سامي النصف

حروب العرب.. الاستنزاف

ذكرنا في مقال أمس ان الطائرات المصرية ضُربت على الأرض وهو أمر يمكن بسهولة تعويضه نظرا لنجاة الطيارين المصريين، وكانت الحالة الاقتصادية شديدة السوء في مصر بعد تطبيق التأميمات الاشتراكية العبقرية ابان حقبة الستينيات، وقد وصلت الى حد تم فيه وقف الطيارين عن التمارين الجوية قبيل الحرب بحجة ترشيد الإنفاق وقد كان هناك 8 طيارين لكل طيارة حربية.

مما سبق نجد ان المنطق والعقل السليم (لا الغوغائية) يتطلبان ان يمد النظام المصري في الهدنة التي بدأت فور انتهاء حرب الأيام الستة حتى يمكن له الحصول على الأسلحة وتدريب الطيارين استعدادا لجولة تحرير الأرض، والطيار والمقاتل المصري ليسا أقل قدرة من الاسرائيليين.
 
بعد سقوط عامر تولى القيادة شخص آخر محدود القدرات هو الفريق محمد فوزي الذي يقول الفريق عبدالمحسن مرتجي ان سبب اختياره للقيادة انه كان أول من رد على هاتف عبدالناصر فور عزل المشير عامر.

في يناير 91 ارسل الفريق المتقاعد فوزي رسالة مفتوحة لصدام نشرتها جريدة «مصر الفتاة» التي كان يرأس تحريرها مصطفى بكري قال فيها ان الهجوم الاميركي الرئيسي سيأتي من البحر (الشرق) وان خسائر الهجمة الأولى ستزيد على 200 ألف قتيل اميركي مما سيجعل الشعب الاميركي يثور على قيادته ويوقف الحرب الهادفة لإرجاع حاكم الكويت لعرشه (كما أتى في الرسالة).

بدأت حرب الثلاث سنوات بقرار سياسي خاطئ من ناصر (ما الجديد؟) وعسكري من فوزي ودعم تنظيري وإعلامي من هيكل (ما الجديد كذلك؟) والحقيقة ان الكارثة الحقيقية ليست حرب 67 بل حرب الاستنزاف، فعنصر المفاجأة في الأولى قد يبررها أما الثانية فهي هزيمة أو جريمة تمت مع سبق إصرار وترصد، فالثانية لا الأولى هي التي تسببت بتهجير مئات الآلاف من سكان مدن القناة، والثانية لا الأولى هي التي أغلقت القناة وحرمت مصر من مواردها، والثانية لا الأولى هي التي تسببت بالذبحة الصدرية الأولى لعبدالناصر بعد فضيحة رادار الزعفرانة، والثانية لا الأولى هي التي أرغمت ناصر على القبول بمبادرة روجرز بعد ان تمخضت نكسة 67 عن لاءات الخرطوم الثلاث.

قامت فلسفة حرب الاستنزاف العبقرية على استنزاف اسرائيل كما هو مسماها، والشيء البسيط الذي تم تناسيه من خطط لتلك الحرب الغبية هو رد الفعل الاسرائيلي عليها، فلم تعطل حرب الاستنزاف الاقتصاد الاسرائيلي أو حتى تؤثر عليه كون الحرب قامت في الجانب الاسرائيلي على الجنود المتحصنين في خط بارليف، الا ان الدور الرئيسي في تلك الحرب لعبة سلاح الجو الاسرائيلي الذي استغل قوته وهيمنته فصال وجال في الأجواء المصرية فأوقف عمليات اعادة بناء المطارات والمنشآت العسكرية وقام بضرب المصانع والمزارع والمدارس لاظهار ضعف قدرات القيادة المصرية واثارة حنق الشعب المصري عليها، ولم تسقط في تلك الحرب وخلال 3 سنوات طائرة اسرائيلية واحدة، وقد اثنى فيما بعد المضللان هيكل وفوزي على تلك الحرب الخاسرة.

والملاحظ ان القبول العاقل والمضطر لمبادرة روجرز قد أعطى مصر أخيرا فترة الهدوء اللازمة التي كان يفترض ان توفرها هدنة ما بعد حرب 67 والتي أوقفتها ومنعتها حرب الاستنزاف، لذا لم تقم حرب أكتوبر المجيدة إلا في عام 73 أي بعد 3 سنوات من الهدوء والعمل لإعادة البناء العسكري، وقد كان بإمكان تلك الحرب المجيدة ان تحدث في عام 70 لو لم تقم حرب الاستنزاف.

