مازالت الأسئلة التي اعتدت سماعها، في كثير من الديوانيات، “هيّه هيّه”، والأجوبة “هيّه هيّه”: “لماذا لا تنتقد المعارضة؟ لماذا تتعامل معها كأنها معصومة من الخطأ ومصونة عن النقد؟”… هذه الأسئلة، مع بعض التفصيل، أحياها مغرد في “تويتر”، وإجابتي عنها كالتالي: متابعة قراءة أخطاء المعارضة
الذات القلقة الغاضبة
بينما تقود سيارتك رابطاً حزام الأمان وتسير بالسرعة التي حددها القانون، يلتف عليك فجأة شاب مهووس بالسرعة قاطعاً الطريق عليك، تغضب، "تحرق دمك"، لكن ماذا يمكنك أن تفعل غير صب اللعنات على هكذا حال. تذهب إلى دائرة حكومية لإنجاز معاملة ما فلا تستطيع إنهاءها، فالأوراق المطلوبة ناقصة أو المسؤول متغيب أو مشغول، ولا نهاية للأعذار. تعود للمنزل تجالس الوحدة والملل، فشريك حياتك كتلة من لحم وعظام شكلها الجهل لا يعرف غير أن يسكب الزيت على نار وحدتك، وتسحبك ذكريات إلى عالم ضيق داكن يضج بالأسى تطرق نواقيس الذكرى لحظات جميلة طويت عن أصدقاء أو أقرباء رحلوا إلى عالم الموت، لن يعودوا ولن يعود ذلك الزمن الجميل، هو الزمن الآن الذي يحرق بكل لحظة صفحات حزينة من عمرك… قلق، ملل، أسى غضب حزن ما العمل…؟! لا شيء.
في بداية السبعينيات من القرن الماضي، وقبل أن تغرق الأسواق في أدبيات كتب "العون الذاتي" أو "سلف هلب". وضعت الطبيبة الأسترالية د. كلير ويكس كتابها بعنوان "نهاية المعاناة النفسية" (ترجمتي للعنوان)، قرأت، قبل هذا الكتاب وبعده، كتباً كثيرة في هذا الموضوع، إلا أن كتاب د. كلير يظل الأعمق والأفضل برأيي، رغم أن مؤلفته ليست مختصة بعلم النفس والأعصاب. عند د. كلير، عندما يضيق صدرك، لأي سبب مما سبق، لا تصارعها وتخنق روحك بلوم القدر ومن رمى بك لهذا الحظ التعس، اركب الموجة، اطف فوقها، ودع الزمن العكر للزمن ذاته، فستمضي تلك اللحظات التعسة مثلما مضت غيرها. عند د. كلير هناك خوف من القادم، نسميه "القلق"، وهو أمر طبيعي، غير الطبيعي أن تخاف من الخوف، أي تقلق من القلق، فتصاب بالوسواس، تتملكك فكرة سوداء مرعبة، لا تستطيع الفكاك منها، يحدث هذا لسبب خارج عن إرادتك، أو لعلك شديد الحساسية لأي حدث، هناك هشاشة روحية في الذات، هل تهرب للمسكنات أو المخدرات؟ هذا هروب لحظي مؤقت، وستعود لما كنت عليه بحالة أسوأ، خذ حذرك كي لا تقع في مصيدة الدوران في تلك الحلقة المفرغة من التردد والحيرة، دع الأمور على حالها، لا تصارعها، تعلم أن تتقبل هذه الحياة بمرها وحلوها، تعلم فلسفة القبول، قبول القلق والحزن، وتذكر أن العناد هنا سيحيلك إلى "سيزيف" آخر الذي يدفع الصخرة إلى أعلى الجبل لتتدحرج من جديد للأسفل، درب ذاتك على السمو فوق الحدث، فالذي يقلقك ويؤذي روحك الشقية هو "العادة"، فدرب ذاتك على عادة جديدة بالمران والتكرار.
