سامي النصف

القضية الفلسطينية بعد مائة عام!

في زمن الدغدغة والزيف والخداع، يحاول البعض بيع حكايات تاريخية مشوهة على الفلسطينيين عبر محاولة اقناعهم بان الحاضر لا يهم، فالغد لكم لا محالة وسيبعث يوما صلاح الدين جديد يطرد اعداءكم ويحرر ارضكم ويسلم القدس لكم، فهذا ما حدث ايام الصليبيين، وهو امر قادم لا محالة بعد عام او مائة عام، فانتظروا فقط!

****

التاريخ لا يعيد نفسه حقيقة ثابتة، والصليبيون لم يكونوا مستوطنين كحال الاسرائيليين، كما ان احدا لا يروي الحكاية كاملة، فالقدس والمدن التي حررها الناصر صلاح الدين من ايدي الصليبيين اعادها من اتى بعده لهم دون حرب، الا انهم فضلوا مدن الساحل عليها للاستفادة الاقتصادية منها، ولم يعرف عن الصليبيين تأثيرهم على القرار في الدول العظمى في العالم آنذاك، او حيازتهم لاسلحة الدمار الشامل كحال اسرائيل هذه الايام.

****

ومقابل تلك الحكاية التاريخية المشوشة، هناك عشرات الدول التي سادت ثم بادت شعوبها الى الابد، كحال اهل الاندلس والهنود الحمر وغيرهم، ان اراضي الضفة الغربية تتغير ديموغرافيا مع كل يوم يمر عبر المستعمرات التي تبنى وتملأ بالمستوطنين القادمين من بلدان العالم المختلفة، واهمها روسيا التي يعتقد ان اغلب مهاجريها الى فلسطين ليسوا يهودا بالضرورة بل هم روس من مختلف الديانات، وحتى الملحدون يبحثون عن الدفء والعمل والسكن وجواز السفر المريح الذي يسهل لهم الحصول على فيزا الدول الاوروبية والاميركية كحال الجواز الاسرائيلي بعكس الروسي.

****

وفي لقاء لي مع المرحوم فيصل الحسيني الذي اشتهر بالحكمة والتعقل، سألته كيف يصح الحديث عن الصراع الحضاري طويل الامد بينكم وبين اسرائيل وابناؤهم يتلقون العلم في اجل صوره، وابناؤكم في الشوارع يرمون الحجارة؟ اجابني الحسيني ان هذا هو المسكوت عنه الذي لا نستطيع الحديث عنه كي لا نتهم في وطنيتنا، فمازلنا ـ حسب قوله ـ نعاني من تبعيات ثورة الحجارة الاولى، حيث بقيت اعداد كبيرة من الاحداث والشباب في الشوارع وتحول البعض منهم للسلب والنهب، وآخرون للادمان والاتجار بالمخدرات والفريق الثالث تم تجنيده من قبل العدو، ان للحروب وحرب غزة منها زوايا مظلمة كثيرة، فكل رجل يستشهد يخلف بعده ابناء لا معيل لهم يضطرون لترك مقاعد الدراسة للعيش ليصبحوا بعد ذلك اعدادا تضاف لارقام الجهل والبطالة المدمرة.

****

آخر محطة: ما لم يسلم ملف القضية الفلسطينية لقيادة عاقلة حكيمة تمنع الحروب المدمرة غير المتكافئة التي سيتسبب تكرارها في يأس الفلسطينيين وكفرهم بقضيتهم، فقد تختفي مع الزمن تلك القضية الى الابد كحال عشرات القضايا المماثلة في العالم.

سامي النصف

ظاهرة الملحدين العرب!

هناك ظاهرة باتت ملحوظة على الساحة العربية وبشكل غير مسبوق هي ظاهرة الإلحاد ومعها ظاهرة الارتداد عن الاسلام الى ديانات أخرى، أشهرها المسيحية في بلدان كالجزائر التي فشل الاستعمار الفرنسي في تنصيرها حتى انه حاول في اوائل سنوات احتلاله جلب موارنة لبنانيين لمساعدته في اللغة والتبشير إلا أن الموارنة خذلوه ورفضوا الهجرة الى الشمال الافريقي وفي المقابل كان هناك جزائريون ضمن جيش الاحتلال الفرنسي لبلاد الشام وقد شاركوا قائده الجنرال هنري غورو في الانتصار على القائد يوسف العظمة في موقعة ميسلون في 24 /7 /1920.

