احمد الصراف

براك والمناهج

قبضت السعودية على 44 مواطنا بتهمة القيام بأعمال إرهابية والتخطيط لها والتحريض عليها. وتبين أن 30 منهم يحملون تخصصات علمية عالية تصل الى الدكتوراه! لم يحرك الخبر شعرة في أي من واضعي المناهج والمشرفين عليها في مدارسنا وجامعاتنا، وكأن هؤلاء «المتهمين» اكتسبوا فكرهم التكفيري من مدارس بلجيكا وتكيات صحارى فنلندا ومدارس حفظ القرآن في آيسلندا! وفي هذا الصدد يقول كاتب سعودي مستنير، قريب عائليا من مراكز اتخاذ القرار الديني في السعودية: إن عملية الاستحواذ على عقل ووجدان الإنسان المتطرف تبدأ من الصغر وتكرس من خلال التعليم الابتدائي والمتوسط والثانوي، ليصبح التعليم الجامعي مجرد تخصص يمر به المتطرف ليكون مؤهلا عمليا لخدمة أيديولوجيا التطرف وليس لخدمة تخصصه الدراسي والتفوق فيه، وأن تأثير هذه المرحلة عليه لا يكاد يذكر. ويتساءل الكاتب: «.. ولا أدري إلى متى سيظل مشايخنا وفقهاؤنا يمسكون العصا من الوسط، يشجبون النتائج وينددون بالإرهاب ويتهربون من إدانة المحاضن الثقافية التي تتولى تنشئة هؤلاء الإرهابيين منذ نعومة أظفارهم…»!.
ومن هنا نرى أن الحل الوحيد لمحاربة الإرهاب بصورة علمية لا يمكن أن يتم خارج الفصول الدراسية، مما يعني أن العبء يقع على المنهج والمدرس، وهما في تخلف تام، ولكن الأمر لا يخلو من وجود عناصر وطنية طيبة. ويجب بالتالي ملاحقة الوضع قبل أن ينهار تماما، كما حدث في أفغانستان في مرحلة نشوء حركة طالبان التي خرجت من رحم 150 ألف مدرسة باكستانية لتحفيظ القرآن، ولا تزال أفغانستان وباكستان تدفعان ثمن مخرجاتها غاليا منذ منتصف تسعينات القرن الماضي.
ولو نظرنا الى مناهج مدارس الكويت، وقمنا بمقارنتها بما كانت عليه قبل 30 عاما لهالنا ما أصابها من خراب شامل، والذي تم تحت سمع وبصر السلطة الممثلة بالحكومة، ولا يمكن إعادة الأمور الى ما كانت عليه بغير دعمها، وهذا رد على كل من يعتقد بأن المشكلة هي في مجلس الأمة وليست في الحكومة، فقبل 30 عاما لم يكن عندنا بورمية ولا هايف ولا غيرهما من المتطرفين الذين أنتجتهم مصانع المدارس الحكومية.
ولو نظرنا الى عينة من الكتب المدرسية التي سبق ان تطرقنا للبعض منها في مقالات سابقة، والتي قمنا بنقلها من مدونة الشاب المبدع براك، لوجدنا الكوارث التالية:
في باب التغيرات العصرية التي تتعارض مع الإسلام، من كتاب الدين الإسلامي للسنة 11 ورد أن محاكاة المسلمين لغيرهم واختلاط الرجال بالنساء ورقص الفتيان مع الفتيات وتناول الطعام باليد اليسرى وإطالة بعض الأظافر كلها أمور محرمة! وهذا يعني أن منهج وزارة التربية الكويتية يعلّم طلبتنا أن ما يحدث من اختلاط في مئات أماكن العمل في الحكومة وغيرها، وحتى في مجلس الأمة، هو أمر محرم ويتعارض مع الإسلام، فكيف يستقيم ذلك؟ وكيف ترضى وزيرة التربية بوجود مثل هذه النصوص التي تحرّ.م حتى وجودها هي بين الرجال؟ وما الذي سترد به لو سألها أحد الطلبة، أثناء جولة مدرسية، أن وجودها بين الرجال محرم، من واقع مناهج وزارتها؟ فهل يختلف اثنان على أن هذه النصوص المستهجنة هي بداية الحث على الإرهاب؟
وفي الجزئية المتعلقة بالتغيرات الدخيلة على المجتمع الكويتي، من الكتاب نفسه، نجد أن نزول المرأة للعمل محرم لأنه يؤدي الى فقدان الأبناء الرعاية. كما أن خروج الكويتيين للسياحة في الخارج محرم! ومحرم ما نشاهده من زوال سلطة الوالدين على أبنائهما وطغيان آراء الأبناء. ومن الأمور التي تستهجنها كتب الدين المدرسية تعدد المدارس الخاصة ذات المنهج الأجنبي التي تسببت، حسب المنهج، في تعدد ثقافات المجتمع الكويتي.
وفي باب الوطنية أو المواطنة في الإسلام ترد النصوص التالية في كتاب الدين الإسلامي للصف 12 صفحة 92 الدرس الرابع عشر: الإسلام لا يرفض الوطنية بل يؤيدها! ولكن ما إن تكمل القراءة حتى تجد أن المواطنة التي يقصدها الكتاب هي أن يكون حب الوطن على اعتبار انه جزء من بلاد المسلمين، وهذا يعني أن لا مواطنة لغير المسلمين! فليس من حق هؤلاء الإحساس بالوطنية، وليذهب مسيحيو الكويت وأقباط مصر ويهود البحرين للجحيم! وهذا ببساطة لا يتعارض ونصوص الدستور الكويتي في حرية الاعتقاد فقط، وبل وحقوق الإنسان، الذي يذكر المدون البراك أن منهج الدين يدرَّس بالموازاة مع منهج «الدستور وحقوق الإنسان»، وهنا المفارقة المحزنة والمبكية.
المأساة عميقة والفكر متخلف والوضع سيئ.. ولكن لا تزال هناك بارقة أمل في الهارموني هاوس في السالمية.

