفزيونية تدعي الشرف وبينها وبينه «بيدٌ دونها بيدُ» على رأي المتنبي.
وكنت قد كتبت قبل أكثر من سنتين عن الإعلاميين الذين يحظون برعاية بعض مؤسسات الدولة، ومنها مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية، إما من أجل مدحها أو على الأقل «كفّ الأذى عنها»، وكنت قد تلقيت اتصالاً (لم أقل من الخطوط الكويتية) من تلك الاتصالات التي تبدأ بجملة «شدعوه بو سلمان ما تمر علينا تشرب فنجان قهوة»، وما أكثر هذه الاتصالات، لكنني من عشاق الكابتشينو مع الأسف الأسيف.
وياااه كم من فنجان قهوة شربه الإعلاميون بالهناء والشفاء، وغالبية الإعلاميين من عشاق القهوة! والقهوة، تلك الفاتنة الشقراء، تستحق العشق، واسمعوا السعودي شاعر الحرب خلف بن هذال وهو يبدأ ملحمته منشداً: «سووا لي الكيف وارهوا لي من الدلة .. البن الأشقر يداوي الراس فنجاله / كيفٍ لنا نحرقه بالنار ونزلّه .. واليا انقطع لو ورى صنعا عنينا له»، فلا تلوموا عشاق الفاتنة يا أولي الألباب.
ودائماً وأبداً يكون مصدر القهوة المؤسسات الحكومية، إما لأن أسعارها «مدعومة» أو لأن غالبية قيادييها تم تعيينهم استناداً إلى مبدأ «هات وخذ» السائد هذه السنوات في الكويت، فتكون النتيجة مسؤولاً يشع هبلاً وغباءً، والهبل قسمة ونصيب.
وعجّل علينا يا ويكيليكس الله يلعن نصك…
قرأت أسماء المحامين المتطوعين للدفاع عن الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، فلم أجد من بينهم من تبنى قضية تعنى بالحريات في الكويت، ولا رأيت لهم أثراً على أرض الديمقراطية الكويتية ومكتسبات الشعب، ثم استمعت لتصريح رئيسهم فمددت رجليّ ودعوت بالرحمة على أبي حنيفة.
ولو كنت أنا مكان ذوي شهداء الثورة المصرية لحرصت على أن يتولى هؤلاء الدفاع عن مبارك، ويميناً بالله ليحذفنهم (مبارك) بكل ما تقع يده عليه وهو يصرخ في ابنيه: «حوشوا عني الدلوخ دول».

