احمد الصراف

المال للفن

قام مجموعة من الشباب، روحا وجسدا، من الكويتيين العتاق في حبهم لوطنهم بتأسيس شركة تهدف لتشجيع وإنتاج وإخراج المشاريع الثقافية من دون النظر لعامل الربحية كثيرا، وكان ذلك قبل خمس سنوات، استطاعوا خلالها الاهتمام بعديد من المواهب في المسرح والموسيقى والفن التشكيلي، وخلق اتصال بينهم وبين موهوبي دول عدة. وقد تمكن هذا المشروع حتى الآن من إنتاج مسرحيتين خارج الكويت، الأولى «رسالة إلى هاملت»، والثانية «ريتشارد الثالث»، من إخراج المبدع العالمي سليمان البسام!
وقبل عام فكر المؤسسون بإنتاج مسرحية تتطرق لبعض الظواهر السلبية في الكويت، ومن هنا وقع الاختيار على نص مسرحية ترتوف للعبقري الفرنسي موليير، لتكون أول إنتاج محلي، وتم بالفعل الطلب من الزميل المبدع جعفر رجب إجراء التعديلات المناسبة على النص، وتكويته بطريقة مناسبة، وهكذا خرجت للوجود مسرحية «حيال بو طير» من إخراج البسام، وإنتاج شاكر ابل بالتعاون مع الإعلامي باقر دشتي، وبطولة الفنانين سعد الفرج، هدى الخطيب، مناضل داود، فيصل العميري، أحمد ايراج، فاطمة الصفي، شوق، نصار النصار، والمسرحية تتطرق لموضوع المتاجرة بالدين وكذب الكثيرين منهم، وبأسلوب مغاير لما اعتدنا عليه، خاصة وأن سليمان البسام أصبحت له بصمة عالمية لا يمكن تجاهلها بسهولة.
ولأسباب خاصة لم يجز النص وقتها في الكويت، وبالتالي عرضت المسرحية على أحد مسارح الحمرا في بيروت في شهر يوليو الماضي، وكانت لحظات جميلة عشتها وأنا منبهر من أداء الجميع، وقد أضحكني فيصل العميري كثيرا، وكنت بحاجة للضحك، كما بهرني نصار النصار بتمثيله، فقد كان فله وفلته، أما الآخرون فقد كانوا كالعادة عمالقة في كل شيء.
كما سعدت كثيرا بالفرقة الموسيقية التي صاحبت التمثيل بأدائها الجميل، والتي تكونت من المطرب الواعد سلطان مفتاح، وعازف العود فيصل البلوشي، وعازف الأورغ زياد زمان، والإيقاع لأحمد الدبوس وعبدالله المطيري.
وقد أعلمني أحد مسؤولي الشركة، أو الفرقة أن النص أجيز اخيرا للعرض في الكويت، ولكن وزارة الإعلام تحفظت على «القفلة الأخيرة» للمسرحية والتي تحمل الزبدة أو الخلاصة، ونتمنى أن تثمر الجهود عن إجازتها كاملة، فهي مسرحية جميلة، وتختلف عن كثير من الإسفاف الموجود، وتعيدنا إلى التاريخ الجميل للمسرح الكويتي الرائد، والذي طالما اشتهرنا به!
وجدير بالذكر ان المهارات والخبرات التي ساهمت في هذا العمل الفني الكبير الذي سنكتب عنه مرة أخرى عند اقتراب موعد عرضه في الكويت، قد قدمت من الكويت والإمارات والعراق ولبنان وفرنسا.
***
• ملاحظة: تلقيت قبل يومين دعوة شخصية من «حدس»، الاسم الحركي لحزب الاخوان المسلمين التابع للتنظيم العالمي للاخوان، لتهنئتهم في مقرهم بشهر رمضان، لم ألبّ. الدعوة لانها تضمنت عدم اصطحاب نساء! وهنا نتمنى ألا يكون صاحبنا نفسه خلف فكرتها لاقناعي بفكرة توقيع ميثاق الشرف!

أحمد الصراف

احمد الصراف

حرام.. حلال..حرام.. حلال!!