يطل علينا الزميل ساجد العبدلي من نافذة مشابهة للدكتورة كلير، في كتابه الجديد "بصحبة كوب من الشاي"، ساجد طبيب صحة مهنية، مثلما هي كلير طبيبة، وليسا عالمين نفسيين، لكنه يجتهد في البحث ويمد يد العون للنفوس القلقة بمجموعة مقالات، أولها تلخص نظرته إلى الكتابة الصحافية حين يضع الفاصل الدقيق بين الكاتب الذي يبحث عن التألق والزهو، وهذا أمر طبيعي في النفس البشرية، وبين الكاتب الذي همه من الكتابة مجرد ملء فراغ بكلمات من غير معنى في الصحيفة، لإشباع ذات نرجسية وأنا متغطرسة، وهذا غير المقبول. ثم ينتقل ساجد في مقالات لاحقة ليلامس النفس القلقة، فأنت عندما تطفو فوق سبب الغضب أو الهم يعني أن "… يمارس الفرد فنون التطويف والتطنيش، وأن يتغاضى كثيراً ويتغابى أكثر مما يمر حوله، وليس هذا ضعفاً أو قلة حيلة؟.. بل هو قوة وتسيد للموقف…" مقالات عديدة في كتاب د. ساجد يلتقي فيها مع د. كلير في النصيحة الواعية للذات القلقة، ويجد لها أساساً علاجياً في حديث نبوي أو آية قرآنية، ولا يفوت الكاتب نقد التدين الملوث الذي يقتصر على ممارسة الطقوس الدينية المظهرية والمزايدة عليها مع غياب البعد الروحي للدين، فالدين عند ساجد "حالة روحانية داخلية في المقام الأول، وبعد ذلك حالة أخلاقية سلوكية. وأخيراً ملامح مظهرية…" عدد وافر من لمحات خاطفة في كتاب "كوب من الشاي" علها تكون عوناً للروح القلقة. يبقى هناك الكثير للكلام في معنى القلق، والفرق بين القلق الإنساني الفلسفي، والقلق العادي الذي يصاحبنا في أمورنا اليومية، وليس هذا موضوع المقال الآن.
العائلة النووية وأبناؤها
يعود استخدام تعبير أو وصف «العائلة النووية»
The nuclear family للربع الأول من القرن الماضي، ويقصد به الأسرة المكونة من أب وام، وابناء يتحدرون من صلبهم المشترك، وهي الحالة السائدة في العالم أجمع، باعتبارها الوضع الأكثر مثالية.
تقابل العائلة النووية النموذجية أوضاع أخرى أقل انتشاراً، وهي العائلة ذات الأب فقط أو الأم مع أبناء أي طرف منهما، إن نتيجة زواج سابق أو وفاة أحد الوالدين. وهناك العائلة التي يتزوج فيها الرجل بأكثر من زوجة، أو تكون للزوجين، المرأة أو الرجل، أو لأحدهما، ابناء من زواج سابق. ولبعض علماء الاجتماع آراء أخرى فيما يتعلق بتحديد ما «العائلة النووية». ويعتقد أن للكنيسة والحكومات الأوتوقراطية في القرن السابع عشر دوراً في ترسيخ مفهوم العائلة النووية. كما ساعدت الثورة الصناعية والرأسمالية الحديثة في تقوية مفهوم العائلة النووية باعتبارها الأكثر فائدة للاقتصاد، وللتضامن الاجتماعي.
والحديث عن العائلة يجرنا للحديث عن الأبناء، حيث أصبح الكثيرون يبدون قلقا متزايدا على مصير أبنائهم، مع تزايد مخاطر الحياة وزيادة التحديات أمامهم. ولكن من الأفضل ألا نقلق كثيرا على ابنائنا، لكي لا يستحوذ ذلك القلق علينا ويتعبنا، فدورنا كوالدين هو أن نحب أبناءنا ونعتني بصحتهم النفسية والجسدية والعقلية من دون أن نفني انفسنا بهم.