***

وظاهرة الإلحاد العربي ليست جديدة وأشهر من جاهر بها في العصر الحديث هو د.اسماعيل أدهم صاحب كتاب «لماذا أنا ملحد» المكون من 14 صفحة حاول من خلال المعادلات الرياضية اثبات الحاده وقد سبق ان طالبت في مقال نشرته في 21 /11 /2010 بجريدة «الأنباء» بالتحقيق فيما قيل انه عملية انتحار بعد ان وجدت جثته طافية على ساحل جليم بالاسكندرية في 23 /7 /1940 التي انتقل لها من القاهرة كي ينضم كما قيل لجيش روميل الزاحف للانتقال لبرلين لمساعدة المانيا في ابحاثها النووية المتزامنة مع بدء الولايات المتحدة مشروع «منهاتن» لتصنيع القنبلة النووية.

***

وقد تابعت مقالات د.إسماعيل ادهم المختصة بالنقد الادبي بمجلة الرسالة والتي امتدت لسنوات حتى كتب في 8 /7 /1940 مقاله «الذرة وبناؤها الكهربائي» وتحدث فيه عن تجاربه الذرية في معامل موسكو عام 1933 والتي حصل منها وهو في العشرين من عمره على شهادة الدكتوراه في الفيزياء النووية، والغريب انه بعد كتابته هذا المقال وجد منتحرا او مقتولا على ساحل البحر، وقد ارسل شقيقه د.ابراهيم ادهم يكذب عملية الانتحار ويقول ان جميع كتب وابحاث ودراسات د.اسماعيل قد اختفت بشكل غامض ولم يعثر لها على اثر.

***

آخر محطة: (1) لا يأتي من التطرف والتشدد والارهاب الا كل الضرر على الاسلام، فالإلحاد والارتداد هما رد فعل في الاتجاه المضاد لذلك الغلو غير المبرر.

(2) د.اسماعيل أدهم ولديه مؤلفات تاريخية وأدبية في الاسلام هو اول عالم ذرة مصري وعربي ومسلم «ان جازت التسمية»، وقد قتل في ظروف غامضة تستحق التحقيق فيها وقبل د.سميرة موسى التي قتلت في حادث سيارة باميركا في 15 /8 /1952 ولم تكن للعلم عالمة ذرة بل مختصة بالاشعة.

(3) من العوامل التي ساعدت في عدم التحقيق بحادث موت د.اسماعيل ادهم انه وقع قبل القاء القنبلة النووية على اليابان عام 1945 حيث لم يكن احد منتبها – عدا المختصين – لاهمية علوم الذرة في ذلك الوقت المبكر كما ان اجهاره بالإلحاد ربما يكون قد سبب حرجا لمن يفترض ان يطالب بالتحقيق في مقتله.

@salnesf

سامي النصف

الثقب الأسود ومستقبل العرب!

يحتفل العالم هذا العام بمرور 100 عام على بدء الحرب الكونية الاولى، ولو تمعنا في ماضي اوروبا لوجدناه قريبا من حاضر وحتى مستقبل العرب، حيث امتلأت القارة القديمة بالحروب الاهلية والخارجية والاغتيالات وعمليات الارهاب، واستخدمت في حروبها اسلحة الدمار الشامل مثل الغازات السامة التي قتلت الملايين قبل ان تُحرَّم دوليا، وان استخدمها لاحقا الاسبان في حربهم ضد قوات الامير عبدالكريم الخطابي، كما استخدمها الرئيس عبدالناصر في حرب اليمن، وصدام ضد الاكراد والايرانيين.

***

ويصاحب الحروب التي حدثت في اوروبا وغيرها كما هو معروف هجرات ولاجئون ومجاعات وفقر شديد، حتى ان الاوروبيين كانوا هم من يتركون بلدانهم للعمل في الدول العربية والافريقية. وضمن مذكرات ضابط بريطاني شارك في حملة القائد الانجليزي «كيتشنر» على السودان اواخر القرن التاسع عشر يطلب من زوجته في حال وفاته البقاء في مصر والعمل بها، حيث لا مستقبل لها في بريطانيا، وتظهر صور للدكتور الفلسطيني هشام الشرابي في كتاب ذكرياته المسمى «الجمر والرماد» وهو محاط في منزلهم بفلسطين بمربيات ومدبرات منزل سويسريات وألمانيات، وهي ظاهرة بقيت متفشية حتى الستينيات.