في أول أيام الغزو والاحتلال العراقي للكويت، وأثناء تفكيري وجاري في ما يجب أخذه معنا، إن اضطررنا للخروج من الكويت، لأي سبب كان، قال جاري إن المهم المال والأشياء الثمينة الأخرى وبالذات الخفيفة على الحمل، ومن ثم الصور العائلية الشخصية، وأهميتها تكمن في ما تحمله من كم كبير من الذكريات الحميمة، إضافة إلى أنها إن فقدت فلا يمكن تعويض غالبيتها!
تذكرت تلك الحادثة، التي مر عليها 20 عاما بالتمام، وأنا أقرأ مقال خلف الحربي، في جريدة عكاظ السعودية 6/7، بعنوان «يسرقون أعمارنا ثم يعتدلون»، والذي جاء فيه أن سيدة قامت بحرق كل صورها وصور أبنائها وعائلتها عندما أخبرها أحد رجال الدين أن الاحتفاظ بها حرام حرام!! وتقول إنها، وبعد عقدين من الزمن تقريبا، أصبحت ترى صورة ذلك الرجل في الكثير من الصحف، وهذا يعني أنه تراجع عن فتواه المتشددة، أو المتسرعة (لا فرق)! ولكنه ورط غيره بفتواه، وأنها الآن لا تعرف كيف تستعيد ذكريات طفولتها وطفولة أبنائها، بكل ما كانت تعنيه تلك الصور لها من أهمية ومحبة صادقة.
كما وردت في المقال قصة رجل قام قبل عشرة أعوام بتحطيم كل الأطباق اللاقطة للمحطات التلفزيونية في بيته بعد أن حذره شيخ دين مشهور، جاءهم في الشرقية، من خطر القنوات الفضائية على الأمة. كما دفعه حماسه وقتها للطلب من جيرانه الاقتداء به، وكانت صدمته كبيرة حين وضع أخوه الأكبر طبق التقاط في البيت، فتعارك معه ووجه له كلاما معيبا جدا! وبعد سنوات شعر بالخجل من نفسه وبخيبة أمل كبيرة عندما شاهد ذلك الشيخ، صاحب الفتوى، يظهر في برنامج ديني في واحدة من أسوأ القنوات الفضائية مقابل عقد كبير!
كما وردت في المقال قصة رجل آخر اختار ترك وظيفته المرموقة في البنك عندما أخبره أحد أقربائه أن الكثير من المشايخ يقولون إن راتبه حرام. وقال إن ذلك الرجل يعمل اليوم في وظيفة بائسة ويضحك على نفسه لأنه سمع كلام المشايخ وترك وظيفته، حيث اكتشف أن أغلب أولئك المشايخ الذين سبق ان أفتوا بحرمة رواتب المصارف أصبحوا أعضاء في هيئاتها الشرعية، وبعضهم في البنك نفسه الذي تركه في شبابه!
وقال الزميل الحربي إن سبب عودة هؤلاء الشيوخ عن فتاواهم ومواقفهم المتشددة وتحولهم لشيوخ «وسط» أنهم ربما راجعوا أفكارهم فوجدوها متسرعة وحماسية أكثر مما يجب! أو أنهم شعروا بأن الأفكار المتشددة لا تساعد على الاستمتاع برغد العيش بعد أن تغيرت أحوالهم المادية للأفضل بكثير! وقال إن المشكلة لا تقف هنا بل تشمل ظاهرة أخرى وهي مشكلة ظهور شيوخ جدد يريدون أن يخلقوا لأنفسهم وضعا ماديا معينا، فنراهم يتشددون ويحتسبون ويوترون الأجواء ويعطلون التنمية لكي يصبحوا نجوما لامعين ويتبعهم الخلق، ثم بعدها يعتدلون ويصبحون وسطيين ويقدمون البرامج التلفزيونية ويدعون الناس الى التسامح والتآخي!
وقال إننا لا نحتاج إلا الى ورقة لكي ندون على وجه منها أسماء عشرة مشايخ كانوا متشددين ثم اعتدلوا، بعد أن سرقوا عشرين عاما من أعمارنا، ثم نكتب على الوجه الآخر أسماء عشرة مشايخ آخرين يقودون حاليا موجة التشدد، وإذا طال بنا العمر، فسنرى بعد عشرين عاما، أن المتشددين أصبحوا ينافسون أصحاب القائمة الأولى في الاعتدال والوسطية بعد أن أصبحوا من سكان القصور! أما الأمة فليس لها إلا العناء والتحسر على العمر الضائع، والبحث عن مبررات اعتدال الشيخ المرموق مثلما بحث عن مبررات تشدده!
وقد ذكرني هذا المقال بموقف رجل الدين عادل الكلباني الذي كان يوما يؤم الصلاة في مكة، ذكرني بموقفه من الغناء وكيف أفتى قبل فترة بأنه غير حرام، وهو الأمر الذي ربما دفع الكثير من أتباعه ومريديه الى الاستماع والاستمتاع والتعود على الغناء والتعلق وشراء الأجهزة والسيديهات! ولكن الشيخ الكلباني قرر (هكذا، وعلى كيفه) تغيير رأيه والإفتاء بحرمة الغناء! فما الذي سيفعله مريدوه وأتباعه الآن بما اشتروه، وهل ستعود الدائرة نفسها؟

