حسن العيسى

حكومة د. جيكل ومستر هايد

حدث في مجلس الوزراء أنه "… تمت دراسة 123 طلباً في ظل مستويات التضخم السائدة حالياً، وفي إطار الخطة الإنمائية للدولة، وبحث حاجة سوق العمل إلى الوظائف التي تضمنتها تلك الطلبات، بالإضافة إلى مراعاة التوازن بين احتياجات القطاع الحكومي والقطاع الخاص… إلخ"، وبجرة قلم أقر مجلس الوزراء فتح صنبور الكوادر والمزايا المالية للعاملين في القطاع العام، فأقر كوادر أو مزايا (ولا فرق بين الاثنين) للعاملين في الصيدلة والمهندسين… ثم سال قلم المزايا ليشمل العاملين في الخدمة الاجتماعية بمجال تخصصهم، وحملة المؤهلات الجامعية التجارية… ودبلوم المحاسبة ومجال القانون… ثم استطال قلم الخير الحكومي ليضم العاملين الكويتيين في الأمانة العامة لمجلس الوزراء وكل أصحاب المؤهلات الجامعية العاملين في مجال التطوير الإداري، ومزايا مالية للعاملين في مؤسسة الموانئ والمؤسسة العامة للرعاية السكنية ووكالة الأنباء الكويتية… ويمتد قلم خيرات الدولة ليشمل الجميع (عند الحكومة) دون استثناء إلا ما رحم ربي…

يا الله تهني أهل الكويت… ويارب تبارك وتزيد في أريحية دولة "اعطه من بيت المال"، ولا حسد ولا يحزنون… واليوم خمر وغداً أمر… وماذا يعني أن تكلفة المزايا والكوادر ستكون 300 مليون دينار سنوياً؟ وماذا يعني الإقرار بأن الخير وفير… وبركات الحكومة تعم الكبير والصغير… العامل وغير العامل… الإنسان المنتج وغير المنتج… فهذه الكويت وصل على النبي…؟!

اسأل الحكومة إذا كانت مستوعبة ما قررته عندما فتحت صنبور الخيرات للعاملين في القطاع الحكومي…؟ وكيف تفهم حكومة الوعظ والإرشاد "التوازن بين احتياجات القطاع الحكومي والقطاع الخاص"…؟ ومن سيعمل غداً في القطاع الخاص، بعد إقرار قانون الخصخصة… وحتى بعد الحلم الكبير بإقرار قانون الضريبة، وقانون منع الاحتكار وقانون حماية المستهلك…؟!

هل هذه الحكومة هي الحكومة ذاتها التي دعت مؤسسة بلير إلى تقديم دراستها عن مستقبل الدولة، وجاء في تقريره أن الدولة ستعاني عجزاً مالياً خلال 8 سنوات إذا استمرت على سياستها الحالية في تضخم نسبة العاملين بالوظيفة العامة؟ هل هذه الحكومة هي ذاتها الحكومة التي نشرت دراسة البنك الدولي في مارس الماضي وحذرت الدراسة من أن "… أي زيادات قادمة في باب الرواتب وما يلحق به من كوادر ومنح ومزايا سيكون لها تأثير كبير على الدولة يتمثل في انخفاض إنتاجية الموظفين في القطاع الحكومي، وزيادة معدلات البطالة، إلى جانب عزوف الشباب الكويتيين عن التعليم، إضافة إلى العديد من المشاكل والسلبيات…"؟ هل لدينا حكومة واحدة أم حكومتان…؟ حكومة تقول لنا كلاماً في الليل و"تلحسه" في النهار إرضاء للشعبوية الاستهلاكية…! هل لدينا حكومة د. جيكل ومستر هايد… أم ماذا تكون وماذا تريد هذه الحكومة الحصيفة…؟!

أريد أن أهمس في أذن الزميل والصديق إبراهيم المليفي بأن ما كتبه صحيح: فليس قطاعنا الخاص هو قطاع شركة سوني وتويوتا… بل هو قطاع تابع يحيا على نفقة الحكومة في الدولة الريعية… ولكن هل هي حكومة "لي كوان هو" السابقة في سنغافورة… أم حكومة مهاتير محمد في ماليزيا… أم حكومة الحزب الشيوعي في الصين…؟ كيف ترى وتقرأ الحكومة المستقبل…؟ وكيف تعرف معنى كلمة "مستقبل"…؟