كما يجب ألا نتوقع الكثير من ابنائنا، وأنا شخصيا أؤمن بذلك، وسيقرأ ابنائي هذا الكلام. فعلينا تربيتهم بأفضل ما يمكن ونستوعب، وأن نبين لهم ما يعنيه الإنسان الصالح بالتصرف وليس بالكلام فقط. وبالتالي من الخطأ، عندما نكبر، أن نغضب لعدم وجودهم بجانبنا لكي يعتنوا بنا، أو أن نصف غيابهم عنا بالجحود، فالحقيقة أنه لم يكن بيننا يوما اتفاق مكتوب أو ضمني ينص على قيام طرف بالاعتناء بالطرف الآخر وهو صغير، ليقوم هذا بالاعتناء بالطرف الأول في كبره، فمثل هذه المحبة والعناية لا تأتي عنوة، فليس أثقل على القلب من أن يجد الواحد منا ابنه او ابنته تقف في كبره بجانبه لترعاه ويعلم يقينا أنها مجبرة، وليس لأنها تحب القيام بذلك من تلقاء نفسها. ولو كان الوالدان يحبان أبناءهما بالفعل، ومن دون غرض، كما يدعي الجميع تقريبا، لما توقعا مقابل محبتهما شيئا! كما عليهما تقدير ظروف ابنائهم، فهم أيضا لهم حياتهم والتزاماتهم الوظيفية والاجتماعية التي تدفعهم للبعد عنا.
كما أنني شخصيا أؤمن بأن علينا كوالدين واجب الاعتناء ماديا، وفق إمكاناتنا، بأبنائنا، ونحن على قيد الحياة ومعاملتهم بصورة متساوية، بصرف النظر عن الجنس أو العمر، ومحاولة توزيع ما لدينا من ثروات عليهم قبل أن نغادر الحياة، وذلك لكي يستمتعوا بما كسبنا ونحن أحياء معهم، وهم في عز شبابهم، وليس بعد أن نموت ويكبروا هم، فليس هناك ما هو أكثر مدعاة للحسرة من الشعور بأن الابناء ينتظرون موت الآباء ليستمتعوا بثرواتهم. وقد قمت شخصيا بتوريث ابنائي الكثير، وجار العمل بما تبقى، مع تقدمي في العمر.
أحمد الصراف
مجددا… أزمتنا أخلاقية
كثيراً ما كنت أكتب في الماضي عن الإصلاحات السياسية معتقداً أنها هي المخرج من تردي الحال، إلا أني في كل يوم يمر تزداد قناعتي بأن الحلول السياسية وتقويم الوضع السياسي ما هو إلا تفصيل صغير يسبّب الحال السيئة، فأزمتنا أخلاقية وليست سياسية، وقد كتبت فيما مضى حول هذا الأمر، واليوم أعيد ما كتبت محاولا إثبات رأيي خصوصا في ظل تكرار المحاولات بأن الإصلاحات السياسية ستجعلنا في جنة، إليكم بعض ما كتبت:
– نقبل بأن يكون لنا رأيان في قضية واحدة تتغير بتغير الأشخاص أو المواقع فقط، ونسمي ذلك مواءمة، ونتحجج بالظروف والمعطيات، وعندما يمارس الآخر أسلوبنا ذاته نعتبره نفاقاً ونردد الآيات والأحاديث في نقده.
– لا نبالي أن يعيش بيننا بشر بلا هوية ولا تعليم ولا صحة ولا سكن ولا وظيفة لمدة خمسين عاماً، ونكتفي بقول "خل يطلعون جناسيهم" وكأن الإنسانية مقرونة بجنسية وهوية، وفي نفس الوقت نطالب بإسقاط القروض عن المواطنين، ونستنزف أموال الدولة كي لا نثقل كاهل المواطنين مادياً، حتى إن كانت قروضهم من أجل سيارة فارهة وإجازة سياحية.
– نردد "ملّينا" من الفساد وتراجع الأحوال في البلد، وتفشي "الواسطة" والمحسوبية في كل القطاعات، ثم نعتبر من يخلص لنا معاملة أو يزوّر لنا عذراً طبياً أو يستثنينا من طابور، أو يعيننا في وظيفة يوجد من يستحقها أكثر منا بأنه "راعي نخوة وما قصّر".
– نرحب بكل شكل من أشكال القانون في الخارج، ونلتزم به أكثر من أهل البلد أنفسهم، وعندما يطبق علينا القانون في بلدنا نردد "شمعنى إحنا".
– نطالب بتعيين الكفاءات ونذهب إلى شراء الشهادات الجامعية من الخارج.
