يا شعب شدّ الحزام وخلّهم يشبعون
وازرع بلادك وهم يجنون خيراتها
ولا تصدّق كلام مهبّلٍ يصرخون
الناس بأفعالها ماهيب بأصواتها
يا شعب شدّ الحزام وخلّهم يشبعون
وازرع بلادك وهم يجنون خيراتها
ولا تصدّق كلام مهبّلٍ يصرخون
الناس بأفعالها ماهيب بأصواتها
أبدعت سامية عيسى في روايتها الصادرة في بيروت هذا الخريف (خلسة في كوبنهاغن) في وصف آلام الشتات الفلسطيني ومتاهاته وتعقيداته. إذ تفرض الرواية المؤثرة على القارئ تساؤلات عميقة حول الوضع الشتاتي الذي:
«مزق العائلات والناس ومزق بينهم وبين أنفسهم، فصاروا يتخبطون ويتساقطون أحياء وأمواتاً في برد المنافي على غير هدى. حاولوا أن يرتقوا التمزق بنشاطات سياسية وأخرى اجتماعية وفولكلورية، لكن الشتات ظل يلاحقهم في أرض الشتات نفسها كلما حدث شيء في غزة ولبنان أو حتى في شوارع كوبنهاغن أو لبنان وسورية». متابعة قراءة «خلسة في كوبنهاغن»: آلام الشتات الفلسطيني وتحولاته
أكتب من مصر التي استطاعت أن تتحول من بلد أسير للإرهاب كحال الصومال وليبيا واليمن وغيرها إلى بلد آسر للارهاب الذي يندحر ذليلا أمام جيشها العظيم، فالأمن والأمان في كل مكان من مصر العروبة ولم تتبق إلا فلول قليلة مهزومة من الإرهابيين تتناقص أعدادها مع كل يوم يمر.
متابعة قراءة مصر الآسرة للإرهاب
تعد دول الخليج العربي آخر قارب نجاة عربي يمكن عن طريقه إخراج ما تبقى من العرب بعد تحطم غرق سفينة العربية في محيط الثورات.
شاهدنا في الأمس القريب أعمق أزمة سياسية مرت بها العلاقات الخليجية – الخليجية، والتي شكلت تهديدا وجوديا لمنظومة مجلس التعاون الخليجي أقوى تحالف إقليمي عربي على الإطلاق.
الكل يعرف أن أصل المشكلة يعود إلى اختلاف وجهات النظر لبعض دول الخليج حول العديد من القضايا العربية المهمة كثورات الربيع العربي والإخوان والقضية الفلسطينية، تحول هذا الاختلاف في وجهات النظر إلى خلاف سياسي، لم يستفد منه الخليجيون وكاد يستفيد منه أعداؤهم.
أولى تلك القضايا هي الثورات وعلى رأسها الثورة المصرية، حيث كانت قطر تدعم الثورة المصرية منذ بدايتها وتتمسك بحكم الرئيس المعزول مرسي، أما السعودية والإمارات، فعلى النقيض منها تماما – الكل سعى إلى ما يعتقد أنه صواب وفي النهاية استقر الوضع في مصر ولم يعد بإمكان الخليجيين تغيير الواقع ولو أرادوا.
القضية الثانية هي الإخوان – بالرغم من أنهم حزب سياسي كغيرهم من الأحزاب، حاولوا الوصول للسلطة – ووصلوا لها ولكنهم فقدوها سريعا، وبغض النظر لماذا وصلوا إليها ولماذا فقدوها؟ يجب ألا يكون الدعم بهذا الحجم ولا العداء بهذا الحد – فهم الآن خارج مواقع التأثير في الكثير من الدول العربية، وليس من المنطق جعلهم موضوعا خلافيا.
أما القضية الثالثة والأكثر تعقيدا وربما ستكون القضية الأكثر استمرارا في قضايا الاختلاف الخليجي والعربي أيضا – فهي القضية الفلسطينية.