حسن العيسى

توكل على الله واستقل من الوزارة

توكل على الله يا معالي الوزير واترك كرسي الضبط والربط في وزارة الداخلية، ودع نجوم المجلس الذين تركْتَ وزارتك تحت أمرهم وتوجيهاتهم يديرونها بدلا منك… تفضل معاليك… واترك عنك القيل والقال من هذا النجم أو ذاك ممن تتلألأ سماء الحريات في الدولة بفضلهم وبفضل تقواهم وبركاتهم وأدعيتهم لك ولحكومتك المباركة بإذن الله، ودعواتهم علينا نحن شعب بني صامت الفرحان… تفضل يا حضرة الوزير.. واترك هذا الكرسي، واسأل الفاضل النائب هايف أو الطبطبائي أو أي نائب آخر على مقاس وشاكلة "نجوم" الحريات وكرامات الناس، أن يديروا وزارتك فعلاً وبأمر الواقع… هم يا معالي الوزير يديرونها اليوم بالريموت كنترول… تدري أم لا تدري…! بالريموت كنترول زجرت وزارتك قبل يومين آلاف المساكين السيلانيين ومعهم سفيرهم، حين كانوا يحتفلون بعيدهم الوطني بنادي الجهراء، كان معهم التصريح القانوني، وكانوا "على قد حالهم الفقير" في يوم فرح لهم يتيم من دهور الشقاء والكرب التي يعيشونها في خدمة شعب بني نفط الكسلان… كان يوم بهجة وطنية لهؤلاء المساكين استكثرها عليهم "نجوم" الفرح في  المجلس، وبكبسة زر على الريموت بأمر النائب تحركت جحافل وزارة الداخلية لتمنع الحفل، وتصادر كرامة المحتفلين، وتضرب بحقوقهم عرض الحائط لا كسيلانيين بل كبشر في الدولة…
كانت صور مرعبة… نشرتها جريدة الراي لمشادة كلامية تُظهر أحد مشايخ منظمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر غير المعلنة يُملي أوامر المنع والقهر على سيلاني… وطبعاً… قوات الشرطة من خلفهم تذعن لأوامر مندوبي الهيئة العامة للقهر والنهر… أليس هذا يا معالي الوزير اعترافاً كاملاً، وعلى غير حكم القانون، بهيئة القهر والنهر؟… بلى هو اعتراف منك ومن حكومتك التي ذرت الرماد بأعيننا حين وقفت مع حقوق المرأة السياسية وزرعت وزيرة أنثى بمجلس الوزراء، وتركَتْ ماعدا ذلك بيد محتسبة الكويت.  
 أتذكر أم لا تذكر معاليك قبل أشهر حين تراكضت شرطة الوزارة إلى صالة أفراح كان يقام بها حفل عرس عادي، وبكبسة زر من ريموت كنترول النائب هايف جرحت وزارتك كرامة الناس المحتفلين، وخرجت شرطتك "بفاشوش" فلم يكن هناك خمر ولا لهو؟ وكان "البلاغ" على غير الحقيقة من الحاكم المتسيد على أمور وزارتك… كان هناك فقط تعاسة وبؤس خلقتهما… أنت.. وحكومتك… ومحتسبتكم… وجماهير التخلف والرجعية حين أنتجت لنا بضاعة التزمت والرجعية ولفتها السلطة الحاكمة بورق السوليفان…!
 لماذا الحوار والكتابة عن مأساتنا معكم… نحن الأقلية المقهورة في بلاد الرياء؟… ولنقل ختاماً إنه عدا النائبة أسيل العوضي  التي سألت الوزير عن ملهاة حفل السفارة السيلانية… كيف نفهم اليوم صمت نواب مثل الغانم والملا والعنجري والراشد ودشتي عن تلك الانتهاكات الفجة للحريات الإنسانية وكرامات البشر… هل يعنيهم الأمر أم ماذا؟!

