احمد الصراف

النقاب الذي غير حياته

يقول صديقي النطاسي الماهر إن النقاب لعب دورا أساسيا في حياته، وحدث ذلك قبل ثلاثين عاما، وقبل أن يصبح قضية خلافية بفضل جماعات التجهم والكبت، ومنهم صاحب «الكبت»! يقول إنه كان في غرفة العمليات في دولة أوروبية، حيث كان يتدرب، وكان عليه ارتداء الأردية المعقمة والواقية، ومنها قفازات الجراحة، وعدم لمس شيء بعدها قبل المباشرة في العملية، وتطلب هذا قيام ممرضة بمساعدته في شد اربطة ردائه من الخلف وتثبيت القناع، او النقاب، على وجهه. ويقول إنه عندما استدارت لتكملة عملها، وكانت مثله مغطاة بالأردية من رأسها حتى أخمص قدميها، إلا جزءا صغيرا جدا حول عينيها، لاحظ انها تمتلك اجمل زوجين من العيون رآهما في حياته! وعلى الرغم من رهبة المكان والموقف فإنه شعر وقتها بأن العينين اسرتاه، ودارت في رأسه وقتها أفكار عدة، ولكنه أزاحها جانبا وانكب على عمله المقدس، الذي شغله تماما، وما ان انتهى حتى عاد بريق عينيها ليشغله مرة أخرى، ولكنها اختفت فجأة كما ظهرت!
تفاصيل القصة كثيرة وطويلة ولكنها انتهت بلقاء صديقي بمن خلبت عيناها لبه لتصبح تلك المنقبة بالكمامة الطبية شريكة حياته وأم ابنائه، وليستمر افتتانه بعينيها.
ما أراد صديقي الطبيب الشهير قوله إن كل تلك الأردية الطبية التي كانت تغطي كامل جسم تلك الممرضة، والقناع الذي أخفى تقاطيع وجهها، لم يمنعه، وهو الذي يمارس اشرف المهن، من ان يقع في هيامها، وبالتالي فما يضعه البعض من اقنعة أو يرتديه من ملابس.
الأمر لا يتعلق بنقاب أو رداء أو برقع أو حتى قناع حديدي بل بالتربية والتنشئة السليمة التي يوفرها الوالدان والمجتمع والمدرسة لهذه الفتاة أو ذلك الشاب، وليس أدل على صحة ذلك من نوعية الجرائم الجنسية، والاعتداءات الجنسية وحالات اغتصاب الاطفال والخدم، التي تقع في مناطق محددة مقارنة بغيرها أقل تشددا في موضوع الرداء!

أحمد الصراف

سامي النصف

رسائل غرام

  يظهر التاريخ الحديث أن الشيوعيين «المسالمين» ما إن يصلوا إلى الحكم حتى يتحولوا إلى وحوش كاسرة تقتل وتقمع وتسرق من يدعون الدفاع عنهم من الضعفاء، رغم تلك الحقيقة المرة إلا أنني أجد نفسي متعاطفا إنسانيا مع من تعرض منهم للقمع والسجن ومن هؤلاء المهندس المعماري الماركسي المصري فوزي حبشي وزوجته ثريا، الذي اعتقل في عهد الملك فاروق ثم نجيب ثم عبدالناصر ثم السادات وأخيرا مبارك وزار كل معتقلات مصر من الهايكستب أيام الانجليز حتى ابوزعبل وليمان طره.

* * *

يذكر المهندس فوزي حبشي في كتابه «معتقل كل العصور» روايات اعتقاله التي اختص بها دون زوجته، عدا عهد عبدالناصر حين سجن الاثنين عدة سنوات تاركين اطفالهما الثلاثة دون رعاية ويتضمن الكتاب رسائل الغرام بين الزوجين ويذكر الكاتب انهما وصلا الآن الى العقد التاسع من عمرهما ولازالا في حالة حب وعشق وانهما لا يندمان على سيرة حياتهما وكفاحهما وعذابهما، ومن الطرائف ان زوجته ثريا قامت في صباحية يوم زواجهما منتصف الأربعينيات بترؤس اجتماع لخليتها الشيوعية في بيتهما بحجة ان القلم السياسي لن يشك قط في ذلك الاجتماع.