لا شك أن حماس تمثل مقاومة عربية في وجه الصهاينة المحتلين، ولكنهم يحملون جينات الإخوان السياسية المرفوضة في كثير من الدول، ومن جهة حماس لا تنسق سياستها مع أقطاب السياسية العربية مصر والسعودية، ومن جهة أخرى حماس قريبة جدا من العدو الرئيسي للمنطقة وهي إيران.
حتما سيتجدد النزاع بين الفلسطينيين وإسرائيل وستكون مواقف حماس موضوعا للاختلاف الخليجي مرة أخرى إلا إذا سعت الأطراف الخليجية إلى عمل مصالحة فلسطينية توحد الفلسطينيين ومن خلفهم الخليجيون والعرب، وهذا هو المرتقب.
في الختام – كان لدول الخليج أدوار مختلفة في المشهد العربي، والكل حاول المساعدة بطريقة مختلفة وربما متناقضة، بحسب ما يراه صوابا من وجهة نظره ومصلحة – وبغض النظر هل نجحت تلك الأدوار أو فشلت فالمؤكد أنها انتهت تقريبا – ومع انتهائها ترسبت بعض الشوائب في العلاقات الخليجية ـ الخليجية تحتم إزالتها والتفكير بجدية بآخر التحديات والتهديدات المشتركة والتي يجب مواجهتها متوحدين، الخليجيون يدركون أن ما يجمعهم أكثر مما يفرقهم – ويؤمنون بأن بإمكانهم الاختلاف حول بعض السياسات في أوقات الرخاء ويؤمنون اكثر بالاتفاق في أوقات الشدة كما هو الحال الآن.
٭ ملاحظة: أكثر من عام كامل من الرحلات المكوكية بين العواصم الخليجية قام بها صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد من أجل إزالة الخلاف بين الأشقاء ولتقريب وجهات النظر، تكللت بالنجاح مع انعقاد قمة الرياض الأخيرة، فشكرا باسم كل الشعب الخليجي «لحكيم الخليج وقائد الإنسانية» على جهودك.
الناس اللي فوق، أي الطبقة السياسية التي تدير الدولة، كيف تفكر الآن مع أزمة الاقتصاد والعجز الحتمي للميزانية، مفهوم الطبقة هنا المقصود به الشرائح العليا من أهل الحكم والدائرون في حلقات ذكرهم، يعني زبائن الحكم بتحالفاتهم وصراعاتهم مع هذا الشيخ أو ذاك، كيف يرون الأمور الآن؟! الكعكة الكويتية، صغرت، يجوز أنها انكمشت واقعاً، لكنهم قد لا يرونها مثلنا، قد توسوس لهم نفوسهم بترك "القرعة ترعى" والاكتفاء بما غنموا في الماضي، وهم في أمان نفسي مستقر بفضل الأرصدة المتخمة في الخارج، وليسوا مثلنا قلقين على واقعنا المر ومستقبل أطفالنا، أو ربما يفكرون بجشع ويعملون لتقسيم باقي "الماجلة" الكويتية، الماجلة هنا بمعنى المساهمة المالية والعينية في المخيمات، التي تقسم بين أهل المخيم الكويتي بعد انتهاء فترة التخييم.
صراع على السلطة، وليس خلافاً كما يروج السلطويون إعلامياً، أين سينتهي؟ وكأن الدولة قطعة أرض خاصة بهم، توفي صاحبها ويتنازع عليها ورثته، لا يصح أن ننشغل بهذا الصراع، ويتم، بالتالي، تغييب وعينا بحاضر الكارثة المالية في الدولة، فقد اعتدنا أن نراقب هذه الصراعات بين الأقطاب، لا مباشرة، بل عبر أطروحات من يمثلها في المجلس أو في الإعلام، وفي الأخير، أي في إعلامنا الخاص هناك دائماً بشر مستعدون للعمل في وظيفة "المشاحاة" (ربما لها أصل لها بكلمة مُشاحَّة العربية أي المماحكة)، ومن كان يوماً ما في الماضي قطباً محل شبهات فساد أصبح الآن بطلاً يتحدث عن المال العام والوطنية عبر "مندوبه" الإعلامي الذي يشاحّ به.