حسن العيسى

جرة النائب علي الراشد

حسن النية مفترض في النائب علي الراشد حين قدم اقتراحاته بتعديل بعض مواد الدستور، لكن حسن النية المفترض لا يكفي حين تغيب القراءة الصحيحة للواقع  السياسي الكويتي، فماذا يريد النائب علي الراشد تحديداً؟ إذا كان الهدف الكبير من اقتراحات التعديل ضبط سيل استجوابات النواب للوزراء ورئيس الحكومة، كما انها (الاقتراحات بالتعديل) تهدف إلى الحد من مساءلة الوزراء ورئيس الوزراء، فقد جانب علي التوفيق… فليست حكومتنا، كما يروج وهماً، هي حكومة مشكلة من ديمقراطية حقيقية، هي حكومة عائلة واحدة هي أسرة الصباح الحاكمة، فرئيس الوزراء ومناصب وزارات السيادة، إن صحت التسمية (الدفاع والداخلية والخارجية وأحيانا وزارة الإعلام)، محتكرة بعرف غير ديمقراطي لأبناء الأسرة، وهم بهذه الصفة يشكلون قلب الحكومة والآمر الناهي فيها، فهم حكومة الحكومة كما سميتها قبل سنوات، فما تريده حكومة الحكومة في النهاية سيظل ويبقى دون جدل ولو خالفهم الرأي الوزراء الشعبيون.
لماذا ننظر إلى النصوص الدستورية كمثال، ويروج عبرها الوهم بالحلم الديمقراطي الكامل، بينما الواقع غير ذلك، فهل وزراء الحكومة هنا في حاجة إلى ضمانات أكثر من حقيقة الواقع السياسي في الكويت حتى يتقدم النائب الراشد باقتراحات ستصل في النهاية إلى ارتفاع الوزراء ورئيس مجلس الوزراء فوق المساءلة الدستورية، ويضحي التعديل المقترح ليس إلا واجهة تخفي نزعة تفرد واستبداد سلطوية تمحو القليل المتبقي من الرقابة والمشاركة الشعبية في الحكم.
الأمر الآخر، وعلى ضوء نتائج الانتخابات الأخيرة، وما انتهت إليه نتائجها في تشكيل هذا المجلس، لا نتصور أن هناك أي عثرة في طريق حكومة الحكومة، فـ "اللي تبيه الحكومة يصير"، وهنا مكمن الخطر في اقتراحات النائب علي بالتعديلات الدستورية، فهي ستكون شبه مضمونة متى قدمت، فأين سيكون موضع النقاش والتحليل والجدل في جوهر تلك الاقتراحات متى عرفنا النتائج مقدماً؟!
تبقى هناك ملاحظة أخيرة، فالنائب علي يرفض أن يطرح تعديل المادة الثانية للدستور من قبل النواب الإسلاميين لتصبح الشريعة الإسلامية المصدر الوحيد للتشريع، ويقول إن مجرد طرح مثل هذا الاقتراح سيعتبر خلطاً للأوراق وتخريباً لمقترحه! هنا نسأل علي: لماذا يبيح لنفسه ما يحرمه على غيره؟ لماذا يكون له حق اقتراح التعديل ولا يكون للنواب الإسلاميين مثل حقه في تعديل المادة الثانية؟! ألا يرى حضرة النائب أن اقتراحاته بالتعديل ستكون بمنزلة فتح جرة بندورا للشرور، كما في الميثولوجيا اليونانية، هي جرة بندورا لا صندوق بندورا، كما جرى خطأ تسميتها، وهي جرة على رأس كل نائب في هذا المجلس، فليحذروا من إسقاطها، فتغرق الكويت في شرور التسلط والاستبداد.

