عبدالله النيباري

الحوثيون… «داعش» اليمن

أقرب توصيف للحوثيين، وما يفعلونه في اليمن، هو أنهم نسخة يمنية لـ”داعش” في العراق، وإن اختلفت الأساليب، فمثلما فعل “داعش” في العراق، وقام باحتلال الموصل، معتمدا على التعاون مع فلول “البعث” وضعف النظام الأمني في الموصل، ما أدى إلى استسلام القوات أو هروبها، من دون أي مقاومة تذكر، ثم انطلق من الموصل إلى احتلال الرمادي، فتكريت، حتى اقترب من تهديد بغداد، وأصبح يسيطر على رقعة في العراق أكبر من مساحة سويسرا.
الشيء نفسه تكرر في اليمن، الحوثيون كانت معاقلهم في صعدة، في أقصى الشمال الشرقي من اليمن، وخاضوا فيها 6 حروب مع نظام علي عبدالله صالح في الفترة من 2004 إلى 2010، وكما حال “داعش” في العراق، انطلق الحوثيون من صعدة إلى عمران والجوف، ثم تمددوا إلى الحديدة، ميناء شمال اليمن الرئيسي، ثم إلى صنعاء، وباحتلالها أعلنوا ما سموه ثورة 21 سبتمبر 2014.
وكان تمددهم واحتلالهم هذه المناطق بهذه السرعة وهذه السهولة، محل تساؤل، إلى أن انكشف الأمر، بأن ذلك تم بالتعاون مع علي صالح، الرئيس الذي خلعته ثورة الشعب اليمني عام 2011، والذي ظل مسيطراً على قوى الجيش والحرس الجمهوري وقوى الأمن، من خلال غرس نفوذه طيلة حكمه، عن طريق شراء الولاء، وتعيين الأقارب وتمويل التحالفات، مستخدماً ما جمعه من أموال اليمن طوال 34 عاماً. متابعة قراءة الحوثيون… «داعش» اليمن

عبدالله النيباري

هل يفشل اتفاق إيران النووي؟

بعد ثلاث عشرة جولة من المفاوضات، صدر الإعلان يوم 2 أبريل الجاري في لوزان عن الاتفاق النووي بين إيران والدول الأعضاء في مجلس الأمن زائد ألمانيا، والتوصل إلى إطار مبادئ (5+1)، حيث ساد الابتهاج بين المتفاوضين، واعتبرت كل الأطراف، إيران من جهة، والدول الست من جهة أخرى، أنها حققت انتصاراً، وعاد الوفد الإيراني بقيادة وزير الخارجية محمد جواد ظريف إلى طهران، ليحظى باستقبال الأبطال وخروج مظاهرات بعد منتصف الليل.

شكوك المرشد

ومرت الأيام دون أن يفصح المرشد الأعلى، الذي يملك بيده القرار، عن رأي، حتى كان يوم الجمعة 10 أبريل الجاري، ليطلق بعض الشكوك حول الاتفاق، قائلا: إنه لا يؤيد ولا يعارض الاتفاق، الذي سمي بإطار المبادئ، وإن العلة في التفاصيل، التي يجب أن تناقش في الفترة التي يجب أن تنتهي في يونيو لتوقيع الاتفاق النهائي، وأكد أن رفع عقوبات الحصار عن إيران يجب الإعلان عن إنهائها في اليوم الذي يتم فيه التوقيع.
تصريح المرشد خامئني أضفى بعض الشكوك حول احتمال إتمام الاتفاق.
المسائل الفنية يبدو أن لا خلاف عليها، وهي مسائل تتعلق بتقليص قدرة إيران على إنتاج سلاح نووي مع السماح لها بالأبحاث وتطوير قدراتها النووية، ولكن في حدود متطلبات الاستخدام السلمي، وهي لإنتاج الطاقة وتحلية المياه والأبحاث الطبية، وما إلى ذلك، وهو ما تطرق إليه المرشد في تصريحه.
النواحي الفنية حول تقليص قدرات إيران لتخصيب اليورانيوم من 20 في المئة حالياً إلى 3.7 في المئة، ونقل مخزون اليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المئة، وتقليص عدد مفاعلات الطرد المركزي لإنتاج اليورانيوم، وتفكيك وإعادة تصميم مفاعل أراك لإنتاج الماء الثقيل الذي يستخدم لإنتاج السلاح النووي وتحويل المفاعل للأبحاث.
الإصرار على رفع العقوبات

كل هذه الأمور الفنية تمت مناقشتها من الفنيين، وأهمهم من الجانب الإيراني علي صالحي، القريب من المرشد، وكانت كل الخطوات تنقل أولاً بأول إلى طهران أثناء المفاوضات، لإعلامها واستشارتها وفق ما نقل من أوساط المتفاوضين.
إذن من الناحية الفنية لا يبدو أن هنالك ما هو موضع خلاف، لكن الشرط الذي قد ينسف ما تم التوصل إليه في إطار اتفاق المبادئ هو الإصرار على رفع عقوبات الحصار في اليوم الذي يتم فيه التوقيع في يونيو القادم.
أمام هذا الإصرار – إن صمد – مواجهة موقف الأطراف الأخرى، التي ترى أن رفع العقوبات يتزامن ويرتبط تدريجياً بتنفيذ الإجراءات الفنية التي يجب أن تكون تحت رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وبناء على تقاريرها، وهذه الأطراف ترى أنه لا يمكن أن ترفع العقوبات دون التأكد من تطبيق الخطوات الفنية.

