احمد الصراف

الأصيل والبيسري

تنتشر في مجتمعات كثيرة، ومنها المجتمع الإنكليزي، ظاهرة الطبقية، فهناك من تعتبرهم مجتمعاتهم أعلى أو أدنى طبقة من غيرهم، إما لأسباب اجتماعية، قبلية، عرقية أو دينية مذهبية وذلك حسب طبيعة كل مجتمع وظروفه. ففي المجتمعات الصحراوية أو الرعوية مثلا يكون الانتماء للقبيلة هو الفيصل، وغير المنتمي يصبح أضعف من غيره لانعدام من يقف معه إن تعرضت حياته للخطر مثلا، خاصة مع غياب أو ضعف الحكومات. وفي المجتمعات المدنية، وبالذات في الدول المتخلفة يكون المنتمون لدين أو عرق الأقلية أقل شأنا اجتماعيا، ولكن أهمية الانتماء القبلي أو العشائري تصبح أقل مع تقدم المجتمعات وصدور القوانين الضامنة لحقوق الأفراد. وفي الكويت كان للأصل والفصل أهمية كبيرة ولكن مع الوقت فقدت الكثير من أهميتها مع تعاظم دور الدولة وزيادة التعليم وثراء الأسر والأفراد المنتمين لطبقات أدنى، ولكن حلت التفرقة المذهبية محلها في العقود القليلة الأخيرة، وربما فاقتها أهمية. وفي أنحاء كثيرة من الجزيرة العربية يشار للمنتمين لقبائل محددة بالأصيلين أما غيرهم فهم بياسر، أو بيسري. وأفادنا الزميل عبدالله العتيبي، «الموسوعة الحية» بأن هذه التسمية يقصد بها عادة الانتقاص من عائلة أو شخص ما، ولا يعرف أصلها بالدقة، ففي «لسان العرب» ورد ما معناه أن «بيسرة» قوم جاؤوا من السند، وأنهم من الذين يؤجرون أنفسهم لأصحاب المراكب أو للعمل كمرتزقة. وفي المعجم الذهبي الفارسي «بيسري» تعني «بلا رأس»، أو «بي سر» أو بلا أساس أو أصل. وجاء في موسوعة حمد السعيدان الكويتية: يطلق بيسري على الشخص الذي لا ينتمي لقبيلة أو عشيرة معينة، أو لا ينتسب أصلا للعرب (!) ويقال هو شخص بيسري أي لا أصل له في الأنساب العربية، وبيسري كلمة فارسية «بي سار» أي بلا رأس.
ومن المعروف أنه حدثت في فترة من التاريخ تحركات ديموغرافية ما بين الخليج وشبه القارة الهندية، وفي الاتجاهين، كان من نتائجها نزوح أقوام من الهند باتجاه الخليج أولاً ومن ثم باتجاه مناطق مثل البصرة وبلاد الشام، وعمل هؤلاء كمقاتلين أو حراس على ظهور السفن الملاحية الخليجية أو كخدم للتجار ومالكي المراكب، ومن أبرز هذه الأقوام من يسمون في التاريخ العربي بالزط ويسمون في الأدبيات التاريخية الهندية بالجات. ولئن كان الزطوط هم أبرز من ذكروا من بين المهاجرين الهنود الأوائل إلى ديار العرب، فان هناك أيضاً أقواماً أخرى مثل السيابجة أو البياسرة. وأول من أشار إلى البياسرة من المؤرخين هو أبو الحسن المسعودي في الجزء الأول من كتابه «مروج الذهب»، لكن المسعودي لم يبين أصل كلمة بيسري أو بياسرة، واكتفى بالقول انها تطلق على من ولدوا من المسلمين بأرض الهند. ويرجح أن تكون الكلمة هندية كوجراتية وتعني الخليط، مما يقودنا إلى فرضية أن البياسرة طائفة تكونت نتيجة زيجات مختلطة ما بين المهاجرين الأوائل إلى الهند من الخليج الفارسي واليمن والعراق والحبشة، أو ما بين هؤلاء وشعوب الهند.