حسن العيسى

طبعاً الشيوخ أبخص

قالوا "من صادها بالأول عشّى عياله"، وقالوا أيضاً "من سبق لبق"، وكلنا نعرف "أنهم" الأوائل في الصيد دائماً، و"أنهم" الأسبق في "التلبق"، وإذا كان كل إناء بما فيه ينضح، فالكويت بالمحسوبيات والواسطات تنضح ويفيض إناؤها ويُغرِق طلاب العدل والمظلومين.
النائبة رولا دشتى سألت وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء عن أسماء شاغلي الوظائف القيادية وما يعادلها في الوزارات والإدارات الحكومية… وتضمن سؤالها استفساراً عن "الأسس والمعايير التي يتم على أساسها الترشيح للوظائف القيادية وتجديد التعيين فيها"؟
لو كنت مكان الوزير لتكلمت بصراحة، وقلت لها: إنك تعرفين وأنا أعرف… وكلنا عيال قرية… فلماذا هذا السؤال المحرج، فالتعيين والتجديد في الوظائف القيادية  وحتى ما دون القيادية، يجريان حسب قاعدة الذين اصطادوا أولاً عشّوا أقاربهم ومعارفهم ومحاسيبهم، فالوزير عندما يصل المنصب يسارع إلى زرع المعارف في المناصب القيادية… وهؤلاء يردّون الجميل بدورهم في شتل الوظائف الأدنى لأحبابهم ومحاسيبهم، وتمتد الأمور بهذه الصورة من بداية رأس الهرم الإداري حتى القاعدة، وهكذا يُعمَّم الفساد الإداري وتُقنَّن المحسوبية، وإذا كان هناك قانون مثل قانون الخدمة المدنية لضبط الأمور،  فنحن ندرك أن مجال الاستثناء واسع، وفتح المنافذ في حوائط النص سهلة متى فسدت النفوس.
كتب مرة مظفر عبدالله وسنجار محفوظ في جريدة الطليعة "…إن الحديث عن توزيع المناصب صار يعلو على التطوير والإصلاح في أعمال الوزارات، وبذلك فقَدَ المنصب القيادي ميزة الاستقرار والثبات التي تُعين على التفكير الهادئ الذي يتطلبه أيُّ عمل من أجل التطوير  والإصلاح، وخلقت هذه المعادلة الجديدة جواً من النفاق أو الخضوع الذي يفرضه ميزان القوة بين الوزير والوكيل، وما لم يكُن الأخير سائراً على هوى الأول، فإن التهديد بعدم التجديد هو أقل ما يمكن أن يناله أصحاب المناصب القيادية…".
وفي لقاء جريدة الطليعة كانت آراء نواب مثل عبدالله الرومي وحسن جوهر متفقة مع هذا الرأي، وبدوره اجتهد النائب وليد الطبطبائي وقدم اقتراحاً بقانون تنص المادة الثانية منه على "…إن التعيين في المناصب القيادية بمرسوم ولمدة أربع سنوات قابلة للتجديد مرتين متتاليتين،  ولا يجوز بعد انقضاء هذا التجديد تعيين ذات القيادي في أي وظيفة قيادية أخرى… ويكون التعيين بعد الإعلان بشفافية عن الوظيفة المطلوب شغلها والشروط الواجب توافرها فيها…".
محاولة جيدة من النائب وليد لكن، كما يقولون "الشق عود"، والقضية أكبر من القانون ونصوصه، هي أولاً وقبل كل شيء قضية "قبائلية" لا "قبلية"، في إدارة كل الدولة، والفرق بين القبلية والقبائلية تجدونه عند المفكر السعودي عبدالله الغذامي في كتابه تحت عنوان "القبلية والقبائلية"، فالقبلية ظاهرة طبيعية، أما الثانية فهي مرض معدٍ ووباء أصاب أبناء العوائل قبل أبناء القبائل والطوائف… لا فرق…  وفرَّخ لنا المحسوبية والواسطة والفساد… فضاع العدل والإنصاف والمساواة في الفرص.
في النهاية، لننتظر الإجابة من السيد وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء على  سؤال رولا…! لكن لماذا يُتعِب نفسه في البحث عن معضلة حل السؤال؟ ليجيبها بأن… الشيوخ أبخص يا سيدتي…!

حسن العيسى

حدث في صباح الجمعة


المصعد في مبنى العقارات المتحدة بسوق الصالحية كان يتحدث الإنكليزية بلكنة "فلبينية"، حاولت صباح الجمعة الماضية أن أفهم لغة "الأسانسير" في الصعود إلى المواقف أو النزول إلى السوق فلم أوفق، كانت جماهير الخدم أسرع إدراكاً مني في فهم اللكنة، فلم أتردد في الاستعانة بهم لمعرفة أي دور كنت فيه، وما الخطأ إن حدث هذا عرضاً يوم الجمعة، فأنا والعائلة الكريمة (كريمة في الكسل والتواكل) نعتمد على الأبطال الأربعة من الخدم في كل صغيرة وكبيرة، من تحضير القهوة حتى ملء كروش أهل المنزل وضيوفهم. من يقول إن هؤلاء عمالة هامشية وغير منتجة كاذب… فهؤلاء يشكلون 70 في المئة من إجمالي قوة العمل حسب الإحصائيات الرسمية، أي هناك خادمة لكل 1.7 فرد في الكويت، وكيف تكون هذه العمالة هامشية حين تكنس المنازل وتنظف الشوارع، وتطبخ وتربي أجيالنا القادمة… الصحيح هو أننا نحن الهامشيون ونحن غير المنتجين… وليست هذه جنايتنا بل هي جناية رشة النفط علينا…


لم أشاهد حتى "دشداشة" واحدة في سوق المتحدة، كان الخليط من الألوان الداكنة من القادمين من شبه القارة الهندية يتآلفون بصمت مع بياض بشرة جنوب آسيا… بنطلونات جينز ضيقة التصقت بخصور نحيلة لفلبينيات تخبرنا عن كذبة أخرى لبرامج الرجيم التي يروجها خبراء التغذية لشعوب بني نفط المتخمة… فهذه العمالة غير الهامشية لا تعاني أمراض السمنة… ولا تعرف شيئاً اسمه "لو كالوري دايت" أو "هاي بروتين دايت"، هم لا يعرفون غير "اخدم واعمل دايت" وهذا ما لا نعرفه تماماً… كما لا أتصور أن هؤلاء العمال يعانون حالة الملل التي نتجرعها يومياً في دولة الضوابط واللهو البريء… فالسأم هو نتاج وقت الفراغ واللاعمل، وغلق شباك الحريات الفردية للبرجوازية النفطية، أما هؤلاء الخدم فليس لديهم أي من امتيازات ساعات الفراغ أو مساحات الراحة… فهم مشغولون بالخدمة ولا تنتابهم غير هواجس تجديد الإقامة والسفر والمبلغ الذي يجب توفيره لتجار الإقامات في بعض الأحيان.