***

ان ما نراه من جنون وقتل ودمار وتناحر يمتد من الصومال والسودان واليمن وسورية والعراق وليبيا، وما يمكن ان يمتد لدول اخرى في المنطقة كما حدث في عرسال بلبنان التي منع انتشار شرارتها التدخل الهادئ والحكيم للملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، قد يصبح حالة دائمة وستتحول موارد الامة الطبيعية الناضبة وعلى رأسها النفط من البناء والتعمير القائم الى الحرب والتدمير لاقتسام تلك الموارد، وستدخل دول اخرى للثقب الاسود العربي الآخذ في الاتساع، وقد تمتد الحروب الاهلية التي بدأت خلال الاعوام القليلة الماضية الى عقود طويلة قادمة ليتحول السلام في المنطقة الى هدنات مؤقتة بين الحروب، ونشهد على اثرها عمليات بلقنة اشد واقسى من البلقنة الاوروبية التي انتهت منتصف التسعينيات.

***

آخر محطة: (1) كيف استطعنا تحويل التنوع الديني والمذهبي والعرقي الجميل في وطننا العربي من نعمة الى نقمة على يد المتطرفين والمتشددين؟!

(2) ولمن يحتج بتنوع الاديان والطوائف والاعراق كسبب للحروب القائمة بالمنطقة، نقول: اعطونا دولة واحدة في هذا العالم مكونة من دين وطائفة وعرق واحد!

سامي النصف

زيارة جديدة لـ «سايكس بيكو»!

لو تم سؤال أي مفكر أو مواطن عربي من المحيط إلى الخليج عن سبب تقسيم الأوطان العربية وعدم توحدها كحال الولايات المتحدة أو دول الاتحاد الأوروبي لكانت الإجابة هي بإلقاء اللوم على معاهدة «سايكس بيكو» السرية التي عقدت عام 1916، والحقيقة هي كالعادة غير ذلك إلا اننا نبحث دائما عن شماعة لإخفاقاتنا المتكررة في تحقيق أحلامنا بالوحدة العربية، فلا نجد إلا تلك المعاهدة التي تحتاج الى زيارة جديدة لها.

***

ولو رجعنا للحقائق لا الأوهام والكلام المطلق لعرفنا ان تلك الاتفاقية اختصت بأقل من 10% من مساحة وسكان الوطن العربي، وانها وحدت ولم تقسم تلك المساحة، فدول الشمال الأفريقي كانت محتلة من قبل فرنسا وإيطاليا قبل تلك الاتفاقية، والحال كذلك مع مصر والسودان اللتين احتلتا بسبب هوجة عرابي 1882، ولم تكن الجزيرة العربية التي كان الملك عبدالعزيز، طيب الله ثراه، يقوم بتوحيدها ضمن تلك المعاهدة، والحال كذلك مع اليمن ودول الخليج العربي، لذا اقتصر تأثير تلك الاتفاقية على دولة الشام والعراق التي تعمل القوى المتطرفة هذه الأيام على تقسيمها وتشطير ما وحدته تلك الاتفاقية!

***

لقد قامت تلك الاتفاقية «بتوحيد» ألوية وقضاءات بلاد العراق والشام، ولو تركوا لحالهم لانقسموا الى عشرات الدول والدويلات، وإذا كان لواء الإسكندرونة (4600كم2) قد اقتطع من سورية عام 1938، أي بعد تلك الاتفاقية، فقد قام الإنجليز بضم لواء الموصل (91000كم2) للعراق الموحد رغم ان اللواء تم احتلاله من قبل الانجليز بعد اتفاقية الهدنة مع تركيا لا قبلها، ولولا احتلال الإنجليز لما حصل العراق على الموصل ولبقي تركياً. أما فلسطين (27 ألف كم2) فلم ينشئها وعد بلفور، بل تكفل بخلقها أخطاء العرب وجهد اليهود وفظائع حبيب بعض العرب «هتلر»، ولو كانت وعود وزراء الخارجية الإنجليز تعني شيئا بذاتها لتمت وحدة بلدان العرب بعد وعد وزير الخارجية البريطاني انتوني ايدن عام 1942 للعرب بتشجيع وحدة أوطانهم، والذي حرص على ان تكون كلماته وعباراته مطابقة لوعد بلفور الذي كان بإمكانه ان يسقط سهوا من التاريخ ولا يتذكره أحد كوعد إيدن!