أحمد الصراف

احمد الصراف

الوطن العائم 3 ـــ 3

ما إن انتهت عملية التحرير وسارت السفينة في طريقها تتهادى بكل جلال حتى هبت ريح شمالية قوية عليها، ما لبثت ان تحولت لشرقية عاتية قبل ان تنتهي لجنوبية قاتلة ارتفع خلالها الموج عاليا، ولكن الأمور هدأت فجأة ولكن بعد ان تركت وراءها عددا من الضحايا والخسائر المادية، وبيّنت، وما سبقها من تجربة الاحتلال، مدى الحاجة لمشاركة الآخرين الرأي وعدم التفرد به، وان العودة لبرنامج التعاون السابق على الاحتلال هو الافضل. وعلى الرغم من اتفاق الجميع على ذلك فان التعاون لم يستمر طويلا، حيث اعتقد كل طرف ان الطرف الآخر يعتدي على «صلاحياته»، مما اضطر لحل لجان التعاون والتفرد، فساد التذمر والاحتجاج، ولكن مقاومة الركاب وبعض البحارة السلبية اعادت اللجان للعمل بروحية جديدة، مما كان له احسن الأثر في احداث تغيرات ايجابية ساهمت في تطمين النفوس القلقة، وتبين انه كان القرار الافضل لسلامة المركب وبحارته وقاطنيه.
سارت الامور على ما يرام لفترة، ولكن دوام الحال من المحال، فقد بدأت العلاقة بين الطرفين بالتخلخل، بعد ان اكتشف احد اعضاء اللجان الفرعية قيام بعض البحارة بالاستحواذ على كميات من طعام اكثر من حاجتهم، وقيام بحارة آخرين بالضغط على الربان لاعطائهم مساحات اكبر من السفينة لمزاولة تجارتهم ورغد عيشهم. وهنا بدأت عمليات الشد والجذب واضطر النوخذة للتدخل ووضع حل لخلافات البحارة والركاب، ولكنه غض الطرف عن بعض التجاوزات، مما ترك اثرا سيئاً في نفوس البعض وزادت الاعتراضات السلمية على ما يرتكب من مخالفات، الامر الذي دفع الربان لحل اللجنة مرة اخرى، لم يقبل الركاب بالوضع واستمر الشد والجذب بين الطرفين وانتهى الامر بتشكيل لجنة رئيسية جديدة.
سارت الامور لفترة على ما يرام ولكن النوخذة وبحارته احسوا ان من الافضل شراء ولاء فئة من الركاب لمساعدتهم في السيطرة على الاوضاع في السفينة، وهكذا سهلوا امر فئة محددة واطلقت يدها في العديد من المجالات، وبدأ هؤلاء بمصادرة كل الآلات الموسيقية بحجة انها «حرام» ثم تبعوها بأوراق اللعب وصادروا الكتب ومنع الجديد منها، وأصبح اداء الشعائر الدينية اجباريا وتم تقنين المؤن الغذائية بحيث تكون الاولوية في التوزيع للمرضي عنهم، وسنت انظمة تحرم الكثير على الاقليات وصودرت صحون التقاط القنوات، وطلب من النهام الجديد، الذي تحول سلفه لمؤذن، الابتعاد عن الشدو بأغاني الامس لاحتوائها على ما يخدش مشاعر البعض، ومنعت الافلام والمسرحيات وحتى الصور المتحركة لكونها مفسدة للاخلاق، وقصروا اطوال ملابسهم واطالوا لحاهم واستبدلوا فراشي الاسنان بمساويك، ولم تلق اعتراضات الركاب اذنا مصغية، وتدنى مستوى المعيشة وغادر البعض السفينة وفضل آخرون الانزواء والتفرغ لاعمالهم والسكوت على كل تجاوزات الملالي الجدد، وهذا افسح المجال للقطط السمان بحيث اصبح «المخامط» السمة السائدة، واصبح الملالي سادة الساحة وأصبحت السفينة، ولأول مرة، معرضة للخطر من الداخل، فهل ستنجو من هذه الكارثة؟

أحمد الصراف

احمد الصراف

الوطن العائم (3-2)