هن وهم لا يشربون من كؤوس الملل، هم يتجرعون كأس المعاناة معظم الوقت… وإن زادت الجرعة على حدودها… فلا بأس من القفز من شباك الأدوار العليا في العمارة… أو الشنق على شجرة جدباء كجدب أرواحنا في وطن البهجة.


تركت سوق المتحدة الفلبيني… وسرت نحو شارع الخليج… هناك على شواطئ بحرنا الرائق الذي تتغذى مياهه من شط العرب الناشف وشط محطة مشرف لمخلفات الفساد… كانت المشاهد مختلفة قليلاً… فكان هناك لزوم تكامل الشخصية الخليجية من أبناء وبنات الهند منتشرين على امتداد شواطئ اللهو البريء… ومعهم إخواننا من عائلات الأمة العربية… الرجال جلسوا على العشب الطري ونساؤهم بقربهم يقمن بإشعال الفحم… لشواء الكباب… تخصص منه جمرة صغيرة للأرجيلة… وتتصاعد الأدخنة السوداء من "المناقل" عالياً إلى السماء… ويتصاعد معها خيالي البائس عن الدخان الأسود من بركان آيسلندا… فقد منع الطيران في معظم العواصم الأوروبية… ماذا سيفعل هؤلاء الأوروبيون… بعد أن حرموا السفر… مساكين…! "جمعتهم" كانت كـ "جمعتي" قضوها باللهو البريء في مطاراتهم… وأنا قضيتها بالفرجة البريئة… في سوق المتحدة وعلى شواطئ السأم.


 


كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء


يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة


حسن العيسى

عن اللجنة الشعبية للدفاع عن الحريات

جاء في صحيفة أوان الإلكترونية أن مجموعة من المحامين والكتاب بصدد تأسيس لجنة للدفاع عن حرية التعبير، وجاء في بيان التأسيس "… إن مناصرتنا وتضامننا مع الكاتب الجاسم لا تأتي نصرة لشخصه، بقدر ما ننطلق من واجبنا الوطني في الدفاع عن الحريات، والاعتراض على أسلوب الملاحقة السياسية الذي تستخدم فيه ذرائع قانونية"، وكان هذا أكثر ما يهمني من بيان اللجنة، فكثرة الدعاوى الجزائية والمدنية المرفوعة على الزميل الجاسم، وفداحة مبلغ الكفالات المالية تصلح أن تكون مناسبة والظرف الزماني لخلق مثل هذه اللجنة، لكنها لا يصح أن تكون مبرراً لديمومتها، فالقضية ليست هي الجاسم ولا غيره، وإنما هي مبدأ حرية التعبير وإقامة الحدود الفاصلة بين حق النقد للموظف العام وجرائم  السب والقذف، وإذا كانت أحكام المحاكم تفصل وتقيم الحدود بينها فإن منطقة الظلال واللون الرمادي بين الأمرين تتغير من وقت لآخر حسب اجتهادات المحاكم والفقهاء، وحسب الظروف السياسية التي أملتها من مكانة الشاكي أو وقتها الزمني أو وضع الدولة على سلم التقدم والديمقراطية والحريات.
وحكمت مرة محكمة النقض المصرية "… كان يمكن أن يكون القذف مباحاً حتى ولو استعمل فيه قوارص الكلم مادام النقد بناء وتتحقق فيه المصلحة العامة للمجتمع، ويرجع ذلك إلى دور الموظف العام أو الشخص ذي الصفة النيابية. إذ ترجع علة ذلك إلى أهمية دور الموظف العام أو من في حكمه، ومن المصلحة العامة وضعهم تحت الرقابة الصحافية، وذلك لمنع وجود انحرافات أو فساد في أعمال الموظف العام أو من في حكمه".
مهمة هذه اللجنة لا يجوز أن تكون ردود أفعال على قضية ضد ناقد أو كاتب، بل يجب أن تضع قضيتها الكبرى هي نصوص "دراكو" المبثوثة في قانون الجزاء وقانون المطبوعات والنشر الأخير… مهمة اللجنة أن تكون فعلاً مبادراً لا ردود فعل، فكما لدينا نصوص قانونية تنهش من حق النقد وتنتقص من حرية التعبير، لدينا ممارسات وواقع متخلف معشش في مؤسسات الدولة والمجتمع، فهناك قوى التزمت الديني ومحتسبة القرن الواحد والعشرين حين يهرولون إلى غرف النيابة العامة، وكأن لديهم تفويضاً إلهياً بكتم كل نفس يتحرك خارج أغلال النص… ولدينا تخلف اجتماعي كبير لا يقيم وزناً للفكر، لا يدرك معنى حرية العقل… ولدينا سطوة أصحاب رأس المال وسادة النفوذ السياســـي حين يهيمنــون علــى دور النشر ويوظفون مرتزقة الكلمة كـ "زلمات" تمجد بطولاتهم الزائفة وتمسح الجوخ لسيادتهم… لدينا الكثير والكثير في هذا الزمن الأغبر… هو زمن شراء الذمم وتجميل وجوه الفساد القبيحة… وكم نحن في حاجة إلى قلة من الأحرار… تعرف أن تقول كلمة "لا" كبيرة في خضم تيار الضياع.