أحمد الصراف

احمد الصراف

الفرق بين الصفعة والصفقة

في بداية الهجوم البري الأميركي الواسع على العراق في ربيع 2003، ومع ظهور بوادر نجاحه الساحق، تبين للقوات الأميركية انها بحاجة لكميات أكبر مما خططت له من الوقود لآلياتها ولاستخدام الشعب العراقي، وهكذا قام الجيش الأميركي بالاتصال بعدد من الشركات الكويتية لترتيب عملية التوريد، بسبب طبيعة المنتج الاستراتيجية وضخامة الكميات المطلوبة والشروط القاسية التي تضمنها عرض التوريد، فقد أحجمت الشركات «نصف المؤهلة» عن الدخول في المغامرة بسبب كبر حجم المخاطرة، اضافة لعدم توافر المئات من صهاريج الوقود المطابقة للمواصفات في السوق المحلي، مع سائقيها، وهذه مشكلة كبرى. وقد عزم صديق لي على دخول المعترك، ودعاني لمشاركته في الصفقة فرفضت، لان العملية كانت بنظري أقرب للصفعة المالية منها «للصفقة».
دخل صديقي المنافسة ومعه ثلاثة شركاء، وهذا شجع آخرين على منافستهم، ولكن الصفقة انتهت لمصلحتهم في نهاية الأمر! وما ان انقشع غبار المعركة، ونسي الناس مخاطر هؤلاء القريبة من الجنون، وتبين للجميع ما حققوه من ربح كبير لانفسهم وللمال العام، بسبب دور الحكومة الذي تمثل بشراء الوقود من طرف ثالث وبيعه للشركة المحلية، التي قامت بدورها ببيعه للجيش الأميركي، حتى ثارت النفوس، اما جهلا واما حسدا، او حتى شكّا في ان الامر، لا بد ان يكتنفه «الخدش والدس» المعتادان في مثل هذه الصفقات.
تقلبت قضية «هاليبرتون» الشهيرة في اروقة السياسة من لجنة الى أخرى، ومن درجة قضائية الى ما بعدها لينتهي الامر بقيام محكمة الجنايات («القبس» 28/9) بتأييد قرار النيابة المتعلق بحفظ القضية، ورفض تظلم «مؤسسة البترول الوطنية» الحكومية على قرار الحفظ، ان المحكمة اكدت خلو اوراق القضية من أي أدلة على وجود تجاوزات بين مؤسسة البترول وهاليبرتون الاميركية، ولم يكن هناك اضرار بالمال العام، وان العقد ابرم على وجه السرعة مع الجيش لتلبية احتياجات استراتيجية وانسانية للشعب العراقي.
أكتب للتاريخ، كشاهد ليس بامكانه الجزم بشيء غير ان الصفقة كانت تتضمن مخاطرة هائلة اخذها من فازوا بها على عاتقهم وكان من الممكن ان تتسبب في افلاسهم بسبب الضمانات المصرفية الكبيرة التي قدموها. والقاعدة انه كلما عظمت المخاطرة عظم الربح كذلك. وفي جو الفساد العام الذي يلف البلاد فان من اعتقد حقا او باطلا، ان شيئا ما شاب عقد التوريد منذ اليوم الأول، فلا يلام على شكه وظنونه!!

أحمد الصراف

احمد الصراف

نصب التذاكر وشاشات الحواس الخمس

وردت مكالمة هاتفية من مؤسسة مالية معروفة في الرياض لصديق في الكويت، وقالت له السكرتيرة ان الدكتور فلان يريد التحدث معه بخصوص أمر يتعلق بتعاملاته المتشعبة معهم، ولأن الصديق يعرف بأن هناك من يحمل ذلك الاسم في المؤسسة فقد صبر طويلا على الخط ليعود صوت السكرتيرة بعدها معتذرا، معللة الأمر بانشغال الدكتور الفلاني في مكالمة مستعجلة مع أحد الوزراء وأنه خرج على عجلة للاجتماع به، وأنه أوصاها بأن تبلغه تحياته وأن المستشار الفلاني، وذكرت له اسم شخصية سعودية اخرى، يرغب في زيارته والاجتماع به في الكويت لمناقشة أحد المشاريع المهمة معه، وأن هذا الأخير موجود في نيويورك لحضور اجتماعات الـ MIF، وسيتصل به من هناك لتحديد موعد اللقاء.. وبالفعل، وبعد يومين، وردت لصديقي مكالمة من أميركا، حيث أخبره المتحدث أنه فلان وأنه مغادر في مساء اليوم نفسه الى الكويت ويرغب في تحديد موعد اجتماع معه، وأن زوجته، التي تعمل مساعدة تنفيذية له ستكون برفقته.
وهكذا تم ترتيب الأمر.
بعد ساعات قليلة وردت لصديقي مكالمة أخرى من الشخص نفسه أبلغه خلالها أنه في ورطة، حيث أضاع حقيبة يده الصغيرة التي تحتوي على تذكرتي السفر ومحفظة نقود، وأنه الآن في مطار نيويورك ومجبر على البقاء في المطار 7 ساعات أخرى حتى موعد الرحلة التالية، وأنه بحاجة ماسة لثمن تذكرتي سفر نيويورك ــ كويت على الدرجة السياحية، وأنه سيدفع له المبلغ بعد وصوله الى الكويت، وأن المبلغ يجب أن يحول لحساب السيدة (..) الأميركية، التي قال إنها تدير مكتب إصدار التذاكر في المطار! لم يخامر الشك صديقي أبدا، فهو يتعامل بالفعل مع مؤسسة مالية كبيرة في السعودية ومديرها هو الذي حاول التحدث معه وهو الذي أخبره بالموعد الذي كان يتوقعه منذ فترة، كما ان المبلغ المطلوب ليس بالكبير مقارنة بحجم تعاملاته، وهكذا تم تحويل المبلغ ولا يزال صديقي، ومنذ ثلاثة أسابيع بانتظار وصول المدير من نيويورك، وخسر مبلغا يقارب الالفي دولار دون مردود، فعليكم بالحذر فقد أصبح النصب علما يدرس.
***
• ملاحظة:
بمناسبة المؤتمر الصحفي الذي عقده المشرف على «بيت الكويت للاعمال الوطنية» الذي سبق ان اثير الكثير من اللغط حول مجريات تأسيسه واستمرار عمله غير القانوني، حيث اعلن خلال المؤتمر «الوطن» (13/10) الذي حضره نايف الركيبي وكيل ديوان رئيس الوزراء عن مشروع متحف كويتي اسلامي على شكل اسم محمد (!) يتضمن شاشات تخاطب الحواس الخمس، كما سيتضمن المتحف، ان اقرت ميزانيته من قبل مكتب سمو رئيس الوزراء، معجزات القرآن «للتأثر فيها»، وسينما ومكتبة، هيلوغرافية! فيا اصحاب الضمائر الحية، لاحقوا الامر لكي لا يرى هذا المشروع الهلامي النور ابدا، فيكفينا ما تعانيه بلادنا .