المفروض ألا يشغلنا هؤلاء أو وكلاؤهم بمسرحيات التشهير والغمز واللمز، ولا نضيع بطوشة صراعات "معازيبهم" من الأقطاب، فالآن، الهم الكبير للمخلصين في الوطن، وهم كثيرون، رغم قمع أصواتهم وتهميشهم من السلطة، يجب أن ينحصر في إنقاذ ما يمكن إنقاذه، والنظر إلى المستقبل، فلا يكفي الضرب على وتر الفساد المالي والإداري الضارب في أعمق أعماق جذور الدولة، ولا يكفي، من ناحية أخرى، ترديد مقولة "الشق عود"، وبالتالي ننعزل عن المشاركة في الشأن السياسي العام عبر الحوار المفترض مع السلطة وفتح آفاق إصلاح ما يمكن إصلاحه اليوم، فمثل ظرفنا الحالي يلزمهم بالمشاركة، أياً كان حكم المحكمة الدستورية في دعوى الزميل صلاح الهاشم.
البقاء خارج المشاركة، مهما تصورنا أن مثل تلك المشاركة السياسية قد "تشرع" للوضع الخطأ، وأن أصوات المعارضين ستكون "ضايعة" مع "خبيصة" جماعات السلطة، لم يعد مجدياً، فقد جرب المعارضون الابتعاد عن المشاركة في الفترة الماضية، وتحريك الشارع السياسي، إلا أن قبضة السلطة كانت قاسية بالقمع، وبسحب الجناسي المخجل لشرعية الدولة، وردود الفعل الشبابية تكاد تنحصر اليوم في "التغريدات التويترية"، والتي هي الأخرى أضحت موضوعاً للملاحقة القمعية… فما العمل؟ الوضع السياسي- الاقتصادي لم يعد يتحمل إقصاء أحد… فماذا ينتظر المخلصون!
يقول الباحث سيار الجميل ان العراق كان يقوم في عشرينات القرن الماضي بتدريس كتاب الأخلاق Ethics، وبعد انقلاب 1958 تغير موضوعه ليصبح «التربية الوطنية»، ثم جاء البعثيون للحكم فحولوه الى «التربية القومية»، وفي عهد صدام أصبح الكتاب يعرف بـ«تقرير المؤتمر القطري»! وليس هناك، حسب علمي، من يعرف شيئا عن تسلسل أو تاريخ تدريس مواد التربية الوطنية في مدارس الكويت، ولكن سبق أن درست شيئا من هذه المواضيع، وانها الآن اختفت تماما، بعد أن جاء الإخوان المسلمون والسلف ومعظمهم قضوا على كل تسامح ووطنية ومحبة للآخر، لتحل محلها، وبجرعات كبيرة، كتب المواد الدينية. وقد جربت سؤال الكثيرين من ابناء أقاربي، ممن تعلموا في المدارس الحكومية، فلم أجد لديهم ذلك الإلمام الديني الواضح بما درسوه. وبالتالي حرمناهم من الاستفادة من المعارف العالمية المهمة، ولم نوفق في الوقت نفسه في أن نجعلهم كما نريد، بل مجرد أشباه متعلمين، وقلة متطرفة على استعداد للقضاء على أرواحها وأرواح الغير فور سماع نداء ما للجهاد!