حسن العيسى

هيبة الدولة والكيل بمكيالين

لماذا كان حلالاً على الإيرانيين حراماً على المصريين؟ هذا سؤالنا إلى وزارة الداخلية التي أبعدت عدداً من المصريين الذين تجمعوا سلمياً أمام سفارة دولتهم تأييداً للبرادعي، لكن هذه الوزارة لم تحرك ساكناً حين حدث قبل عام تقريباً أن تجمع عدد من الإيرانيين أمام سفارة دولتهم، معبرين عن سخطهم لنتائج انتخابات الرئاسة الإيرانية… فهل كانت وزارة الداخلية تكيل بمكيالين هنا؟
لا أحد يجادل السيد وزير الداخلية حين يستند إلى نص المادة 12 من المرسوم  رقم 65 بقانون بشأن الاجتماعات العامة، والتي تحظر على غير المواطنين المواكب والتجمعات والمظاهرات، ولا أحد ينكر سلطة الدولة في الإبعاد الإداري  دون مرجعية لسلطة القضاء، فتلك نصوص قانونية تخول الإدارة "السلطة"، لكنها لا تمنحها الشرعية الدستورية وتناقض أبسط مبادئ حقوق الإنسان في حرية  التعبير.
من حقنا أن نقيس، وليس هذا قياساً مع الفارق، ماذا لو صنع عدد من الدول الأوروبية، وحتى بعض العواصم العربية، مثل صنيع الكويت حين خرجت مظاهرات من مواطنين كويتيين وغيرهم تندد بالاحتلال الصدامي للدولة عام 90؟ ماذا لو أبعدت بريطانيا المتظاهرين الكويتيين إلى المحافظة 19 عام 90؟ الوقائع تختلف فليست القيادة المصرية تشابه نظام صدام الدموي، ولا يصح المقارنة بينهما تحت أي ظرف كان، لكن بالنسبة إلى الكويت فمبدأ المساواة في المعاملة بين الوافدين يجب أن يكون واحداً، ويجب التفرقة بين الاحتكام إلى نص القانون والتعسف في تطبيق النص القانوني، وقد تعسفت وزارة الداخلية في قرارات الإبعاد للمواطنين المصريين، وأساءت إلى صورة الكويت بالخارج في ملف حقوق الإنسان، وكان يتعين على هذه الحكومة أن تعي أن مبدأ سيادة الدولة لا يعني فقط ممارسة السلطة دون وصاية عليها من أحد، بل يعني قبل ذلك هيبة الدولة واستقلالها في قراراتها بما يتوافق مع حقوق الإنسان دون التأثر بضغوط ما أياً كان مصدرها.

حسن العيسى

يركب عبري أو ما يركب؟


لدينا بالكويت موسوعة أدب "بليري" نسبة الى السيد بلير الذي شخص مع فريقه رؤية الكويت سنة 2035، أجمل ما قرأت في الأدبيات البليرية ما ذكر في مدونة بنادول "… والوقت من ذهب وربعنا للحين يناقشون ان الوانيت يركب عبري أو ما يركب، والمظلة عند البيت معلقة أو بعمود… الحمد لله على كل حال".