أطراف ضد الاتفاق

يقول المراقبون إن هنالك أطرافاً تمثل المحافظين والجناح المتشدد، خاصة جماعة الحرس الثوري، وبعض أصحاب المصالح الاقتصادية هم في الأساس ضد الاتفاق، وضد منهج سياسة الرئيس روحاني، الذي طرح برنامجه في الانتخابات لإنهاء عزلة إيران ورفع إجراءات المقاطعة التي أنهكت الاقتصاد الإيراني، وتحريك عجلة التنمية، وبناء علاقات مع العالم ودول الإقليم، لتكريس الاستقرار والسلم، وهذا المنهج يحظى بدعم زعماء إيرانيين، مثل الرئيس السابق خاتمي، والزعيم رفسنجاني، والمرشح السابق كروبي، الذي لايزال رهن الإقامة الجبرية، وعلى أساس هذا المنهج حظي روحاني بفوز ساحق في انتخابات الرئاسة بنسبة 50.7 في المئة من الأصوات في حين لم يتجاوز أقرب منافسيه 16 في المئة.
هنالك آراء ترى أن المتشددين، خصوصاً الحرس الثوري، سيفعلون المستحيل لإفشال الاتفاق، لأن المسألة لا تتعلق بالنشاط النووي، فالمرشد خامئني أصدر فتوى بأن الإسلام يحرم إنتاج أسلحة نووية، وفي خطابه التحذيري قال إنه يخشى أن يحد الاتفاق من قدرة إيران على الاستفادة من الأبحاث النووية لأغراض إنتاج الطاقة وتحلية المياه والاستخدامات الطبية والزراعية، واتفاق إطار المبادئ لا يتعارض أو يتناقض مع ذلك، فهو يقيد فقط قدرات إيران في الوصول إلى إنتاج سلاح نووي.
لذا كيف سيكون موقف المرشد الأعلى صاحب القرار في النهاية؟!
وفي مواجهة محاولات المتشددين هناك الأزمة الاقتصادية، التي تزداد تفاقماً، وهي العامل الأساسي الضاغط للوصول إلى اتفاق يفتح المجال لبرنامج روحاني لتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة طويلة الأمد، كما جاء في برنامجه، وأهمها زيادة إنتاج النفط، وصادراته، التي انخفضت إلى حوالي مليون برميل، في حين كانت في السابق فوق مليوني برميل.

آراء مختلفة

ويبقى السؤال: إذا استعادت إيران قوتها الاقتصادية فكيف سينعكس ذلك على سياستها الخارجية وعلاقتها بالعالم ودول الإقليم؟! هل ستحرص على استمرار التمدد والتوسع في دول الجوار أم ستبني علاقات سلمية طبيعية؟! حول ذلك تختلف الآراء، فهنالك من يقول إذا كنا نعاني سياسة إيران وهي داخل القفص الاقتصادي، فكيف سيكون الحال وهي خارجه؟ وفي المقابل، هنالك من يرى أن إيران خارج القفص ستستفيد من بناء موقع دولي وإقليمي ذي مكانة من خلال التعاون، لا المواجهة، وخطوة زيارة وزير الخارجية ظريف إلى باكستان يمكن أن تفسر لصالح هذا النهج.
ولكن لا أحد يستطيع أن يجزم ما هو الاتجاه الذي ستسير فيه إيران، فذلك يعود لنتائج الصراع داخلها بين جناح الاعتدال وأجنحة التشدد وتصدير الثورة.

عبدالله النيباري

الحوثيون وإيران… وافتراس اليمن

بعد سقوط نظام صدام حسين، ودخول العراق في مرحلة اضطراب وقلاقل، ثم انفجار الثورة في سورية على نظام الأسد، اصطبغ الصراع في المنطقة بصبغة الاصطفافات الطائفية، ثم جاء انفجار الصراع في اليمن، بزحف جماعة الحوثيين، للسيطرة على البلاد، ليرفع حدة الصراع إلى درجة عالية وخطيرة.

تصريحات المغالين

ومع تقدُّم الحوثيين، متحالفين مع الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، وسيطرتهم على معظم اليمن، انطلقت التصريحات من جانب القيادات السياسية في إيران وحلفائها في المنطقة، تعلن أن النفوذ الإيراني امتد إلى أربع عواصم عربية، ووصلت حدوده إلى شواطئ البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، وأن بغداد، تاريخياً، هي عاصمة الإمبراطورية الفارسية، وزاد بعض المغالين، بأن طالبوا بضم العراق في اتحاد مع إيران، كما كان في عهد الساسانيين، معتبرين أن العراق أقرب إلى إيران منها إلى المحيط العربي.