تلاشي الأخلاق مشكلتنا وأزمتنا، وما سبق مجرد شواهد على ما أقول، مشكلتنا أخلاقية بائسة لن تستقيم معها الحال، والأخلاق في تردٍّ وانحدار مستمرين، ولا نحرك ساكناً لتقويمها بل نعزز تلاشيها حتى نكمل تكوين الغابة قريبا.
كل السلوكيات التي نعانيها هي مجرد تفاصيل لأزمة حقيقية عنوانها الأخلاق، وتقويمها الأساسي هو التعليم والتربية، فالدولة تمتلك فرصة مقدارها الـ14 سنة الأولى من عمر الإنسان من رياض الأطفال إلى التعليم الثانوي نستطيع من خلالها أن نرسم، بل ننحت الهوية والأخلاقيات التي نريد على أبنائنا، فنشكّلهم كما نريد، لنقدم للدولة هوية أخلاقية حميدة لكننا لا نفعل، وكما هو واضح لن نفعل للأسف.
تصويت الناصريين للسيسي وانسحاب صباحي!
كي لا تكرر القوى الناصرية خطأها الجسيم الذي ارتكبته في انتخابات الرئاسة السابقة عندما تحالفت بعض قياداتها كحال حمدين صباحي وحمدي قنديل وغيرهما مع الاخوان فنجح د.محمد مرسي بالرئاسة بأصواتهم ثم تنصلوا من ذلك الموقف وانقلبوا على مرسي كما انقلب عليهم، لذا نرجو الاتعاظ من تلك التجربة المرة ومنح أصواتهم هذه المرة للفريق السيسي.
***
ولا حكمة في ان يدعي احد انه ملكي اكثر من الملك أو ناصري أكثر من عائلة عبدالناصر التي اعلنت وقوفها مع الفريق السيسي، ان نجاح صباحي في انتخابات الرئاسة وهو من يدعي تمثيل الناصريين سيعيد تجربة أو مأساة د.محمد مرسي والإخوان المسلمين حيث ان الاخفاق اللاحق المتوقع لصباحي حال نجاحه في الانتخابات بسبب عدم خبرته او كفاءته الإدارية سينعكس بشكل سالب على الحركة الناصرية واسعة الانتشار هذه الايام في مصر، اما اخفاق الفريق السيسي الأقل احتمالا بسبب خبرته الطويلة في الادارة فلن ينعكس او يؤثر على الحركة الناصرية بل على المؤسسة العسكرية ان تم.
***
في هذا السياق ما صرح به الفريق السيسي حول اعتزامه الاعتزال فيها لو خرجت المظاهرات ضده كان الافضل الا يقال كونه سيعطي الاخوان المبرر لإبقاء حالة الفوضى واخراج المظاهرات المدفوعة اثمان البعض منها طوال فترة حكمه، اما وقد خرج التصريح فالواجب ايضاح حقيقة ان المظاهرات لا تسقط الانظمة في الديموقراطيات الغربية كقاعدة وعرف متوارث، فكل يوم تخرج مظاهرات ضد الرئيس أوباما وغيره من قيادات غربية دون ان يدفعهم ذلك إلى تقديم استقالاتهم، ان ما حدث في 25 يناير و30 يونيو بمصر هو استثناء تاريخي والاستثناءات لا يعمل بها كل يوم وإلا لأصبحت.. قاعدة!
***
آخر محطة: (1) الافضل للناصريين ان يعلنوا بشكل لا لبس فيه اصطفافهم مع السيسي وابتعادهم عن صباحي كي لا يتحملوا وزر اخطائه السابقة واللاحقة وعلاقاته التي ستتردى مع اغلب دول الخليج والعالم في حال انتخابه.
(2) بدأت بعض الاخبار تتواتر عن احتمال انسحاب مفاجئ للمرشح حمدين صباحي في القادم من الأيام وهو قرار تدفع الملايين ولربما المليارات لحدوثه كوسيلة لضرب الاستقرار ونشر الفوضى في مصر وسيرى كثيرون فيما لو حدث ان الترشح لم يكن منذ اليوم الاول إلا لإعلان هذا الانسحاب، لذا نرجو كذب تلك الاقاويل التي ستظهر حقيقتها الايام المقبلة والتاريخ يرقب ويكتب!