هناك نوع من توافق الآراء في تقييم التقرير، ملخصه أنه لم يقدم جديداً، ولكنه أكد دوام حالة المرض في الكويت، والتي قد تكون كارثة بالغد القريب. فتقارير الشال وكثير من الزملاء كتبوا مئات المرات عن رخاوة الإدارة السياسية في الدولة وغياب الرؤية والمنهج في التخطيط للقادم، وكانت ردود الإدارة تتلخص في التطنيش واللامبالاة، فماذا يعني أن ننفق أكثر من دول أوروبية في مجال الصحة والتعليم والامن لكن المردود هو الأسوأ؟! وماذا يعني الموقع الجغرافي المتميز للدولة وهو يمثل إرثها التاريخي الكبير وقطاع النقل متخلف…؟!


نسأل أين تبدأ وأين تنتهي أمراض الدولة… السلطة الحاكمة تتسابق مع عدد من المؤسسات الخاصة في إعلانات تخريج الأطفال الدعاة ومسابقات تحفيظ القرآن… أين نحن من أمراض الدولة حين يختزلها نواب التزمت الديني بالمشاركة النسائية في الرياضة والاختلاط بين الجنسين، وتوفير أكبر عدد من أيام العطل للمرأة العاملة المسلمة – انظر قانون العمل في القطاع الأهلي الجديد… أين هي هموم الدولة بعد أن أضحت عند الحكومة هي فن استرضاء المواطن، وبكلام أدق فن تسمين المواطن على حساب غده ومصير أبنائه؟


لم يقدم تقرير بلير جديداً، فكل واع يعرف أن "الشق عود" في ثوب الدولة، وخياطها الحكومي مشغول بكيفية "نسف الغترة" فوق العقال.


كارثة الدولة القادمة، ليست في ما ذكره تقرير بلير… كارثة الدولة أساسها في تغييب الوعي عند الإنسان الكويتي، وتخديره بأفيون النفط، فمن يكترث للمستقبل… والخدم في المنزل أكثر من أهل البيت، وحضارة ناطحات الغبار تقوم على سواعد البنغال…؟ ماذا يمكن أن نكتب عن وصفات للمرض الكويتي وصيدلي الدولة لا يعرف قراءتها…؟ أليس من الأفضل أن نشغل وقتنا ونقتل مللنا الدائم بثقافة "… مجبوس طباخنا اليوم مسكت… والوانيت يركب عبري أو ما يركب…"؟!


حسن العيسى

كتب أم مخدرات؟

المواطنون الذين قدموا من منفذ العبدلي أدخلوا كتباً، لا لفائف مخدرات، كانت كلمات تستند إلى سطور لا "كراتين رد ليبل" تتباهى بضبطها العيون الساهرة على أمننا وديننا وعاداتنا وتقاليدنا، وتتسابق صحافتنا الغراء على نشر صورها.
أدخلوا ما يرونه متوافقاً مع فكرهم، منسجماً مع مذهبهم، كانت كتباً فيها "بركة" روحية كما يرونها، كما يفهمونها، وسواء اتفقت مع الحقيقة التاريخية أم لم تتفق، فهذا كلام للنقد والرأي الآخر ساحته "فكر التسامح" ورفض لمطلقات عمياء تردد: أنا وحدي… وأنا وعقيدتي وأنا ومذهبي وأنا وعرقي وأنا وقبيلتي وأنا وعائلتي… أنا وحدي من يملك الحقيقة المطلقة.
كانت كتباً بالتأكيد لفظها معرض الكتاب تحت ولاية فقهاء بني نفط، فأراد أصحابها أن يأتوا بها معهم لذواتهم وللتبرك بها وحدهم، مثلما يأتي غيرهم بفتاوى جواز قتل من يدعو إلى الاختلاط، وفتاوى رضاعة الكبير حتى يحل له مخالطة المرأة المرضعة في العمل… وغيرها من الفتاوى "المعلبة"، تاريخ إنتاجها القرن الواحد والعشرون، وتاريخ انتهاء صلاحيتها للوراء سر وعند العصر الحجري قف.
لم يكن هناك مبرر لأن يرفع النائب جمعان الحربش سيوف الغضب والوعد والوعيد على القضية… يكفي وأكثر من كاف… لدينا قانون المطبوعات والنشر، لدينا قانون المرئي والمسموع، لدينا قانون الجزاء، لدينا ملاك الجرائد ورؤساء التحرير، لدينا ذلك الوحش المخيف ربيتموه وارضعتموه في وعينا، واستقر متمدداً في اللاوعي اسمه "الرقيب الذاتي".
ولدينا قبل كل ذلك انتمممممممممممم وحكومتكم ومجلسكم وزواجركم ونواهيكم ووصاياكم وضوابطكممممممم… ولدينا للأسف كتّاب رأي يقولون لنا انسوا الحريات… خلونا بس في السرقات… انسوا حرية العباد وتمسكوا بقضايا الفساد… وكأن واحدة لا تكون إلا على حساب الأخرى… فإما… أو… وهذه خرافة العقل الأحادي، وهنا كارثة دعاة الحرية حين بصموا مع سدنة وأدعياء حراسة المال العام وتناسوا حرية الضمير… وصوروها كأنها… قضية كأس… واختلاط فقط… يا خسارة.