وفي كتاب لن أذكر اسمه او اسم مؤلفه لأسباب متعلقة بالفقرة التالية يضمنه المؤلف رسائل غرام تمت في الثلاثينيات بين عبدالستار الهلالي وام كلثوم قام على اثرها بطلبها لبيت الطاعة مما اثار ضجة كبرى في مصر، ونتج عن القضايا بينهما سجنه وقتله ابان اعتقاله وقد اتهم اهله الراحلة ام كلثوم بأنها من يقف خلف حادث خنقه كما اتهمت لاحقا بقتل المطربة اسمهان، أهل الهلالي كشفوا انه لم يكن مغرما بالراحلة الكبيرة كما يذكر في الرسائل حيث ان زوجته كانت اجمل نساء مصر قاطبة وان السبب الحقيقي هو رغبته الشديدة في الانتقام لقيام ام كلثوم بالتندر واطلاق النكت على الصعايدة.

* * *

ولأن الحب ليس حراما وخاصة ممن هم في مقتبل العمر إبان زمن الرومانسية الجميل، نجد ضمن الكتاب رسائل لشخصية كويتية أطال الله في عمرها لحبيبته المصرية ليلى أو «لي لي» مكتوبة بخط جميل على ورق مطبوع عليه اسمه، ضمن تلك الرسائل واحدة مؤرخة في 12/3/1959 يعتذر لها عن قلة الرسائل بسبب الرقابة على البريد في مصر، كما يعتذر عن قلة الاتصالات بسبب فرض الأمن العام في الكويت الرقابة على الهواتف بعد ثورة العراق وما سيحصل لهما من تشنيع إذا ما سمع ـ صاحبنا ـ تلك المكالمات، ويشرح في رسالة اخرى مدى وحدته بسبب سفر العائلة الى لبنان وسفر ابوسعدون وصالح واحمد، وينهي الرسالة بنقل السلام لوالدتها ولبدرية ولمن يعز عليها.. الرسائل يمكن لها ان تكون بالطبع لكويتية تحمل ذلك الاسم مقيمة في مصر آنذاك!

آخر محطة: نقلت في مقال الأحد الماضي ما كتبته جريدة «الفجر» من ان الشيخ زايد، رحمه الله، منح الرئيس مبارك 120 مليون دولار ثمنا لوقوفه مع الحق الكويتي، وقد أتت عدة ردود من قراء اعزاء توصلت بعدها وبعد البحث والتحري والتقصي لحقيقة واضحة وهي أن المبلغ دخل لحساب الدولة في مصر لا حساب مبارك دعما للجيش المصري كحال الدعم الخليجي والليبي الذي تلقاه الرئيس عبدالناصر بعد هزيمة عام 67، وما الذي نتوقع من مصداقية جريدة يديرها التلميذ النجيب لـ.. غوبلز العرب هيكل..؟!

مبارك الدويلة

استقالة.. غير عادية

استقالة وزير الخارجية في هذا الوقت بالذات ليست استقالة عادية، فهي تعني الكثير.. والكثير جداً! فهي استقالة نائب رئيس مجلس الوزراء وليس وزيراً عادياً، كما انها استقالة وزير سيادي لوزارة سيادية وهي الخارجية، ونحن نعلم اهمية سياستنا الخارجية هذه الايام في ظل تدهور غير مسبوق في علاقتنا بالجيران. كما انها استقالة ابن الاسرة الحاكمة، وليس وزيراً شعبياً، اضف الى ان اسمه كان مطروحاً كمرشح قوي لرئاسة مجلس الوزراء بدلاً من سمو رئيس مجلس الوزراء الحالي.. والاهم من كل ذلك توقيتها! نعم، اتضح لنا أن توقيتها فرض على الشيخ محمد لانه كان متحمساً لحضور المجلس الوزاري للجامعة العربية، وكان اول من دعا إلى عقد اجتماع لهذا المجلس لمناقشة الوضع في سوريا، لكن تطوراً ما للاحداث هنا حال دون سفره، وهي تطورات لم يكن يتوقعها، ولعل ما نشرته القبس بالامس يكون صحيحا، وهو انه لم يجب الى طلبه عندما طالب الحكومة بمعلومات عن اسئلة النائب البراك حتى لا يكون هو «ممشاشة الزفر»!
الاستقالة غير عادية لانها جاءت قبل بداية دور انعقاد ساخن بأيام قليلة.. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل هو توقيت مدبر؟ هل هي مؤامرة لاخراج المنافسين من دائرة الصراع واحداً تلو الآخر؟! ام هي عملية كشف ظهر لرئيس الحكومة كي يبقى وحيداً في الساحة يصارع خصومه من دون مساندة وعون من اقرب الناس اليه؟! اسئلة تحتاج الى اجابة.. ويا خبر اليوم بفلوس.. بكره ببلاش.
***
(الزبدة)
الصراع بين ابناء البيت الواحد.. اصبح ظاهراً والله يستر.