تقول صديقة ذات خبرة في التربية، سبق أن طلبت رأيها في مناهج التربية الدينية، انها وجدت في الكثير منها تكرارا مملا. وأن كتب التربية الإسلامية تنقسم في المرحلة الابتدائية والمتوسطة إلى كتب عقيدة وعلوم القرآن والحديث والسيرة النبوية والفقه والتهذيب، ويضاف اليها في المرحلة المتوسطة الثقافة الإسلامية (مقارنة بكتابي الدين والقرآن اللذين كانا يدرسان لنا مرتين او ثلاثاً في الأسبوع، في ايامنا)! وتقول انها على الرغم من عدم إشارة تلك الكتب الى وجود مذاهب متعددة في الإسلام، فإنها لا تدعو في الوقت نفسه الى نبذ الطائفية. كما أنها جميعها مستمدة من مصادر مذهب واحد. كما أن غالبية هذه الكتب تطرح مفاهيم لا تخرج عن شعارات عامة وكلام سردي لا يجمعه رابط واضح، ولا يتعامل مع السلوك العملي في الحياة والتعاملات اليومية. فمثلا تدعو الى الصدق والامانة والكرم، لكنها تبقى مفاهيم لا تعني الكثير للطفل بغير طرح أمثلة واضحة. كما أن هناك فهماً بأن هذه الفضائل تقتصر علينا، ولا تنطبق بالضرورة على الآخرين. فتقول مثلا ان المسلم ذو إرادة إيجابية، ولكن ماذا عن الآخر الذي اطعمنا وكسانا؟ أو أن الشباب المتمسك بدينه وأخلاقه سيبني عزة الأمة الإسلامية. وماذا عن عزة البشرية؟ كما تدعو الكتب الى مجالسة المحبين لله والصادقين، والتقاط أطايب ثمرات كلامهم. ولكن ماذا عن مجالسة العلماء والفلاسفة؟ لا شيء طبعا، بل يفضل البعد عنهم. ثم تقرأ بأن الإسلام يجيب عن جميع التساؤلات التي تدور في النفس البشرية، وأنه الأكثر عناية بالإنسان. وهذه جميعها والكثير منها كلمات منمقة لها تأثير لحظي، ولكن عدم سرد مواقف أو أمثلة معها يجعلها تتلاشى من الذاكرة، واختلافها مع الواقع اليومي للطفل. وبالتالي ليس غريبا خلو الكتب المدرسية، والدينية بالذات، من مفاهيم عالمية مهمة تتعلق بحب واحترام العمل وإتقانه والالتزام به، وتقبل الآخر، والحث على التفكير وحب تلقي العلم، وغيرها من المفاهيم العالمية. بل هناك تناقض واضح مع مواد دينية أخرى. والخلاصة أن الموضوع خطير ويتطلب نفضة شاملة.
أحمد الصراف
عندما كان عدد الصحف اليومية في الكويت خمساً فقط فقد اعتاد الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد – طيب الله ثراه – أن يصطحب معه رؤساء تحرير هذه الجرائد الخمس، ثم تذمر صاحب الجريدة اليومية الإنجليزية الزميل الراحل ورئيس جمعية الصحافيين في ذلك الزمن البعيد «يوسف العليان» والذي يمتلك صحيفة «كويت تايمز» فانضم إلى المجموعة الإعلامية التي ترافق – على الدوام – الأمير الراحل في رحلاته الرسمية إلى أي دولة في.. العالم!! متابعة قراءة «ميسون ونوال وهديل و.. طوني»!
من خلال متابعتي للإعلام والصحافة في دول مجلس التعاون خلال اليومين الماضيين، اتضح بما لا يدع مجالاً للشك ان كافة أبناء الخليج سعداء وفرحون في التقارب الخليجي الذي تم في الرياض بجهود القادة وعلى رأسهم صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الذي تحمّل عناء السفر والترحال من أجل إتمام هذه المصالحة التي ينشدها كل شعب الخليج والذي أشاد إعلام دول مجلس التعاون بجهوده وشكروه عليها. متابعة قراءة «ليتهم».. ما تصالحوا..!
مع كل حدث إرهابي يدعي بعض شيوخ التطرف الداعمين سرا للإرهاب بأن هناك أعدادا متزايدة تدخل الإسلام نتيجة لذلك الحادث الدموي معتمدين أحيانا على أرقام مبيعات الكتب التي تتحدث عن الإسلام والتي قد تكون حيازتها وسيلة لمعرفة العدو أكثر منه رغبة في الالتحاق به، والغريب ان احدا لا يتكلم عن «نوع» من ادعى دخول الإسلام ويتم التركيز في العادة على «العدد». متابعة قراءة المتحولون للإرهاب!