أحمد الصراف

احمد الصراف

منظارنا أصدق من منظاركم

ورد في القبس قبل أيام ان المحكمة العليا في السعودية أقرت امكانية قبول رؤية هلال اول الشهر، وبالذات اول رمضان ونهايته، من خلال المناظير المقربة، مع ابقاء خيار الرؤية بالعين المجردة. وسبق ان اعلن المرجع الديني الراحل محمد حسين فضل الله انه يفضل تحري هلال رمضان من خلال المناظير المقربة! وربما كان أول شخصية دينية رفيعة تطالب باستخدام الوسائل المتطورة الحديثة، والحسابات الفلكية في معرفة اوائل الاشهر القمرية، بدلا من التمسك بالرؤية المجردة وتحريم غيرها، وهو الامر الذي اربك الكثيرين لقرون طوال، وكان مصدر خلاف شديد ومستمر.
وفي السياق نفسه اكد السيد محمد المهري اهمية الاستعانة بالحسابات الفلكية التي يمكن عن طريقها معرفة اوائل الاشهر القمرية، ولا اعتقد انه يعارض الاستعانة بالمناظير لمعرفة بداية الاشهر، بدلاً من الاعتماد على العين المجردة، وسبق ان اعلن ان اول شهر رمضان هو الخميس 12 أغسطس، ولكن مكتب السيد فضل الله في لبنان اعلن ان الاربعاء 11 م 8 هو بداية الشهر، وايضاً حسب حساباتهم الفلكية، فهل خرجنا من مشكلة العين المجردة لندخل في مشكلة منظارنا افضل من منظاركم، وحساباتنا ادق من حساباتكم؟ وهل ستبقى خلافاتنا الصغيرة هي الطاغية والمخربة لعلاقات بعضنا مع بعض؟ يبدو ان الامر كذلك وسيبقى هكذا!
وفي تطور «دراماتيكي» انتقد رجل الدين السعودي عايض القرني ائمة المساجد، وبعضهم من تلامذته ومن المتشربين بفكره، لأنهم يدعون بهلاك اليهود ومن هاودهم ومن النصارى ومن نصرهم، والبوذيين ومن «باوذهم»، وخاصة في صلاتي التراويح والقيام، مشيرا الى انهم، أي الائمة، في دعائهم وكأنهم يرغبون في ان تترك الدنيا لهم فقط. وقال ان تصرفهم ينافي مبدأ التواضع الذي يفترض أن يكون من خصال المسلم والدعوة الى الاسلام.
وهنا نجد ان اقرار المحكمة العليا السعودية بجواز الاستعانة بالمناظير وموافقة بعض المراجع الدينية الاستعانة بالحسابات الفلكية، اضافة للوسائل العلمية الحديثة، في تحديد بدايات الاشهر، ومطالبة القرني وغيرها من التغيرات الايجابية، تعني ببساطة «شديدة» اننا كنا طيلة هذه السنين، او القرون على خطأ.
فكم هو جميل توقف اختلافنا على صغائر الأمور ان كان العلم والمنطق هما الفيصل في حسم الخلاف بيننا. وكم هو أجمل توقفنا عن لعن الآخرين والدعاء عليهم بحرق زرعهم، خاصة عندما نعلم أن آلاف الاطنان منه ترسل لتشبع جوع ملايين الافواه الجائعة في دولنا الاسلامية، او عندما نعلم بأن الدعوة لأن ييتّم الله ابناءهم غير منطقية لأن هؤلاء هم الذين يخترعون ويطورون وينتجون للمسلمين وغيرهم افضل الامصال وأحسن الادوية ويرسلوها لمرضانا ليتداووا بها، ومضحك بالتالي ان نتمنى لهم، بالدعاء الحار، الموت واليتم والفناء والحرق!
ويا ترى لو كان ذلك اللاعن والشاتم لغيره خالي البطن وسقيما فهل كان سيفكر اصلا في لعن من يملأ بطنه ويداوي مرضه؟

أحمد الصراف

احمد الصراف

قصة لندنستان

كنت دائم الشك، كغيري، في أسباب تسامح سلطات بريطانيا مع الأصوليين الإسلاميين المقيمين فيها، وخاصة من العرب الذين لجأوا اليها هربا من بطش حكوماتهم، بالرغم من كونهم مصدر إزعاج مستمر للسلطات وخطرا دائما على المجتمع البريطاني، إضافة إلى ما يتكلفه دافع الضرائب من مبالغ ضخمة للصرف عليهم وتوفير الحراسة لهم ولأسرهم الكبيرة، حيث يعيشون جميعا عالة على مؤسسات الضمان الاجتماعي! وزادت شكوكي في السنوات التي تلت أحداث الحادي عشر من سبتمبر بعد أن ازدادت شراسة الأصوليين، ومنهم ناشطون سياسيون وأئمة مساجد ودعاة، في التصريح بمعاداتهم للغرب. كما بينت الكثير من الأحداث الإرهابية التي وقعت في بريطانيا أن غالبية مرتكبيها كانوا، بطريقة أو بأخرى، على صلة بهؤلاء الدعاة والأئمة الذين لم يترددوا يوما في إظهار احتقارهم للمجتمع البريطاني وعاداته، وعندما كانوا يسألون عن سبب بقائهم فيها مع كراهيتهم لها كانوا يردون بالقول انهم هناك لقضاء الحاجة، كمن يدخل المرحاض لقضاء حاجة!
ولكن شكوكي تأكدت، إلى حد ما، مع صدور كتاب «العلاقات السرية، تواطؤ بريطانيا والإسلام المتشدد» للباحث والكاتب البريطاني مارك كيرتس، الذي يقول فيه انه فكر في كتابه بعد التفجيرات الدامية التي تعرضت لها لندن في عام 2005، وانه قضى أربع سنوات في دراسة الوثائق السرية في الأرشيف البريطاني التي أفرجت عنها الحكومة. ويقول كيرتس في كتابه ان تمويل بريطانيا لحركة الإخوان المسلمين في مصر بدأ منذ عام 1942، وان الحكومة المصرية كانت تصرف لهم إعانات بإيعاز من البريطانيين، كما كانت سفارتهم تدفع لهم مباشرة، وان حسن البنا لم يعارض قيام سلطات شركة قناة السويس، الفرنسية البريطانية، ببناء مسجد «ضرار» في مدينة الإسماعيلية، مهد الإخوان.
وفي عام 1956 ومع العدوان الثلاثي، نشطت اتصالات البريطانيين بالإخوان ضمن مخطط الإطاحة بناصر أو اغتياله. ووفق الوثائق، فإن جماعة البنا كانوا الأكثر حظا لتشكيل الحكومة الجديدة بعد إسقاط نظام عبد الناصر. وأثبت الباحث أن الجماعة تواطأوا في منتصف الخمسينات مع لندن لاغتيال ناصر! وفي رد على سؤال لجريدة «الشرق الأوسط» بمناسبة صدور كتابه، قال ان علاقات الإخوان بلندن زادت قوة مع صعود المد القومي في مصر في السنوات 1952 – 1970، وتمثلت آخر أشكال تعاون بريطانيا مع الجماعات الأصولية، وربما الشيعية هذه المرة، في قيام بعضها بتأمين خروج آمن لقواتها من البصرة عام 2009.
وقال المؤلف ان لندن طالما رعت مؤتمرات للجماعات الأصولية، وخاصة تلك التي كانت معارضة لحكم صدام حسين، ومنهم الإخوان. كما رعت مؤتمرات جماعات معارضة للنظام السوري وعلى رأسهم الإخوان. ويؤكد كيرتس أن لندن لا تزال تستخدم القوى الأصولية، وتحرص على تطوير علاقاتها مع إخوان مصر وسوريا ودول أخرى، لتأمين نفسها عند تغيير نظام الحكم في القاهرة أو دمشق.
ويقول الباحث ان الحكومة البريطانية غيرت مواقفها من أصوليّي الحركات الإسلامية وطردت البعض وسجنت أو قيدت حركة آخرين بعد أن أصبحت نفسها هدفا للإرهاب، بعد أن كانت توصف بــ «لندنستان» لاحتضانها المستمر للجماعات الأصولية، فقد كان التفاهم في السابق أن السلطات تتيح للجماعات الراديكالية العمل في بريطانيا بحرية طالما أنها غير مستهدفة، وهو ما يسمى «ميثاق الأمن»، الذي كان بمنزلة ضوء أخضر من «الخارجية» البريطانية للإرهاب في جميع أنحاء العالم. إلا أنه أعرب عن اعتقاده أنه من الممكن تفسير التسامح الحالي من جانب النخبة البريطانية مع الجماعات المنشقة لرغبتها في استغلال هذه الجماعات في مصلحة سياساتها الخارجية، وهذا ما قام المؤلف بتوثيقه في كتابه، حيث يقول ان هذا التسامح يمكن أن يساعد كدعامة أو بطاقة تفاوض مع حكومات أخرى! وأن لبريطانيا مصلحة دائمة في الحفاظ على الانقسامات في منطقة الشرق الأوسط وجعلها تحت سيطرة سياسية منفصلة، ويعد ذلك إحدى صور سياسة «فرّق تسد» الدولية التي كان يُنظر إليها على أنها مهمة من أجل ضمان أنه لا يوجد هناك أي قوة فاعلة وحيدة في الشرق الأوسط مسيطرة على المنطقة، لاسيما ثروات النفط، ضد رغبات لندن أو واشنطن. وهذا شعار يتكرر في ملفات الحكومة على مدار عقود كثيرة.