احمد الصراف

نصف قرن من العلمانية

آمنت في مراهقتي، ومن واقع بسيط قراءاتي، أن الحل لكل مشاكلنا الطائفية والدينية يكمن في فصل الدولة عن الدين، باعطاء ما لله لله وما لقيصر لقيصر. بعد نصف قرن من كسب الخبرة والتجربة والقراءات المتنوعة، اصبحت على قناعة تامة بأن العلمانية هي الحل الوحيد لأوضاعنا المأساوية «الكسيفة»، والأمثلة أكثر من ان تحصى، وقد تكون أحداث مصر الطائفية الأخيرة، التي راح ضحيتها المئات بين قتيل وجريح، بعد تلاحم جيوش الأقباط والمسلمين والقوات المسلحة في عنف طائفي فور انتشار خبر هدم كنيسة متواضعة في قرية نائية بصعيد مصر، أحد الأمثلة الحية الصارخة! هذا الهوس الديني الذي اجتاح مصر، وغيرها من مناطق المسلمين، لا تمكن السيطرة عليه بحسن الكلام وجميل النصيحة وترداد وتكرار النصوص الدينية التي تحض على التآخي والحلم والصبر ومحبة الآخر، فمقابلها هناك كم هائل من النصوص، عند كل الأطراف، التي تقول عكس ذلك! وبالتالي نحن بحاجة لأتاتورك عربي يشرع للعلمانية ويفرضها، ولو بالقوة! فهذا الهوس الديني المجنون، الذي لا يقتصر على المسلمين، على الرغم من أنهم الأكثر شراسة وعنفا لكونهم الأكثر عددا، لا يمكن حله بالتراضي أو بتجاهل وجوده، بل بالتصدي له بحلول جذرية والتحول للدولة المدنية بأقرب وقت، خاصة مع اصرار كل طرف على التصرف حسب قاعدة الفعل بالمثل، وليذهب التسامح الى البحر ولتمت المحبة، فتلبية مطالب النص الديني أجدى وأكثر ثوابا ومنفعة.
لقد سبق ان قال الغرب بكروية الأرض فقلنا له اذهب الى الجحيم، وثبتت الرؤية بعدها وصح ما قالوه، ولكن بعد خسارة قرون من المعرفة! ثم نادى الغرب بالديموقراطية، كأفضل أنظمة الحكم، فرفضنا ونادينا بشورى هلامية وتشاور غير واضح، فتحكم العسكر والطغاة بأعناق شعوبنا، وعندما حان الوقت لنقتنع بصحة ما نادوا به كان الظلم قد طحن النفوس وأهان الكرامات، وأمات الأمل في القلوب! وعندما قال الغرب ان على دول العالم اتباع العلمانية منهج حياة ونظام معيشة، طلبنا منه أن يصمت ويبلع الورق الذي كتب عليه مبادئها، وأن يذهب الى حيث ألقت أم عمر رحالها! وهنا أيضا سيمر وقت طويل قبل أن نقتنع لأن الغالبية لا تزال على رفضها للعلمانية نظاما يحفظ حقوق الجميع في العيش بسلام ومحبة، ورفضها الآن لا يعني أن الوقت لن يأتي ونقتنع بها، كما اقتنعنا في نهاية الأمر بكل ما جاء به الغرب من مثل ومبادئ تصلح للانسان والحيوان والنبات، بل سيأتي، ولكن كالعادة، بعد فوات الأوان.