أحمد الصراف

احمد الصراف

حجاب السعداوي واختلاط الأطفال

تعتبر المقالات التي أكتبها والتي تتعلق بالمرأة وسترها وحجابها واكلها وشربها، وخاصة من الناحية الدينية الأكثر قراءة وتعليقا، ويعود هذا الاهتمام غير العادي ربما لجو الكبت والحرمان الذي تعيشه مجتمعاتنا التي تعتبر، بالرغم من هوسها بالجنس، وبموجب دراسات ميدانية اسرية، الاكثر جهلا بمواضيعه وبكيفية التعامل مع الجنس الآخر، ذكرا كان او انثى، واسباب هذا الجهل، او التجهيل المتعمد، لا تخفى على الكثيرين، واهمها خلو المناهج من اي ذكر لمثل هذه المواضيع الجوهرية، وتردد الاسرة في الحديث عن الجنس او جعله موضوعا قابلا للنقاش بين الام والابنة والاب والابن، إما بسبب الخجل او لجهل الام والاب الاساسي الذي يبقى عادة معهما طوال حياتهما. وبالتالي ليس مستغربا انتهاء 60% من حالات الزواج بالطلاق!
مقال النقاب الذي كتبته يوم الخميس الماضي كان الأكثر قراءة على الانترنت بين كل المواد الاخرى لجريدة رصينة كـ«القبس»، وهذا مؤشر سيئ لذوق وفهم البعض الذي يبحث عما يثيره دينيا، وخاصة عندما يكون له جانب جنسي، وفي هذا السياق تقول المفكرة والطبيبة والكاتبة المصرية الكبيرة نوال السعداوي، في مقابلة مع قناة العربية ان لا علاقة للاخلاق بالحجاب، فاخلاق المرأة تظهر في عيوبها.. في كلامها، في مشيتها، في صوتها ونظراتها، فارتداء الحجاب ولبس الكعب العالي والمشي بطريقة فيها تراقص هو المثير، وليس تغطية الشعر او الوجه او عكس ذلك..». ولو فهمنا معنى هذا الكلام وذهبنا الى احد المجمعات التجارية في اي بلد عربي، وبالذات خليجي، لرأينا كم هو دقيق وصف الدكتورة السعداوي، حيث نجد غالبية المحجبات، وخاصة من الفئة العمرية من 15 سنة، احيانا اقل بكثير، وحتى سن الثلاثين، هن الاكثر تبرجا. كما نجد حتى بعض المنقبات بملابس ضيقة وعيون «ممكيجة» ولافتة بجرأتها في البحلقة! كما ان ما يمكن لمسه وشمه من روائح عطرية قوية لا بد ان يؤثر في حواس الجنس الآخر واثارته بطريقة او بأخرى، واطنان الماكياج التي تملأ الوجوه البريئة، والرؤوس الفارغة غالبا ما تدفع الكثيرين للتساؤل عن معنى الحجاب في ظل غياب كامل للذوق والحشمة والخلق، فمن الواضح ان الغالبية لا تدرك معنى العلاقة بين الحجاب او النقاب والتصرف القويم مع الآخرين وفي الطريق! فكما ان قانون منع المنقبة من قيادة المركبة لا يعني لها شيئا، فان ايقاف السيارة في المكان الخطأ والقيادة بطريقة سيئة ورمي القمامة في الشارع، والتأخر عن العمل ايضا لا تعني للكثيرات منهن شيئا، فكأن هناك جدارا سميكا عند هؤلاء يفصل التدين عن التعامل الراقي مع الغير الذي يحتاج لاكثر من حجاب ونقاب، والذي لا يمكن الحصول عليه بمجرد وضع قطعة قماش، مهما كانت ثمينة، على الرأس، فتقدمنا بين الامم -ان اردنا تقدما- لا يقاس بمثل هذه الامور، والاخلاق لا تقاس بمثل هذه الادوات، والتحضر لا يختصر بقلم حمرة او عطر باريسي فاخر. وعندما يقول شاعر: انما الامم الاخلاق ما بقيت، فهو لا شك لم يكن يتكلم عن قطعة قماش او لحية طويلة او حتى حليقة او بنطلون جينز او بدلة اوروبية، بل عن امور اكثر اهمية وعمقا!
***
• ملاحظة: كرة اخرى تدخل مرمانا من الفريق السعودي الذي سمحت قيادته باختلاط الاطفال، نكرر الاطفال، الذكور والاناث في المدارس الابتدائية، بعد اكتشاف ان اختلاطهم لا يشكل خطرا جنسيا بعضهم على بعض!