***

أخيرا.. ما يظهر ظلمنا لـ «سايكس ـ بيكو» في ادعاء انهم من قسمنا ومنع وحدة دولنا حقيقة ان دولنا حصلت على استقلالها منذ نصف قرن وأكثر، فلماذا لم تتحد؟! وهل كان الاثنان مسؤولين عن تسليم ملف السودان لضابط نصف مجنون منتصف الخمسينيات مما تسبب في انفصالها عن مصر وانقسامها اللاحق؟! وهل الاثنان مسؤولان عن تسليم ملف الوحدة المصرية ـ السورية أوائل الستينيات لشاويش برتبة مشير، ما نتج عنه فصم عراها؟! وهل كان الاثنان مسؤولين عن تسليم غزة وهي الجزء الفلسطيني المتحد مع مصر لإسرائيل مرتين (56 و67) دون حرب، ما جعلها تنفصل عنها لاحقا بشكل دائم؟! لنترحم على اتفاقية «سايكس ـ بيكو» فهي خير ألف مرة من البلقنة القادمة لا محالة لدول المنطقة بسبب الثوريات الماضية والحاضرة التي ترفع شعار وحدة الأوطان وهي تعمل جاهدة على.. تقسيمها!

سامي النصف

يا عاقل الراس وينك؟

نرجو ألا يبدي العالم دهشته عند متابعة جرائم «داعش» النكراء والحمقاء، فالزعيم الصيني ماو تسبب في موت 30 مليون إنسان، وستالين الروسي تسبب في موت 20 مليونا ومثلهم الألماني هتلر الذي تسبب في موت 50 مليونا ضمنهم 6 ملايين يهودي أحرقوا بالأفران في سابقة هي الأولى في التاريخ الإنساني، ومثل ذلك إبادة الزعيم الكمبودي بول بوت لنصف شعبه!

****

المنضوون تحت «داعش» هم أصناف عدة، أولهم قيادتهم العليا التي لا يعلم أحد حقيقة انتمائها وإن كانت صادقة أم كاذبة فيما تدعي، الصنف الثاني هم المجرمون والمنحرفون من أصحاب العقد النفسية من أعداء البشر والبشرية ممن وجدوا في جرائم تنظيم «داعش» ما يفرح قلوبهم وينفس عن مكنوناتهم الخافية ولو لم تكن هناك «داعش» لانضموا الى أي تنظيم إرهابي آخر، وقد يكون ضمن هؤلاء زبانية صدام ومرتكبو عمليات التعذيب والإبادة في سجونه ممن ملأوا المقابر الجماعية بجثث الأبرياء، وتبقى نسبة قليلة من المغرر بهم من الشباب ممن يعتقدون انهم يدافعون عن صحيح الإسلام، وهؤلاء سيتكفل زعماء تنظيم «داعش» قبل اختفائهم بتسليم رقابهم لأعدائهم في ليل أظلم، كما تم مع القاعدة وطالبان في أفغانستان دون اتعاظ من الدروس.

****

ويظهر شريط على «اليوتيوب» جماعة داعشية وهم ينشدون قصيدة «يا عاصب الراس وينك» وكان أولى أن يسألوا أنفسهم عن ضمائرهم وعقولهم ورؤوسهم ـ ان وجدت ـ وأين فقدوها، فما يفعلونه خزي في الدنيا وخسارة في الآخرة، وقد تسابق شعراء المملكة العربية السعودية بالرد المفحم عليهم، متحدين هؤلاء الجهلة الخوارج بان يدنوا من أراضي المملكة او حدودها.

****

آخر محطة: يقينا.. «داعش» ظاهرة إرهابية غير قابلة للعيش والاستمرار حالها حال العشرات من التنظيمات الإرهابية المماثلة التي ظهرت ثم اختفت كحال الدخان المتصاعد في الهواء أو زبد موج البحر الذي يذهب جفاء.

 

سامي النصف

المسألة العربية.. الليبرالية هي الحل!