أحمد الصراف

محمد الوشيحي

غير آل اكيهيتو ما نبي

العلم سلامتكم، كما يقول كبار السن قبل بدء حديثهم…
الشعب الإيطالي، هذه الأيام، لا حديث له إلا عن محاكمة علماء الزلازل الستة المتهمين بالتقصير في أعمالهم.
وكل حكاية لها أصل، وأصل هذه الحكاية أن زلزالاً وقع في إحدى المدن الإيطالية قبل عامين، سقط بسببه أكثر من ثلاثمئة قتيل وأضعافهم من الجرحى، فتقدم أهالي المنطقة وبعض الناشطين ببلاغ إلى القضاء الإيطالي يشكون فيه علماء الزلازل الستة لأنهم "لم يبلغوا الأهالي قبل الزلزال كي يتسنى لهم الهرب من المدينة والابتعاد عن الخطر، كما يحدث في أميركا وبقية بلدان أوروبا، بل طمأنوا الناس فصدقوهم فهلكوا، لذلك نحن نتهمهم بالتقصير الشديد في عملهم وعدم تحملهم المسؤولية".
والأدهى أن العلماء الستة المتهمين كانوا قد كتبوا في تقريرهم: "لا نظن (ضع ثلاثة خطوط تحت كلمة لا نظن) أن زلزالاً مدمراً سيضرب المدينة"، ثم إن زملاء هؤلاء العلماء، وعددهم زهاء خمسة آلاف عالم، كتبوا وثيقة يطالبون فيها ببراءة زملائهم، بحجة أن أحداً لا يمكنه على وجه التحديد تقدير قوة الزلازل… وما زال التحقيق مع "المتهمين" مستمراً.
وإذا التفتنا برقابنا إلى حيث مشرق الشمس، وتحديداً اليابان، سقى الله اليابان "بالمزون العقربية"، حيث الشعب الأقل تفاخراً في العالم (تندر في الثقافة اليابانية قصائد الفخر، وبالمناسبة، أكثر قصائد الفخر في الثقافة العربية المعاصرة ينظمها قليلو التعليم والمغيّبون دينياً وعرقياً، في حين تجد قصائد المثقفين مملوءة بالهجاء والقدح والتذمر احتجاجاً على حال العرب)، فسنجد علماء الجيولوجيا اليابانيين قد تقدموا باستقالاتهم من أعمالهم فور تشكيل لجنة التحقيق، التي لم يكد يجف حبر توصياتها حتى تم تنفيذها بالحرف والفاصلة والنقطة.
لكن ما الذي حدث فور تشكيل لجنة التحقيق، وفور صدور أمر استدعاء رئيس الوزراء الياباني؟ الذي حدث هو أن مجاميع يابانية خرجت وهي ترفع صور رئيس الوزراء، ورددت مجاميع أخرى "غير آل اكيهيتو ما نبي" كللللللوش (يزغردون بالياباني)، وتطوع نائب ياباني متدين- بوذي محكحك – بالسير على أقدامه إلى قصر رئيس الوزراء، على رأس جموع غفيرة قدّر عددها باثني عشر يابانياً بينهم خمسة مصورين وستة من سكرتاريته وواحد مجهول الهوية.
سحقاً لليابانيين وللطليان الذين ينفذون أجندات خارجية، ولم يراعوا خصوصية اليابان وإيطاليا… وانتو شلونكم؟

احمد الصراف

أأنا العاشق الوحيد؟ (3/3)