أحمد الصراف

احمد الصراف

محمد الصباح

أعترف بأنني أشعر بتقدير واحترام لشخص وزير الخارجية الشيخ محمد صباح السالم، وربما تكون دماثة خلقه التي جذبتني اليه هي التي تدفعه لان يكون اكثر دبلوماسية وتعاطفا مع الجمعيات الخيرية الصالح والطالح منها، وابداء اعجابه المتكرر وتقديره لجهودها خارج الكويت، وهو الامر الذي لا نتفق معه عليه الى حد كبير، فقد صرفت الكويت على مدى ثلاثة عقود الكثير على الدول العربية والاسلامية، وما ان احتلت قوات صدام وطننا حتى كانت الدول الاكثر استفادة من المساعدات هي الاكثر عداء لنا! وينطبق الحال ذاته على معظم الجمعيات الخيرية التي كانت طالما ادعت النشاط الكبير في دول افريقيا وآسيا الفقيرة، والتي كان عملها ينصب بشكل رئيسي، وفق ادعاءات القائمين عليها، على حفر الآبار وتوظيف الدعاة وطباعة الكتب الدينية، حيث ان جميع اعمالها تلك لم تثمر في اقناع تلك الدول بارسال برقية تنديد واحدة على الغزو من حكوماتها، وفي ضوء كل ذلك يصبح مستغربا الطلب الذي تقدم به الشيخ محمد الصباح لوزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون للسماح لجمعياتنا الخيرية بالعودة إلى اسطوانة «مساعدة المجتمعات المعوزة والفقيرة»، بحجة ان مساعداتها ستساعد مجتمعات تلك الدول في التحصين من الارهاب! فمتى كانت جمعياتنا في غياب اي دليل مادي ملموس، مهتمة بمحاربة الفقر في المجتمعات المعوزة، وهي التي قبضت الملايين وأضاعتها في جيوب البعض وعلى مشاريع وهمية غير ذات جدوى أو مردود علمي، أو زراعي مستمر؟ وهنا نتمنى ممن يخالفنا ان يرينا مشروعا خيريا واحدا في افريقيا وآسيا يشار إليه بالبنان بالرغم من طول الفترة السابقة على الحادي عشر من سبتمبر التي قضتها تلك الجمعيات في «اعمالها الخيرية» وكبر حجم الاموال التي أنفقتها خلال 30 عاماً!
إن اختيار القائمين على الجمعيات الخيرية والاصرار على العمل في الخارج لم يأت عبثا، فهو نشاط يمكن الحديث عنه والتفاخر به، ولكن يصعب التثبت من وجوده، ولكن عملها الخيري في الداخل معرض للمراقبة والمحاسبة، وهذا ما الجمعيات فيه، فهي اكثر ميلا إلى العمل في الظلام، كما ان سابق نشاطها الداخلي المتواضع لم يمنع انطلاق كل العمليات الارهابية المحلية من محيط مراكز انشطتها الدعوية، كما لا يستبعد ان ما حدث محليا لم يحدث ما يماثله في سابق محيط انشطتها في الخارج، والاهم من كل هذا وذلك ان الكويت بأمس الحاجة لاموال الجمعيات الخيرية، فهناك الآلاف من الفقراء الذين يعيشون في ظروف مأساوية من دون ادنى متطلبات الكرامة الانسانية، فلماذا تنطلق جمعياتنا إلى الخارج والداخل في امس الحاجة لها؟ كما ان لدى فئة البدون عشرات آلاف الاطفال من غير تعليم أو طبابة، والذين يشكل وضعهم قنبلة امنية خطيرة.
ان آخر تقارير المخابرات الدولية تفيد بأن تنظيم القاعدة هو في أسوأ حالاته ماديا وتنظيميا، وبالتالي يجب عدم السماح للجمعيات الخيرية باعادة التمدد في الخارج في الوقت الحاضر، وان كان لا بد من ذلك فتحت رقابة فعالة، ولكن هذه الرقابة نفتقدها في الداخل حاليا فما بالك بالخارج؟!

