محمد الوشيحي

عم يضربونا 
ويسألونا شو بنا

عذراً لغياب مقالة يوم الأحد، فقد مُنعت من النشر. ولـ»الجريدة» الحق في النشر أو البتر، ومن ساد في ماله فما ظلم. وقد احتفظت بالمقالة الممنوعة، وسأحتفظ بأي مقالة أخرى تحجبها «الجريدة» تفادياً لوقوعها – «الجريدة» – في المحظور، من وجهة نظرها. وقد أتحدث لاحقاً عن تفاصيل حكايتي مع المنع، وقد لا أتحدث، بحسب اتجاه الرياح والعواصف.

لكن دعونا الآن نبتعد عن السياسة، ونسير بمحاذاتها، وتعالوا نبارك للصحافة دخول «الزميل» أبي مشاري، من باب الشعر السياسي، وهو ذاته الذي كان يكتب تعليقه شعراً على مقالاتي في موقع «الجريدة»، فقد تعاقد رسمياً مع جريدة «عالم اليوم»، ونشر أولى قصائده السياسية على صفحتها الأخيرة أمس الأول، الأحد، تحت عنوان «جمرات»، وأظنه يحتاج إلى حدث محفّز ومُشعل شرارة كي يُحرق بخوره، وأظنه أيضاً يحتاج إلى مسافة من الزمن تلين فيها ماكينته الشعرية. بالتوفيق للصحافة وللجريدة وللزميل.

والكلام يجر بعضه، ويجرني معه للحديث عن المرة الأولى التي التقيت فيها أبا مشاري، قبل عدة شهور، وكان ذلك في مكتبي في «الجريدة»، عندما تلقيت اتصالاً من محرر زميل يعمل في صحيفة أخرى مشهورة بطائفيتها وقربها من القرار والدينار، يطلب لقائي، فرحبت به، ودخل مكتبي أثناء وجود أبي مشاري، وسألني: «هل الأخ (أشار إلى أبي مشاري) موثوق به كي أتحدث بحرية؟»، قلت: «تحدث»، فقال: «أنا واحد من ثلاثة تم تكليفنا – بعد إنجاز أعمالنا – بكتابة تعليقات تهاجمك، أنت وكاتباً آخر ونائبين، بالتحديد، وإذا توافر الوقت نهاجم بقية الخصوم، خصوم الحكومة وخصوم جريدتنا ومالكها، ونثني، في الوقت نفسه، على مقالات كل من يهاجم القبائل والشعبي والمعارضة، لكنني أشعر بتأنيب الضمير، وأشعر أنني لست أنا، وهذا ما دفعني إلى لقائك»، ثم راح يتحدث عن مقالاتي وكيف أنه يتفق معي في غالبية ما أكتب. وأنهيت اللقاء معه على أن نتحدث بالتفاصيل في وقت آخر، كي لا أترك ضيفي أبا مشاري صامتاً.

لاحقاً، أخبرني الزميل المحرر أنه يكتب أحياناً تحت أسماء مختلفة، فمرّة هو «جهراوي أصيل»، وأخرى «منيف العجمي»، وثالثة «أبو سعود العتيبي»، ورابعة «ولد يام»، وأكثرها طرافة «كلنا محمد هايف» (هنا ضحكت حتى دَمَعت عظامي، ورحت أضرب كفاً بكف، وأردد «يا نهار أبيض وأسود»، إذ إن النائب محمد هايف، مثلي، أحد المستهدفين بالهجوم كما ذكر)، ثم نزلت النساء إلى الميدان، من باب الاختلاط، فهذه «أم راشد» تردح، وخلفها «بنت الأصل والفصل» تشتم، ووو.

ولا أظن المحرر هذا جاء بجديد، فنحن نعرف الخشب من الحديد، ونعرف أنهم يتعمدون تخريب الديمقراطية والصحافة والإعلام، ويضربوننا بأسلحتنا، من باب «وداوها بالتي كانت هي الداء»، لكن الجديد هو الاختراق الذي تعرض له منتدى الشبكة الوطنية، وهو المنتدى الأكبر والأشهر في الكويت، وتحديداً قبل لقائه المزمع مع الشيخ فهد سالم العلي بأيام، وكذلك موقع جريدة «الآن» الإلكترونية، وهو اختراق غريب في شراسته، يقول عنه الكمبيوتريون إنه شبيه بما تعرضت له مواقع الإنترنت والمدونات التابعة للإصلاحيين في إيران، وميجانا ويا ميجانا ويا ميجانا، عم يضربونا ويسألونا شو بنا. 

محمد الوشيحي

استضراس

شنو هذا؟ ما حكاية ضرس العقل الذي نبت فجأة في أفواه الكويتيين ونوابهم وحكومتهم؟ تمشي في الشارع فتُفاجأ بالناس كلّ واحد منهم فاغر فاه على أقصاه لكبر حجم ضرس العقل… النائب مسلم البراك فسّر الماء بأنه ماء، ولم يأتِ بجديد، عندما تحدث عن مساومات الحكومة للنواب في التصويت على طرح الثقة بوزير الإعلام، فضحكنا وأجبناه بالمثل المغربي: «آجي يا أمي نوريكِ بيت خالي»! نحن الأم والبرلمان أخوها، والأم تعرف تفاصيل بيت أخيها قبل أن يولد ابنها. ولو أنك أوقفت سيارتك عند أي إشارة مرور وسألت الذي يقف بجانبك: كم سعر الرأس؟ لأجابك… فما الذي أغضب نوابنا وحكومتنا وكتّابها فجأة، وجعلهم يتحدثون جميعاً عن العقل وضرس العقل.