أحمد الصراف

احمد الصراف

أنا طائفي (!!!)

وطني وما ساءت بغير بنيك، يا وطني ظنوني
أنا لم أجد فيهم خديناً آه من لي بالخدين.
وا ضيعة الأمل الشريد. وخيبة القلب الحنون.
رقصوا على نوحي وإعوالي وأطربهم أنيني
وتحاملوا ظلماً وعدواناً عليّ وأرهقوني
فعرفتهم ونبذتهم لكنهم لم يعرفوني
وهناك منهم معشرٌ أفٍّ لهم كم ضايقوني
هذا رماني بالشذوذ. وذا رماني بالجنون.
وهناك منهم من رماني بالخلاعة والمجون.
وتطاول المتعصبون وما كفرت وكفروني
لا درّ درّهمُ فلو حزت النضار لألهوني
أو بعت وجداني بأسواق النفاق لأكرموني
أو رحت أحرق في الدواوين البخور لأنصفوني
فعرفت ذنبي أن كبشي ليس بالكبش السمين.
يا قوم كفّوا، دينكم لكمُ، ولي يا قومُ ديني
 
هذا ما قاله فهد العسكر قبل ألف عام ولا يزال صالحا للنصف الأول من رمضان هذا العام.
نشرت القبس (8/22) مقالا لأحد الزملاء تهجم فيه على شخصنا ونعتنا بالطائفي الذي فزع لطائفي آخر، وبالليبرالي والعلماني!
ردنا باختصار شديد يتمثل في نقاط أربع:
أولا: من الواضح تواضع معلوماته عن طبيعة كتاباتي وما تمثله من انعكاس حقيقي لشخصيتي، بعكسه تماما! فأنا لم ولن أفزع طائفيا لأحد، وكتاباتي عن موضوع «تسمية الخليج» تعود لما قبل ثمان أو تسع سنوات وعددها 5 مقالات تقريبا وتتوافر في أرشيف القبس، ومنطلقاتي معروفة ولا علاقة لها بالطائفية.
ثانيا: من اتهمني بالدفاع عنه شخص لم ألتق به أو أتحدث معه أصلا، ولأسباب خاصة لا تسرني معرفته ولا أسعى للالتقاء به، فكيف أدافع عنه؟
ثالثا: الاخ الزميل ومن أصل مليون وكذا ألف نسمة من مواطني الكويت، هو الوحيد الذي لا يحق له اتهامي «أنا» بالذات بالطائفية. فهو الذي سعى ونجح في أكثر من انتخابات برلمانية من خلال انتخابات قبلية طائفية، كما أنه يشارك بفاعلية في قيادة حركة طائفية دينية تحت مسمى «الحركة الدستورية»، وهي المظلة التي يعمل تحتها حزب الإخوان المسلمين، التابع للتنظيم العالمي الطائفي. كما لا تسمح حركته لغير المنتمين لها طائفيا بالكتابة في مطبوعاتها! إضافة إلى أنه سعى لتأسيس كيان دولي لطائفته القبلية، وهو الأمر الذي تحدث عنه الكثيرون، ونحن لا اعتراض لنا بطبيعة الحال على طائفيته أو اعتزازه بقبيلته أو أن يتخذ ما يشاء من مواقف، ولكن نتمنى عليه هو بالذات أن يترك لغيره مهمة توجيه اتهامات الطائفية لنا!
رابعا: مؤسف أن أضطر لأن أقف هذا الموقف، وأدافع عن نفسي وشخصي المتواضع أمام هذا الشخص، وربما من حقي العتب على القبس، التي تعرفني حق المعرفة، لسماحها بنعتي بالطائفية! أما «تهم» الليبرالية والعلمانية ففخر لا أنكره!