@salnesf
كرتون موز.. مع «مشمش»!
قصة خلطي، في مقال سابق، بين الخلال والكنار، ذكرتني بقصة طريفة أخرى، سبق أن تطرقت إليها في هذه الزاوية، ولا تضر إعادة ذكرها لطرافتها، ولدلالاتها الاجتماعية والسياسية العميقة، التي تبين كيف كانت، ولا تزال تدار، الأمور في أوطاننا، وقد أخبرتني بها الصديقة روينا إسحاق، التي كانت تعمل مساعدة تنفيذية لصديق كان يعمل في بنك الخليج، وكان ذلك في الثمانينات، وهي تعيش الآن منعمة في وطنها الغربي الجديد.
تقول روينا – نقلاً عن قريب لها كان يعمل سائق أجرة، وكان معروفاً بمهارته وإخلاصه في عمله – إن أحد محافظي العراق، في عهد صدام وبقية اللئام، اتصل بمحافظ، (قائمقام) آخر، وقال له إنه سيرسل إليه «كرتون» موز مع مشمش. كلّف المحافظ قريب السيدة روينا بتوصيل الهدية. وصل السائق إلى بيت المحافظ، وكان الوقت عصر يوم خميس. فتح له المحافظ الباب بنفسه، وسأله عما يريد فسلّمه هذا «كرتون» الموز، فسأله إن كان هناك شيء آخر، فنفى السائق ذلك. وهنا طلب منه الانتظار، ودخل بيته واتصل بالمخفر، وما هي إلا لحظات حتى حضرت سيارة شرطة اقتادت السائق الاشوري إلى الاعتقال من دون كلمة من أي طرف.
بعدها بعشرة أيام تقريباً اتصل المحافظ الأول بالثاني لأمر ما، وسأله، في سياق الحديث، إن كان استمتع بالموز، فشكره الثاني عليه، ولكنه أردف قائلاً إن الهدية وصلت ناقصة، حيث سرق السائق «البواق» كرتون المشمش، ولم يسلمه إلا الموز! فانفجر المحافظ الأول ضاحكاً، وقال إن «سوء فهم» قد حصل، وإنه لم يرسل إليه مشمشاً، بل كان يقصد أنه سيرسل له كرتون موز مع السائق.. أما «مشمش»، فهذا كان اسمه، وكان شهيراً به!
كان من الممكن أن يبقى مشمش المسكين في سجنه حتى اليوم، من دون أن يعرف لا هو ولا أحد غيره سبب سجنه، لولا تلك المكالمة التي تسببت في إطلاق سراحه.
ذكرتني هذه الطرفة بأخرى تتعلّق بزوجة دكتاتور عراقي – وما أكثرهم! – سمعت بمدرس لغة إنكليزية مميز، فطلبت من زوجها أن يفصله من عمله، ويلحقه بالقصر الرئاسي لتدريسها وأبنائها اللغة الإنكليزية! وهنا اتصل الدكتاتور بسكرتيره وقال له بلهجة آمرة: «ابحثوا عن مدرس اللغة الإنكليزية فلان، وافصلوه من عمله، وأحضروه لي»!
بعدها بأيام ذكّرت الزوجة الدكتاتور بأن المدرس لم يصل، فقام هذا بالاتصال، غاضباً، بسكرتيره وصاح به: وين هذا المدرس؟ فرد هذا قائلاً، بكل ثقة: لا تدير بالك يا سيدي، لقد وجدناه، وقمنا بالواجب، واعترف بأنه جاسوس، وتم إعدامه!
أحمد الصراف
قلمات
خدعونا فقالوا في الأفلام العربية وفي مجالس كبار السن: “المدينة تقتل القيم النبيلة، والتطور يقتل الأصالة”، وهي دعوة غير مباشرة إلى العودة إلى حياة الماضي.