يبدو ان من السهل التشعب عند الكتابة عن لبنان، وهذا ما حدث معنا في المقالين السابقين، وحل أن نعود لموضوعنا الأصلي، ونقول إن تعدد الديانات والطوائف ضمن العائلة الواحدة، أو ابناء العمومة، فيها يعود لاسباب بعضها قديم واخرى أكثر حداثة. وقد يكون أفضل مثال هنا تاريخ الأمراء الشهابيين، الذين كان منهم الرئيس فؤاد شهاب، فهذه الأسرة الحاكمة تقلبت بين الدرزية والإسلام السني والمسيحية، قبل أن ينتهي بها الحال وتصبح كاثوليكية مارونية في أواخر عهد الأمير بشير الثاني، أهم حكام آل شهاب، وباني قصر بيت الدين في الشوف. ويقال ان سبب تحولهم هو وجودهم الدائم في بيئة متسامحة دينيا، وهذا ما يحذرنا منه رجال الدين المتزمتون. ويقال كذلك أن الأمير بشير وقع في غرام امرأة درزية اشترطت عليه، خوفا من أن يستخدم حقه الشرعي كمسلم ويتزوج عليها، ان يتحولا للمسيحية ليستحيل طلاقها، أو أن يتزوج بغيرها، وكان ذلك في ثلاثينات القرن السابع عشر، ومنها كرّت السبحة!
كما غيّرت الكثير من الأسر ديانتها أو مذهبها نتيجة خسارتها لمعارك في هذه المدينة أو تلك القرية، وكان يطلب منها في هذه الحالة إما الرحيل، وترك بيوتها ومزارعها، مصدر رزقها الوحيد، خلفها، وإما البقاء مع التحول لمذهب أو دين المنتصر، وغالبا ما كان يحدث التحول، دون تردد كبير.
كما كان الزواج المختلط أحد اكبر الاسباب، فيحدث أن يتزوج شخص من أسرة معروفة فتاة من غير دينه، ويتوفى عنها تاركا ابناءه لها، فتقوم هذه بتنشئتهم على مذهبها ودينها. وقد يحدث أن يقوم غير المسلم، والراغب في الاقتران بمسلمة إلى التحول لدينها لكي يتسنى له الزواج بها، وغالبية هؤلاء يعودون بعدها لدينهم، والبعض الآخر يبقى على دينه الجديد، المخالف لدين او طائفة بقية اخوته واخواته! كما يحدث أن يغضب خوري أو قس أو مطران طائفة مسيحية محددة ممن هو اعلى منه كنسيا، لرفض طلب حيوي له فيقوم بالتحول لمذهب آخر وينقل «رعيته» معه للدين الجديد. وبسبب تسامح المجتمع اللبناني ازاء مثل هذه التصرفات، وإن على مضض، فإن ذلك خلق مجتمعا متعدد الأعراق والمذاهب والطوائف، ولكنه متداخل أيضاً بصورة أو باخرى بعضه مع بعض. وقد تسنى لي خلال الأسابيع القليلة الماضية في لبنان حضور ثلاث حفلات زواج، اقترن في الأولى سني بيروتي بمارونية جبلية، وفي الثانية تزوج درزي جبلي بمارونية ساحلية، وفي الثالثة تزوج ارثوذكسي جبلي من شيعية جنوبية، وبقي كل منهم على دينه. وعاش لبنان حرا سيدا.

أحمد الصراف

علي محمود خاجه

ضمير مستتر تقديره البراك

توالت الإضرابات وأبرزها برأيي هو إضراب الجمارك في الأسبوع الماضي، هذه الإضرابات ما هي إلا نتيجة حتمية لتخبط الحكومة في التعامل مع العصيان من أجل المادة سواء كانت الزيادة مستحقة أم لا.
وبغض النظر عن عدالة مطلب موظفي الجمارك من عدمه، إلا أن الأسلوب الذي مورس في سبيل تحقيق المطلب أسلوب سيئ ولا يمت لا للقانون ولا للدستور بأي صلة، فالنص الدستوري صريح وواضح  في المادة (26): “الوظائف العامة خدمة وطنية تناط بالقائمين بها، ويستهدف موظفو الدولة في أداء وظائفهم المصلحة العامة”، وبإضراب الجمارك تحديدا لم يراع المضربون واجبهم الوطني ولا الحفاظ على المصلحة العامة.
ولم يأت هذا الإضراب دون دراية بتوابعه، فزعيم المضربين ذكر وكرر أن خسائر إضراب الجمارك يوميا تقدر بـ30 مليون دينار!
عموما، فأنا أتمنى محاسبة المتسبب في هذه الخسائر اليومية بأسرع وقت كي يكون ذلك رادعا لأي تصرف مشين في المستقبل.
لكن العلة لا تكمن في إضراب الجمارك وموظفيه فحسب، بل العلة كل العلة هي في من يسمى بضمير الأمة، وأقصد هنا النائب مسلم البراك الذي يسعى جاهدا إلى تصوير نفسه كحامٍ للمال العام والمدافع الأول عنه، وقد يكون هذا الكلام صحيحا في بعض القضايا، إلا أن ما صرح به البراك عشية إضراب الجمارك ينسف كل موقف له في سبيل حماية الأموال العامة.
فقد حيّا البراك موظفي وموظفات الجمارك على التزامهم النقابي والتفافهم حول نقابتهم لتحقيق مطالبهم العادلة والمشروعة!
وهو ما يعني أن ضمير الأمة يحيي إهدار 30 مليون دينار يوميا، إضافة إلى سمعة الكويت وتعطيل مصالح الناس، وما زال جمهوره يصفق للبراك ويهلل له. عن أي مال عام تتحدث يا “بوحمود” وأنت من يعزز الهدر لمجرد أنه تحرك ضد الحكومة؟ عن أي دولة دستور تتحدث وأنت تشجع الأعمال التي تضر بالاقتصاد الوطني والمصلحة العامة كما جاء في دستور الدولة الذي تدعي دفاعك عنه؟
لقد كانت هناك تصرفات حاول البعض من مريدي البراك أن يبرروها كوجود الفرعيين في التكتل الشعبي أو عدم احترامه لدستور الدولة في قضايا كحقوق المرأة والتعليم المشترك وحرية التعبير.
إلا أن ما ورد في تصريح البراك الأخير حول الجمارك لا يبرر أبدا ولن يجدي معه أي رد أو ترقيع.
للأسف فقد باتت المعارضة اليوم، التي يعتبر البراك أحد رموزها، لا تسير حسب المصلحة العامة وسمعة الوطن أو الحفاظ على ثرواته بل بات ما يسيّرها هو مدى تعارض الفرد أو الجماعة مع الحكومة بالصواب أو بالخطأ، لا يهم أي شيء المهم أن تكون ضد الحكومة حتى لو كان موقف الضد هذا يسيء للدولة ولثرواتها وسمعتها.