في عهد الليبرالية العربية الزاهر الذي امتد من عشرينيات القرن الماضي حتى تساقطها تحت سنابك الثوريات الهمجية في الخمسينيات وما بعدها، تم توحيد البصرة وبغداد والموصل وخلق مملكة العراق الدستورية، كما وحدت أقضية راشيا وحاصبيا والبقاع الغربي وخلق لبنان الكبير وزيادة مساحته من 3500 كلم2 الى 10452 كلم2 (الشهيرة)، ورفض السنة والدروز والعلويون الحكم الذاتي الذي منح لهم، وتم خلق سورية الحديثة، وحافظ الحكم الليبرالي في مصر على وحدة وادي النيل ممثلا بمصر والسودان، كما قام لاحقا الملك ادريس السنوسي بتوحيد ولايات برقة وفازان وطرابلس (التي كانت لفترة جمهورية مستقلة) في مملكة فيدرالية واحدة حولها لاحقا الى مملكة اتحادية.

****

رفع ثوريو الخمسينيات والستينيات شعارات الوحدة العربية ومزجوها بالاشتراكية وحتى الماركسية العلمية، ودعوا إلى وحدة الطبقة العاملة، واستطاعوا بكفاءة شديدة ان يدمروا وحدة الاوطان العربية التي حكموها عبر اضطهاد الاقليات الدينية والمذهبية والعرقية التي اختارت طواعية البقاء ضمن الدولة القومية، ولم يكن منطقيا على الاطلاق ان يحكم حزب يرفع شعار القومية العربية بلدا به قوميات غير عربية كحال سورية والعراق وليبيا، وان يحكم حزب اسلامي بلدا به مسيحيون او وثنيون، كما حدث للسودان (يوغوسلافيا افريقيا) وأدى في النهاية الى انفصال الجنوب والباقي على الطريق.

****

وتم في حقب لاحقة رفع شعار سياسي لا ديني هو «الاسلام هو الحل» لدغدغة مشاعر البسطاء رغم علم من رفع الشعار انه لن يحل مشاكل الاوطان المختلفة وان الحقائق تكمن في التفاصيل، لذا اختفى الشعار مع وصول حامليه الى الحكم في تونس ومصر وغيرهما، واستبدل بخلق احزاب ترفع شعارات ومشاريع النهضة والعدالة والسلام التي لم يتحقق منها شيء.

****

ان التجربة المعيشة والحقيقة الجلية تظهر ان الليبرالية والقبول بالتعددية هما الحل النهائي لمشاكل اوطاننا العربية المبتلاة هذه الايام بالحروب الاهلية المستترة والمعلنة كونها تبقي الحكومات على مسافة واحدة من جميع الاديان والمذاهب والاعراق، وحقيقة ان الجميع يستطيع ان يتدثر بردائها كونها عملية اختيارية لا امرا يصاحبك منذ مولدك ويضعك قسرا لا اختيارا ضمن هذا التوجه المؤدلج او ذاك، فتصبح دون ارادتك في كثير من الاحيان إما قاتلا او مقتولا.

****

آخر محطة: رفع شعار «الليبرالية هي الحل» يجعلنا «ننتهي» حيث انتهى العالم المتقدم الذي وصل الى تلك النتيجة النهائية ووصل الى السلام الاجتماعي والتقدم وقمة المجد من خلالها، اما الشعارات الاخرى من دينية (جربت في اوروبا ابان العصور الوسطى) أو قومية (جربت في النازية والفاشية والبعثية) أو يسارية (جربت في الاتحاد السوفييتي واوروبا الشرقية) فتجعلنا «نبدأ» من حيث بدأ الآخرون لننتهي بعد عقود وقرون طوال الى النتائج الفاشلة نفسها.

سامي النصف

مخيمات اللاجئين اللبنانيين!

بدأت تنتشر على الارض العربية ظاهرة مدمرة هي مخيمات اللاجئين العرب التي لا ينتج عنها، كما هو معروف، اي امور موجبة، حيث لا يصنع ولا يزرع ولا يتدرب رجالها ونساؤها ولا يذهب اطفالها وشبابها في الاغلب لمعاهد العلم، بل يعيش الجميع على ما تقدمه لهم منظمات الاعاشة الدولية من غذاء ودواء، لذا سهل عبر تاريخنا الحديث استخدام شباب المخيمات في عمليات الخطف والارهاب والترويع واشعال الحروب الاهلية في البلدان التي يعيشون بها كما حدث في الاردن ولبنان الذي قيل ذات مرة ان من احرق لبنان هم.. باعة العلكة.