مرت الأيام جميلة وهانئة على الجميع بسبب وفرة الطعام والشراب وصفاء النفوس، فقد كان الكل يعمل يدا واحدة، وكان من الصعب التفرقة بين الشيخ الكبير الذي أصبح ربان السفينة ونوخذتها ومساعديه من جهة وبقية الركاب من جهة أخرى، فمصير الجميع واحد وهدفهم واحد، شرا كان أم خيرا، كما صادفتهم مواسم صيد وتجارة جيدة جنوا منها الكثير.
بعد فترة واجهتهم أول مشكلة كبيرة في أحد الموانئ، فعند قيام بعض مواطني السفينة ببيع التبغ الذي سبق ان جلبوه خاما من الضفة البحرية المقابلة وصنعوه على ظهر السفينة، هجم على هؤلاء جمع من رجال الدين يريدون ايقاع الاذى بهم لبيعهم الحرام، فرد عليهم هؤلاء وقتلوا أحدهم وفروا لاجئين للسفينة، وعلى الأرض تأججت النفوس وثارت ثائرة الأهالي لمقتل أحد «علمائهم» وقرروا الهجوم على السفينة واضرام النار بمن فيها لما احتوته من موبقات وكفر وانحلال واختلاط مذاهب واجناس، وانتشار بدع لا تقرها عقولهم، وخروجهم من الملة! لكن تكاتف الركاب مع النوخذة والبحارة مكنهم من الصمود والابحار بالسفينة بعيدا عن الميناء ولكن ليس دون فقد البعض من بحارة وركاب شجعان كانوا أوائل قائمة طويلة من شهداء وطن الباخرة.
وبعد مرور سنوات أخرى على الوطن العائم تخللتها مشاكل عدة نجح بحارة السفينة في التغلب عليها، بالتعاون مع بواخر تجارية أخرى، ضرب الحظ ضربته معهم بعثورهم على منطقة بحرية ثرية بثرواتها الهائلة من اللؤلؤ والاحجار الكريمة الغالية الثمن، ودار صراع بين البحارة وبقية الركاب على من له الحق في الثروة الطائلة الجديدة وكاد ان ينشب صراع، لكن حكمة الربان الشيخ الكبير نجحت في وضع برنامج توزيع عادل للثروة، بحيث ينعم بمدخولها الجميع ومن يعترض فله حق مغادرة السفينة في اي ميناء يرغب، وهذا ما حدث بالفعل مع البعض، إما باختيارهم، وإما بخلاف ذلك.
استمرت السفينة في برنامجها التجاري السابق، وزادت عليه الكثير، بعد تدفق الثروة الجديدة، وأصبحت تعود بين الفينة والأخرى لمصدر ثرائها تنهل منه، وفي احدى الليالي وجد الجميع أنفسهم أمام قارب ضخم يزيد على حجم قاربهم بكثير وهو واقف من دون حراك والرياح تتلاعب بأشرعته، وما ان دنوا منه لمساعدة ركابه حتى كشف هؤلاء عن وجوههم فاذا هم قراصنة سرعان ما قفزوا للسفينة الوطن واحتلوها، ولكن ربانها وبعض البحارة وقليلا من الركاب تمكنوا من الافلات واستقلوا قارب نجاة صغيرا ولجأوا لبارجة حربية تابعة لدولة عظمى، حيث شرحوا لهم معاناتهم وما تعرضوا له من غزو بحري غاشم، وبسبب السمعة البحرية الجميلة التي كونها شعب الدولة العائمة في المنطقة فقد تعهد قبطان البارجة بالتدخل لتخليص سفينتهم من القراصنة، وبعد حرب قصيرة لم تخل من فقد ارواح الكثير من الابرياء والابطال وخسائر مادية كبيرة نجحت قيادة البارجة، وبعض السفن الحربية الاخرى التي ساندتها في تحرير السفينة من قراصنتها واعادتها لشعبها وربانها وبحارتها.

أحمد الصراف

احمد الصراف

أنا واليهود.. والتشريح!

في منتصف السبعينات، دخلت وزوجتي أحد فنادق روما للمبيت فيه، وكان الوقت متأخرا، وما هي إلا لحظات حتى امتلأ البهو بعدد من الشباب، وخلال لحظات عرفنا أنهم يهود وعلموا من نحن. لم نهنأ بنومنا في تلك الليلة، لاعتقادنا بأننا سنتعرض حتما للأذى أو الإزعاج منهم، ولكننا كنا نعيش في وهم كبير. بعدها بسنوات زارني والدي في لندن فاصطحبته وأبنائي الى حديقة عامة، وفجأة وقع ابننا محمد من احدى الألعاب، ومن علو 3 أمتار تقريبا على الأرض، دون حراك، فحملته وأنا أتلفت طالبا المساعدة فلم أجد أحدا، فركضت به كالمجنون نحو الطريق الخالي تماما ولمحت، بعد دهر، سيارة قادمة توقف سائقها ونقلني لأقرب مستشفى، وفي الطريق تناهشتني الأفكار من كل صوب فموت محمد يعني موت أمه حزنا عليه! وماذا عن أبي والأولاد الذين تركتهم في الحديقة من غير علم، وغير ذلك من الأفكار المقلقة جدا. في المستشفى استعاد الصبي وعيه، ولكن الخطر لم يزل عنه كليا، فشكرت الرجل الشهم على مساعدته وودعته فرفض، وقال انه سينتظر لحين زوال الخطر ليعيدني من حيث أتى بي! من حديثنا المقتضب علمت أنه مهندس بريطاني وعرف من أكون. حالتي النفسية لم تسمح بالاسترسال أكثر. بعدها بأشهر تقدم لي رجل في حفل وصافحني متسائلا إن كنت أتذكر أين التقينا، فهززت رأسي بالنفي، فقال انه الذي نقلني وابني للمستشفى فعانقته بحرارة، واعتذرت له على تقصيري في حقه، ولكنه قال انه لم يكن ليختلف لو كان في وضعي، وعلمت بعدها أنه يهودي ملتزم.
لا أقصد من وراء ما سردته أعلاه تجميل صورة اليهود، فهم حسب تجاربي الكثيرة، ويشاركني الرأي من عرفهم عن كثب، لا يختلفون عن غيرهم، ففيهم، كما هي الحال معنا، الطيب والشرير، ولكن المشكلة أن تراثنا الديني يأبى علينا ذلك، ويدفع للعداء الأزلي ليس فقط مع الكفرة والمشركين والزنادقة والملحدين، بل وحتى مع الليبراليين والعلمانيين والمسيحيين واليهود، دع عنك البوذيين والهندوس وغيرهم.
وفي موقع الشبكة الإسلامية www.islamweb.net ورد النص التالي، الذي يعطي فكرة عن حقيقة نظرتنا لبعض القضايا، ففي فتوى عن موضوع تشريح الجثث في كليات الطب يقول هؤلاء انه لا يمكن أن يحدث تساهل في تشريح الجثث، فيؤتى بجثة مسلم لتشرح، فهذا لا يجوز مطلقا. ولكن لضرورة التعليم يؤتى بأجساد ليست لمسلمين «ليحصل عليها» قضايا التعلم.