تدخل طبيعي

في مواجهة هذه التطورات، يصبح أمراً طبيعياً أن تتحرَّك دول الخليج، بقيادة السعودية، لاتخاذ إجراءات الدفاع عن أمن أوطانها، بعد أن تحوَّل هلال التمدد الإيراني إلى طوق يلف الجزيرة العربية ودولها، ويسيطر على مداخل الخليج العربي والبحر الأحمر، ما يهدد بخنقها.
لذلك، كان أمراً طبيعياً أن تتحرَّك دول الخليج للتدخل، دفاعاً عن أمنها وحماية النظام السياسي الشرعي في اليمن، بعد أن أطلق الرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي نداء استغاثة لدول الخليج، ودول الجامعة العربية، والأمم المتحدة، لإنقاذ اليمن من زحف المتمردين الحوثيين وحليفهم علي عبدالله صالح، بدعم من إيران، لافتراس اليمن.
وفزعة دول الخليج، بقيادة المملكة السعودية وعدد من الدول العربية، تستند إلى معاهدة الدفاع العربي المشترك للدول العربية، واتفاقية الدفاع المشترك لمجلس التعاون الخليجي.

احتجاجات

والاحتجاجات، التي أثارها السيد حسن نصر الله، وانتقادات وزير خارجية العراق إبراهيم الجعفري، وما تثيره القنوات الإعلامية التابعة لإيران والموالين لها، بأن ما تفعله دول الخليج يعد تدخلاً خارجياً، لا مصداقية له، حيث إن مبررات هذا التدخل أقوى من مبررات تدخل «حزب الله» في سورية وتدخل إيران ومستشاريها، بقيادة قاسم سليماني في العراق، كما أن البكاء والنحيب على هذا التدخل، والادعاء بأنه استهدف المدنيين الآمنين ادعاء كاذب ولا مصداقية له، خصوصاً إذا جاء من أطراف ساهمت أو شاركت أو أيدت وناصرت بشار الأسد ومجازره في سورية باستخدام أبشع الأسلحة، كالبراميل المتفجرة، وغاز الكلور، والأسلحة الكيماوية، والتي حصدت ما يفوق مئتَي ألف قتيل ونحو 12 مليون مشرد ومهجَّر داخل سورية وخارجها، وأحالت سورية إلى ركام قد تعجز مئات المليارات وسنوات طويلة عن ترميم الدمار الذي لا يزال مستمراً.
المحتجون على التدخل في اليمن لم يرف لهم جفن على مأساة الشعب السوري، وهي مأساة ليس لها مثيل في التاريخ، الذي لم يسجل لنا حاكماً يستمر في قتل شعبه وتدمير بلاده على مدى أكثر من أربع سنوات، ولا يزال، من دون توقف، ولا أحد يعرف متى تنتهي.
ما يحدث في اليمن، مؤامرة انقلابية ضد مكتسبات الشعب، الذي أطاح نظام علي عبدالله صالح، الطامح إلى العودة تحت لافتة الحوثيين.

إنقاذ شعب اليمن

الحوثيون لا يشكلون إلا أقلية ضئيلة لا تزيد نسبتها على ثلاثة ونصف في المئة من سكان اليمن، وتمردهم الذي بدأ بذريعة الاحتجاج على رفع أسعار البنزين تحوَّل إلى انقلاب أطلقوا عليه ثورة 12 سبتمبر، بعد استيلائهم على صنعاء، وسيطرتهم على مؤسسات الدولة.
وبينما يطالبون بالمفاوضات للحوار، يزحفون لافتراس محافظات اليمن ومؤسساته وموانئه، وها هم يهددون باحتلال عدن، معتمدين على مساعدات ودعم من إيران، وتحالفهم مع علي عبدالله صالح، عدوهم السابق، الذي خاض ضدهم 6 حروب، ويأتي تدخل دول الخليج والدول العربية، لإنقاذ شعب اليمن من سيطرة أقلية على البلاد، ومن عودة علي عبدالله صالح وابنه، الذي أسقطه شعب اليمن بثورة أزاحته عن كرسي الحكم.

أمن الكويت جزء من أمن الخليج

وفي الختام، وبشأن ما يُثار على المستوى المحلي من أن مساهمة الكويت في التدخل في اليمن، تتعارض مع المادة 68 من الدستور، ويجب عرضها على مجلس الأمة، فإن القانونيين يرون أن الحرب الهجومية محرَّمة، لا يستطيع رئيس الدولة ولا مجلس الأمة إقرارها بقانون، فهي محرَّمة دستورياً، وتدخل الكويت ومساهمتها، يفسَّران بأنهما عمل دفاعي، كما كانت مساهمتها في حربَي 1967 و1973، فأمن الكويت جزء من أمن دول الخليج وأمن المنطقة العربية.