خلاص، لن نشك في النواب، من باب العقل وضرسه، ولن يشكّ النواب في الحكومة، من باب الوزير محمد البصيري، ولن يشكّ الكتّاب في وزارة الداخلية، من باب العقيد محمد الصبر، خلاص، كل واحد يروح بيته، ونترك أبوابنا مفتوحة، ومفاتيح سياراتنا فيها، ونترك الحكومة ترجع أنصاص الليالي، فلا نسألها أين كانت ومع من، ونترك البرلمان يطيل شعره ويتسكّع في المولات التجارية والمراقص كما يشتهي وفي جيبه مصروف العائلة، وننام، لا شك ولا شكشكة.

وكنا قد قرأنا أن الحكومة، ما بين جلستي الاستجواب وطرح الثقة، اجتمعت مع عدد من النواب، فاتهمها البراك بأنها تساومهم وتغازلهم، بينما الصحيح أنها كانت تتدارس معهم القرآن الكريم، ثم قاموا جميعاً يتوضؤون لركعتي تهجّد، تأسّياً بالصحابة رضوان الله عليهم، فغافلهم السفاح مسلم البراك، يا ويله من الله، ومياه الوضوء تتقاطر من وجوههم وأذرعهم، وضربهم باتهامه على جباههم، في مكان السجود بالضبط.

لذا صَرّحت النائبة معصومة المبارك: «عيب عليك يا البراك اتهام زملائك النواب»، وانا أقول لها إنني تلقيت اتصالاً لم أرد عليه لانشغالي، فجاءتني بعده رسالة: «أنا معصومة المبارك، أرجو الاتصال»، فهاتفتها (كان ذلك بعد استقالتها من الوزارة وقبل نجاحها في الانتخابات) فراحت تعلّق على مقالتي يومذاك، وتثني، وكيف أنني «أبرّد الجبد»، ثم تحدثت هي عن كمية الفساد في البرلمان والحكومة لدرجة أنها أخجلتني وأشعرتني أنني متسامح في نقدي لبعض النواب، فقلت وأنا أشعر بالخجل: «بعضهم يتهمني بالتجنّي والقسوة، ليتهم يستمعون إلى كلامك الآن يا دكتورة»، فأجابتني ضاحكة: «هاهاها، عيل اللي يسوونه يا محمد بالشعب والبلد شنو اسمه؟ مو قسوة؟»، وكانت تقصد الحكومة وبعض النواب. فهل هي أنتِ التي اتصلت بي، أم أنه تشابه أسماء وأصوات يا دكتورة؟

ولا أظن أن الدكتورة ستنكر اتصالها ذاك، وإن أنكرت فلتضع يدها معي على المصحف وليُشهد كلّ منا الله على كلامه، ونترك الباقي على علاّم الغيوب، لكنها لن تنكر. فهل اتهام الحكومة والبرلمان بتبادل الفساد حلال عليكِ يا دكتورتنا المفضالة أنتِ ووزير الإعلام، وحرام على البراك؟ يجوز.

ويا أيها النائب البراك «لا تورّينا بيت أخينا، فنحن نعرف البيت ومداخله وصالته ونعرف موقع الطواليط، أجلك وأجلّنا الله. وأرجوك، لا تقطع مرة أخرى جلسات الذكر وقراءة القرآن التي تجلسها الحكومة – قبل طرح الثقة بأحد وزرائها – مع النواب التقاة الورعين الزهّاد، ولا تعترض طريق المتوضئين». 

محمد الوشيحي

أعقل من كده إيه؟

البرلمان الصيني أصابته لوثة في عقله، الله يدفع البلاء، وقرر، قبل نحو سنة، إيقاف مراجعة خطة التنمية الإسكانية بعدما اكتشف فساداً في وزارة الإسكان، وطالبَ الحكومة بالمساهمة معه في التحقيق للكشف عن اللصوص. وأثناء التحقيق كانت الصحافة تنقل أحدث الأخبار، فرأى المواطنون الصينيون وقرأوا ما يشيب له شعر الغراب الفتيّ. واستطاعت الحكومة (أكرر، الحكوووومة، لمن في عينه عمش) تثبيت الأدلة التي تدين أحد مسؤوليها، فأحالته إلى لجنة الإسكان التي أحالته بدورها إلى القضاء، قبل أن تستأنف اللجنة بحث الخطة من جديد. وصدر حكم القضاء بإعدام المسؤول الإسكاني الكبير، وتم إعدامه فعلاً قبل ثمانية أيام. وأصدرت الحكومة بياناً تعتذر فيه إلى الشعب والبرلمان، بينما أصدر البرلمان بياناً شديد اللهجة يحذر فيه الحكومة من تكرار أخطاء بهذا الحجم، ويأمرها أن تنتقي كبار موظفيها ومستشاريها بعناية.