أحمد الصراف

احمد الصراف

الوطن العائم (1-3)

ما ان مر عام على اختيار الشيخ الجليل لقيادة شعبه الصغير حتى جمعهم في ساحة صافية وخطب فيهم قائلا ان أرضهم أصبحت يابسة وسهولهم جدباء وآبارهم جافة وزرعهم قليل واعداؤهم كثر يتربصون بهم من كل صوب، وانه يقترح عليهم بناء سفينة لم ير البشر مثلها منذ ايام سفينة نوح، لتكون وطنا عائما وابديا لهم!
نظر الجمع الغفير بعضه الى بعض وهو بين مؤيد ومعارض ومصدق ومكذب، وتعالت أصوات الاحتجاج والقبول والرفض والتأييد، واستقر الرأي على تشكيل لجنة للالتقاء بالحاكم الجليل ومناقشة الامر معه، وفي يوم اللقاء دافع شيخهم عن فكرته وقال ان اختيار السفينة وطنا سيحل جميع مشاكلهم وسيكون بامكانهم التنقل من ميناء لآخر ومن ساحل لثغر، وسيكون لديهم غذاء وفير وماء عذب وسيزورون أمصار العالم ويتاجرون باللؤلؤ والمرجان والخشب والدخان وبالتمر والرمان، وستكون السفينة ملاذ الباحث عن الأمان والمستجير من بطش سلطان والضعيف الهارب من هوان والجائع وفاقد الأمل واليائس الطفران، وسيتعاون الجميع بحارة وركابا في تسيير شؤون السفينة كل بما يستطيعه او يتقنه، ففيهم النجار والبزاز والتاجر والجزاف واللحام والفحام والغنام والنهام وبائع الكاز والصراف والعسكري والمعلم والدلال والحداد والقطان والقلاف، وسيلتحق بهم في اي ميناء من شاء، فهنا الوطن يذهب الى من هو بحاجة اليه وليس العكس، وستكون السفينة للجميع ينصهرون فيها مع الوقت وتظللهم سماء واحدة ويجمعهم علم وقائد ونشيد ولهجة واحدة، والاهم من ذلك مصير واحد، وستكون تجربة فريدة تروى عبر التاريخ، فلم يسبق للعالم ان مر بما يماثلها.
بعد جدال قصير ونقاش اقصر وافق الجمع على فكرة الشيخ الكبير وتعهدوا باقناع بقية الشعب بها، وهكذا بدأت ورشة بناء السفينة، التي شارك فيها الشيب والشباب، وما هي الا اشهر معدودة حتى جهزت للابحار بعد ان زودت بكل احتياجاتها لتغادر مرساها وآهات ركابها تنطلق من كل صوب وهم يلقون النظرة الاخيرة على تلك القطعة اليابسة التي لن يروها مرة اخرى. وكلما القى المركب بمرساته في ميناء ما وسمع الجياع والمظلومون بقصته والتحقوا به، تكرر مشهد التأوهات وذرف الدموع على أرضهم التي لن يروها ثانية.