***

ورغم تعرض لبنان لحرب اهلية لمدة 15 عاما، الا ان العالم لم يشهد مخيمات للاجئين اللبنانيين في الدول المجاورة، بل اعتمد اللبنانيون على انفسهم، فمنهم من بقي في مناطقهم رافضين تركها، ومنهم من هاجر وعمل وانتج ونجح وعاد لاحقا لتعمير بلده، مما يثبت ان الحروب لا تنتج بالضرورة.. مخيمات لاجئين!

***

وفي مصر، تسببت حرب الاستنزاف في تهجير رسمي لسكان مدن القناة، الا ان الامر لم ينتج عنه مخيمات لاجئين مصريين، كما لم يتسبب الغزو الصدامي للكويت في خلق مخيمات لاجئين كويتيين، واذكر انني وغيري كثير من الكويتيين واصلت ممارسة عملي التخصصي في الخارج وادخلنا ابناءنا المدارس ولم نتصور انفسنا نسكن في مخيمات تتكفل المنظمات الدولية بإطعامنا.

***

ان خلق مخيمات للاجئين الفلسطينيين بعد عام 1948 بحجة ضمان عدم ضياع قضيتهم كانت فكرة كوارثية وغير انسانية ساهم في خلقها لاسباب شريرة الامين على القضية الفلسطينية آنذاك المفتي امين الحسيني، بدلالة انه لم يعش بها بل امضى حياته في مدينة القاهرة، وكان يفترض عمل العكس اي التأكد من تحول الشعب الفلسطيني الى شعب مثقف منتج كما عملت الكويت مع نصف مليون فلسطيني استقبلتهم على ارضها ولم تجعلهم يعيشون في مخيمات بل منحتهم فرصة العمل والدراسة في اجل صورها، لذا لا عجب ان تكون اغلب القيادات الفلسطينية المبرزة بمختلف توجهاتها من خريجي الكويت.

***

آخر محطة: 1 ـ في منطقة الشرق الاوسط، شعوب اخرى تعرضت للقمع والقتل والابادة والتهجير من اراضيهم كحال الاكراد والارمن والشركس.. الخ، الا انهم لم يخلقوا مخيمات لاجئين يعيشون فيها بل اصبحوا جاليات منتجة تحظى بعيش كريم في القرية الكونية الصغيرة التي نعيش جميعا فيها.

2 ـ بعد الحرب المدمرة الحالية في غزة، نرجو البدء في تحويلها من مخيم لاجئين كبير يعيش على المساعدات الى هونغ كونغ او دبي او سنغافورة جديدة والتحول من حالة سياسية وامنية غير مستقرة وبيدق شطرنج يتم اللعب به الى شأن اقتصادي متميز منزوع السلاح حفاظا على كرامة وعيش اهله.

سامي النصف

المسألة الدينية في الأوطان العربية وخارجها!

هناك إشكال إنساني حقيقي ومأساوي يتعرض له أتباع الدين الإسلامي خارج الوطن العربي ويحتاج الى حل ناجع وسريع له، حيث انفرد المسلمون دون غيرهم من أتباع الأديان الأخرى المتفاهمة بعضها مع بعض، بتعرضهم لأعمال عنف من قبل المنضوين لتلك الأديان بجميع أشكالها وطوائفها، وجزء مهم من الإشكال المتكرر هو محاولة بعض المسلمين خلق دويلات لهم والانفصال عن أوطانهم القومية بحجة أنهم لا يحكمون بالإسلام وان ديارهم ديار كفر وحرب تحتاج إما الى تغييرها وإما الى الهجرة والانفصال عنها، والحل بداهة يوجب قيام المرجعيات السياسية والدينية العربية والإسلامية بالطلب من الأقليات المسلمة القبول بأوطانهم التي يعيشون فيها كحل نهائي لإشكالاتهم، فلن يأتيهم فتح إسلامي أو دولة خلافة حقيقية ينضمون اليها، وضرورة العمل عبر القدوة الحسنة، فإندونيسيا ونيجيريا- أكبر بلدين إسلاميين في آسيا وأفريقيا- لم تفتحا بالسيف بل بالرفق والموعظة الحسنة.