شنو هؤلاء البوذيون. إعدام واعتذار وبيان شديد اللهجة! كل هذا بسبب عملية نصب في قضية إسكانية؟ يا عمي تعالوا شوفوا منطقة «المنقف» عندنا، وأنا كنت أحد سكانها ولا فخر، في البيوت التي تقع خلف المضخة. ولأنني كنت طويلاً، وماأزال، فقد كنت أنام على سريري فتظهر أقدامي من تحت البطانية إلى الشارع العام مباشرة. وفي الصباحية قطعة أربعة، مقابل منزل النائب السابق شارع العجمي، هناك قطعة أرض فضاء، خُصصت ميزانية لبنائها، فالتهمت القطة بيوتها وميزانيتها. وفي محافظة الجهراء، في منطقة الواحة، أو «الكوريّات» كما يسميها الناس، لا حاجة إلى أن تشتري بطاطين لأولادك، إذ تستطيع أن تغطّي البيت كله ببطانية مورا، التي تمنحك دفئاً وحناناً… ومع ذا لم نعاقب المسؤول الإسكاني السابق، وبإذن الله لن نعاقب المسؤول الإسكاني اللاحق، لأننا «عقلاء»، ونوابنا أغلبيتهم «عقلاء».

إعدام مرة وحدة، وعلى قضية فرعية! يا عمي نحن شارف نفطنا على النضوب، وقريباً ستمسح أرضنا كفيها وتفتح ذراعيها وتقول لنا «باح، جف ضرعي»، ومازالت شوارعنا مصابة بالجدري، ومباني وزاراتنا تمر بجانبها القطط والكلاب وهي تسد أنوفها لعطانة الرائحة، بينما أرصدة مسؤولينا تزداد وتزداد وتزداد، وبيوتهم تتحول إلى قصور لو رآها سلطان بروناي لسرقَ مخططاتها وقلّدها، ومع ذا تحملنا، ولم نسجن أحداً. ليش؟ لأن نوابنا «عقلاء» يحاربون التأزيم.

إعدام مرة وحدة! ما الذي كان سيفعل برلمانهم بالحكومة لو أن مجاريهم طفحت كما طفحت مجاري مشرف؟ أظن أنه كان سيسحب المسؤول عن محطة مشرف الصينية بأذنه اليمنى ويدفعه إلى قاع المحطة كي يموت غرقاً في المجاري. وماذا كان سيفعل برلمانهم لو أن «ستاد ماوتسي تونغ» بُنيَ على طريقة «ستاد جابر»؟ وماذا كان سيفعل برلمانهم لو أن أحد التجار تلاعب بأموال أحد البنوك، فقررت الحكومة تعويضه من أموال الشعب؟

كفرة فجرة هؤلاء الصينيون، وجوههم ترهقها قترة… إعدام مرة وحدة؟! 

محمد الوشيحي

كتابنا الجواهر


أكرر دائماً: «الإبداع يأتي – غالباً – من الخلف، من المجتمع الخلفي»، وأصدق من يقول إن: «الإبداع يحتاج إلى وقود، إلى معاناة». والأوراق المصقولة التي لقحتها أقلام ألمانية وإيطالية باهظة الثمن، تلِدُ إنتاجاً هشاً، رخواً، يتكسر وهو يمشي، لا آه فيه ولا دمعة حارة ولا ضحكة صافية. إنتاج بلا فلفل ولا ليمون ولا نكهة.

وفي بدايات القرن العشرين، انتقل أمير الشعراء أحمد بيه شوقي إلى القصور، إلى حفلات الكوكتيل، إلى الشبع حد التخمة، فداخلَهُ الغرور، وكتب عن شعر «ابن الرومي» ينتقده، ونشرت الصحف ما قاله بتطبيل وتزمير، تقرباً من شوقي وتزلفاً إلى القصر، فتصدى له شاب مجهول، لم يسمع باسمه أحد من قبل، سلتوح صعيدي رث الثياب، لم يكمل دراسته الابتدائية، وبيّن لشوقي خطأه، بالحجة والدليل، ولم تنشر مقالته إلا صحيفة واحدة، فانبهر الناس من جرأة هذا الشاب المجهول، ووقاحته، وراحت الصحف توبّخه وتقلل من قيمته، لكن شوقي أدرك أنه أمام موهبة، فردّ عليه (قيل إنه ترفع عن الرد عليه، وكلف آخرين بالرد نيابة عنه)، فردّ العقاد، ورفضت الصحف التي بروزت ردود شوقي نشر ردود الشاب المجهول، إلا الصحيفة تلك. واستمر التراشق الأدبي، بين أعلى هامة أدبية في مصر والعالم العربي، وبين مجهول فقير. وكتبت إحدى الصحف تستهزئ بالشاب: «من أنت؟ ومن أين جئت؟»، فأجابها: «اسمي عباس العقاد، جئت من أسوان». فسخرت الصحافة وشخرت. لكن شوقي اعترف بعظمة هذا الشاب، وانتصرت حجة العقاد، واعتمدت وزارات التربية والتعليم في العالم العربي تدريس شعر «ابن الرومي» بسبب تلك المناظرة الصحفية بين العظيمين، شوقي والعقاد. وكتب أحد المثقفين المحايدين: «ابحثوا عن الكنوز في المناطق الفقيرة، بالقرب من عباس العقاد». وبدأت ما تسمى بـ»ثورة الأفندية»، أي البسطاء، وامتلأت الصحف والمكتبات بإنتاج المبدعين الفقراء، أبناء الريف والمناطق الخلفية، ونهضت مصر، فقتلتها الثورة.