أحمد الصراف

احمد الصراف

سبتيات في الزواج (*) ــ 3

سأل التلميذ مدرسته: ما هو الحب؟ فقالت: لكي أجيبك عن سؤالك عليك بالذهاب الى حقل القمح القريب وأن تعود بأكبر سنبلة فيه. ولكن تذكر أنك لا تستطيع العودة الى المكان الذي كنت فيه في الحقل لتختار ما سبق ان رفضته.
ذهب الصبي وشاهد سنبلة كبيرة، ولكنه قال لنفسه ربما هناك ما هو أكبر منها فتركها ووجد واحدة اكبر منها وعندما هم بقطفها سمع هاتفا يقول له ربما هناك سنبلة أكبر بكثير تنتظرك.. وهكذا، وما ان اصبح في منتصف الحقل حتى تبين له أن السنابل أصبحت أصغر وأصغر وأن ليس بمقدوره العودة للسنابل الأكبر، فشعر بخيبة أمل وعاد خالي الوفاض!
وما ان رأته المدرسة حتى قالت له: هذا هو الحب، فأنت بحثت وبحثت عن الأفضل، ولكنك اكتشفت في نهاية المطاف أنك فقدت ما سبق وان كان بيدك، وكان هو الافضل!
فقال لها: إذا ما هو الزواج؟ فقالت: لكي أجيبك عليك الذهاب الى حقل الذرة واختيار أكبر كوز والعودة به. وتذكر أنك لا تستطيع تغيير رأيك والعودة الى المكان نفسه في الحقل مرة أخرى. فذهب الصبي الى الحقل وهو حريص على عدم ارتكاب الخطأ ذاته مرة أخرى، وعندما وصل الى منتصفه اختار كوز ذرة متوسط الحجم أعجبه شكله فعاد به الى مدرسته، التي ما ان رأته حتى قالت له: لقد أحضرت معك هذه المرة كوز ذرة، وهو الذي أعجبك شكله، وثقتك به هي التي دفعتك لاختياره، وهذا هو الزواج.
•••
يقول المثل الإنكليزي ان العشب يبدو دائما أكثر اخضرارا، أو جمالا، في الجانب الآخر من السور أو الحاجز! أي أن ما في أيدي غيرنا يبدو دائما أفضل وأجمل مما لدينا. وعندما نذهب الى المطعم وننظر الى ما طلبه الآخرون من طعام نتحسر ونعتقد أنه كان يجب علينا طلب الشيء ذاته، وربما يكون الشخص الذي حسدناه على طلبه يفكر في الوقت نفسه بأنه كان يجب عليه أن يطلب مثل طلبنا.. وهكذا، والأمر ذاته ينطبق على الزوج والزوجة، فالكثيرون يعتقدون أن أزواج الآخرين، أو زوجاتهم، أفضل من أزواجنا أو زوجاتنا، وربما تكون القلة على حق، في الظاهر طبعا، فليس هناك ضمان بأننا سنكون اكثر سعادة مع زوجة أو زوج غيرنا، فالعلاقة الزوجية ليست وجها صبوحا ولا عضلات مفتولة أو قواما جميلا، بل مجموعة من العوامل الشديدة التعقيد من الانسجام الأسري والمحبة والاحترام المتبادل، وليس هناك ما يضمن أن من اختارته عيوننا يمتلك تلك المواصفات غير الحسية البالغة الأهمية. ولكن متى كان مثل هذا الكلام يقنع من هم أصغر منا عمرا بكثير، وهم المعنيون اكثر من غيرهم بمثل هذا الكلام؟
(*) من قراءاتي