أحمد الصراف

احمد الصراف

الحب بالحب والكره بالكره

تعرضت باكستان في الأيام القليلة الماضية لكارثة سيول قل نظيرها في العصر الحديث، فقد من جرائها الآلاف حياتهم، والأسوأ من ذلك خسارة أكثر من 20 مليون باكستاني كل ما يمتلكونه من ماشية ومحاصيل وأدوات ومأوى، وهم بحاجة للماء والغذاء والكساء، بعد أن أصبحوا جميعا معدمين تماما، وكل ذلك حدث في ظل حكومة عاجزة ينخر في أوصالها الفساد بالرغم من أنها تحكم «أرض الطهارة»!
الغريب في الأمر أن رد الفعل الدولي، بالرغم من هول الكارثة وحجم خسائرها غير المسبوق، كان سلبيا بشكل عام، ولم يستجب غير دول قليلة لمطالبات السلطات الباكستانية، وسكرتير الأمم المتحدة، وما وصلها من مساعدات كان متواضعا بكل مقياس، والدليل أن الكويت كانت الأكثر كرما! والجدير بالذكر أن الفيضانات أصابت بشكل أساسي مقاطعة وزيرستان والمناطق المجاورة لها وهي الأكثر تدينا وقربا للفكر الأصولي الطالباني!
ولو بحثنا في أسباب هذا الجفاء الدولي في التعامل مع هذه الكارثة البشرية، وضعف تجاوب الدول الغنية الكبرى مع طلبات الاغاثة، مقارنة بمواقف الدول نفسها من كوارث أقل قسوة من هذه الكارثة بكثير، لوجدنا أن مواقف باكستان العدائية مع دول عدة وفساد أنظمتها وطاقمها السياسي وعدم وضوح مواقفها من الحركات المسلحة والمتشددة دينيا، وما يشاع عن العلاقة المشبوهة التي تربط أجهزة مخابراتها بحركة طالبان و«القاعدة»، ربما كانت جميعا وراء هذا الجفاء، فمواقف الدول بعضها من بعض لا تبنى من خلال تجربة أو حادثة واحدة، بل من سلسلة مترابطة من الأحداث والمواقف العدائية أو عكسها، وبالتالي يجب ألاَّ نستغرب ان كرهنا العالم أو أحبنا، فالدول كالبشر تكره وتعادي من يكرهها وتحب وتميل الى من يعاملها بالمثل، فهل نتعلم من تجربة باكستان شيئا؟
وفي هذا السياق أحضر لي صديق باكستاني نموذج طلب جواز سفر رسمي صادر عن السفارة الباكستانية، تضمن الفقرة الغريبة التالية التي تفرض على طالب تجديد جواز سفره التوقيع بأنه يعلن بطريقة خالية من أي شك موافقته على اعتبار «ميرزا غلام أحمد قادياني» مدعي نبوة، واعتبار أتباعه، سواء كانوا من جماعة اللاهوري أو القادياني، من غير المسلمين!!
فهل هناك من يحترم حكومة تمنع اصدار، أو حتى تجديد جواز سفر مواطن، ان رفض التوقيع على مثل هذه الشهادة، حتى ولو كان أتباع القاديانية أكبر أشرار الدنيا؟ ومن الذي يملك حق توزيع صكوك الغفران على البشر، وتصنيفهم مسلمين أو غير مسلمين؟