الإبداع يأتي من الخلف، من تحت الركام. وفي الكويت، يعلّق على مقالاتي شاعر مبدع سبق أن كتبت عنه، اسمه «أبو مشاري المطيري». بهر الجميع بعمقه وموهبته، وكان موضوع نقاشات كثيرة وطويلة جمعتني مع الأصدقاء. حرصت على أن أتعرف عليه فاكتشفت صدق قناعتي السابقة. موهوب أتى من المناطق الخلفية. صحيح أنه لا يقرأ الكتب ولا الروايات، وصحيح أنه اكتسب ثقافته ومبادئه من بيئته، المغلقة أساساً، التي ترى أنها هي الأفضل على ظهر الكوكب، رغم أنها عكس ذلك، واكتفى، لكن هذا لا يمنع من الانحناء أمام عظمة موهبته التي صفق لها متابعوه.

موهوب آخر اسمه «فلاح الشعلاني» يكتب في جريدة «عالم اليوم»، ساحر فنان، سيكون له شأن. وآخر يكتب في الصحيفة نفسها اسمه «عبدالهادي الجميل»، شفاف، يشاركني الإعجاب في ما يكتبه عدد من الزملاء، مثلي يتابعونه. راسلته: «أنت موهوب، أستمتعُ بمتابعة إبداعاتك»، فأجابني وهو يجلد ذاته: «أنت تتابعني بإعجاب، وأنا أتابعك لأتتبع زلاتك، وهنا الفرق»، هاهاها. ورابع يكتب في هذه الجريدة اسمه «علي خاجة»، موهوب جداً. هاتفته: «أنت موهوب، يعيبك التبرير، لست سياسياً كي تبرر، اضرب ضربتك وأرِق دماء فكرتك، وغادر المكان بسرعة. اترك مسرح جريمتك خلفك للشرطة والقراء يبحثون عن إدانتك أو تبرئتك». هؤلاء الكتاب الثلاثة الموهوبون لا يعانون أمراض الفئوية والطائفية المنتشرة في الكويت كالوباء، ولا ينتهجون القص واللصق من الإنترنت، ولا يحصرون عقولهم في اتجاه واحد إجباري، جلودهم ناصعة النقاء، وهذا هو أحد أسرار تفوقهم، وعسى ألا يلوثهم غبار التمزيق.

الموهوبون في الكويت كثر (أنا هنا اتحدث عن الشباب، ولا أدري هل عبدالهادي الجميل شاب، أم كان شاباً)، ولا أدري لماذا تصر صحافتنا على أسماء بعينها، على الماركات المشهورة، تستقبلها في صالة التشريفات وتفرش لها البساط الأحمر.

الإبداع يأتي من الخلف، كتابة وشعراً. والفقر الذي نعانيه في أغانينا الوطنية سببه سيطرة بعض شعراء اللزوجة على الساحة. 

محمد الوشيحي

تزريق (1) في اوراق رسمية

الله يسامحه، الزميل الدكتور غانم النجار، الذي أثبت لي بما لا يدع مجالاً للعك، أن الحكومة تعك، وأثبت أنه نجار من ظهر نجار، عندما حرّك «منشاره» على رقبة توني بلير، و»خلع بابه» ليكشف ستره، وزرع «المسامير» في طريقه.

أبو صقر، الدكتور غانم، كشف لنا في مقالتين متتاليتين أن عمنا توني بلير لا يعادل اليوم فلساً ولا تعريفة في بريطانيا الشقيقة، بعد أن جرها من أذنها إلى المصائب والخرائب، فاستعانت به حكومتنا ليجر الكويت من أنفها إلى مصائب جديدة. والكويت تعوّدت على المصائب والخرائب، وتعوّدت على علاجها بجلسات اليوغا كل صباح.

لكن المشكلة يا أبا صقر ليست في ماضي بلير السياسي، لا أبداً. المشكلة أن توني باشا مزور كبير، ويبدو أن جيناته عربية، شلون؟ سأجيبك: أخونا توني نشر «رؤيته» لمستقبل الكويت، وأعلن أنها تمتد عشرين سنة، تبدأ عام 2010 وتنتهي عام 2030، وقرأناها كلنا، وإذا به بعد يومين فقط من نشر رؤيته، يتعامل مع خطته كما نتعامل نحن مع «الدلاغات(2) المغسولة»، إذ مطّها خمس سنوات بين يوم وليلة، لتنتهي عام 2035، تخيل! ونشرها مرة أخرى بكل ما أُوتي من بجاحة. عادي جداً، وكأنه لم يعمل شيئاً يستحق التوقف عنده، على اعتبار أن خمس سنوات لا تستحق أن نتخانق عليها، وأننا سبق لنا أن أضعنا نحو أربعين سنة من تاريخنا، أطفأنا خلالها الإضاءة، وتأكدنا من أن ستارة غرفتنا لن تسمح بتسلل أي شعاع من الشمس، وأغلقنا هواتفنا النقالة، ووضعنا على الباب كارت «يرجى عدم الإزعاج»، ونمنا نومة الدببة. فشنو يعني خمس سنوات؟ حبكت يعني؟