سامي النصف

GOOD ARAB IS A DEAD ARAB

  انقرضت قبائل الهنود الحمر بسبب شعار ساد في حينه يقول «إن الهندي الجيد هو الهندي الميت»، هل ما نشهده في منطقتنا هو نسخة مطورة ومعدلة من ذلك الشعار تنص على أن العربي الجيد هو العربي المنحور والمقتول بيد.. شقيقه العربي أو المسلم؟ ومن ثم فإن المنطقة بأكملها قادمة تدرجا على اضطرابات وحروب أهلية؟

* * *

هناك من يتخوف من قيام حروب أهلية في بلدان المنطقة (يا سلام)، إذا لم يكن ما يحدث في العراق من تفجير العراقي للعراقي، وفي سورية من قتل السوري للسوري وليبيا من نحر الليببي لليبي واليمن والسودان والصومال.. إلخ، هي حروب أهلية فما الحروب الأهلية إذن؟ لست أدري.

* * *

منذ 60 عاما والدم العربي يجري انهارا بسبب القضية الفلسطينية التي تسببت في أشكالنا مع إسرائيل مما جعل منطقة الشرق الأوسط تصبح المصنع الرئيسي للأحداث السيئة في العالم الذي تفرغت دوله للإنماء والرفاه، ألم يحن الوقت لإنهاء ذلك الصراع كي تحقن الدماء وتنعم شعوبنا بالسلام الدائم وتتجه ـ كنوع من التغيير ـ للأمام وللمستقبل المشرق للأبناء..؟

* * *

عبقرية في التخطيط والتنفيذ، منظمة سياسية تخطف أسيرا إسرائيليا يدعى شاليط، إسرائيل تدمر غزة وتأسر ألف فلسطيني تأخذهم معها لسجونها ليبقوا سنوات عدة تمكنها من تجنيد وتدريب بعض الأسرى ممن يصبحون بسبب طول الأسر في أوج ضعفهم الإنساني، الإشكال الوحيد هو كيفية إيجاد المبرر المنطقي لاطلاق سراحهم كي تتم الاستفادة منهم؟ الحل الأفضل والأمثل ان يتم الأمر بشكل طبيعي وعبر مفاوضات طويلة شاقة ومضنية ترجع الأسير الإسرائيلي سالما غانما إلى أهله ويرجع مقابله ألف أسير كان أغلبهم من الطلقاء قبل أسره وبعد أن يتم تجنيد العديد منهم ويتم توقيت الاطلاق لإعطاء دفعة انتخابية ووطنية للطرف الذي خطف.. وانتظروا العملية البطولية القادمة لخطف شاليط جديد.. وياللذكاء!

* * *

أسئلة كثيرة تطرح هذه الأيام حول ما يحدث حولنا مثل هل ستنجح الثورة في سورية؟ واعتقد أن الإجابة غير حاسمة في جزء منها حيث إن نسبة تغيير النظام لا تتجاوز 55% مقابل 45% لسقوطه على أن تتبعه حرب أهلية وتفكيك لسورية أي إن هناك نسبة 100% بتحول الأوضاع في بلدان الربيع العربي كافة من سيئ إلى أسوء وعدم تحقيق تطلعات ورغبات الشعوب، وفي هذا السياق لا اعتقد ان القذافي وأبناءه سيتم القبض عليهم لأنني لا اعتقد رغم كل ما يقال ـ عن وجودهم في ليبيا بل هم على الأرجح على بعد آلاف الأميال عنها يعيشون حياة أقرب للأحلام ويستمتعون بمئات المليارات التي سرقوها من ثروات الشعب الليبي تحت دعاوى الثورية والقومية والإسلامية الزائفة.. وياللذكاء!