حسن العيسى

نحن أكثر صبراً منه

«ديفد بلين» الأميركي لم يكن ساحراً ولا حاوياً، ولم تكن موسوعة ويكيبيديا منصفة معه حين صنفته كحاوٍ عظيم، كان ديفد بلين عملاقاً في ضبط نفسه، جباراً في صبره، زاهداً في حياته، وكان أكثر من ذلك بكثير. قضى ديفد 63 ساعة كاملة واقفاً من دون نوم في ساحة تايمز سكوير يحيط به قالب من الجليد، لم يكن يرتدي ما يقيه من صقيع البرد ولا يمكنه أن يتحرك ولو بمقدار شعرة واحدة في وقفته، وإلّا صعقه الجليد. وفي مخاطرة أخرى، تمدد ديفد بلين أسبوعاً كاملاً في تابوت ودفن تحت الأرض كجثة هامدة من دون حياة، ولم يكن لديه غير الماء ليشرب، وأيضا، وقبل أن أنسى الكثير من حكاياته العجيبة، أمضى ديفد أربعة وأربعين يوماً كاملة مستلقياً على ظهره في قالب زجاجي وتُرك طافياً فوق لجة نهر التيمز وفقد أربعة وخمسين رطلاً، وكان أشد الألم الذي عاناه هو أن يبدأ جسده يأكل من عضلاته كي يبقي على طاقة الحياة، وكتبت عن ذلك الخبر المدهش مجلة «نيوانغلند» للطب، وتلك من أعظم المجلات الطبية في العالم، ومن غير المعقول أن «تفبرك» تحليل الخبر تلك الجريدة العلمية الرصينة، وتبالغ فيه لإثارة شغف القراء مثل بعض جرائدنا المحلية، الله يستر عليهم، ويحميهم من العين.
وضرب ديفد بلين رقماً قياسياً جديداً في البقاء من دون تنفس حين غطس في الماء أمام المشاهدين في برنامج «أوبرا وينفيري» التلفزيوني، ولأنه كان متدرباً على الطفو دون حراك إلّا أنه في ذلك البرنامج وأمام الكاميرات الساطعة كان عليه أن يشد من عضلاته كي يبقى في العمق ويفقد بعضا من تركيزه الذهني، وإثر ذلك كاد يموت حين تزايدت نبضات قلبه، وشعر بألم شديد في صدره، إلّا أنه صبر وطفا قليلاً وسجل رقم سبع عشرة دقيقة من دون تنفس ونجا.
يقول ديفد: إنه لا معنى لحياتي إن لم أحطم قيود الراحة والسكينة، وهذه حياتي منذ أن وعيت على الدنيا، وكأنه يقرر بهذا، حسب رأي الباحث «بويمستر» فلسفة القديس الزاهد سينت سيمون الذي سكن في كوخ ضئيل فوق عمود لعقود طويلة في الصحراء السورية في القرن الخامس بعد الميلاد، وكانت حكمة القديس سيمون تقول  إنه كلما تعذب الجسد ازدهرت الروح. لم تكن سورية في تلك الأيام تحت حكم الأسد!
تلك كانت ومضات سريعة سجلتها لكم بترجمتي المتواضعة من كتاب حديث للباحثين روي بوميستر وجون تيرني تحت عنوان «قوة الإرادة: إعادة كشف أعظم قوة للإنسان». الكتاب يحاول أن يعيد تفسير معنى الثبات والصبر والتغلب على المحن النفسية، مثل الإدمان والقلق والوسواس القهري بشتى أشكالها وأنواعها بمنهج علمي دقيق، ولا يهمني في هذا المقال كتاب الباحثين في حد ذاته، فالكتاب ضخم ويضم معلومات مفيدة وقيّمة، ما يثير تساؤلي الآن هو مقدار تحمل وصبر «ديفد بلين» الجسدي والنفسي، فهل تتصورون أن مثل ديفد بلين، وإن كان أسطورة للجلد وتحمل مشاق الأمور، يستطيع أن يعيش في الكويت أسبوعاً واحداً، يقرأ كل يوم أخبارنا المحلية، ويتابع نشاط حكومتنا الثابتة كالجبال ويلاحق تصريحات نوابنا، ويبتهج في ليالينا التي تزينها نجوم الفرح والحرية وتكحل عيونها كل أشكال الفنون والمعارض والمسرحيات الرائعة…؟ أشك في ذلك، فنحن الأساطير الخليجية، روتها للتاريخ حبابة بنت هوميروس!