الله يغربله عمنا توني بلير، فهمَ القمندة، وكشف خلطتنا السرية، وأدرك أن المهم عند حكومتنا هو بقاؤها أطول فترة ممكنة على أكبادنا، وأنها لم تعد تختشي شيئاً، أو تخشى شيئاً، بعدما استطاعت تأمين عدد من النواب «العقلاء»، يحمون ظهرها ويرضعون من صدرها، وبعدما ضغطت بيديها الكريمتين على الصحافة فخنقتها حتى سال لعابها ودموعها، وأدرك أن أحداً لن يراجع خلفه، وأن السالفة سبهللة، فمسحَ توقيتات الخطة وأعاد ترهيمها(3) من جديد بما يناسب مزاج المعازيب، و»زرّقها علينا»، وضحك على لحانا ضحكاً قهقهياً عالياً. وكان الله في عون لحانا، كم تحملت من ضحك مسؤولينا، ليأتي الأغراب ويشاركوها حفلة الضحك، وها هي لحانا صامدة لم تحُتّ (4) شعراتها، حتى أننا أصبحنا نضحك على لحية كل من لا يضحك على لحانا المعطاءة.

1- تمرير بالحيلة

2 – الجوارب

3 – ترقيعها

4 – تتساقط 

محمد الوشيحي

حرية تلنتش

بدءاً، وقبل كل شيء، أنا لا أفرق في الشكل بين البامية والكوسة، ولا أميّز بين الرخمة والشيهانة، ولا بين الجمل والناقة، ولا الهامور والميدة، ولا المرسيدس والمازدا. فأنا ولله الحمد، غشيم غشوم. أنا فقط، أو «فكَت» كما تنطقها مذيعة الفضائية المصرية، أميز الشعر غثه وسمينه، وأميّز الكلمة والجملة والفقرة لهذا الكاتب أو ذاك، وأميز النساء بعضهن عن بعض، فهذه عليها القيمة وتلك عليها العوض، والأهم، أميّز الرجال وأعرف معادنهم، وأعرف أن أي نائب يمكن أن تفاوضه الحكومة، مجرد تفاوض، لتليّن دماغه وتغيّر قناعاته، هو نائب رخمة، بالطوابع والختم والتوقيع.

وعليّ النعمة، لو أن مسؤولاً حكومياً زار الرئيس الرمز أحمد السعدون في منزله بقصد إغرائه وإغوائه كي يغيّر السعدون موقفه، لنهض السعدون فوراً وأغلق الباب الخارجي بالضبة والمفتاح، وعاد لينتف حاجبَي المسؤول شعرة شعرة. لماذا؟ لأنه أحمد السعدون لا أمّ لك. ولو أن المسؤول ذاته زار النائب الفذ مسلم البراك لخرج المسؤول وعلى وجهه آثار أقدام، ليست للفراعنة. ليش؟ لأنه مسلّم البراك يا ابني.

وبالنسبة إلى النائب سعدون حماد العتيبي، فلا أظن أحداً يمكن أن يقبل أن تتعرض (طوايفه) – الذين هم عشيرته وأهله – للشتم والتوبيخ ويسكت عن الوزير الساكت، مهما كانت المبررات والمغريات والأسباب. أما حجته بأن المستجوبين لم ينسقوا معه، فأذكره بأن الحكومة أيضاً لم يسبق لها أن نسقت معه، ومع ذا نجده يصوّت دائماً مع الحكومة. ولن يضيره لو أنه اعتبر النائب الدقباسي اليوم هو الحكومة، ومشى خلفه عمياني كعادته.

أما بالنسبة للحريات، فحقيقة لا أدري، هل ما يردده البعض من أحاديث عن «حرية الآراء» هو من باب العبط والاستعباط، أم أنهم جادون؟ فالقانون يمنع التعريض بأي شريحة في المجتمع أو إهانتها أو ازدراءها. وفي سويسرا، التي هي سويسرا، والتي تضم قوميات ولغات عدة، لو تجرأ أو تجشأ أحد هناك وتعرض لأي قومية سويسرية لضُربت الكلبشات في يده هو والمسؤول الحكومي الذي لم يوقفه عند حده. فكرامات الناس في سويسرا خط أحمر ناري، والمناصب الوزارية هناك ليست آيس كريم تُمنح للدلوع غزير الدموع. لذلك أصبحت سويسرا سويسرا، ولذلك أيضاً يعجز أبناء العجائز عن السير على طريقها.

ثم ما حكاية «حرية الرأي» التي نستخدمها مرة ونتركها مرات، فإذا شُتِمَ الآخرون وغضبوا، تباكينا عليها، وحذّرنا من تشويه خدّها الناعم، أما إذا تعرضت مصالحنا للخطر فهي «كخّة» ونحن شعب لا يستحق الحريات! فعن أي حرية تتحدث يا عمنا الفاضل وأنت في الكويت؟

ويا أيها النواب، أنتم تعرفون البير وغطاه والذي غطّاه، وكثر الكلام يقل المعرفة، والناس ليسوا مثلي، بل يعرفون الفرق بين الكوسة والبامية والفلفل الأحمر الحار… وفتّكوا بعافية. 