عبدالله النيباري

الكويت… من دولة ريعية إلى دولة قمعية

إن المنعطف الذي تمر به الكويت، هو الانتقال من حالة دولة ريعية فاشلة إلى دولة قمعية ظالمة.
أما الدولة الريعية الفاشلة، فهي ما أشارت إليه افتتاحية جريدة الراي (22 مارس 2015)، من أنه «على الرغم من الوفرة المالية والفوائض المتراكمة، فإن المشكلة الحقيقية تكمن في سوء الإدارة، أي طريقة إدارة البلد من قِبل السلطة التنفيذية».
الدولة الريعية، هي التي تعتمد على مصدر طبيعي، كالنفط، يوفر لها موارد مالية ضخمة، تمكنها من بناء اقتصاد مزدهر، ورفع مستوى الحياة الاجتماعية، إذا حظيت بإدارة جيدة وكفؤة ونظام قانوني سديد يطبَّق بجدية… أما إذا ساد البلد سوء الإدارة، فتتحوَّل نعمة وفرة الموارد إلى نقمة أو لعنة، وفق توصيف الاقتصاديين، فتعمُّ المجتمع الشكوى العارمة، لشيوع الفساد الذي لا تحمله البعارين، وتتراكم المشاكل الاجتماعية، وتزداد حدة، كمشكلة ندرة السكن، بسبب غلاء أسعار الأراضي وتكاليف البناء، وتمتد إلى تدني مستويات التعليم وفوضى المرور وصعوبة استخراج أي موافقة على أي شيء من إدارات الدولة، إلا بالرشوة… وهلم جرا، وتصبح الدولة، رغم غناها ووفرة مواردها وارتفاع فوائضها، دولةً فاشلةً، بسبب سوء إدارتها من قِبل السلطة التنفيذية العاجزة.

عنف غير مبرر

اليوم، نشهد أحداثاً تشير إلى أننا نضيف إلى صفة الدولة الريعية الفاشلة صفة الدولة القمعية الظالمة.
وما حدث مساء يوم الاثنين في ساحة الإرادة مؤشر على ذلك، وهو لجوء قوات الأمن إلى استخدام العنف غير المبرر، فالتجمُّع كان سلمياً، واتفق المجتمعون على إنهاء الندوة وفض الاجتماع، بعد أن علموا بأوامر قوات الأمن، بمنع تزويد الاجتماع بالكراسي وأجهزة الصوت، وأثناء بداية الانصراف لجأت قوات الأمن الموجودة بكثافة إلى استخدام العنف مع الموجودين، ومن همّوا بالانصراف، وإذا أضفنا إلى ذلك قائمة المقبوض علهيم، رهن التحقيق والأحكام الصادرة بحق سجناء الرأي وملاحقة المغردين، فنحن موعودون بزيادة أعداد المساجين والمحتجزين والمُلاحَقين، التي قد تعجز السجون ومخافر الشرطة عن استيعابهم، فأعدادهم أصبحت بالمئات، وهي حالة لم تشهدها الكويت في تاريخها.

عصا الأمن الغليظة

استخدام السلطة لعصا الأمن الغليظة ضد التجمعات استند إلى حكم المحكمة الدستورية، الذي صدر أخيراً، والقاضي بأن عقد الاجتماعات العامة أو التجمعات في الميادين، يتطلب الحصول على ترخيص مسبق من السلطة الإدارية، وفقاً للمرسوم بقانون رقم 65 لسنة 1979، وهو حكم يناقض حكم المحكمة الدستورية الصادر في 2/5/ 2006، الذي قضى بعدم دستورية 15 مادة من ذلك المرسوم بقانون، وخصوصاً المادتين 1 و4، اللتين اشترطتا الحصول على موافقة السلطات الإدارية لعقد الاجتماعات والتجمعات، وكان حكماً متميزاً في حفظ حقوق المواطنين في عقد الاجتماعات الخاصة والعامة السلمية، من دون الحاجة إلى ترخيص من السلطة، إعمالاً بنص المادة 44 من الدستور، بأن «للأفراد حق الاجتماع دون حاجة لإذن أو إخطار سابق، ولا يجوز لأحد من قوات الأمن حضور اجتماعاتهم الخاصة. والاجتماعات العامة والمواكب والتجمعات مباحة وفقاً للشروط والأوضاع التي يبينها القانون».

حكم المحكمة

ورأت المحكمة، برئاسة المستشار راشد الحماد، وعضوية المستشارين يوسف الرشيد وفيصل المرشد وكاظم المزيدي وراشد الشراح، أن عدم دستورية هذه المواد يعود لإخلالها بالحرية الشخصية التي كفلها الدستور، إذ جهل حدود الاجتماعات العامة التي يسري عليها بموجب المادة الأولى، وجعل الأصل هو منع الاجتماع العام، ما لم يصدر به ترخيص، والإباحة هي استثناء، وذلك خاضع لسلطة الإدارة المطلقة حيال هذه الاجتماعات، من دون حد تلتزم به، أو قيد تنزل على مقتضاه.
وشرحت المحكمة رأيها، بأن النظام الديمقراطي الذي نصَّ عليه الدستور، أكد شعبية الحكم والسيادة الشعبية، وهي جوهر الديمقراطية، التي تتحقق برقابة الرأي العام على السلطات، وأن حرية تكوين الجمعيات والنقابات والاجتماع الخاص وعقد الاجتماعات العامة والمواكب والتجمعات وتقديم العرائض إلى السلطة العامة… وكل ذلك هو من مقومات الرقابة الشعبية على الحكم.