احمد الصراف

جمل أبوسته البريطاني

قلة تعرف أن خدمة البريد في بريطانيا هي الأفضل في العالم. فالرسالة التي ترسل في التاسعة صباحا من مكتب في لندن، يصل الرد عليها للمرسل في اليوم نفسه، أو على الأكثر في صباح اليوم التالي!!
في الكويت، يحذر الجميع المتعاملين معهم في الخارج من استخدام خدمة البريد بسبب «سوء سمعتها»، والتي يستفيد منها البريد المستعجل، (الكورير)، ويحدث ذلك في دولة يعمل في جهازها الحكومي 286 ألف موظف واحتياطياتها النقدية تصل الى 200 مليار دولار، وتعتبر رواتب موظفي جهاز البريد فيها، على الأقل، الأعلى في العالم، اضافة الى أن طوبوغرافية الكويت وشوارعها وصغر حجمها تجعلها الأكثر سهولة في التنقل وايصال البريد فيها.
يقول صديقنا القارئ (أبوسته) الكبير، والذي عاصر البريد منذ الخمسينات، أنه يتذكر أن هذه الخدمة كان يديرها موظف من بومبي، من مركز شارع فهد السالم، يساعده اثنان من كيرالا، وكانت طوابع ذلك الوقت تحمل صورة ملكة بريطانيا، مطبوع عليها كلمة «كويت». ومع قلة الموظفين وشبه انعدام وسائل اتصال أخرى، كالفاكس والانترنت، لكن الخدمة كانت ممتازة، والرسائل تصل بانتظام وسرعة، رغم أن الطائرات آنذاك كانت بمراوح «DeHavillande» وليست نفاثة كما هي اليوم. وكانت رحلاتها أسبوعية. واليوم، وبعد أكثر من نصف قرن، والرحلات الجوية اليومية، وتقدم نوعية آلات فرز وتوزيع البريد الكترونيا، واستخدام الترميز في التوزيع والتصنيف والتعريف، «كود»، وبعد ان تم استبدال كومار ومساعديه رامشندراوسوجانا، بعدد مضاعف من العرب، الذين استبدلوا بمئات المواطنين مع مرور الوقت، والذين كلفوا بدورهم البنغالي للقيام بعمله، اصبحت الخدمة، بكل فخر، الأسوأ على الاطلاق، بالرغم، من سهولتها، فهي لا تحتاج الا لضمير في أدائها! ويقول «ابوسته» إن رسالة بريدية مؤرخة في أبريل 2011 وصلته الأسبوع الماضي فقط، أي بعد أربعة أشهر، ولو حملها جمل من بريطانيا لوصلت قبل ذلك!كما وردته دعوة زواج في 2011/8/22 تحمل تاريخ 2011/4/26 لحضور حفل زواج صديق انكليزي في 2011/4/26!! وقال إنه لم يتمكن بالطبع من حضور الزواج أو حتى ارسال تهنئة أو هدية لصديقه، أو مجرد اعتذار، وأنه يحتفظ بنصوص الرسالتين ومظاريفهما!
ومنا الى وزير المواصلات الجديد، ليقوم بشيء فشل جميع من سبقه، منذ التحرير وحتى اليوم، في فعل شيء بخصوصه، ونستثني وزير المواصلات السابق، الصديق سامي النصف، من قائمة الفاشلين، لقصر فترة توليه الوزارة.

أحمد الصراف

احمد الصراف

قصة كنيز مراد

تبدأ أحداث رواية «أميرة عثمانية في المنفى» (*) في عام 1918 في اسطنبول، مع بداية انهيار إمبراطورية «آل عثمان»، أو أسرة «عصمانلي» Osmanily، التي حكمت تركيا لأكثر من 500 عام، وتعاقب على عرشها في السنوات الـ 42 الأخيرة ثلاثة أخوة، السلطان مراد، الذي خلعه اخوه عبدالحميد وجلس على العرش مكانه، لتقوم حركة «تركيا الفتاة» بالاطاحة به وتعيين أخيه السلطان رشاد، خليفة على المسلمين، ولكنه كان آخر «الخلفاء» والسلاطين، حيث اضطر للهرب إلى فرنسا، بعد أن استولى الضابط مصطفى كمال على الحكم وحول الإمبراطورية العجوز الى جمهورية علمانية فتية، وألغى نظام الخلافة إلى الأبد. ومن الذين غادروا اسطنبول على عجالة كذلك السلطانة خديجة، ابنة السلطان مراد، التي اختارت اللجوء، مع ابنها خيرت وابنتها سلمى Selma، حفيدي السلطان مراد، وخدمها إلى بيروت، وهناك زوجت ابنتها الوحيدة لمهراجا هندي، التي ذهبت لتعيش معه في مملكته، ولكنها قررت بعد سنتين السفر إلى فرنسا لكي تضع حملها هناك. طابت لسلمى الإقامة في باريس فقررت عدم العودة الى الهند مطلقا، وساهم نشوب الحرب العالمية الثانية وقتها في قطع كل صلتها بزوجها، ومنعته من استعادتها بالقوة، ولكن القدر لم يمهلها فقد ماتت في باريس وهي في مقتبل العمر، وابنتها لا تزال طفلة صغيرة لا تعرف من العالم أحدا، غير الخادم الخصي الذي اعتنى بها لفترة قبل ان يختفي هو أيضا من دون ان يخبرها من هي.
رواية رائعة جميلة السرد خلابة، تحبس صفحاتها الـ757 الأنفاس، وتحكي بتفاصيل دقيقة حياة القصور في اسطنبول العثمانية، ومن بعدها حياة الطبقة الارستقراطية الارثوذكسية في بيروت، ومن ثم تنتقل أحداثها الى الهند بكل بهرجتها ورونقها ومهراجاتها ومآسيها، وذلك في بداية صراعات طبقاتها ودياناتها وكفاحها لنيل استقلالها عن بريطانيا، والظروف التي أدت الى تقسيمها.
المفاجأة كانت في نهاية القصة، عندما نكتشف أن الكاتبة كنيز مراد Kenize Mourad هي الابنة التي ولدتها أمها سلمى في باريس، عشية الحرب العالمية الثانية، والتي لم تعرف أنها حفيدة السلطان مراد، وأن والدها مهراجا هندي، إلا عن طريق الصدفة، بعد ان اصبحت في العشرين من العمر.