أحمد الصراف

احمد الصراف

كارما وأوم شانتي

يقول سائق تاكسي: وصلت للعنوان وانتظرت فلم يأت أحد فضغطت على المنبه مرة وثانية وكدت أغادر المكان، ولكن شيئاً ما دفعني لأن أذهب لأضغط على جرس الباب، وهنا سمعت صوت امرأة عجوز تطلب مني الانتظار. فتح الباب بعد لحظات فرأيت سيدة في تسعينات عمرها وهي تجر حقيبة سفر بصعوبة، فتقدمت لمساعدتها، وألقيت نظرة على البيت من الداخل فوجدت أن صاحبته لن تعود اليه، فكل شيء يشي بذلك، من قطع القماش الكبيرة التي تغطي الأثاث الى خلو الحوائط من أي لوحات أو ساعات، وفراغ الأرفف من أي آنية أو حاجيات، سوى صندوق يقبع في زاوية مليء بالصور والبراويز.
اتكأت المرأة على ذراعي ومشيت معها ببطء نحو السيارة ولسانها يلهج بالشكر لما أبديته من لطف نحوها، فقلت لها انني أحاول فقط أن أعامل زبائني بالطريقة نفسها التي أود من الآخرين معاملة أمي. فسمعتها تتمتم كلاماً طيباً، وما ان استوت في المقعد الخلفي حتى طلبت مني أن أذهب بها الى البلدة القديمة، قبل الانطلاق للعنوان الذي أعطتني إياه في ورقة صغيرة، فبينت لها ان في ذلك إطالة للطريق فقالت: لا يهم فلست في عجلة من أمري، فلم يتبق لي أحد في هذه الحياة، وحسب ما ذكره أطبائي فإنني غالباً لن أعيش طويلاً. وهنا امتدت يدي لعداد الأجرة وأوقفته عن العمل!
خلال مرورنا في البلدة القديمة طلبت مني التوقف عدة مرات أمام مبان تحمل في ذاكرتها وقلبها الكثير، ونظرت في المرآة فرأيت عينيها تبرقان وهي تشير إلى معرض للسيارات وتقول: كان في مكان هذا المحل مرقص كبير، وفيه التقيت بزوجي الراحل، وكنا نأتي اليه كثيراً بعد زواجنا. ثم أشارت الى مبنى آخر وقالت انها كانت تعيش في احدى شققه العديدة، وإلى عمارة صغيرة ثانية وقالت انها ولدت في بيت كان يقع مكان تلك العمارة، وهنا بدر منها ما يشبه الضيق أو التعب وطلبت ترك مرابع صباها والانطلاق بها الى بيت الضيافة الذي ستقضي به ما تبقى من عمرها، بعد ان عاشت في تلك البلدة وشوارعها صبية ويافعة وزوجة، وقالت وقطرات دمع صغيرة تتدحرج من عينيها باحثة عن طريقها بين الأخاديد التي تملأ خديها، انني أفتقد زوجي كثيراً! وسكتت فيما تبقى من الطريق، فالموقف كان يتطلب ذلك، وقد احترمت صمتها، وكانت أشعة شمس الصباح قد بدأت بالظهور بعيداً عن الأفق، وما ان وصلنا حتى وجدنا ممرضة بانتظارها على الباب الخارجي وكأنها كانت تتوقع وصولها. اخرجت الحقيبة من صندوق السيارة الخلفي، وعندما عدت وجدتها جالسة على كرسي متحرك وسألتني عن الاجرة فقلت: لا شيء. فقالت: ولكن وراءك التزامات وهذا عملك، فقلت هناك زبائن آخرون، وهنا وبدون تفكير، انحنيت وضممتها الى صدري بحنان فتمسكت بي بقوة وقالت: «لقد منحت سيدة كبيرة في السن لحظات سعادة غالية لا تنسى، شكرا لك».
ودعتها واتجهت نحو سيارتي، وانا اغالب عبراتي، وغادرت هي على كرسيها النقال وما ان سمعت صوت اغلاق باب المنزل من خلفي حتى انتابني شعور بانه صوت انتهاء حياة.
اخذت اتجول بسيارتي دون هدف وانا غارق في افكاري، ولم تكن لدي رغبة في العمل او التحدث مع احد فيما تبقى من ذلك اليوم، فما الذي كان سيحدث لتلك السيدة لو ان سائقا عصبيا هو الذي تلقى نداء توصيلها الى مقصدها؟ او لو كان السائق قليل صبر ورفض الانتظار، او انني لم انزل من سيارتي للطرق على الباب. وعندما افكر فيما جرى في ذلك الصباح الباكر اجده من اروع الاعمال التي قمت بها في حياتي، فنحن مكيفون لاننا نعتقد ان الحياة تدور حول لحظات عظيمة، ولكن هذه اللحظات تفاجئنا من حيث لا ندري بما يقوله او يقوم به الآخرون من افعال واقوال. والناس قد ينسون ما قلناه او فعلناه من اجلهم، ولكن من الصعب ان ينسوا ما جعلتهم يشعرون به في لحظة ما.

أحمد الصراف

احمد الصراف

إسلام جدي وهطول المطر

عاش جدي طويلاً وتأثرت به كثيراً، وكان قارئاً وملتزماً دينياً، وحج أكثر من مرة، وبالرغم من أنه كان يقدم مساعدات مادية لدور العبادة والحسينيات فإنه كان يكره رجال الدين المتسولين الذين كانوا يأتون لزيارته من العراق وإيران للمطالبة بحصتهم من خمس «جدهم»!
ومع تدينه وتأثيره الطاغي فإنني لم أسمع منه، أو من أساتذتي في المدرسة، من فلسطينيين ومصريين وكويتيين، ومنهم الجسار ومهنا وشهاب ومحمد علي والأيوب والتركي وكثيرون غيرهم، أن الجهل يكمن في عدم معرفة موضع إبريق التشطيف في الحمام، أو أن المسواك أفضل من فرشاة الأسنان، وأن الزبيبة على الجبين لازم تشوفها العين لعلاقتها بالسراط المستقيم، وان الأظافر يجب أن تقلم، ليس من باب النظافة، بل لكي لا ترتاح الشياطين تحتها. كما لم أسمع منه أو منهم أن جلوس «المرأة» على الكرسي حرام والأرائك والمراجيح حرام لكونها من المفاسد، وأن «الفرشخة» تمكن الجن من الدخول فينا. ولم يحرم رجال الدين في زمانه على المرأة قيادة السيارة، وهو منع لا أصل له لديهم ولا معنى بحكم أن المرأة ممنوعة من الخروج من بيت أبيها إلا الى بيت زوجها أو لتلقي العلاج أو الى المقبرة يوم تموت. وأمام هذا المنع يصبح تحريم الكعب العالي على المرأة ووضع الزينة والعطور والخلاخيل ولبس الذهب من الأمور المضحكة حقاً. ولكن مع هذا يستلزم جلد لابسة البنطلون 40 جلدة أمام الملأ لعدم التزامها الحشمة، وأصبحت الموسيقى محل خلاف كبير بين أصحاب العمائم ومرتدي الغتر الحمراء. ومع زيادة الجرعة الدينية، وتعارضها مع متطلبات الحياة العصرية، زاد استهلاك المهدئات والمسكنات وأدوية علاج الاكتئاب، وهذا أدى الى زيادة الأمراض والأوجاع الأخرى والمصاحبة لها مع كل فتوى، فهذا يحرم حقنة الوريد في رمضان وآخر يحللها، وثالث يسمح بالتحاميل الشرجية ورابع يعارضها. كما عشنا سنوات طوالا نحتفل مع غيرنا بالأعراس ولم نسمع قط ان فتاة في العاشرة تزوجت رجلاً في الخمسين مثلاً، أو العكس! وفجأة أصبح هذا الفعل، وبفتاوى ونصوص شيعية وسنية أمراً مباحاً حتى لو تعلق بوطء طفلة طالما «تحملته». وعاش جدي ومات ولم يمنعني من لعب كرة القدم، التي أصبح لعبها محرماً، إلا بشروط سخيفة، ليأتي آخر ليجيز إفطار لاعبها إن كان عليه تمثيل بلده في مباراة ما. أما الزهور فشراؤها وإهداؤها حرام لشبهة التشبه باليهود والنصارى، أما قيادة السيارة بالنسبة لهم والسفر الى تايلند وشرب الماء المثلج والتمتع بمكيف الهواء فلا تتضمن أي شبهة بالغرب الكافر! ثم يأتي سفيه ليكتب مقالاً يلفت نظرنا فيه لتأخر نزول المطر علينا في هذه الأيام، وأن سبب ذلك يعود الى زيادة ذنوبنا ومعاصينا وظلمنا، والظلم حسب قوله، «يحبس الأمطار في السماء»! ويزيد على كل ذلك بأن تؤخر المطر هو بسبب المعاصي التي يجاهر بها الناس! ولا أعرف ما هي هذه المعاصي والمطاعم والمقاهي بعد أن نجح وفريقه في إققال المطاعم والمقاهي مع منتصف الليل!
نعود ونقول ان الشرهة، أو الحق ليس على هؤلاء الكتاب، ولكن على الإدارة الحكومية البائسة بكل المقاييس التي سمحت وسهلت لمثل هذه الأشكال وأصحاب هذه الأفكار ان يتحكموا في رقابنا ومصائرنا، بعد ان سلمتهم الصحافة والإذاعة والتلفزيون ليفرغوا على رؤوس الجميع كل ما بداخلهم من سموم تخلف وحقد وبغض.