وبنظرة سريعة على مجتمعات الدول المتطورة؛ اليابان، هولندا، نيوزيلندا، السويد، النرويج، وغيرها… نجد أن القيم النبيلة في حدها الأعلى، بينما في العالم العربي المتخلف، والإفريقي المهترئ، تكاد تنضم القيم إلى “الباندا” في قائمة “على وشك الانقراض”. متابعة قراءة قلمات
الأمم والفحم
“>هناك دول متقدمة في العالم تتمتع برخاء اقتصادي وصناعي وبحبوحة في العيش، وهناك شعوب تعيش عكس ذلك. وبالبحث في سبب تقدم هذه وتأخر تلك، تبين أن قدم الدولة وتجذرها التاريخي ليس لهما علاقة بالأمر، فالعراق وسوريا والهند وإيران ومصر دول تسمى بحاضنات الحضارات، ولكنها متخلفة في كل ميدان، والعكس نجده في دول حديثة، لا يعود تاريخ وجودها الى أكثر من ثلاثة أو أربعة قرون، ككندا واستراليا، وحتى إسرائيل.
كما لا يمكن نسبة الفضل في التقدم الى توافر الثروات الطبيعية، من غاز ونفط، ومعادن ثمينة اخرى، حيث نجد أن غالبية الدول النفطية مثلا، أو الغنية بثرواتها الطبيعية، كنيجيريا ودول أفريقية عدة، لا يشكل وجودها شيئا بالنسبة للعالم، بينما دول لا تمتلك نقطة بترول واحدة كاليابان وكوريا وسويسرا، الفقيرة بمواردها الطبيعية، ومع هذا تصنع سويسرا افضل أنواع الشوكولاتة، ولكنها لا تزرع حبة كاكاو واحدة، تصنع كل شيء تقريبا وتصدره للخارج، فسويسرا لديها أفضل أنواع القهوة ولا شجرة قهوة توجد فيها، والأمر نفسه ينطبق على فنلندا وجاراتها الاسكندنافية. وبالتالي فإن قدم الدولة أو وفرة مصادرها الطبيعية لا علاقة لها بتقدم الدولة أو تخلفها، وأهميتها لغيرها، وبالتالي لا بد أن تكون هناك عوامل اخرى تلعب دورا أساسيا في التقدم أو التخلف، ويأتي على رأس هذه العوامل نظم التعليم!
فالكويت، الدولة شبه النموذجية بقلة سكانها وانسجامهم الديني والعرقي، او هكذا يفترض، وشبه انعدام مشاكلها، ووفرة مواردها، لديها مشاكل أخلاقية ووظيفية وصحية وأمنية وغيرها، والتي كان من الممكن ألا تكون بهذه الحدة لو كان فيها نظام تعليمي أفضل. فتقدم الدولة ورقيها يصنعهما شعبها، ولكن هذا الشعب بحاجة لتعليم مميز، كما هو في كوريا واليابان وسنغافورة. والتعليم المميز يعلم المنطق والمنطق يأتي بالأخلاق، والأمم بأخلاقها، والأخلاق بالتربية المنزلية المدرسية، ولا تكتسب من الأقران ولا من الشارع، واحترام القانون يفرضه المنطق، والمنطق يكتسب على مقاعد الدراسة. كما أن حب العمل وأداء الوظيفة بطريقة مخلصة، وانجار المطلوب في وقته، كلها قيم لا يكتسبها شعب من «تاريخه العريق»، أو غنى موارده، بل بالتعليم المستمر والجاد، والشيء ذاته ينطبق على المحافظة على النظام واحترام أثمن ما في حياة أي إنسان وهو الوقت، الذي إن مضى لا يعود، والذي لا قيمة له بالذات لدى الشعوب الضاربة بجذورها في «عمق التاريخ»!
فهل يعرف وزير التربية (والتعليم) الكويتي، وقبل ذلك رئيس الحكومة هذا؟ اشك في ذلك، خاصة بعد طرد فريق خبراء التعليم السنغافوري!
* * *
• ملاحظة:
تردني مكالمات لا اعرف مصدرها، فلا أرد عليها، بسبب وجودي في الخارج منذ 29 أبريل وحتى أوائل الشهر الثامن، فالمعذرة. عند الضرورة يرجى الاستعانة بالرسائل النصية.
أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com
لمنع تكرار خطأ انتخاب مرسي!
ابان انتخابات الرئاسة المصرية الماضية صيف 2012 كتبت في جريدة «المصري اليوم» مطالبا القوى العلمانية والليبرالية واليسارية والناصرية بأن تغير موقفها المعلن بالاصطفاف مع المرشح د. محمد مرسي، وأن تقوم بانتخاب المرشح أحمد شفيق، حيث انحصرت المنافسة بينهما وأحدهما يمثل مشروع الدولة الدينية والآخر مشروع الدولة المدنية، والخطأ الجسيم لما يروجونه من تحويل الصراع الى مشروع الثورة ومشروع الفلول، بل وحتى ضمن ذلك الطرح فالنظرة العاقلة تظهر أن مرسي هو مرشح مفهوم ما قبل الثورة (الفلول)، حيث سيحتكر حزبه لو فاز رئاسة الجمهورية والوزراء ومجلسي الشعب والشورى، بينما فوز شفيق سيمنحه الرئاسة فقط، ويتم اقتسام باقي السلطات مع الآخرين، وهو ما يفترض أن يكون النهج الجديد لما بعد الثورة.
***
وانقسمت تلك القوى المدنية وقام قطاع كبير من قياداتها وأتباعها بالتأييد العلني للمرشح محمد مرسي ففاز بأغلبية ضئيلة تظهر بشكل جلي وواضح أنه ما كان ليفوز لولا دعمهم ثم انقلب مرسي عليهم كما هو متوقع وأراد احتكار السلطة لحزبه، كما ظهرت أخطاء كبرى منه كونه وحزبه لا يملكون الخبرة اللازمة لإدارة بلد بحجم مصر بعكس ما كان يمثله رئيس الوزراء السابق ووزير الطيران الفريق أحمد شفيق الذي له سجل مبهر مازالت مصر تحصد خيره في مجال تطوير المطارات المصرية والارتقاء بصناعة النقل الجوي.
***
نخشى من تكرار تلك الغلطة من قبل نفس القوى في انتخابات هذا الشهر، حيث الفارق الذي لا يخفى بين ما يمثله الفريق السيسي من خبرة إدارية ناجحة طويلة وعمل يومي منتظم منذ الصباح الباكر، وقدرة على تعزيز الأمن وفرض الاستقرار الذي لا غنى لدوران عجلة الاقتصاد عنه، إضافة الى ثقة الدول الخليجية المانحة به بعكس المرارة التي تشعر بها تلك الدول تجاه المرشح حمدين صباحي صديق وحليف صدام والقذافي الذي هو أقرب للنسخة الليبرالية من محمد مرسي من حيث عدم الخبرة الكفاءة الإدارية وتناقض وعدم صدق أقواله من ادعاء بعدم نصرته للطغاة العرب وما يظهره «اليوتيوب»، من عكس ذلك وارتباط اسمه برشاوى النفط مقابل الغذاء الصدامية ومن يقبل بيع ذمته الشخصية بالمال لا يؤتمن قطعا على وطن.
***
آخر محطة: (1) نتائج انتخابات مجلسي الشعب والشورى لا تقل أهمية عن نتائج انتخابات الرئاسة، حيث لا يملك الرئيس السيسي غطاء برلمانيا لخططه ومشاريعه خاصة في ظل المادة 123 من الدستور الجديد التي تفرض على رئيس الجمهورية قبول القوانين حتى التي يردها متى ما حازت أغلبية ثلثي الأصوات في البرلمان.
(2) ومن الأهمية بمكان شخصية رئيس الوزراء المصري المقبل وقدرته على حصد دعم البرلمان للخطط المستقبلية.
(3) تنص المادة 29 من الدستور المصري الجديد على أن الزراعة مقوم أساسي للاقتصاد الوطني ومن ثم الاستمرار في ترسيخ مفهوم أن مصر بلد زراعي والواقع يثبت أن مصر بلد صحراوي (95% من أرضه صحراء ولا أمطار أو أنهار تنبع من أرضه) وما لم يتحول إلى بلد صناعي وخدماتي فسيبقى يدور في نفس المشاكل الاقتصادية التي تزيد الانفجارات السكانية من استفحالها.