أحمد الصراف

احمد الصراف

80 عاما من العداوة والقهر

لفت نظري، وأنا أمارس الرياضة في النادي، صوت مقدم إعلان تلفزيوني وهو يعرض 10 شفرات حلاقة بخمسمائة دينار، وعندما تابعت الإعلان الغريب وجدت أنه يخاطب سكان العراق، وهذا باعتقادي أول إعلان تجاري أسمع به منذ عدة عقود، واعتبرته مؤشرا على بداية عودة الأمور، في تلك الدولة الغنية والسيئة الحظ، لأحسن مما كانت عليه حتى قبل انقلاب 1958 العسكري، وأن العراق، ولأول مرة في تاريخه الحديث، أصبح دولة يمكن للكويت التعايش معها بصورة طبيعية. فمنذ أول مطالبة عراقية بالكويت، والتي انطلقت في عهد غازي الأول من إذاعة قصر الزهور في بداية ثلاثينات القرن الماضي، والعلاقات بين الكويت والعراق في توتر مشوب بالحذر من طرف والخوف من الطرف الآخر إلى أن وصلت الأمور ذروتها بغزو صدام الكويت في 1990/8/2. وبالرغم من أن هناك من لا يزال مريضا بوهم تابعية الكويت للعراق، فان الغالبية العظمى من العراقيين وعت تماما أن كل تلك المطالبات لم تكن تهدف لغير إلهائهم عن حقيقة معاناتهم اليومية ومآسيهم ومصائبهم وضياع حقوقهم على أيدي الأنظمة الدكتاتورية التي حكمتهم، ولو نجح صدام في مسعاه الخبيث بضم الكويت للعراق لما نتج عن ذلك حتما أي تغير في مستوى معيشة الإنسان العراقي، ولا في زيادة دخله أو حقوقه المدنية، فالعراق لم يكن أبدا فقيرا، فعندما اجتاحت جيوش صدام الحدود العراقية الإيرانية عام 1980 كانت أرصدة العراق النقدية تزيد على ثلاثة أضعاف ما كانت تملكه الكويت وقتها، ومع هذا ضيع القائد المجرم تلك الثروة النادرة في نزواته وفساد أهله وحروبه العبثية، وبقي الشعب العراقي على تخلفه وجهله وأمراضه، إن لم تزد بكثير.
إن العراق، باعتقادي، سائر حتما في طريق الاستقرار والحرية والديموقراطية بالرغم من كل ما يجري فيه الآن من صراع سياسي وتشتت قبلي وطائفي، وكل تلك المظاهر المسلحة والميليشيات الخاصة والفساد المالي والإداري الذي يعصف بكيانه، إضافة لكل تلك التفجيرات العشوائية التي تقوم بها جماعات إرهابية حقيرة، إلا أن من الصعب أن نتجاهل أن الإنسان العراقي أصبح الآن يشعر بأمان لم يعرفه لسنوات، بعد أن انتهت دويلات المخابرات وزوار الفجر والإعدامات السياسية والقبور الجماعية.
ربما يعتقد البعض أننا نحلم ولكن الانتخابات الأخيرة، التي أجمع المراقبون على نزاهتها، والتي شارك فيها أكثر من %60 خير دليل على بداية عودة الأمور لطبيعتها وأصبح بإمكان العراقي أن يقول لغالبية الشعوب المجاورة له «Eat your heart»، ويكفي أنه أصبح بإمكان مواطن كفرج الحيدري، مفوض الانتخابات، رفض الأمر الصادر له من رئيس الوزراء وتجاهل طلب رئيس الجمهورية بضرورة إعادة عملية عد وفرز أصوات الناخبين، وأن يعود في نهاية اليوم لبيته لينام قرير العين من دون خوف من الاعتقال.
* * *
ملاحظة: سيأتي يوم ينصف فيه التاريخ دور الرئيسين بوش ودور الكويت في تحرير العراق.