***
• لدي نسختان من الطبعة العربية للقصة، لمن يود الحصول عليها من دون مقابل.

أحمد الصراف

حسن العيسى

حوار مع الجدران

إصدار بيانات الشجب والاستنكار ووعظ الناس بمكارم الاخلاق وتحريم الرشاوى السياسية والعادية، كل هذا كلام لم ينفع بالامس ولن يكون مجدياً بالغد، فالسلطة «كانت» و«مازالت» و«ستظل» تحيا على شراء الولاءات السياسية بحسب أسعار السوق المحلية.
وليس بالغريب أن يقبض نائب و»نواب» مقابلاً مادياً أو معنوياً بصورة تسهيل وإنجاز معاملات ناخبيه، وإنما الغريب ألّا يحدث مثل ذلك في بلد أسست دعائمه بداية ومنذ لحظة تفجر الثروة البترولية على فكرة انتهازية قوامها شراء الولاءات وإحلال قوانين السوق مكان معايير الأخلاق.
الكلام الآن عن اتهامات بجرائم غسل الأموال لبعض النواب الذين تفجرت حساباتهم بين ليلة وضحاها إلى ملايين الدنانير هو مجرد حديث «مأخوذة زبدته»، ولن يفيد أيضاً أن يكشف النائب أو الوزير أو كبار المسؤولين عن ذممهم المالية وأرصدتهم الحسابية، فما أسهل ان تفتح حساباً مصرفياً في الخارج ويتم تحويل مقابل رصيد الخدمات السياسية في ثوانٍ، وحين يطالب النائب مسلم البراك الحكومة بكشف حسابات النواب والتغييرات التي طرأت على ملكياتهم العقارية في السنوات الثلاث الماضية كأن ينتقل تصنيف عقاراتهم من فئة ذوي الدخل المحدود إلى خانة ذوي المال الممدود، فتلك الأسئلة المؤلمة وإن كانت تشفي الغليل إلا انها لا تداوي، والعليل هو «الدولة» كلها بنظامها السياسي الحاكم وشعبها المحكوم، والعلة اليوم هي اللامبالاة الشعبية للفساد المالي والإداري عند كبار القوم أياً كانت مراكزهم، وليست علتنا وليدة المصادفة الريعية فقط وإنما هي عمل خُطِّط له وتم تدبيره منذ زمن بعيد، فكانت هناك سياسة مدروسة لإفساد المواطنين وتخدير وعيهم، وتم بنجاح توسعة سياسة «دبلوماسية الدينار» ونقلها من علاقات الدولة مع الخارج إلى علاقة المواطن بالوطن، فأنا لا أستغرب مشاهدة قصور كبيرة وكثيرة فخمة يسمونها «شاليهات» يحيا أصحابها برغد العيش أيام العطل وهم من كانوا (وأعلم تاريخهم) في سالف الأيام على باب الله.
كانوا على «طقتنا» وأضحوا من أهل النعيم بعد أن رشهم النفط السياسي، وأقصد «بركة» العمل من «أجل» الوطن في النيابة البرلمانية أو الوزارة.
حالة اللامبالاة التي أشكو منها مصدرها فيروس تم تربيته في مختبرات السلطة، وحقن بأوردتنا، ونمنا بغيبوبة اللااكتراث، فما الجدوى من محاورة الجدران؟!.