@salnesf
على من تضحكون؟
“>الجميع تقريبا يشكو من تزايد اسعار العقارات، وخاصة بيوت السكن الخاص، التي وصل متوسط أسعارها الى ما يقارب الألف ومائة دينار، أو 4 آلاف دولار للمتر المربع، وفي أرض جلحة جرداء ملحة، لا ماء فيها ولا زرع!
وكثيرون في الوقت نفسه معنيون ومهمومون بالبحث وإيجاد الحلول للنقص الكبير في بيوت السكن لأكثر من مائة ألف طلب، تراكمت على مكاتب الحكومة على مدى السنوات القليلة الماضية، والتي لم تجد الحكومة لها حلا غير تخدير أصحابها بمختلف الوعود، التي يعرف الكل، إلا المعنيين بالأمر، استحالة تنفيذها. فكيف بإمكان الحكومة توزيع 34 ألف وحدة سكنية خلال السنوات الثلاث المقبلة، كما صرح وزير الإسكان فيها؟ والطريف، او المؤسف، أن الحكومة ووزيرها، وكل عاقل، يعرفون ظروف الكويت وكيف يتم تنفيذ المشاريع، وأن من المستحيل على أي جهاز حكومي بناء هذا العدد الهائل من الوحدات السكنية بهذه الفترة القصيرة.
العقل والمنطق يقولان ان أسعار العقار بارتفاع مستمر، حتى لو انخفضت أو تجمدت لفترة، فمآلها في النهاية الارتفاع، والأسباب بسيطة وهي، في عجالة، كالتالي:
أولا: صغر مساحة الدولة.
ثانيا: البيت لا يعني شيئا بغير الخدمات، وهذه بطيئة، وكلفة توفيرها عالية جدا.
ثالثا: من يمتلكون قطع الأراضي السكنية الكبيرة ليسوا على عجلة للتخلص مما لديهم. فقد أثبتت التجارب أن كل بائع عقار، خاصة إن كان متخما بالمال، سيندم على البيع في نهاية الأمر، فالأرض محدودة والمتوافر نادر والارتفاع في السعر لا مفر منه!
رابعا: استمرار سياسة دعم الحكومة للمواد وغيرها. والملاحظ أن قيمة الأراضي السكنية ومواد البناء ترتفع مع كل دعم يعلن عنه، وبنفس النسبة تقريبا، وهذا يعني أن كل ما سيكسبه المقبل على بناء البيت من دعم حكومي سيدفعه باليد الأخرى لصاحب الأرض أو لتاجر مواد البناء وغيرها من لوازم البيت، يعني تيتي تيتي.
خامسا: سوء مناهج التربية والتعليم التي فشلت في القضاء على ما ترسخ في ذهن المواطن من أن السكن في غير فيلا مستقلة، ولا تقل مساحتها عن 350 مترا مربعا، أمر معيب.
وعليه لا تبدو هناك في الأفق بوادر انفراج في أسعار الأراضي السكنية، أو حتى توقف ارتفاعها، للاسباب أعلاه، خاصة في ضوء عدم قدرة الحكومة على توفير كل ما وعدت به من وحدات سكنية.
والحل بالتالي، كما ورد على لسان أكثر من ناصح منصف، هو في اللجوء الى السكن العمودي، وفي عمارات عالية المواصفات، تقع في مناطق مميزة، وقتها سيتقاتل المواطنون للحصول عليها.
ملاحظة: من سخافات بعض المشرعين استماتتهم في جعل علاوة الأولاد عالية، وأن تشمل سبعة أطفال! وقيامهم في الوقت نفسه بمطالبة «الماما الحكومية» بتوفير السكن الخاص للمواطن، من دون إحساس بأن هذين الطلبين متضادان ومتناقضان! فتشجيع المواطن على الإنجاب يعني ذرية أكثر وطلبات سكن أكبر! فإذا كنا بهذه الحالة السيئة الآن، فما الذي سيصبح عليه الوضع عندما نقر علاوة الأولاد السبعة؟
يبدو أنه لا أحد يدري، ولا أحد يود ان يدري!
أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com