أحمد الصراف

احمد الصراف

يوم في حياتي

استيقظت اليوم مبكرا مع أصوات العصافير والفجر يحاول تمديد وقته، ليعطي الطيور ما يكفي من الهدوء، قبل أن يبدأ صخب الحياة. تسللت من غرفة النوم، مرتديا بنطالا قصيرا وحذاء رياضيا، وانطلقت إلى ممشى المنطقة. عدت بعد ساعة لتناول إفطاري المعتاد، وأنا استمع لفيروز تشدو «طلعت يا محلى نورها شمس الشموسة» ، وهنا خطر على بالي أمر لم أفكر قط في القيام به، وهو ألا أذهب إلى العمل في ذلك اليوم! فطوال 45 عاما لم أنقطع عن عملي الوظيفي أو التجاري يوما واحدا، إلا لظروف قاهرة! وهنا بدأت من فوري بوضع برنامج اليوم بعيدا عن الهاتف النقال والقيل والقال وقبض الأموال وصرفها!
خرجت من البيت مرتديا السهل من الثياب واتجهت إلى «ستاربكس» لارتشف قدحا من الكابوتشينو، والتقيت هناك بصديق قديم أصر على دفع فاتورة القهوة عني كدليل على سروره لما كتبت في ذلك اليوم، وهذه أول مرة أستفيد فيها بطريقة مباشرة مما أكتب. ثم انطلقت بعدها إلى صالة خاصة تقوم بعرض بعض أعمال الفنان كامل الفرس، المتعدد المواهب، وحجزت واحدة منها، كما زرت معرضا آخر، وكان للفنان التشكيلي الكبير سامي الصالح، المشهور بسامي محمد، وهناك أيضا حجزت تمثالا يرمز لتعانق مشاعر الغضب مع الحديد الصلب. وقبيل الظهر قمت بزيارة مكاتب «دار الآثار الإسلامية» للحصول على برنامج الموسم الحالي، وتبين لي كم هو دسم ومفيد، ومدى ما بذل المشرفون من جهود جبارة في ترتيبه، ووجدت أن الدار بصدد ترتيب أمسية موسيقية في الليلة التالية لمغنية الأوبرا الكويتية العظيمة أماني الحجي على مسرح الدار في حولي، وهو المسرح نفسه الذي استضاف قبلها عازفة البيانو والفنانة رينارا أخوندوفا. كما تبين أن فرقة إذاعة راديو وارسو، التي تزور الكويت بمناسبة مرور 200 عام على ميلاد الموسيقار العالمي شوبان ستعزف لساعتين في صالة الهاشمي 2 في فندق ساس، ومنيت نفسي بسهرة عظيمة في تلك الليلة. ومن هناك اتجهت إلى السالمية للاطلاع على بعض أنشطة جماعة «لوياك» النشطة، وفي الطريق استمعت للشريط الخاص والجديد الذي أهداني إياه عازف البيانو الشاب والواعد حمد العماري، ابن أخ الفنان الكبير سلمان العماري، آخر أساطين مؤدي أغاني البحر القديمة، وتضمن الشريط بعضا من أغاني حمد الإسبانية الجميلة.
وبعد أن خرجت من «لوياك» أوقفت سيارتي على شارع الخليج «العربي» وتمشيت على الشاطئ، وأنا أستمع من خلال الآيبود لكلمات مرتجلة لزياد الرحباني واشعار لفاروق شوشة. وفي طريق العودة إلى البيت استمعت لمزيد من المعزوفات الكلاسيكية العالمية مع أغان إيطالية قديمة، وأنهيت اليوم بالاستماع لأغنية «سكن الليل» لفيروز، بعد أن خرجت من الهاشمي 2، وعندما وضعت رأسي في نهاية اليوم على الوسادة تذكرت أن كل ما قمت به في ذلك اليوم من أفعال جميلة يعارضها نصف أعضاء مجلس الأمة وجميع أولئك «الأفذاذ» الذين وقعوا عرائض تطالب بتسهيل دخول فلان للكويت أو منع آخر من دخول جنتها وكأنهم نواب رضوانها.

أحمد الصراف

احمد الصراف

عشاء وطني..وجني«التربية»

دأبا على عادتها السنوية الرائعة، قامت ادارة بنك الكويت الوطني -مشكورة- باستضافة البروفيسورة «كونداليسا رايس» وزيرة الخارجية الاميركية السابقة في الكويت لتلقي كلمة في حفل عشاء فاخر، وكان ذلك يوم الاحد 3/14. تألقت الوزيرة السابقة، ومن واقع خبرتها السياسية والاكاديمية الطويلة ابدعت في كلمتها الموجزة وتمكنت من ان تضع يدها على العديد من النقاط المهمة التي كانت تشغل بالي انا على الاقل. كما بينت كلمتها كم هو ضروري تمسكنا بالتفاؤل، بالرغم من كل اجواء التشاؤم التي تحيط بنا محليا او تلك التي تسود بقعا كثيرة في العالم حولنا.
ما لفت نظري في حفل العشاء، اكثر من اي شيء آخر، ذلك الحضور النسائي الطاغي، فاضافة الى ضيفة الحفل ومتحدثته كانت هناك السفيرة الاميركية، وهي اول امرأة تشغل مثل هذا المنصب الرفيع في الخليج، كما كانت هناك نائبات من مجلس الامة ووزيرات سابقات وناشطات سياسيات وجمع من سيدات الاعمال، وهو حضور «نسائي نوعي» غير مسبوق في مثل هذه المناسبات التي كانت عادة ما تقتصر على الرجال، الا ما ندر.
وهذا التنوع في الحضور هو الذي يظهر وجه الكويت المشرق ورقيها، وليس ذلك المنطق الذي يحاول الآخر من خلاله سوق المرأة خلفه كالقطيع من غير احترام لآدميتها ولا اهتمام بمكانتها كزوجة او ام او ابنة او اخت او حتى زميلة عمل. ومعروف ان نظرة المجتمع للمرأة، ومكانتها فيه هما الوسيلة الاهم والاكثر فعالية لمعرفة مدى تحضر او انسانية اي مجتمع!