معالجة الأسباب

هذا ما جاء في حكم المحكمة الدستورية، آنذاك، التي قضت بعدم دستورية 15 مادة من المرسوم بقانون رقم 65 لسنة 1979، الذي ناقضته المحكمة الدستورية الحالية، بحكمها الذي أُخِذ بالأغلبية، حيث اعترض عليه اثنان من أعضاء المحكمة، كان رأيهما أقرب إلى رأي المحكمة الدستورية عام 2006.
في الختام، إن الاحتجاج على قرارات السلطة، ومواقفها حق كفلته وثيقة حقوق الإنسان ودستور الكويت لعام 1962.
وبدلاً من أسلوب القمع وتكميم الأفواه وإسكات الرأي الآخر، على السلطة العمل على معالجة الأسباب التي تدفع الناس للاعتراض والاحتجاج على قراراتها ومواقفها.

عبدالله النيباري

استقالة الإبراهيم خسارة للبلد وانتصار للفساد في البرلمان

استقالة وزير الكهرباء وزير الأشغال، م.عبدالعزيز الإبراهيم، هي انتصار لقوى الفساد في البرلمان الكويتي، وخسارة للكويت، ومأساة لقوى الإصلاح ومكافحة الفساد، وخاصة أنها تأتي بعد تأكيدات صدرت من سمو أمير البلاد، ومن رئيس مجلس الوزراء، بالعزم على التشدد في استئصال الفساد، في ظروف طغت فيها أخبار اختلاسات التأمينات وإلغاء الكفالات المصرفية من قِبل بلدية الكويت.
الأمر المستغرب، هو انتفاضة السادة أعضاء البرلمان الكويتي، وإطلاق صيحات التوعد باستجوابه وطرح الثقة به، لأنه اتهم نواباً بتقاضيهم مبالغ نقدية، يعني “رشوة” للتصويت على طرح الثقة به.
وكان أحد الصحافيين قد طرح على الوزير الإبراهيم الأمر أثناء افتتاح محطة تحويل الزور، وفق ما تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي، عن دفع مبلغ 350 ألف دينار، مقابل كل صوت لطرح الثقة به، كما جاء في تغريدة د. صلاح الفضلي، التي كانت متداولة لأيام، وكان رده بأن ذلك قد يكون “ضريبة مكافحة الفساد”.
وجاءت انتفاضة أعضاء البرلمان في نفس اليوم (الأحد)، وبعد ساعات من كلام الوزير، تتوعده بالاستجواب وطرح الثقة، لأن ما قاله فُسّر على أنه طعن في نزاهة النواب!
ثورة النواب على المساس بنزاهتهم جاءت بعد ساعات من المؤتمر الصحافي، أطلقها نواب مازالوا في سفر خارج الكويت، وكما لاحظت جريدة السياسة، أن عدداً من النواب أصحاب الهجوم كانوا يقرأون من أوراق معدَّة سلفاً، كما لوحظ التزامهم بالنص المكتوب.

الفساد في البرلمان

الحديث عن الفساد في مجلس الأمة ليس أمراً مستغرباً، بل هو أمر متواتر، فلم يقصّر أعضاء المجلس في تبادل اتهام بعضهم بعضاً، بأنهم “حرامية وقابضون ومأجورون”، كما حدث في جلسة الأربعاء 11/ 3 /2015، التي أطلقت فيها عبارات يعف اللسان عن ذكرها، ولم يتحرك بقية الأعضاء لمحاسبة زملائهم مطلقي تلك الاتهامات والعبارات.
وقبل أشهر أُثيرت أيضاً في المجلس أحاديث عن تقاضي أحد الأعضاء مبالغ من رئيس الوزراء، ولم ينكر السيد العضو ذلك، بل أقرَّ بأنه قبض، وأنه لم يكن الوحيد، بل هناك “آخرون” قبضوا!
ولم يفزع السادة الأعضاء لمثل هذه الاعترافات، ولم يطالبوا بمحاسبة العضو أو رئيس الوزراء، ولا حتى من باب السؤال والاستفسار!
كذلك، لماذا يستنكر أعضاء البرلمان الكويتي أمر تفشي الرشوة في أوساط مجلس الأمة؟ أليس مطروحاً أمام إحدى لجان المجلس التحقيق في قضية تقاضي الأعضاء رشوة عرفت بإيداعات نقدية لمبالغ مليونية في حسابات النواب المصرفية؟ وأن النيابة العامة قد حفظت القضية، لعدم كفاية القوانين الحالية للمحاسبة، وأن مَن قبضوا اعترفوا.. إما بأنها مدخرات السيدة الوالدة وجدت في دولابها، وإما كما قال أحدهم إنه يقبض من الشيوخ، ليوزعها على الناخبين بمنطقته الانتخابية.

رأس الوزير

الفساد شائع في البلد، لدرجة التخمة، وروائحه باتت تزكم الأنوف على مدى 24 ساعة.
رد الوزير لم يكن مباشراً، فهو لم يتهم أحداً، والتغريدة كانت متداولة لأيام، فماذا وراء هذه الانتفاضة والفزعة؟
الجواب، هو أن الوزير الإبراهيم مطلوب رأسه… لماذا؟ لأنه نزيه ومخلص… وهي مواصفات أصبحت نادرة في بلدنا، ولأنه لا يستقبل النواب وقبول مصالحهم، ولأن حرصه الشديد وتمسكه بالقانون والنظام يضايقان أصحاب المصالح.
ونعود لما ذكرته جريدة السياسة، بأن المسألة مطبوخة، وأن تنحية وزير الكهرباء والأشغال خلفها رؤوس كبيرة ومصالح معتبرة.