* * *

في المقابل هناك إشكالات الأقليات الدينية والمذهبية والعرقية التي تعيش في أوطاننا العربية، والتي يلاحظ أن أغلبيتها لجأت تاريخيا الى قمم الجبال لحماية أنفسها من تعسف العثمانيين وغيرهم حتى ارتبطت أسماء الأقليات بالجبال، فهناك جبال الأكراد والدروز والعلويين والموارنة والصابئة والأرمن والأمازيغ والبربر.. إلخ، والواجب يدعو ضمن المخاض العربي الحالي وكوسيلة لمنع انفصالهم القادم لا محالة، الى الاعتراف بالمظالم التاريخية التي تعرضوا لها والوعد بعدم تكرارها وإقناعهم بأن مصالحهم تتم عبر البقاء ضمن الدولة القطرية القائمة بدلا من الانفصال اعتمادا على كسب مؤقت كوجود آبار النفط على أراضيهم والتي ستنتهي فائدتها آجلا أو عاجلا.. خيار بقاء الأقليات يحوج أن تكون الدولة العربية مزدهرة وآمنة، لا مليئة بأعمال العنف والحروب والتدمير الاقتصادي.

* * *

آخر محطة: (1) أحد إشكالات بعض المذاهب المتفرعة من الدين الإسلامي محاولة الأكثرية إرغامهم على تغيير معتقدهم كي يتماشى مع معتقد الأغلبية، قد يكون مناسبا ضمن الفهم الجديد للدولة الوطنية المتعددة الأعراق والديانات والمذاهب إعطاؤهم الحق الكامل في ممارسة عقائدهم بالطريق الذي يرونه أو حتى القبول بتسمية تلك العقائد والمذاهب بديانات منفصلة كي يتوقف الخلاف.

(2) ويمكن ان يكون حصول بعض الأقليات على المناصب القيادية العليا في الدولة كوسيلة للطمأنة جزءا من الحل لبعض الدول العربية، وهو أمر مطبق في لبنان والعراق وحتى سورية، ولو طبق في السودان لما انفصل الجنوب، على ألا يعني ذلك ظلم وتعسف تلك الأقليات تجاه الأكثرية.

سامي النصف

غزة بين الأرغون والهاغانا!

منذ بدء المسألة الصهيونية اقتسمها نهجان يمكن اختزالهما في نهج «الهاغانا» وهو الأقرب للعقلانية والاعتدال وكان على رأس قيادتها حاييم وايزمان وبن غوريون وأشكول وغولدا مائير ممن تحولوا بعد عام 1948 الى حزب العمل وتحولت منظومتهم العسكرية الى جيش الدفاع الإسرائيلي، وخلقوا نظام المزارع الجماعية (الكيبوتس) لتعزيز مدنية الدولة، وكان قادتها قد قبلوا عام 1937 بمشروع «لجنة بيل» البريطانية المتضمن قيام دولة يهودية على 10% من أرض فلسطين، وعربية على 90% من الأرض، كما قبلوا مشروع التقسيم ولم يحاول العرب بدء عملية سلام جادة معهم وفضلوا المعادلة الصفرية أي كل شيء أو لا شيء.

***

قابلت سياسة الهاغانا سياسة «الأرغون» المتشددة التي كان أول من ابتدعها ونادى بها المتشدد الديني والقومي الروسي فلاديمير جابونسكي (1880 ـ 1944) وسار على نهجها بيغن وشامير وشارون وغيرهم من المؤمنين بحق إسرائيل في التوسع غير المحدود وطرد الفلسطينيين من ارض اسرائيل، ويهودية الدولة وقد فاز بيغن عام 1977 برئاسة الوزراء، والغريب ان عملية السلام وأول اعتراف عربي بوجود اسرائيل بدآ في عهده.

***

ويروي عازار وايزمان في مذكراته ما حدث في كامب ديفيد والذي يختلف تماما عما يعتقده العرب، حيث أعلن المتشدد بيغن عدم رغبة إسرائيل في الانسحاب من سيناء التي يعتبرها ارضا تاريخية لإسرائيل وتشكل بجبالها وممراتها ارض دفاع مثالية عنها، ناهيك عن ثروات النفط والغاز فيها، كما رأى بيغن ان اسرائيل عاشت 30 عاما دون اتفاقية سلام وتستطيع العيش 300 عام أخرى دون تلك الاتفاقية والتي يمكن ان تمزق في أي لحظة، ولم يرضخ بيغن إلا بعد تدخل الرئيس كارتر شخصيا فجر يوم المغادرة وإصراره على نجاح اتفاقية السلام، وان عدم تحقيق اتفاقية سلام مع اكبر بلد عربي رغم زيارة زعيمها للقدس يعني ألا يكون هناك سلام أبدا بين العرب وإسرائيل.