محمد الوشيحي

اولاد الذبابة 
ينجّسون الجيش

ما تزال الدماء العسكرية تجري في عروقي، حتى بعد سبع سنوات عجاف من خلعي البزة العسكرية. أعترف بذلك وأقر. وأعترف أنني أحب الصحافة وأهيم بها، فهي كالزوجة الثانية، التي تفيض شباباً وفتنة، في حين أن العسكرية هي «أم العيال»، وصديقة الزمن الجائع، الوفية، الصبورة، الأصيلة… وإن كنت لا أشجع تعدد الزوجات.

المشكلة هي أن زوجتي الثانية، الصحافة، كثيراً ما تفتري على زوجتي الأولى، العسكرية. ويبدو أن التقصير مني. أنا الذي لم «أشكم» الثانية وتركتها تعبث بشعرات شواربي. وعندما أقرأ خبراً يقول: «القبض على أربعة عساكر من الجيش يتعاطون الهيروين»، أجد نفسي لا شعورياً موجهاً تمتمتي إلى الصحافي الذي كتب الخبر، والجريدة التي نشرته: «يا أولاد الذبابة التي لا تقع إلا على السواد، ألا سحقاً لصحافة الذباب وبائعها وشاهدها وشاريها».

ولا أدري لماذا تقتصر دائماً الأخبار المنقولة عن عساكر الجيش على «تعاطي المخدرات» و»الخناقات» وما شابه. أين الصحافة من العساكر الذين اصطفوا يوماً أمام المستشفى ليتسنى فحصهم قبل التبرع لزميلهم المصاب بفشل كلوي؟ وأين هي من موقف العساكر الذين تكفلوا بتزويج زميلهم، الغارق في الديون، بدءاً من المهر، وانتهاء بأواني المطبخ والبشت وساعة اليد؟ وأين هي من الذين خرجوا من المستشفى بعد زيارة زميلهم المصاب في حادث، وجمعوا المال، واشتروا له سيارة من نوع سيارته نفسه، لكنها موديل السنة؟ أين الصحافة من العساكر الذين جمعوا الأموال وسددوا بها ديون زميلهم المتوفى قبل انتهاء أيام العزاء؟ وهنا لا أنسى موقف معالي النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الشيخ جابر المبارك، الذي له مساهمات صامتة كهذه، وقد نختلف معه في بعض المواقف السياسية لكننا لا نملك إلا أن نحترم شهامته وإنسانيته في مثل هذه المواقف الصعبة. فلماذا لا تكتب الصحافة ذلك؟ على أنني لا أدّعي أن العساكر كلهم أطهار كما الصحابة رضوان الله عليهم، لكنني أجزم وأقسم أنهم أرقى وأسمى من غيرهم.

ولو قارنّا لوجدنا الهجوم الصحافي دائماً يتركز على عساكر الجيش، في حين يُمتَدح، في الغالب، عساكر الشرطة. ليش؟ لأن أولاد الذبابة من الصحافيين يحتاجون إلى الداخلية في معاملاتهم، لذا فضباط الشرطة وعساكرها يستحقون الثناء والتكريم والصور الوردية، في حين لا يحتاج أحد إلى شيءٍ من الجيش، وهنا سيمرح الذباب. وستجد برنامجاً تلفزيونياً للشرطة، ولن تجد برنامجاً مثله للجيش. والناس بسطاء، يلعب بهم الإعلام كما تلعب العاصفة بقصاصات الورق.

والمثير للحنق، أنك لن تقرأ مثلاً «القبض على خمسة من موظفي وزارة الصحة يتعاطون المخدرات»، أو «موظفي البلدية»، أو «موظفي الأشغال». وستجد الخبر صيغ هكذا: «القبض على خمسة يتعاطون المخدرات، اثنان منهم من وزارة الدفاع».

ولو كان الأمر بيدي لنقلت أولاد الذباب إلى المعسكرات الحدودية فترة لا تقل عن شهر، كي يعرفوا حقيقة العساكر، وكي – وهذا هو الأهم – يتعلموا الرجولة التي يعانون نقصَها. كرّم الله عساكرنا عن الذباب، وجراثيم الذباب.

فتحية عسكرية لكم، رجال جيشنا ونساءه، و»لا تهنوا ولا تحزنوا». وكما تحمون وجوهنا من أعداء الخارج، سنحمي نحن ظهوركم من أعداء الداخل، فارفعوا أسلحتكم بشرف، وسنرفع نحن مبيدات الحشرات بغضب. 