أحمد الصراف

احمد الصراف

كفن تورين.. و«دفناه سوا»

ورد في المصادر التاريخية، ان قطعة قماش من الكتان تم اكتشافها في عام 544 ميلادية في مدينة أديسا، واعتقد وقتها أنها ربما تكون الكفن الذي لف به جسد السيد المسيح عند دفنه بعد صلبه، وما عزز ذلك الاعتقاد، وفق المصادر التاريخية، ان قطعة القماش تلك تظهر، بطريقة غريبة، وجه وجسد انسان، وملامح الوجه تشبه ما روي عن ملامح المسيح، كما وجدت آثار دماء على الكفن مما اكد الرواية اكثر، وكانت تلك بداية واحدة من اكثر القصص اثارة عن المسيح ومعجزاته، كما اصبحت تلك القطعة الاكثر قدسية وتبجيلا طوال قرون. وورد في المصادر التاريخية كذلك ان ملوكا وقادة عسكريين واباطرة وباباوات تنافسوا حتى الموت على اقتناء هذا الاثر المقدس والعظيم. ونقل في اغسطس 944 عنوة إلى القسطنطينية، عاصمة الامبراطورية البيزنطية، حيث تم التأكد من حقيقة كونه كفن المسيح، وان اللطخات التي تظهر عليه هي بالفعل دم انسان! كما توالت التأكيدات من جهات مختلفة على مر السنين بصحة ما قيل عن حقيقة الكفن، واصبح هناك اعتقاد راسخ بأنه كفن السيد المسيح والدم دمه والصورة صورته، وانها آخر معجزاته.
مع تغير الممالك وتقلب العصور تقاذفت الايدي كفن المسيح وانتقل من عاصمة إلى اخرى حتى استقر في ايطاليا واصبح يعرف بـ«كفن تورين» ربما نسبة إلى الكاتدرائية التي يحفظ فيها حاليا في ايطاليا منذ عقود طويلة.
ولان الفكر الغربي، وحتى لو كان يمثل عاصمة الكثلكة المتزمتة في العالم، لا يؤمن بالمسلمات، وبسبب مناخ حرية البحث والتطوير الذي تتمتع به شعوب اوروبا، والغرب عموما، وللتأكد من كل ما اثير حول الكفن من اقاويل، فقد وافقت الكنيسة على اخضاع آخر معجزات السيد المسيح للفحص المختبري الكربوني لمعرفة حقيقة الامر، وكانت المفاجأة غير السارة ان الفحص المختبري بين ان قطعة القماش تعود إلى القرون الوسطى وبالتحديد للفترة من 1260 الى 1390 ميلادية، وانها قطعة بالتالي مزيفة اراد صانعها الاستفادة منها ماديا. وقد اكد واحد من اكبر علماء الآثار الايطاليين، نقلا عن وكالة رويترز للانباء، ما توصلت اليه المختبرات من نتائج سلبية، كما عقد مؤتمرا صحفيا بين فيه الكيفية التي ظهرت بها صورة وجه وجسد انسان على قطعة القماش تلك، وان عمرها لا يزيد على 800 عام، وليس 1500 عام، كما كان يعتقد سابقا، وان كل ما دُوّ.ن في «المراجع التاريخية» عن الكفن وقدسيته غير صحيح، وان الجميع عاش في وهم لفترة تقارب الثمانمائة سنة! ويمكن العودة للشيخ «غوغل» لمعرفة مزيد عن تاريخ واحدة من اكثر مقدسات الكنيسة اهمية، والتي ثبت عدم صحة كل ما قيل فيها وعنها.
ما قام به علماء الغرب وما اقدمت عليه مختبراتهم يوضح بطريقة لا تقبل الجدل كم هو كبير الفارق بين الامم الحية وغيرها المغيبة. فقبل 30 عاما وقعت احداث شغب عنيفة في احد اسواق مدينة مومباي الهندية، اثر سريان اشاعة عن قيام البعض بسرقة شعرتي النبي المحفوظتين في احد مساجد المدينة! وقبل ان يتبين عدم صحة الخبر كان 200 شخص بريء ومسالم، وأغلبيتهم من الهندوس، قد فقدوا حياتهم، واحرقت عشرات المتاجر والمركبات، وطالت اعمال الشغب اكبر مدن الهند لساعات عدة!
وفي هذا السياق، توجد في متاحفنا، وبالذات في تركيا، مجموعات كبيرة من السيوف والتروس والعمائم والخفف، او النعال، التي يعتقد انها تعود في أغلبيتها لزمن النبوة والخلافة! ولكن بالتمعن في اشكالها وحالتها غير السيئة، وتاريخنا الذي لا يؤمن اصلا بالآثار بسبب طبيعة المنطقة وامور كثيرة اخرى، تجعل من الصعب الايمان بصحة ما يشاع عن اعمار وتاريخ أغلبية هذه الآثار، وربما يكون عامل المتاجرة بعواطف المؤمنين وراء تلك الادعاءات، التي ليس من السهل التأكد من صحتها في ظل غياب تام لاي تدقيق او تمحيص عن حقيقة اعمارها او مصادرها. كما اننا على غير استعداد لاخضاع كثير من الاماكن المقدسة من اضرحة ومقامات للفحص المختبري والكربوني لمعرفة حقيقة ما يثار حولها من اقوال. فنحن كنا ولانزال سعداء بما نعتقد ولا نريد ان يعكر صفو حياتنا احد باي اكتشافات قد لا تتفق وامزجتنا وما نؤمن به.