* * *

آخر محطة: معجزة كبرى حدثت في عام 2011 وهي تأثر شعوبنا العربية بعضها ببعض فثورة تونس ينتج عنها ثورة في مصر، وثورة اليمن تتسبب في ثورة في سورية وليبيا، طول عمرنا يناكف بعضنا بعضا ولا نتأثر فديموقراطية الكويت ولبنان لم تؤثر في العراق وسورية وملكية المغرب لم تؤثر في ثورية الجزائر.. إلخ، فما الذي حدث؟!

احمد الصراف

أأنا العاشق الوحيد؟ (3/2)

بالرغم من أن طوائف لبنان تزيد على العشرين، فإن الحكومة لا تعترف رسميا إلا بـ 18، وهؤلاء يمثلهم حكما أعضاء في البرلمان اللبناني، فهناك مسلمون سنة، ويتركزون في سواحل بيروت وصيدا وطرابلس، والشيعة ويتركزون في الجنوب وبعلبك والهرمل والضاحية الجنوبية، وهناك الدروز، ويتركزون في الشوف وعالية والبقاع الغربي، وتضاف إليهم طائفتا العلويين والاسماعيليين. وفي الجانب الآخر هناك مسيحيون موارنة، وروم ارثوذكس وروم كاثوليك، وارمن أرثوذكس وكاثوليك، وسريان أرثوذكس وكاثوليك، وكلدان ولاتين وانجيليون، وحتى اقباط أرثوذكس وكاثوليك، وأخيرا اشوريون. وبالرغم من كل الدماء التي سالت بين الفريقين، المسيحي والمسلم، على مدى قرون نتيجة حروب ومذابح ذهب ضحيتها مئات آلاف الأبرياء، والتي فقد ما يماثلها من أرواح في حروب أشد بين ابناء الديانة الواحدة، واحيانا كثيرة بين ابناء الطائفة الواحدة، الا ان براغماتية اللبنانيين لم توقفهم يوما عن تعايشهم معا، والأهم من ذلك تزاوجهم، فقد رسخت تقاليد الماضي زواج «الخطيفة»، الذي عادة ما يتم بين طرفين من ديانتين مختلفتين، وبغير قبول أهل أحدهما أو كليهما، وهي عادة أو تسمية قديمة تعود ربما الى أيام الفروسية، عندما كان الشاب يخطف عروسه من «ضيعتها» ومن بين أهلها، ويردفها خلفه على الحصان ويجري بها الى قريته، وليحدث بعدها ما يحدث! أما في أيامنا فالخطيفة أكثر قبولا وسهولة! والغريب، أو ربما من الطريف أن الدولة اللبنانية، لأسباب تتعلق غالبا بمصالح المرجعيات الدينية وصلاحياتها، لا تقبل بالزواج المختلط دينيا، ولكنها لا تتردد في الاعتراف به وتوثيقه، ان عقد «مدنيا» خارج لبنان!
وفي ظل غياب أي احصائيات رسمية فإن النسبة في عدد السكان بين من يصنفون بالمسلمين وغيرهم هي %60 الى %40 للمسيحيين، بعد أن كانت قبل عقود ثلاثة أقرب لبعضها، وسبب ذلك يعود للهجرة المسيحية باتجاه واحد، التي قابلتها عودة الكثير من المهاجرين المسلمين، وخاصة أفريقيا، الى لبنان! ولا ننسى التكاثر الطبيعي الأكثر تسارعا لدى المسلمين مقارنة بغيرهم. والى مقال الغد.