محمد الوشيحي

سمراء… من قوم عيسى

الله يمد بعمره ويشفيه، كبير السَّخرة، المصري الأصيل، محمود بن عثمان السعدني، الذي يسمي الحكومة "العكومة"، ويشرح الفرق: "الحكومة تحكم، والعكومة تعكم"، والعكم خنقٌ يتبعه لَكْم.
وعكومتنا مقتنعة بأداء معالي وزيرها الشيخ أحمد العبدالله في جلسة استجوابه، وأنا مثلها، وأشهد أن معاليه أقنعني بردوده، وأشهد أنه ذو الحجة، أو ذو حجة، وأنه النور الذي يضيء دروبنا، والقمر الذي يقهر ظلام غروبنا، وفارس حروبنا، وثلج مشروبنا…
وأشهد أنني أيقنت، بعدما غير النائبان سعدون حماد وعدنان المطوع موقفيهما، أن الأرض تدور حول نفسها وحول الشمس وحول الكنز. ويا لها من جلسة سال فيها دم النائب مسلم البراك، وسال فيها لعاب البعض.
ولو كنت مكان كتلة العمل الشعبي لتوقفت نهائياً عن الاستجوابات بعد اليوم، كي يتوقف اكتشاف حقول نفط جديدة في بيوت نواب الحكومة، وكي لا يساوم البعض الحكومة على تصويته، فترضخ له الحكومة وترضخ بنا الحكومة. وإن كنت أثق أن الوزير سيسقط من بلكونة الإعلام ويرتطم بالأرض، بشرط ألا تنفجر الأنهار والينابيع في صحراء البرلمان.
بل لو كنت مكان "الشعبي" لفتحت ذراعيّ على مصراعيهما للحكومة، ولأعلنت أنني المدافع الرئيسي عنها منذ اللحظة. وأجزم أن الحكومة حينذاك ستركل البقية بالشلوت، وستطاردهم في الشوارع والمزارع. بعد ذا، سأتعاقد أنا يا الشعبي مع الحكومة على بناء "استاد رياضي" أخبّص فيه ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، فيغضب الناس، فتطبطب الحكومة على كتفي: "ولا يهمك يا بعد عمري". وأشفط مناقصات الدولة، مناقصة في ذنب مناقصة، بالجشع المريح، وأحفظ أموالي في صرة، لا أتبرع منها إلا إلى منتخبات مصر وسورية، على اعتبار أن الكويت في جيبي.
ثم أجلس بمساعدة الحكومة ونوابها على كرسي رئاسة البرلمان وفوق أكباد الناس أستعرض خفة دمي. ولأنني لا أعرف اللائحة الداخلية، فسأدير الجلسات عبر سماعة تربطني بغرفة الكنترول. ولن أقدم مقترحا واحداً، ولا دراسة واحدة، فأنا لم أنجب الشعب، ولست أمه التي خلّفته. ولن أحتج على خطأ، فكلما زادت أخطاء الحكومة زادت فرص استثماراتي. وسأعبث بالاستجوابات كعبثي بمناقصات الدولة، وستهابني الحكومة وسيسميني الناس "حكيم"، وإس إس السلامو عليكو.
طيعوني يا التكتل الشعبي، من اليوم "خلوا القرعة ترعى" وتعالوا عندي، تعالوا نجلس تحت إضاءة خفيفة، نستمع لناظم الغزالي: "سمراء من قوم عيسى من أباح لها / قتل امرئٍ مسلمٍ قاسى بها ولها". وبعد انتهاء سمرتنا، سأطيل لحيتي لأتعاقد مع إحدى الفضائيات على تقديم برنامج أتحدث فيه "من السر ونازل" وأقلب الحلقة "انكح وانقز*": "ليبرالي يصرخ في طابور الشباب المنتظرين أمام باب بيته: بالدور يا شباب ما راح تطير البنت"، و"ليبرالي يدور على الشاليهات يوزع صور ابنته وأخته وأمه، مكتوب تحت الصور: للتنسيق يرجى الاتصال على رقم"… وتنتهي الحلقة فأقبض أموالاً لا يقبضها طبيب استشاري، وأمسح لحيتي وأضحك بعد أن مسحت على قفا البسطاء.
يا عمي، بَلا استجوابات بَلا وجع قلب.

* اقفز

محمد الوشيحي


الكنارة ليست 
من العصافير

مَن يقرأ مانشيتات بعض الصحف عن استجواب العبدالله، وعن تراجع عدد مؤيدي الاستجواب وطرح الثقة، يعتقد أن الدقباسي نفسه سيصوت غداً ضد طرح الثقة، أو أن هذه الصحف تتحدث عن استجواب آخر أخفاه الدقباسي عنا، سامحه الله.

لكن بعيداً عن «أفلام المقاولات»، وبعيداً عما سيجري داخل قاعة البرلمان، والرهان الذي تم بيني وبين صاحبي، وقلت فيه «إن أحدا لن يتحدث مؤيداً للوزير إلا النائب القلاف»، وقال هو: «بل لن يتحدث أحد معه، بعد أن فاض ماء المخالفات على الطحين»… وإذا تغاضينا عن أن الدقباسي هو صاحب مشروع «التكويت» الرائع، بينما العبدالله هو صاحب مشروع «تكبيل الحريات» الضائع، وهنا يتضح الفرق في الأداء السياسي… أقول بعيداً عن ذاك وذيّاك، تعالوا نشوف المشهد.

فبعد أن عجزوا عن منازلته في الميادين والدواوين، راحوا يشيعون أن «الدقباسي خرج على القبيلة»! لأنهم يدركون أن الناس حساسون تجاه بعض المصطلحات، وأن الشعب «مُخرج» بطبيعته، يُخرج هذا من الملة، وذاك من قبيلته، والثالث من طائفته، والرابع من فئته، والخامس من بلده! ويبدو أن مَن اقترح هذه الخطة (خطة إشاعة خروج الدقباسي على رغبة قبيلته) هي خطّابة خسيسة، تسعى إلى هدم البيوت، وتفريق الزوجين، كي تبحث عن زوج للمطلّقة، وزوجة للمطلّق، فتستفيد. ملعونة.