أحمد الصراف

احمد الصراف

وباء النقاب.. والملك عبدالله!

قامت شركة الكوكاكولا في منتصف ثمانينات القرن الماضي بإعلان تغيير طعم مشروبها الشهير، ولأول مرة منذ 99 عاما. وقد رفض محبو الكوكا الطعم الجديد، مما اضطر الشركة الى توفير النوعين معا، ولكن مع استمرار الاعتراض اضطرت في نهاية الأمر الى سحب الجديد من السوق بشكل كامل. وقد انتهزت «البيبسي كولا»، منافستها الرئيسية في أميركا وبقية العالم، الفرصة وقامت بنشر إعلان في جريدة النيويورك تايمز الشهيرة، وعلى صفحة كاملة بيضاء تماما وكتبت في منتصفها الجملة التالية بخط صغير: After 99 years of eye to eye, the eye blinked. Pepsi Cola أو بعد 99 عاماً من العين في العين (المخازز) رفّت العين الأخرى. التوقيع: بيبسي كولا!
وهذا يعني ان بعد 99 سنة من التنافس بين الشركتين رفّت عين الشركة المنافسة فغيرت طعم مشروبها. وقد فاز الإعلان في حينه بجوائز عدة.
ولو عدنا الى منطقتنا، لوجدنا ان الكويت والسعودية كانتا دائمتي التنافس في الكثير من الميادين والمجالات الرياضية والطبية ورعاية المواطنين وبناء الطرق والمساكن، وكانت الدولتان دائمتي التأثير بعضهما في بعض، بالرغم من الفوارق بينهما، وكانت الكويت رائدة في الكثير من المجالات، ولكن بدأت أحوالها بالتقهقر، وبعد تنافس استمر عقودا طويلة بين الدولتين رفت عين الكويت تعبا وفازت عليها السعودية بالضربات الأربع التالية: أولا، افتتاح جامعة الملك عبدالله الجديدة. ثانيا، السماح بالاختلاط بين الطلاب والطالبات فيها. ثالثا، تعيين مدير «سنغافوري» للجامعة ذات التقنية العالية. رابعا، اعفاء رجل الدين الشثري من مناصبه الدينية المرموقة لانتقاده قرار الملك المتعلق ببعض أنظمة الجامعة.
ومن جانب آخر، قام شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي بتلخيص موقفه الشخصي والرسمي من النقاب، وذلك بالطلب من طالبة في أحد المعاهد الأزهرية خلع نقابها، لانه «عادة وليس عبادة». كما اصدر قرارا منع بموجبه ارتداء النقاب في الأزهر، وأصبح هو الموضة التي لم تعرفها مصر منذ عهد الفراعنة حتى ما قبل سنوات قليلة!
لا نحاول هنا التستر على سعادتنا بقرارات الملك عبدالله الكبير ولا بموقف شيخ الأزهر، فالحقيقة تقول ان الاصرار على ارتداء النقاب غير مبرر، خاصة بعد ان تحول من عادة لأمر شخصي الى عبادة. كما أصبح يمثل رأيا دينيا سياسيا يراد من خلاله ايصال رسالة لمن يهمه الأمر بأن من سيقود الشارع هم من يقفون وراء هذا النقاب، وهؤلاء لا شك يريدون الشر بالمرأة، بعلمها وبغير ذلك، ويهدفون الى «نتف» كل مكتسباتها وإعادتها الى «حظيرة» القرون الوسطى، ففي هذا العصر البالغ التعقيد الذي نعيشه، وأمام كل هذه المخاطر التي تحيق بنا، من تكنولوجيا، عقائدية أو صحية، لا يمكن الاعتداد بمبدأ «الحرية الشخصية» عندما يتعلق الأمر بتصرف يخص الجماعات المتأسلمة، ورفض الحرية الشخصية نفسها متى تعلق الأمر بتصرف ليبرالي أو علماني حر! فظهور وباء ما يتطلب تطعيم الجميع ولا يمكن هنا رفض أخذ الطعم بحجة الحرية الشخصية، فهذا هو السخف بذاته، فعدم أخذه ضار بسلامة المجتمع، ولا خيار لأحد، ايا كان، في الرفض. وما اصبحت مجتمعاتنا معرضة له من مخاطر سياسية وعقائدية دينية لا يختلف عن تعرضها لاوبئة مرض الطيور أو الخنازير أو القرود، حيث يتطلب الأمر الحذر والانتباه لكل مجهول، والتطعيم ضد كل وباء. وارتداء النقاب «الطالباني» الشديد التخلف والسماح لمرتدياته بالتجول في الاسواق ودخول الاماكن العامة واداء الوظائف الحساسة والخطيرة أمر بالغ الخطورة، فالنقاب لا مبرر له في مجمل حياتنا، كما لم يكن مبررا طوال قرون في العالم اجمع، فالبشرية استمرت من غيره لمئات آلاف السنين، فكيف أصبح فجأة واجبا محتما يتطلب الموت في سبيل تنفيذه؟ وكيف تسمح السلطات الأمنية في الكويت للمنقبات بالاشراف على مجموعة من الوظائف الخطيرة، كالتدقيق على جوازات الخروج من المطار عبر المنافذ، خاصة ان أياً من كبار ضباط الأمن في المطار، لا يجرأون على الطلب من الموظفة المنقبة الكشف عن وجهها للتأكد من هويتها، ومع هذا نشكو دائما من هروب مطلوبين ماديا وأمنيا من الموانئ الرسمية!
ان الأمر يتطلب من الحكومة اتخاذ كل ما يلزم لإعادة الأمور الى نصابها. فلم يعرف تاريخ الكويت الحديث ومنذ بدأت المرأة بالعمل في الحكومة وجود سيدات عاملات منقبات حتى عندما كن يقمن بمهمة التدريس في خمسينات القرن الماضي، فكيف بعد نصف قرن تعود عقارب الساعة وتصبح المنقبة الكاملة هي الممثلة للصفاء والنقاء، وغيرها عكس ذلك.