المضحك المبكي

وقد أشارت السياسة في 12/ 3 /2015 إلى أن تحرك النواب كان مدرجاً على جدول أعمال مجلس الأمة، وتم الاتفاق عليه في لقاء عقد بمزرعة أحد النواب، وأقسم الأعضاء الحضور، وعددهم 11 عضواً، بأن هذا الاجتماع تم قبل 10 أيام من حادثة كلام الوزير، الذي لم يكن إلا جواباً عن ملاحظة، والمضحك المبكي أن محاور الاستجواب التي ذكرها نواب الهجوم على الوزير، هي قضية إلغاء مناقصة المطار وانقطاع الكهرباء.
انقطاع الكهرباء، ذكر الإبراهيم أن سببه تقصير يستوجب المساءلة والمحاسبة… أما قضية إلغاء مناقصة المطار، فقد تمَّت بناءً على قرار لجنة شاركت فيها 6 جهات، هي: “الأشغال” وإدارة الطيران المدني ومجلس التخطيط ووزارة المالية وجامعة الكويت ومعهد الأبحاث، وتقريرها يعرض على لجنة المناقصات.
والأسباب التي استندت إليها اللجنة لإلغاء المناقصة، هي ارتفاع سعر أقل العطاءات عن الكلفة التقديرية، وفق تقدير المكتب الاستشاري الهندسي بنحو 40 في المئة، وسعر العطاء الثاني يفوق التقدير بـ 60 في المئة، والسبب الثاني والمهم، هو أن العطاء صاحب الأسعار الأقل فيه مخالفات لشروط المناقصة.
والغريب في الأمر، أنه من بين 32 شركة تسلمت كتاب المناقصة، لم تتقدم بعطاءاتها إلا 4 شركات فقط.

أمنية!

كنت أتمنى على الوزير الإبراهيم عدم الاستعجال في تقديم استقالته، والتصدي للاستجواب والرد عليه، وأعتقد أنه قادر على تفنيد محاوره، كما في الاستجواب السابق، وأهمية ذلك تكمن في كشف المستور أمام الشعب الكويتي، بما فيه ضعف الحكومة، التي لم تفزع للدفاع عن وزيرها، ولو فعل الإبراهيم ذلك، لزاد ارتفاع مقامه في أعين الكويتيين، وهو الأهم.
في الختام، نعزي الكويت وأهلها، بفقدان عنصر نادر في نزاهته وشجاعته في مكافحة الفساد، ولم يبقَ لنا إلا البكاء والنحيب على أموال بلدنا الحبيب.

عبدالله النيباري

اقتراح تعديل المديونيات الصعبة والفساد في مجلس الأمة

مطروح الآن في مجلس الأمة اقتراح بقانون، بشأن تعديل قانون تسوية المديونيات الصعبة، الصادر سنة 1993… ويقضي الاقتراح، بجواز لمَن صدر حُكم بإشهار إفلاسه، بسبب تخلفه عن السداد، وفقاً لأحكام ذلك القانون وزادت قيمة موجوداته على قيمة ما يُعادل السداد الفوري والأعباء والغرامات المنصوص عليها في القانون، أن يُعامَل بنفس المعايير التي طُبقت قبل 22 سنة.
والمعايير وفقاً لذلك القانون تعالج المدينين للبنوك بطريقتين؛ الأولى هي السداد الفوري، بأن يدفع المدين 45 في المئة من مديونيته لدى البنوك، وبعضاً من بقية الدين إلى 55 في المئة، والطريقة الثانية تقسيط كل المديونية على مدى 15 سنة.
والاقتراح المقدَّم لا يتبنى طريقة التزام المدين بدفع كل الدين، مقسطاً، ومدة الأقساط انتهت قبل خمس سنوات، وقد نص القانون على التزام المدين بدفع كل الدين، إذا تخلف عن دفع أي قسط من الأقساط، مع تحمُّل الفوائد المستحقة والغرامات. والاقتراح المقدَّم حالياً لا يأخذ بهذه الطريقة، بل بطريقة دفع 45.6 في المئة من قيمة المديونية.
وكان تبرير هذا التخفيض، آنذاك، هو أن استثمار المدفوع فورياً يمكن استثماره لتسديد ما تم تخفيضه.
الاقتراح الحالي مقدَّم من الأعضاء؛ عبدالحميد دشتي، ويوسف الزلزلة، ونبيل الفضل ومبارك الحريص وفيصل الكندري.
الاقتراح نفسه سبق أن قدّم في مجلس 2013 من قِبل يوسف الزلزلة وعلي الراشد وفيصل الدويسان وصفاء الهاشم وحسين القويعان وروضان الروضان، وقد وافقت عليه اللجنة التشريعية، بالإجماع، آنذاك، كانت رئيستها معصومة المبارك، ومقررها يعقوب الصانع، لكن حل المجلس حال دون النظر في إقراره.