بدأت الأوساط السياسية تهتم في الحكم الذي يفترض أن يصدر من المحكمة الدستورية بتاريخ 26/11/2014 في الطعن المقدم من المحامي صلاح الهاشم، وهو الطعن الذي يستهدف الحصول على حكم بزوال “مرسوم الصوت الواحد” نتيجة ارتكاب أخطاء إجرائية في عرض المرسوم على مجلس الأمة عام 2012 “مجلس علي الراشد”، ومخالفة تلك الإجراءات للدستور ولائحة مجلس الأمة.
وكنت قد اطلعت على أسباب وأسانيد طعن مماثل سبق للمحامي صلاح الهاشم أن قدمه، وهو طعن جدي له نصيب من الوجاهة، لاسيما أن المحامي الهاشم استوفى الجانب الشكلي، إذ أنه كان قد سبق أن تقدم بالطعن ذاته عام 2013، بعد انتخابات “مجلس مرزوق الغانم”، إلا أن المحكمة الدستورية قضت بعدم قبول الطعن لانتفاء الصفة في رفع الطعن، أما في الطعن الأخير، فقد غطى المحامي الهاشم نقطة الضعف المتصلة بالصفة والمصلحة.
(لقراءة صحيفة الطعن السابق رقم 37/2013 http://s-alhashem.blogspot.com/ )
(ولقراءة حكم المحكمة الدستورية في الطعن المشار إليه يمكنكم الاطلاع على الجريدة الرسمية (الكويت اليوم) العدد 1166 بتاريخ 12/1/2014)
ولست هنا بصدد تقييم الطعن من الناحية الدستورية، وإنما أقدم رؤية سياسية للأجواء العامة على ضوء الترقب السائد لحكم المحكمة الدستورية.
بالطبع فإن صدور حكم بزوال مرسوم “الصوت الواحد”، هو فرصة “نادرة” للمحكمة الدستورية لاستعادة مكانتها لدى الرأي العام، فهذه المحكمة تعاني من أزمة شديدة في إقناع الرأي العام باستقلاليتها، وهي أزمة نتجت عن جملة من الظروف والوقائع والأحداث إذ لم يقتنع الرأي العام بصواب حكمها الذي قضت فيه بدستورية مرسوم “الصوت الواحد” عام 2013. وبالتالي فإن أمام المحكمة الدستورية اليوم فرصة نادرة لإثبات استقلاليتها وأنها ليست ذراعا للسلطة بالنسبة لمن يراها كذلك.
لكن الحكم بزوال مرسوم “الصوت الواحد” لن يكون مجرد تقرير قضائي… فالأحكام الدستورية في معظم المحاكم العليا ترتكز، في بعض الأحيان، على “الموائمة السياسية” أكثر من استنادها على الموقف الدستوري.
(لقراءة المزيد حول تأثير الاعتبارات السياسية في أحكام المحاكم الدستورية: “محمد الجاسم، المحكمة الدستورية.. نحو إصلاح جذري، دار قرطاس، 2009)
ولعله لا يخفى على أي متابع للشأن السياسي، أن الهيمنة السياسية والاقتصادية حاليا هي للتحالف المكون من جاسم الخرافي وناصر المحمد ومرزوق الغانم، وبالتالي فإن الحكم بزوال مرسوم “الصوت الواحد” يعني اهتزاز حتمي لقوة التحالف الثلاثي، وهذا يدفعني إلى توقع قيام أركان هذا التحالف ببذل كل ما يمكنهم من أجل بقاء الوضع كما هو عليه الآن وصدور حكم المحكمة الدستورية برفض الطعن.
في المقابل، هناك تحالف آخر “متحفز” للتغيير، وهو التحالف بين جماعة النائب السابق محمد الصقر ورئيس مجلس الوزراء جابر المبارك، فالأخير يدرك أنه لا يستطيع التحرك بحرية تامة في ظل هيمنة تحالف جاسم، ناصر، مرزوق، وهو وإن كان “يتعاون” مع هذا التحالف الثلاثي، لكنه يرى أن “مستقبله” السياسي يكمن في استبدال تلك الهيمنة بهيمنة جماعة محمد الصقر الذي ينتظر بدوره اللحظة المناسبة للقفز على كرسي رئاسة مجلس الأمة. لذلك فإنني أتوقع أن يكون محمد الصقر وجابر المبارك من أنصار الحكم بزوال مرسوم “الصوت الواحد”.