***
تطرقت في مقال سابق لموضوع قيام معلمة في مدرسة خاصة بادخال الرعب في قلوب الاطفال بروايتها لقصص خرافية عن قيام البعض باخراج الجن من الاصبع وما الى ذلك. وقد قام السيد الوكيل المساعد للتعليم الخاص بارسال كتاب لنا، نشرت «القبس» نصه يوم السبت الماضي، بين فيه ان الموضوع تمت متابعته من اعلى سلطة في الهرم التربوي، وان زيارات متكررة تم اجراؤها للمدرسة المقصودة بالمقال، وتم توجيه المعلمة المعنية، وباقي المعلمات، بضرورة التقيد بمواد المنهج الدراسي والبعد عن الاسفاف وتشويش العقول. كما ورد في الرد ان اصحاب المدرسة تمت مخاطبتهم لمتابعة المعلمين وتأكيد التزامهم بالمنهج.
وهذا ما كنا نتوقعه من تجاوب كبير من سيدة بمستوى وقدرات الاستاذة موضي الحمود التي نتمنى ان تطول اقامتها في «التربية» لتخلص هذه الوزارة السيئة الحظ مما لحق بها من تخلف على مدي عقود طوييييييلة!!

أحمد الصراف

احمد الصراف

التصرف اللائق والسلوك الحسن

في صباح يوم قارس البرودة كنت أقف على رصيف محطة قطارات تحت الأرض في لندن، وكان ذلك قبل نصف قرن تقريبا، وكان على الرصيف ذاته رجلان عرفت من حديثهما أنهما كويتيان، أحدهما يتلقى العلاج في لندن والآخر مرافق له. وصل القطار بعد عشر دقائق طويلة وفتحت الأبواب بصورة أوتوماتيكية فقفزت للداخل فورا، وهنا قام أصغر الرجلين سنا بالطلب من الآخر ركوب القطار قبله، ولكن هذا وضع يده خلف ظهر صاحبه، وقال له «تيامن»، تقدم، فأنت على اليمين، ولكن الأصغر أصر والآخر أصر أيضا، وهنا أغلقت الأبواب وتحرك القطار، تاركا الرجلين مشدوهين على الرصيف!
هناك فرق بين الكياسة أو السلوك الحسن والمبالغة في اللطف، وأحيانا الإصرار عليه بشكل مزعج يفتقر إلى الكياسة أصلا، ويكون له أحيانا أثر عكسي، ولا يسري الأمر ذاته على كل تصرف. ففي مجتمعاتنا، بشكل عام، نفتقر إلى الكياسة والسلوك الحسن مع الآخرين، وكثيرا ما تتسبب تصرفاتنا الخالية من الذوق في جرح مشاعر الآخرين، أو تصدمهم، خاصة إن كانوا من القادمين من مناطق أكثر لطفا وحبا لمساعدة الغير أو تقديرا لظروفهم. وقد يعود سبب افتقادنا للسلوك اللائق إلى خشونة البيئة وقسوة الحياة بشكل عام من جهة، ومن جهة أخرى الى افتقار المناهج الدراسية، والحكومية بالذات، لمثل هذه المواد بشكل كاف، ونجد بالتالي أن التحدث بصوت عال، خاصة على الهاتف النقال، أمر عادي لدى الكثيرين، وبالذات في المكان والزمان الخطأين، كقاعة الاجتماعات والمستشفيات وحتى في دور العبادة. كما نجد بين طابور منتظري أي مصعد مزدحم من هو على استعداد للتصادم مع الخارجين منه وعدم انتظار خلوه تماما من ركابه. كما لا يتردد الكثير من المدخنين في التدخين في الأماكن التي يمنع فيها التدخين. كما اننا نفتقد عادة الإمساك بالباب بعد فتحه، لمن هو خلفنا، أو شكر من مسك الباب لنا للمرور. ونتردد، أو ننسى كثيرا، في تقديم الشكر لمن قدم لنا خدمة، ولو بسيطة، أو الاعتذار إن صدر منا فعل أو تصرف غير حميد.
ومن التصرفات الشديدة السوء عادة إيقاف المركبة خلف مركبات الآخرين وتعطيل أعمالهم بحجة عدم وجود مكان آخر لإيقاف السيارة. أو تجاوز الآخرين في الطرق السريعة باستخدام كتف الطريق، والتسبب في إتلاف مركبات الآخرين بالحصى المتطاير.
إن السلوك الحسن اللائق لا يكتسب بصورة تلقائية، بل يتعلمه الطفل من والديه أولا ومن المدرسة تاليا. وبسبب أهمية مثل هذه الأمور في حياة الإنسان فإن بعض دول «السنع» تخصص يوما في السنة لتعليم الأطفال السلوك الحسن. ونحن لا نطمع في تخصيص مثل هذا اليوم، فلدينا ما يكفي من الأعياد والمناسبات السنوية السياسية والاجتماعية والدينية التي لا تعني الكثير للغالبية منا، ولكن نتمنى أن يتم تضمين مادة السلوك، وربما آداب التصرف والجلوس إلى المائدة، وغيرها من التصرفات اللائقة لطلبة المراحل المبكرة لنبني جيلا يحترم الآخر.

أحمد الصراف