أحمد الصراف

احمد الصراف

عندهم وعندنا خير

قام خمسون إسرائيليا بين حاخام ومتدين، باستئجار طائرة والتحليق بها فوق المدن الإسرائيلية، وبالصلاة من أجل حماية الشعب اليهودي من مرض، أو وباء «H1N1»، الذي ترفض الغالبية في إسرائيل، لأسباب دينية، إطلاق تسمية انفلونزا الخنازير عليه! ويبيّن الشريط السينمائي المصور لتلك الرحلة حاخامات بلحى طويلة ومهيبة، يحركون رؤوسهم بقوة إلى الأمام والخلف وهم يقرأون بصوت عال من كتب دينية كبيرة الحجم، وتقوم جماعة أخرى خلفهم، في الوقت نفسه، بالنفخ في أبواق تشبه قرن حيوان، أو مزامير تصدر أصواتا حادة. وجماعة ثالثة تقوم بأداء صلاة أو دعاء من خلال اتصال هاتفي من الطائرة برقم أرضي ما، والبقية تهز رؤوسها وهي مندمجة تماما في صلوات وأدعية عميقة. ومن لا يعرف ما يجري حقيقة في الطائرة يعتقد بأنها ستقع خلال دقائق، وما يقوم به ركابها هو الطلب من السماء منع وقوع الكارثة وهلاكهم، وليس لمنع الوباء عن دولة يزيد تعداد سكانها على خمسة ملايين!
وصرح الحاخام اسحاق بتسري عند وصول الطائرة إلى المطار، نقلا عن الـ BBC، بأنهم قاموا بتلك الرحلة غير المسبوقة لوقف انتشار الوباء في دولتهم، وأنه متيقن من ان السيطرة عليه قد تمت تماما بعد رحلتهم الميمونة تلك، وأن الوباء أصبح وراءهم!
وقد تذكرت، وأنا أشاهد المقطع المصور عن هذه الرحلة الانفلونزية العجيبة، ما دأب اليهود على القيام به عند حائط المبكى المقدس، والذي يوقره المسلمون لوجود الحلقة الحديدية التي ربط بها الرسول البراق في طريقه إلى السماء، حيث يصلّي اليهود أمامه بترتيل وهز الجزء الأعلى من الجسم بشكل متكرر إلى الأمام والخلف، ومن ثم لمس الحجر ووضع لفافات ورقية ضمن شقوق الحائط ربما تتضمن أدعية أو صلوات أو طلبات محددة من الرب. ومع دخول الهاتف المحمول الخدمة لدى طبقة الأرثوذكس الشديدي التدين، ورغبة من البعض في «زيادة أجر» أقاربهم أو معارفهم الموجودين خارج إسرائيل، فإن هؤلاء يتصلون بهم عن طريق النقال ويطلبون منهم تلاوة الصلاة أو الدعاء بصوت عال ليقوموا خلالها بوضع طرف الهاتف، أو كله إن كان نحيفا، في أي من شقوق الحائط المقدس لتأكيد إيصال الرسالة إلى الرب عن طريق شق في الحجر.
وقد استغل شاب يهودي هاوٍ للكمبيوتر هذا الهوس لدى البعض، فأعلن عن استعداده لاستقبال صلوات وأدعية وطلبات اليهود الذين تصعب عليهم زيارة حائط المبكى للصلاة أمامه، إما لوجودهم خارج إسرائيل، وإما لظروف خاصة تمنعهم من القدوم.. وأعرب عن استعداده لاستلام صلواتهم عن طريق البريد أو الإنترنت وطبعها على أوراق صغيرة وطيها ومن ثم نقلها للحائط لــ«دحشها» في أحد شقوقه!
ويبدو أن ما عندهم من «خيرات» لا يقل عما عندنا.
ويمكن مشاهدة فيديو صلاة الحاخامات في الطائرة عن طريق موقع الـ«بي بي سي» من خلال الرابط التالي:
http://news.bbc.co.uk/2/hi/middle_east/8196786.stm 

أحمد الصراف