***

آخر محطة: على مائدة عشاء أقامها الرئيس الفلسطيني محمود عباس في رام الله أخبرني المفاوض الفلسطيني د.صائب عريقات وهو صديق شخصي للرئيس كارتر قصة كامب ديفيد حيث أخبره الرئيس الأميركي ان أوضاع أميركا لم تكن جيدة في عهده، حيث تعرضت لمشاكل اقتصادية وإخفاقات سياسية وأمنية لذا بحث ومستشاروه عن قضية دولية شائكة يقوم بحلها ومن ثم تعتبر إنجازا تاريخيا له وهذا ما صنع مشروع اتفاقية كامب ديفيد التي وكالعادة سبها العرب و… بكوا عليها..!

 

سامي النصف

هل نحن بحاجة لانتداب جديد؟!

من يرقب الفوضى العارمة التي تضرب أوطانا عربية (حتى أفريقية) كحال الصومال والسودان واليمن والعراق وسورية وليبيا والمستمر بعضها منذ عقود والتي لا يوجد أمل في إصلاح أحوالها في المستقبل المنظور، يجعلنا نتساءل هل تلك الدول بحاجة لنظام انتداب دولي جديد ليقوم بتأهيلها وحفظ الأمن فيها كي تصبح مشاريع دول مستقرة ومتقدمة كبديل لمشاريع التوحش وسفك الدماء القائمة؟! ويتبقى تساؤل عن ماهية مصطلح الانتداب لمن يجهله. وهل أحسن تطبيقه في الماضي؟!

***

ظهر مفهوم الانتداب بعد الحرب العالمية الأولى كوسيلة انتقالية للدول التي تم استعمارها لتأهيلها لعهد الاستقلال، وقد بدأ العمل به عام 1923 ونص على ان على الدولة المنتدبة ان تضع دساتير دائمة للدول التي تم انتدابها عليها، وإنشاء قوات أمنية ووضع نظام قضائي مستقل ومتطور وضمان إلغاء الامتيازات الأجنبية وصيانة أراضي الدول وحماية الحدود ووضع تقرير سنوي عن حالة البلدان يرفع الى عصبة الأمم..

***

والحقيقة ان الأخطاء التي شابت الانتدابين الإنجليزي والفرنسي في بلاد الشام والعراق كانت بسبب سوء التطبيق لا سوء الفكرة، فمن عينوا لإدارة دولنا العربية آنذاك واصلوا إكمال المشروع الاستعماري على أيدي شخصيات متشربة بفكر الاستعمار مثل الجنرال غورو في الشام وهربرت صموئيل في فلسطين، ومما يدل على إيمان العرب في حينها بتلك الفكرة ان كثيرا من القادة الفلسطينيين والعرب صارحوا اللجنة الأميركية المكونة من كينغ ـ كراين عام 1919 بقبولهم لانتداب أميركي على فلسطين والشام.

***

ولقد طبقت الولايات المتحدة بعد عام 1945 وبنجاح باهر فكرة «الانتداب» وان سميت بـ «الاحتلال» على ألمانيا واليابان فتمت إعادة تأهيلهما وخلق دساتير لهما فوصلتا الى ما وصلتا اليه من رقي وتقدم، وقد حاولت أميركا مرة أخرى تطبيق ذات الفكرة على العراق بعد عام 2003 إلا اننا كعرب وبعبقرية شديدة ركزنا على مسمى «الاحتلال» فتمت محاربته وخرجت القوات الأميركية ليتحول العراق الى الغابة القائمة..

***

آخر محطة: قد تكون فكرة الانتداب الدولي الذي تشرف عليه الأمم المتحدة ويمنح مددا محددة لتأهيل الدول التي تسودها الفوضى، الأمل «الوحيد» لدول عربية وأفريقية باتت مهددة بالتقسيم والتشرذم.. والانقراض!.