اقتراح جائر

وقد تصدَّت جريدة «الجريدة» بحملة لهذا المقترح، باعتباره اقتراحاً جائراً ومجحفاً بحق الدولة، فهل يُعقل تسديد أقل من نصف الدين بعد 22 سنة من دون فوائد أو غرامات، في حين أن مَن اختار طريقة التسديد المقسط على مدى 15 سنة التزم بدفع كل الدين؟!
هيئة الاستثمار تقدَّمت بمذكرة اعترضت على الاقتراح، جاء فيها «أن التعديل لم يراعِ حالات العملاء الذين خضعوا لأحكام القانون رقم 41 لسنة 1993، والتزموا بأحكامه وقت بدء تطبيق القانون والعمل به، فقاموا ببيع أصولهم، وفاءً للدين المستحق للدولة، واضطروا إلى تسييلها، وصولاً للسداد… لاشك أن قيمتها قد صارت في الوقت الحاضر أعلى بكثير عما كانت عليه وقت بيعهم لها، في حين أن المفلس الذي تقاعس عن السداد، ولو كان متعمداً، ودامت تفليسته حتى الآن، مع وقف سريان الفوائد المقررة على مديونيته منذ صدور حكم إشهار إفلاسه سيستفيد حتماً من زيادة قيمة أصوله التي حال بين الهيئة وبين تسييلها وبيعها رغم الثبات النسبي لقيمة مديونيته، فهو لن يضطر إلى بيع سوى عناصر أقل من أصول تفليسته».
يعني، هل من المعقول أن المدين الذي تخلف عن السداد وأشهر إفلاسه يأتي الآن بعد 22 سنة ارتفعت فيها الأصول، من عقار وأسهم وأي ممتلكات، تضاعف سعرها عشرات المرات ليدفع 45 في المئة؟!
أليس في ذلك غبن لمن التزم بالقانون، ودفع حتى لو اضطر إلى تسييل موجوداته؟ وقالت الهيئة إن هذا التعديل إن طبق فسيفتح باب التقاضي لكمّ هائل من المنازعات، بدعوى التمييز في المراكز القانونية، وهو أمر يصطدم مع الدستور.

شبهات «تمصلح»

وتصدَّت جريدة «الجريدة» بحملة معارضة للتعديل المقترح، والتي على أساسها أعلن عدد من أعضاء مجلس الأمة اعتراضهم على اقتراح التعديل، ولكن تركيبة المجلس وإفرازها قانوناً مثل هذا يثير المخاوف.
فالانتفاع بهذا التعديل بيّن، لا يخفى حتى على السذج، لذلك فهو يثير شبهات خدمة المصالح أو التمصلح أو الانتفاع، ولا يصلح التذرع بحسن النية، فمذكرة هيئة الاستثمار مقدَّمة بتاريخ 13/4/2013، أي في المجلس المبطل السابق، فكيف يعود نفس الأعضاء لتقديم المقترح ذاته، بعد أن بينت الهيئة مثالبه ومخاطره؟

مخاوف

المخاوف هي أن بعض النواب يتصرَّف، كأنه مندوب لأصحاب المصالح، يدافع عنهم على حساب المصلحة العامة، أو يتلبس دور المحامي الذي يتولى قضية أمام المحاكم، فإن نجحت حظي بالمقسوم، كنسبة من المصلحة، لكن المحامي هذه هي مهنته… أما عضو مجلس الأمة، فذلك يعتبر جريمة.
وهذه ليست أول قضية يتقمص فيها بعض الأعضاء دور المندوب أو المحامي، فقد حدث ذلك في قضايا كثيرة، منها قضية خصخصة الخطوط الجوية الكويتية، فبعض الأعضاء اعترض على شراء الطائرات أو تأجيرها، لأنها ستزيد قيمة أصول «الكويتية»، ويرتفع السعر للطامحين في شرائها بثمن بخس، ومعركة الخطوط الكويتية لم تنتهِ بعد.
يُضاف إلى ذلك، قيام بعض الأعضاء بالاتصال بالجهات الحكومية وديوان المحاسبة، للسؤال عن تأخير مقاولة فلان، وفلان هو الذي فاز بالمناقصة.
ليس من حق النواب متابعة قضايا أصحاب المصالح في دواوين الحكومة، بل واجبهم التصدي لمثل هذه المخالفات علناً في قاعة المجلس، حتى لو كان الخطأ من قِبل الأعضاء أنفسهم… يكفي قضية إيداعات النواب المصرفية التي حُفظت، وعاد إلى المجلس معظم أبطالها.