طيب خلونا نرجع إلى موضوعنا، وندردش مع الدقباسي وهو خير المدردشين: شوف يا أبا سالم، أعرف أن المحاولة الخسيسة لانتزاعك من قبيلتك، وتحريضها عليك، جارحة ومؤلمة أشد الألم، أقول ذا وأنا المجرب، لكنني أعرف أيضاً أنك لست نتاج تربية المربيات الآسيويات و»ياي مامي دادي» كي يوقفك مثل هذا التجني عن مواصلة المسيرة، فلا يعجز ويتذمر من النقد، مهما كانت رذالته ورذالة رعاته، إلا العَجَزة، وتكرم لحيتك عن العجز، وتكرم قبيلتك عن الاستماع لما يقوله أمثال هذه الخطّابة.

أبا سالم، خصومك كُثر وسيتكاثرون غداً كالقطط والأرانب، منهم من يخاصمك لأدائك، وهذا على الرأس يوضع، ومنهم من يتقرب إلى القصور، ومنهم من يبحث عن الشهرة على حسابك، وهذا كالعصفور الذي يبحث عن شجرة سدر تظلله بظلها. وكلما كبرت السدرة كثرت عصافيرها، ولا يضير السدرة كثرة العصافير، وهل سمعت يوماً أن سدرة كتبت على أحد أغصانها: «لا يوجد شاغر».

والناس تدرك الفرق بين أشجار السدر والعصافير، فالفرق فارق. وهو فارق يعلمه عابر السبيل الذي يستظل تحت السدرة، ويعلم أن «الكنارة»* إذا سقطت فوق رأسه فهي من السدرة، وأن الفضلات من العصافير. والشاعر القديم يغني على ألحان ربابته: «حذرا تنام وفوق رأسك عصافير»، والرواة ينقلون عن بني هلال قولهم: «حنا عصافير(ن) وأبو زيد سدرة». وإذا التفتّ أنت إلى العصافير تُهتَ وضللت الطريق، فالملتفت لن يصل.

أبا سالم… «هش» العصافير بيدك وواصل شموخك.

* ثمرة السدرة 

محمد الوشيحي


الوعد يوم الربوع

أداء معالي وزير الإعلام والنفط الشيخ أحمد العبدالله… ثلاث نقط وفاصلة. وسأكتفي بهذا التوصيف اللطيف كي تعبر المقالة على العبارة تحت نوم الظلام.

والقضية الآن ليست قضية أداء معاليه. لا. القضية هي في فزعة الحكومة ونجدتها له، فالحكومة ستسلك الطرق المشروعة، وإن عجزت، فستسلك الطرق السريعة (ركّز معي يرحم الله جدك الله يحفظه)، وكما قال الشاعر: «وإن حُرِّمت يوماً على دين أحمدٍ، فخُذها على دين المسيح بن مريمِ».

واليوم هددت الحكومة باستخدام سلاح الجنسية. وإن لم يجدِ هذا السلاح فستعلن الحرب على جزر فوكلاند المتاخمة للأرجنتين، ومن ثم تلتف الجيوش لتحرر قرطبة وغرناطة من أيدي الفرنجة. فلا مانع من دخول الحرب وسقوط الضحايا وإعلان الأحكام العرفية في سبيل أن «يزمط» معاليه من الاستجواب، لتحرك الحكومة –حينذاك- قبضة يدها على باطن يدها الأخرى بطريقة دائرية في وجوه المستجوبين، وتخرج لسانها لهم، وتغني لهم كلمات أحمد الشرقاوي: «أووو أووو»*…

والآن تتكتك الحكومة مع بعض الصحف والقنوات الفضائية. شغل صكصكة وحكحكة (ركّز معي فقد ضاق الفضاء). وقريباً سيقف الكتّاب الذين يرفضون تقييد الحريات في أقسام الشرطة في طابور عرض، وستمر الحكومة تتفحص وجوهنا وتتصفحها، وتشير بأصبعها الكريمة إلى المجرمين الأوباش. وقريباً ستُنشر صورنا ونحن نرتدي البدلة الرمادية، ممسكين بلوحات خشبية عليها أرقام ليست كالأرقام. وصورة من الأمام، وصورة من الجنب، وأصابع ملوثة بحبر البصمات. وصورة أخرى، تظهر فيها – على بساط ممدود أمامنا – مخدرات وأشرطة خلاعية ومنشورات وأسلحة ثقيلة عُثر عليها في مخابئ سرية. وبعد يومين، سيشاهد الناس على التلفزيون الحكومي اعترافات «أعداء الأمة». ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب. وبعدها، ستُقتحم منازلنا، وستتفحص الحكومة لثث أطفالنا، وستقع في حيص بيص أثناء فحص لثة ابني سعود «نقار الخشب» الذين ينافس رونالدينهو في الدمامة والقبح واتساع اللثة! عليه لثة تبارك الله. مترامية الأطراف. خمسة في ثمانية. أرض وقرض. تبني فيها صالة وغرفة ماستر وغرفة خادمة، والباقي بلكونة.

وإذا أفلحت الكويت فـ»راجعني يوم الربوع»، على رأي أشقائنا في السعودية. وإذا لم يتراجع ترتيب الكويت في الحريات هذه السنة، فسأمرّ أنا عليك يوم السبوت.

* أووو أووو: أداة شماتة، يستخدمها الأطفال والنساء الملحوسات. ولم يستخدمها شعراء الجاهلية، واستخدمها أحمد الشرقاوي أحد أبرز شعراء الصناعية في إحدى معلقاته الوطنية.