أحمد الصراف

محمد الوشيحي

تكتل صاهود

تذكرتُ الحكاية القديمة الحقيقية لتلك الصبيّة اليافعة العفيفة والشبان الذين استمرأوا معاكستها والتحرش بها ورميها بالصخر وإهانتها كل يوم، عندما هددتهم بأخيها "صاهود" الذي يعمل في العراق وسيعود في غضون أيام لينتقم لها منهم…
انتظرَته، وطال انتظارها، وتعاقبت الأسابيع، أسبوعاً يركل أسبوعاً ويزيحه ليحل محله، والصبيّة تقضي أوقاتها بين دموع القهر وابتسامات الأمل بانتقام أخيها من الشبان الملاعين… وطال الوقت عليها، واليافعات لا يحتملن عذابات الوقت، فنعست عيونها لكن قلبها الغض لم ينعس، ولا كرامتها المجروحة نعست.
وأخيراً، تبسمت السماء، ووصل أخوها، فقفزت في حضنه تقبله وتغرقه بدموع فرحها، وتشكو إليه ما أصابها في غيابه، وتلومه على تأخيره، وهو الذي بلغته شكاواها مع المسافرين، ويعلم أنها شقيقته الوحيدة اليتيمة الأب، ومع ذا فقد غفرت له كل ذلك، لكنها أقسمت عليه بحق الأخوة ألا يتركها مرة أخرى ويغادر…
ولم تكمل بكاءها وشكواها حتى سحبته من ذراعه إلى "البراحة" التي يجتمع فيها أولئك الفتيان الملاعين، ليريها فيهم عظيم قوته وأصيل نخوته، ويسترد كرامتها المهدرة. وما إن أقبلا على جمع الشبان حتى فرّ بعضهم هلعاً وتماسك القلة منهم وصمدوا، فصرخ في وجوههم: "ما تستحون؟ لا تحرشون فيها مرة ثانية"، واكتفى بذلك، وسحب شقيقته من ذراعها ليعود بها إلى البيت…
وفي البيت، راح أخوها ينثر الهدايا أمامها وهي تنظر إليه مذهولة مفجوعة، فركلت هداياه وهربت منه إلى أمها باكية، فسألتها أمها: "ما الذي يبكيك؟" فأجابتها: "يا ليت صاهود في عراقه"، أي ليته بقي في العراق ولم يأتِ.
وعاد صاهود إلى "عراقه"، وعاد الفتيان إلى سابق عهدهم مع أخته.
الحكاية تتكرر اليوم، والصبيّة اليافعة هي الكويت، والشبان الذين أهدروا كرامتها هم الراشي والنواب المرتشون، وصاهود هو "تكتل العمل الوطني".
وكانت الكويت اليافعة قد تعرضت لكارثة هي الكبرى في تاريخها، بلا مبالغة، هي أكبر من كارثة الغزو – وفي هذا يطول الشرح – عندما تم شراء بعض نواب برلمانها كما يُشترى العبيد، وسُلِبَت إرادة الشعب، فتسابق النواب الأحرار لإعلان غضبهم، وأسرجوا خيلهم، وتفقدوا سيوفهم وصفوفهم قبل المعركة، فتخلّف نواب تكتل العمل الوطني، فتساءل الناس، فراح أنصار "الوطني" يقلبون أثاث الصالة بحثاً عن عذر هنا أو حجة هناك، فقالوا تارة: "هم الآن خارج الكويت، وسيعودون قريباً محمّلين باللؤلؤ والمرجان"، وقالوا تارة أخرى: "جهّزوا سيارات الإسعاف، واحفروا مزيداً من القبور، فنواب التكتل الوطني قادمون لينتقموا للكويت"، وانتظر الناس السيل، وتأخر السيل، والبدو يقولون "ما يبطي بالسيل إلا كبره"، وشحبت الأرض، لكن رحمة ربك تداركت عشاق البلد فشاع الخبر عن "ندوة لنواب التكتل الوطني"…
وقامت الندوة، وأرخينا أسماعنا لصوت طبول الحرب، فصرخ نواب الوطني في وجه الراشي والمرتشين كما فعل صاهود: "ما تستحون؟"، واكتفى "صاهود الوطني" بتلك الجملة، ثم طلب شهادة أربعة من الثقات شاهدوا "المرود يدخل في المكحلة"، وراح "الوطني" يتحدث عن أمجاده التي خلدها التاريخ في الهند والسند وفي المحيط الأطلسي والنرجسي وفي بلاد تركب الأفيال والبغال، قبل أن يقلب "الوطني" ندوته إلى "لطمية" بسبب الحرب التي يتعرض لها من الكائنات الفضائية التي لا يراها إلا هو، ووو، ومع نهاية الندوة، التفت "الوطني" إلى جهة ما وغمز بعينه اليسرى وهو يخفي ابتسامته الساخرة.
وبدلاً من أن يفزع صاهود لأخته، راح يهاجم من انتفض من أجلها.
أوااااه… يا ليت صاهود في عراقه.