عبدالله النيباري

الكويت تواجه مخاطر الانفلات

إذا جُلت بدواوين الكويت ومجالسها فإنك ستخرج بحصيلة وافرة من الشكوى لمسار أوضاعنا… عادي جداً أن نسمع مر الشكوى من سوء الإدارة العامة وتدحرجها نحو إلغاء وشيوع المخالفات، وتغلغل غول الفساد، وهيمنة أصحاب النفوذ والمصالح، وسيطرة قوى الاحتكار واستحواذها على مقاولات مشاريع الدولة ومشترياتها.
كل ذلك أصبح أمراً معتاداً، فأول ما يُفتح باب النقاش يُطرح السؤال: “وين رايحين؟ وصلنا القاع لو بعد؟ نزلنا تحت الصفر ولا بعد شويه؟”.
حكومتنا ضعيفة عاجزة، بلا رؤية ولا أفق سياسي ولا قرار، وحتى بعد حصولها على مجلس يصنف بأنه في جيبها بفضل نظام الصوت الواحد لم تستطع تحريك عجلة الإصلاح بوصة واحدة، على العكس اتجهت الأوضاع نحو مزيد من التردي.
تقول الحكومة إن أسباب ذلك، كما جاء في خطة التنمية المقدمة إلى مجلس الأمة، هو “استمرار هيمنة المعوقات الإدارية والمؤسسية في القطاع العام الحكومي، بما يؤثر سلباً على نوعية ومستوى تقديم الخدمات العامة للأفراد وخدمات قطاع الأعمال وتنفيذ مشروعات التنمية”.
هذا ما جاء في خطة التنمية 2020-2015، أي أن أسباب ما نحن فيه من تخلف ليس نقص الموارد أو شحها – وهو ما تعانيه الدول النامية والغنية – وليس ضخامة حجم السكان، كما هو حاصل في مصر أو الهند، وليس نقص القدرات والكفاءات والمهارات، بل سببه المعوقات الإدارية والمؤسسية، يعني، بمعنى آخر، طريقة إدارة السلطة وحكوماتها لمؤسسات الدولة.
وهذا “العوار” نص عليه كل ما قُدم في ما سُمي مخطط التنمية قبل غزو العراق وبعده وآخرها خطة التنمية السابقة 2010/2014، وطوال هذه المدة لم تستطع السلطة عبر حكوماتها المتعاقبة إصلاح خلل إدارة مؤسسات الدولة.

صراع أبناء الأسرة

نعود إلى حالتنا الراهنة لنجدها، بالإضافة إلى كل ما تعانيه، استجد أو أُضيف عامل جديد وهو تفاقم الصراع في إطار أسرة الحكم، أسرة آل الصباح الكرام.
مسألة الصراع داخل الأُسر الحاكمة خاصة في البلاد التي يسودها الانفراد في الحكم ليس أمراً جديداً، لكنه في وضع الكويت الحالي ازداد تفاقماً، وتحوّل الصراع إلى معارك مكشوفة وعلنية، وأصبحت أخباراً يومية تتناقلها وسائل التواصل الاجتماعي بتغذية حرفية، وغدا واضحاً أن الأطراف المتصارعة توظف مهارات عالية لإدارة السجال.
لم تعد الصراعات خجولة تتحرك همساً أو سراً وتترك تفسيرها للاجتهادات، بل أصبحت معارك علنية حتى الآن بالكلام، والشاهد على ذلك ما دار في مشهد التلاسن عند محاولة الشرطة تنفيذ الحكم القضائي لإغلاق مطبعة الوطن، ثم ما دار من حديث في ديوان القناعات الأسبوع الماضي على مدى ساعة ونصف، وما تناولته جريدة الرأي العام الإلكترونية بعنوان “ربوا عيالكم”!
ومَن يراقب الساحة يلمس أن هنالك اصطفافات لتحشيد الأعوان واجتذاب المناصرين، وإذا أخذنا في الاعتبار أن لكل من أطراف الصراع أنصاره بفضل مكرمة الوظيفة والمرتب الجيد دون الحاجة إلى الالتزام بالدوام، والأعداد هنا بالآلاف، والمتصارعون يملكون أدوات عديدة منها المال الوفير الذي جمع بجهد وعرق إبان تولي المناصب، ويملكون معلومات وبيانات الدولة التي كانت تحت أيديهم في غياب الرقابة على احترام سرية المعلومات.

أسئلة الأسلحة الملحة

ومما كان لافتاً للنظر هو إعلان وزير الداخلية إنذار الشيوخ بتسليم ما لديهم من أسلحة، وهو ما يثير التساؤل هل الأمر يتجاوز السلاح الفردي؟ وهل هناك شكوك في وجود ترسانات أسلحة يملكها أفراد؟ وكيف تم ذلك؟ وأين عيون السلطة التي بذلت جهوداً في تتبع حركات وأنفاس المواطنين العاديين؟
الصراع الدائر يتجاوز صراع الأجنحة في الأسرة، بل أصبح داخل هذه الأجنحة وأبرزها ما تكشفه القضية المنظورة أمام القضاء، بل ليس سراً أنها ليست الحالة الوحيدة.
الأمر المهم هو أن مخاطر هذا الصراع وتداعياته لن تكون محصورة بين أطرافه، ولن تكون محدودة في إطار أسرة الحكم، بل ستنعكس وتمتد إلى المجتمع بكل مكوناته وإلى جميع مؤسسات الدولة، وفي وضع دولتنا التي أصبحت أقرب إلى “الضيعة” فدستورها مجمد في الثلاجة، وانتهاك حرمة القانون فيها بات شائعاً، وأسهل من شربة الماء…
وهكذا يمكننا تصور التداعيات المرعبة التي قد تصيب بلدنا ومجتمعنا ودولتنا ومؤسساتها، هذا إن بقي هناك ما يسمى مؤسسات.
حفظ الله الكويت.