أحمد الصراف

احمد الصراف

نحن وطارق والصندوق

قام زميلنا الأكاديمي القدير طارق العلوي بكتابة بحث شائق على صفحة كاملة (القبس 17 أغسطس) لخص فيه أزمة تمويل مشاريع التنمية! وعلى الرغم من كم المعلومات الشائقة التي تضمنها المقال، ووجهات النظر السديدة التي حاول الدفاع عنها، فإن فائدة المقال ومتعته ضاعتا في آخر فقرة منه عندما ذكر: «ونحن وإن كنا مع محافظ البنك المركزي في عدم تعريض نظام الاستقرار المالي للخطر، فانه، ومن دون هذه البدائل، سنجد أنفسنا مجبورين أن نقول للشيخ أحمد الفهد وللعم أحمد السعدون وبقية الأخوة الأعضاء: لقد أعطيتم للمركزي كل الفرص ورايتكم بيضاء، والآن سيروا على بركة الله في مشروع الصندوق الوطني، ونحن معكم على طول الخط.. حتى ونحن لا نعلم مقدما كم سيكلفنا تمويل هذا الصندوق من مبالغ أو ما هو أثره لاحقا في الاستقرار المالي الذي ينشده سعادة المحافظ»!!
لا يلام الزميل الفاضل على موقفه الأخير، ولا نشكك هنا بحسن نيته وإخلاصه، ولكن من الواضح أنه غير ملم بما فيه الكفاية بطريقة عمل شركات المقاولات وتشابكها وارتباطها الوثيق بالبنوك.
فصندوق دعم مشاريع التنمية، الذي وجد زميلنا الفاضل أنه سيجد نفسه مجبرا في نهاية الأمر على الموافقة عليه، بصرف النظر عن تكلفته النهائية(!!) أمامه أحد طريقين: إما فتح الباب لكل من يريد المشاركة، أو قصرها على الشركات المصنفة رسميا. فإن اختار الاحتمال الثاني فهنا أيضا يكون أمامه طريقان لتمويل المشاريع: إما أن يعطي الشركات ما هي بحاجة إليه حسب توصيات أو أوامر محددة، أو أن يخضعها لنظام قانون المناقصات. وإن تم اختيار نظام المناقصات فهنا أيضا عليه المفاضلة بين: إما السماح للشركات بتقديم عروض التنفيذ من دون الحاجة لأي كفالة مصرفية، وإما أن تكون العروض مصحوبة بكفالة مصرفية. فإذا وقع الخيار على عدم ضرورة الكفالة فمن الذي يضمن تقيد المقاول بسعره في نهاية الأمر، وعدم انسحابه أو اعتذاره في حال ارتفاع أسعار مواد البناء مثلا؟ وكيف يمكن تلافي التأخير الناتج عن إعادة الطرح بعد ضياع أشهر ثمينة؟ وإن كانت الكفالة ضرورية فمن الذي سيصدرها غير البنك؟ وكيف يمكن لأي مصرف إصدار كفالة بغير دراسة، أو ضمان كاف؟ كما أن أي مقاول بحاجة الى دفعات نقدية مقدمة لا تقل عن %10 من قيمة أي مشروع، فهل سيقوم الصندوق بسد حاجة المقاولين من الأموال نقدا؟ وإن كان الجواب بنعم فما الذي يضمن حسن تصرف المقاول وعدم اكتفائه بقبض العشرة أو العشرين في المائة وعدم تنفيذ المشروع؟ وإن أصر الصندوق على كفالة فمن غير المصارف بإمكانه القيام بذلك؟ وما الإجراء الذي سيتخذ بحق من قبضوا الدفعة الأولى وتخلفوا عن التنفيذ؟ هل سيتم تشكيل لجان عفو عن هذا ومعاقبة آخر؟
إن الموضوع برمته ليس بتلك السهولة التي يتصورها البعض، ولولا ذلك لما اعتذرت إدارة الصندوق الكويتي للتنمية عن القيام بالمهمة، وهذا دليل على ذكائها ونزاهتها، فهل وصلت الرسالة، وماتت فكرة الصندوق إلى الأبد؟ نتمنى ذلك. وهنا أيضا لسنا مضطرين لتأكيد حياديتنا، فمعيارنا هو المنطق وليس أمانة هذا الطرف أو سوء نية الطرف الآخر.

***
• ملاحظة:‍ توفي الاستاذ أحمد السقاف عن 91 عاماً، ولكنه لم يمت، فقد ترك تراثاً أدبياً يُقرأ، وتاريخاً وظيفياً يلمع، وذرية رائعة تبدع.