أما بالنسبة للسلطة، فالموقف قد يكون متشعبا بعض الشيء… فالمعلومات المتداولة تفيد أن “المكانة” التي كان يحظى بها تحالف جاسم، ناصر، مرزوق في أروقة السلطة قد اهتزت، وأنه لم يعد مرحبا بتحالفهم كما كان الوضع في السابق. وربما أصبح التحالف الثلاثي عبئا على السلطة. وبالطبع فإن هذا الاهتزاز لابد أنه متصل بتفاصيل ومسار “بلاغ الكويت” الذي قدمه أحمد الفهد إلى النيابة العامة والذي اتهم فيه جاسم الخرافي وناصر المحمد بارتكاب جرائم أمن دولة.
فضلا عن ذلك، فإن من طبائع السلطة في الكويت اتباع سياسة “تصفير العداد”، فمرسوم “الصوت الواحد” حقق أغراضه الخاصة ونتج عنه “تحجيم” المعارضة البرلمانية التقليدية، لكنه أيضا كشف عورة السلطة وتسبب في عزلها إلى حد بعيد، ولم يحقق أي هدف عام.
وعلينا أيضا ألا ننسى أن تفكير السلطة في الكويت تقليدي جدا، وهو يعتمد على الفطرة السياسية. وهذه الفطرة، مقرونة بتراث السلطة، تدفع بين وقت وآخر، إلى تطبيق المثل الشعبي القائل “خرب عشه قبل لا يكبر طيره”… وأظن أن خطاب مرزوق الغانم في افتتاح دور الانعقاد الأخير لمجلسه، قد أخرج هذا المثل من ذاكرة السلطة، ذلك أن أي متابع بسيط للوضع السياسي والاقتصادي في الكويت يدرك أن “الطير” في “العش” يخفق بجناحيه مستعجلا الطيران!
من جانب آخر، فإن الحكم بزوال مرسوم “الصوت الواحد” بسبب خطأ إجرائي تسبب فيه رئيس السن ومكتب وجهاز مجلس “علي الراشد”، لا يعني خسارة السلطة لما كسبته في الحكم السابق بدستورية مرسوم “الصوت الواحد، فذلك الحكم منح السلطة حق إصدار مراسيم ضرورة لتعديل النظام الانتخابي بغير وجود عنصر الضرورة، وهذا “المكسب” الدستوري للسلطة يتيح لها استخدام مراسيم الضرورة في أي وقت.
أما على مستوى “المعارضة البرلمانية التقليدية”، فمن الواضح أن أنصارها يتوقون للعودة إلى مجلس الأمة بأي وسيلة، بل أنني أرى أن البعض منهم قد بدأ بنفض “الغبار السياسي” عن صورته أملا في المشاركة في انتخابات جديدة بعد أن تمكنوا من تحجيم المعارضة المتحمسة التي تطالب بإصلاح سياسي جذري والتي لا تهتم بالانتخابات. وأرى أن هناك درجة من “التهافت” من بعض أنصار “المعارضة التقليدية” لخوض الانتخابات حتى لو حكمت المحكمة الدستورية بزوال مرسوم “الصوت الواحد”، وأصدرت السلطة مرسوم “ضرورة” جديد بنظام انتخابي جديد!
حاصل القول إن “الأجواء والأوضاع العامة”، فضلا عن جدية “العنصر الدستوري” في طعن المحامي صلاح الهاشم، وأخذا في الاعتبار ما تعانيه المحكمة الدستورية في علاقتها بالرأي العام، قد يشجع ذلك كله نحو تبني المحكمة “الملائمة السياسية” التي تتوافق مع الرأي الدستوري وتحكم بزوال مرسوم “الصوت الواحد”.
لقد زادت “الحمولة”، فهل جاء وقت التخلص من الحمل الزائد؟!
تبقى هناك “مناطق مظلمة” لا يمكن التفتيش فيها ولا معرفة أو تحليل ما يجري فيها!