حسن العيسى

قنديل أم صابر

غادر أبو صابر الدنيا قبل أربعة أشهر تقريباً، وترك وراءه أرملته أم صابر التي شقيت سنوات طويلة من أحوال البؤس وضيق الحال، وترك خلفه ثلاث بنات وولداً واحداً هو صابر، لم تجد أم صابر عوضاً في العالم غير صابر الذي التصق  بأمه، وهو الصغير عمراً الكبير في الفؤاد، كانت ترى فيه العوض الجميل وهدية الرحمن عن الأب الذي رحل مبكراً، وأراد صابر بدوره أن يكون لها فرحة ولمسة حنان لقلبها التعس من صروف الزمن. كان اسمه صابر، وهو حقيقة صابر على داء السكري وهو ينهش يوماً بعد يوم من جسده، كان صابر فرحتها وبهجتها حين يدخل عليها مقبلاً رأسها، سائلاً عن أحوالها، ساعياً إلى احتواء حزنها العميق في قلبه العليل، لكن للقدر أحكامه القاسية، فالقدر الإنساني لا يعرف معنى الرحمة في كثير من الأحيان، ويهشم من غير سبب أفئدة المساكين. وخطف الموت حياة صابر في ليلة كئيبة.
فجعت أم صابر بهول مصابها، كان فاجعتها الأخرى بعد فقدان أبي صابر. أصابها الاكتئاب المرضي، سقاها قسوة فقدان أقرب الناس إليها كأس "المناخوليا" المر، وهو الحزن العميق الدائم حين يلتصق بالنفس ويرفض المغادرة، عزفت أم صابر عن الأكل، غرقت في نهر الدموع، تناءت عن أسرتها وأغلقت على ذاتها  في زنزانة اجترار الذكريات، تحوم في خيالاتها أطياف الذكرى مكبلة بأغلال الألم.
شقيقها علي الطبيب والعالم بأحوال النفوس التعيسة زارها في يوم من أيام حزنها الممتد، مبشراً إياها…: أم صابر هل تعلمين أنني رأيت صابر البارحة في المنام وسألني عن أحوالك؟… فهو مشتاق إلى لقائك… وتمضي بضعة أيام ويعودها الطبيب الشقيق علي من جديد ليخبرها أنه مرة ثانية زاره صابر في المنام، وقال له إنه حزين على حال أمه، وطلب منه أن يخبرها أن حزنه سيزول متى رضيت بالقدر وقضائه، وأنه بقربها دائماً… ويتمنى عليها أن تهتم بحالها، ففي ذلك علاج لروحه في فضاء الموت اللامتناهي.
شيئاً فشيئاً… ومع تكرار زيارات الشقيق الوفي، وتكرار أشرطة أحلامه عن صابر، التي كانت من نسج فكره، ولم يكن لها أي ظل من الحقيقة، تحسنت أحوال أم صابر، وبدأت سلاسل الحزن تتفكك عن قلبها، وعادت لمحات البسمة إلى وجهها الكئيب بعد أن ظن الكثيرون أن الفرح غادرها بلا وعد بالرجوع.
هذه حكاية ليست من نسج خيالي، وإنما هي حقيقة أعرف بطلها الطبيب علي تماماً… عدلت من الأسماء، ولم أغير المعنى ولا المغزى… بمَ تذكر القارئ هذه الحكاية…؟ ألا تذكرنا برواية "قنديل أم هاشم" ليحيى حقي… فإسماعيل بطل الرواية طبيب العيون العائد من الغرب لم يستطع بعلمه أن يشفي عين خطيبته بسبب إصرار أهله على معجزات زيت القنديل، حارب د. إسماعيل خرافة زيت قنديل أم هاشم القابع في مسجد القرية، فخسر العلم معركته حين واجه المعتقدات الراسخة لأهل القرية من دون أن يحضر لمعركة العلم مع المعتقد الروحي، فلم يكن من المعقول أن تخاطب العقول البسيطة بما تعجز عن قبوله مرة واحدة… لابد من مسايرة الوهم… لابد أحياناً من التنازل قليلاً عن "حداثة" العلم… حين تواجه سطوة الإيمان بالوهم… كم نحتاج أحياناً إلى القليل من الخيال الخلاق كي تشفى النفوس المريضة.