أحمد الصراف

احمد الصراف

أول مقابلة صحفية مع الرئيس

هذا نص مقابلة تلفزيونية اجراها مراسلنا في القصر مع السيد رئيس الوزراء بمناسبة انتخابه.
مقدم البرنامج: تهانينا السيد الرئيس. قبل ان نبدأ المقابلة، وحيث اننا نقف عصر هذا اليوم الخميس في هذا المكان، فهل بامكانكم ان تؤكدوا للمشاهدين ان يوم غد سيكون الجمعة؟
ج: لطالما ايدنا انظمة التقويم المتبعة في احتساب الايام والاشهر، كما دعمنا اهتمام الشعب بنظام التقويم ليساعدهم في التخطيط لما يودون القيام به كل يوم.
س: هل هذا يعني ان يوم غد هو جمعة؟
ج: ليس مهما ان يكون يوم غد جمعة او اربعاء، ما يهم هو الا تتعارض التغيرات غير المتوقعة مع التغيرات العادية. وحكومتنا لديها سجل واضح في ما يتعلق بدعم هذه التوقعات.
س: ولكن اليوم هو الخميس، وبالتالي بامكانكم ان تؤكدوا لنا ان يوم غد جمعة؟
ج: ان الامور نسبية، فان يكون يوم غد اثنين او اربعاء يعتمد على اين نقف وقتها. ونحن في الحقيقة لا نود التشكيك في انظمة التقويم، لان غالبية الامة يعلمون جيدا ان التحدي هنا لا ضرورة له.
س: نود يا سيدي طرح السؤال بصيغة اخرى: ما هو يوم غد؟
ج: يوم غد هو اليوم التالي في خططنا التنموية في كل انحاء وطننا العزيز. فنحن نخطط لكي نستمر في تقديم خطة صحية افضل، وتخفيض العجز، وخفض اعداد البطالة، والتحكم في الهجرة الاجنبية، وان نكون ضمن الدول الرائدة في التحكم في ظاهرة الاحتباس الحراري.
س: نعود الى سؤالنا السابق، هل بامكانكم عدم تأكيد ان الجمعة هو ليس يوم غد؟
ج: الجمعة دائما بيننا وقادمة لا محالة، وقد كانت بيننا لزمن طويل وستبقى بيننا لفترة طويلة قادمة. ونحن كحكومة مسؤولة نحتاج لان نخطط ليس ليوم غد، ولكن لاطفالنا واحفادنا من بعدهم.
س: سيدي الرئيس، المشاهدون، بانتظار تأكيد جوابكم عن اليوم الذي سيكونه غدا؟
ج: نحن نتعامل مع قضايا اكثر واكبر اهمية، والجمعة والسبت والاحد ليست مهمة او مرتبطة بنظام الاشياء، وهم بحاجة لان يعرفوا ان الامور اكثر خطورة مما يتصورون، ومن الضروري التركيز على الاولويات البالغة الاهمية مثل وضع وطننا، وكيف يمكن ان نستمر في ذلك بحيث يستفيد الجميع من الخيرات في نهاية الامر.
س: المعذرة يبدو اننا بعدنا عن الموضوع قليلا، فهل تريد يا سيدي ان تقول ان يوم غد ليس بالجمعة؟
ج: في الواقع ليس مهما ما يكونه يوم الغد، ما هو مهم في الواقع هو كيفية التعامل مع الوضع، واود ان اؤكد لكم ان حكومتي بسياساتها الواضحة ومواقفها الصلبة ستتعامل مع الغد بكل شفافية.
س: ولكن نحن لا نريد ان نعرف اكثر من ان غدا سيكون يوم جمعة او يوما آخر!
ج: لنركز على الموضوع قليلا هنا، فنحن كحكومة نقف كالصخرة مسخرين جهودنا للمهمة التي بين ايدينا، وفي الخاتمة دعني اخبرك للمرة الاخيرة اننا ملتزمون بالمهمة، وقد كلفنا الجهات المعنية بتقديم التقارير المهنية المتعلقة بخططنا المستقبلية!
مقدم البرنامج: شكرا للسيد رئيس الوزراء على هذه المقابلة القيمة.
***
• ملاحظة: تباينت وتعددت ردود الفعل على مقال يوم الثلاثاء «المهاجر المجهول»، وجاء احد الردود من الصديق والزميل سامي البحيري، حيث اكد فيه انه صاحب النص المجهول، وانه كتبه قبل سنوات!
نشكر الصديق البحيري على كشفه للمجهول!

أحمد الصراف

احمد الصراف

رسالة سامية وطلب هزيل

«قبولية حاكم الكويت بالمهادنة البحرية لأجل سنة واحدة في سنة 1841 ميلادية. مضمون هذه الأحرف بأني أنا يا صباح ابن جابر بنيابتي عن أبي جابر ابن عبدالله الصباح حاكم الكويت قد رضيت وقبلت عن نفسي وعن رعاياي والمتعلقين علّي بالقرار الذي قرره جناب في الشركة والأجلال الأجل الأفخم القبطان هذل باليرز خليج فارس مع المشايخ العرب المصالحين من استقامة المهادنة والصلح عن صدور التعديات والتعرضات في البحر وأن لا لي حرب ولا جدال في البحر مع جميع مشايخ العرب الداخلين في سلك الصلح والمهادنة مع جناب في الاقتدار والمفاخر السركار الأنقريز الأفخم وأن أصون رعاياي والمتعلقين علي من التعدي والتعرض على ساير الطوايف المتصالحين في البحر وأن لا قدر الله تعالى أحدا تجرى وتعرض رعاياي والمحسوبين علي في البحر فلا يكون فورا أقوم لأخذ القصاص والانتقام بل التزم برفع الأمر لجناب علي الجاه الباليرز صاحب المذكور حتى هو يقوم بلازم التنبيه والقصاص بعد تحقق الأمر وأجريت مع جناب المستشار ان مضمون ما ذكر من حين التحرير الذي هو غرة ربيع الأول 1257 إلى مدة سنة كاملة هذا والله خير الشاهدين». (ختم: صباح بن جابر).
هذا نص رسالة أو تعهد من قبل حاكم الكويت أرسلت في عام 1841 لممثل بريطانيا «العظمى» في الخليج، وكان الحاكم بأمره على كامل أوضاع المنطقة بما فيها العراق. وسبب ذكر هذه الرسالة المنقولة من كتاب «تاريخ الكويت الحديث»، لأحمد مصطفى أبوحاكمه، إضافة لأهميتها التاريخية، ما ورد فيها من أن الخليج الذي نشترك فيه، ودول مجلس التعاون العربية الأخرى، مع إيران، كان يسمى في الكويت، ومن واقع عشرات آلاف المستندات والخرائط والمراسلات، وحتى أواخر ستينات القرن الماضي، بخليج فارس. وبالتالي، وحفاظا على مصداقيتنا، وليس لأي سبب آخر يدور بكل رأس مشبع بنظريات المؤامرة، فإن الاسم يجب أن يبقى بالاسم الذي اشتهر به أكثر من غيره، وذلك لكي لا نتهم من قبل إيران أو غيرها أننا من مزوري التاريخ عند مطالبتنا لها أو من غيرها بحقوقنا في المياه أو اليابسة. كما أردنا من التطرق لرسالة الشيخ الجليل، والتي يوجد ما يماثلها الكثير، الإشارة للسؤال البرلماني الذي وجهه النائب وليد الطبطبائي للوزير أحمد الفهد والمتعلق باستخدام «الخليج الفارسي» بدلا من العربي في كتيب بعنوان «اللمحة الإحصائية» والذي صدر اخيرا عن الإدارة المركزية للإحصاء، حيث طالب النائب بالتحقيق في الواقعة وتزويده بنتيجة الإجراءات القانونية التي تم اتخاذها تجاه المسؤولين عن الواقعة!
وهنا نرى أن النائب يريد الانتقام من المسؤول عن كتابة اسم تاريخي، كما هو مدون في عشرات آلاف المستندات الحكومية الرسمية، ولكنه لا يود حتى الاقتراب من كل قضايا الإجرام والسرقات والمتاجرة بالبشر التي يرتكبها علية القوم، لأنه ربما يخاف الاقتراب منهم، ويبحث عن المواضيع التي يعتقد أنها أكثر إثارة للنعرات والغرائز الدفينة والعصبيات!
سنظل لسنوات نلتّ ونعجّ في تسمية لم نعرفها إلا في منتصف ستينات القرن الماضي، وسيستمر العالم أجمع في استخدام التسمية الصحيحة، شئنا أم أبينا!!

أحمد الصراف

احمد الصراف

عندما نختلف مع القبس

تفاعلا مع قرار الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود بضرورة قصر الفتوى في السعودية على المعنيين بها، قامت القبس (8/14) بكتابة افتتاحية بينت فيها حاجة الكويت لمؤسسة دينية مماثلة تتولى مسؤولية الفتوى وتؤمن شروطها الصحيحة وتمنع السطو المغالي عليها، وبالتالي تنهي سياسة تفريخ الفتاوى من غير المؤهلين، وتوقف سيل استيراد الفتاوى التي تتجاهل حقائق حياتنا وتقفز فوق مصالحنا وتوقف الإساءة للدين!
كلام الافتتاحية جميل في ظاهره، ولا شك لدينا في حسن نية من كتبها، ولكننا، وربما لأول مرة لا نتفق مع ما جاء في افتتاحية لـ القبس، فظاهرة الفتاوى الطيارة أو الغريبة، والتي «تقفز» فوق مصالحنا ليست بالأمر المستجد ولم تأت من فراغ، بل هي نتيجة حتمية لانتشار الجهل بيننا وعدم الرغبة في البحث، ولو البسيط منه، وبسبب ما أسبغناه من هالة عظيمة على رجل الدين، بحيث أصبح كل ما ينطق به شبه مقدس، ومسلماً بصحته، بصرف النظر عن الخلفية المتواضعة أو حتى المشبوهة لقائل الكلام!
فنحن نكن الاحترام للأطباء بشكل عام، ونستمع لنصائحهم ونتبعها ونعتبرها بمنزلة «الفتوى الطبية»، ولكن كلما ازداد تعليمنا واتسعت مداركنا أصبحت هالة الاطباء أقل سطوعا، وقدراته أكثر وضوحا، وأنهم في نهاية الأمر بشر مثلنا معرضون لارتكاب مختلف الأخطاء، ومنها المميتة أحيانا. وبالتالي فوضع الطبيب في إطاره الصحيح، عن طريق زيادة معلوماتنا ومعارفنا، هو الذي يجعلنا أقل تعرضا لأخطائهم وأقل تسليما بما يصدر عنهم وعدم اعتباره مقدسا، وهذا يعني أن علاج مشكلة الفتاوى المتضاربة والمتعددة والطيارة لا يأتي بمنعها بل برفع مستوى تعليم وثقافة المتلقي لها بحيث يرفض الغث والمريض منها ويتم تجاهله.
ولو اتفقنا فرضا مع افتتاحية القبس فكيف ستتم عملية اختيار أعضاء لجنة الإفتاء؟ ومن الجهة التي ستختار؟ ومن يضمن بأن صاحب الأمر لن ينحاز لجهة ضد أخرى؟ وهل من الممكن اختيار أعضائها من خارج نطاق أو نادي «الشخصيات» الدينية الحالية، التي هي سبب المشكلة في الكويت أساسا؟ ألم تساهم هذه الشخصيات في تفاقم المشكلة وتناحر المجتمع، من خلال سيطرتهم الكاملة على «الفضاء الديني» في كل أجهزة الإعلام من صحافة وتلفزيون، وهم المسيطرون أساسا على كل المناصب الرسمية الدينية ولجان الرقابة الشرعية؟ وهل سيتخلى هؤلاء، إن تم اختيارهم لعضوية اللجنة الموعودة، عن وظائفهم الحالية التي تبيض لهم ذهبا مقابل عضوية لجنة لا تسمن ولا تغني من جوع؟ وهل بالإمكان اختيار غيرهم وهم السادة على الساحة؟
نؤكد لـ القبس أن هذه اللجنة لن تخرج إلى النور أبدا، فمصالح البعض المادية والاجتماعية سوف تعمل على افشالها بطريقة او بأخرى، وإن خرجت فالفشل مصيرها، فليس هناك ما يمنع هؤلاء، من خلال برامجهم الدينية وصفحات صحفهم وزواياهم، من قول ما شاؤوا من فتاوى، فليس هناك حد فاصل بين ماهية الفتوى وماهية النصيحة، كما لا توجد حكومة واحدة بإمكانها إملاء شروطها على القنوات الفضائية الدينية كافة وهي مصدر الصداع الأكبر في قضية الفتاوى.

أحمد الصراف