د. أحمد الخطيب

الكويت من الإمارة إلى الدولة (4)

الكويت بوابة الانفتاح

لم تكن عودتي إلى الكويت عادية هذه المرة. عدت محملاً بمشروع قومي
واعد كنت أرى فيه خلاص الأمة من الضياع والتشتت، ولربما يتمثل في تحقيقه
الوصول إلى آمال هذه الأمة نحو التقدم والرفاهية. كذلك عدت هذه المرة بتجربة
تنظيمية وسياسية ثرية، كنت أرى أنها تعني الكثير لنهوض الكويت، ذلك البلد
الصغير الذي كنت قد تركته شاباً صغيرًا، وعدت إليه كأوّل طبيب كويتي.

متابعة قراءة الكويت من الإمارة إلى الدولة (4)

سامي النصف

حروب العرب.. كارثة 67

تمخضت حرب السويس 56 عن مولد اعلام غوبلزي عربي من الطراز الممتاز، حيث اسرت آذان العرب صيحات احمد سعيد وكذبت على عقول العرب كلمات محمد حسنين هيكل، فتحول الانكسار الى انتصار واستخدم ذلك الانتصار الكاذب لقلب الجيوش على العروش فتساقطت في ايام حزينة الملكيات الليبرالية وحلت محلها العسكريات القمعية.

بدأت حرب 67 بخدعة كبرى حيث ادعى ثلاثي الحكم في سورية آنذاك «زعين، ماخوس، جديد» أنهم قرروا تحويل دمشق الى هانوي اخرى تستهدف بدء الحرب الشعبية لتحرير فلسطين، ثم ألحقوا ذلك بادعاء ان الجيش الإسرائيلي يهدد باحتلال عاصمتهم، وألقوا باللوم على عبدالناصر على صمته وسكوته كذلك على مرور البواخر الاسرائيلية امام جنده في مضائق تيران، ورغم ان ناصر لا يملك حق طرد القوات الدولية كونها موجودة بقرار من الأمم المتحدة الا ان امينها العام يوثانت لبى بشكل غريب طلب القيادة المصرية وسحب قواته على عجل من سيناء، وقد ظن عبدالناصر ان الأمر لا يتعدى تظاهرة عسكرية سيتدخل المجتمع الدولي لفضها مرة ثانية.

على الجبهة المصرية ابلغت المخابرات العسكرية القيادة السياسية ان مدى الطيران الإسرائيلي لا يتجاوز 300 كم وفاتها ان التقنية الاسرائيلية قد زودت طائراتها بخزانات وقود اضافية، كما اخفت عن القيادة حصول اسرائيل على قنابل عنقودية تدمر الممرات الجوية مما يجعل الطائرات المصرية تصبح كقطعان البط الجالسة بعد الضربة الجوية الاولى لعدم قدرتها على الإقلاع، في ظل تلك المعلومات المضللة قرر عبدالناصر القبول بمبدأ تلقي الضربة الجوية الاولى، بعد ان اخفى جميع طائراته في الغرب والجنوب متيقنا من ان اسرائيل لن تصل لها، ومعها بدأت اكذوبة «توقعناهم من الشرق فأتوا من الغرب»، التي كتبها هيكل وقرأها عبدالناصر في خطاب تنحيه المؤثر، والتي اسقطت فيما بعد النظام الأبوي للملك ادريس السنوسي الذي صادف موقع بلده الى الغرب من مصر.

بدأت الحرب صباح الاثنين 5 يونيو 67 وكان رادار عجلون في الاردن قد ارسل تحذيرا لمصر فحواه «عنب، عنب، عنب» وهو بعلم الشفرة يعني ان هناك طائرات اسرائيلية مغيرة، الا ان الشفرة تم تغييرها في الليلة السابقة، وفيما بعد خدع المشير عامر حليفه الملك حسين، وقال له ان 90% من الطائرات الاسرائيلية قد أُسقطت ودعاه لدخول الحرب للمشاركة في النصر، وقد قامت القيادة الأردنية والعربية المشتركة بالاتصال بالقيادة السورية طالبة منها ان تقوم طائراتها بضرب الطائرات الاسرائيلية القادمة من مصر دون وقود او ذخيرة، ولم تستجب القيادة السورية الا في المساء بعد ان قضت الطائرات الاسرائيلية على الطيران المصري بأكمله..

تم بالفعل تدمير الطائرات المصرية بالكامل، الا ان الطيارين المصريين لم يُقتلوا وكان بقاء القوات المصرية متماسكة في سيناء حتى دون غطاء جوي، وهو امر معتاد يعني وصول الطائرات الروسية والجزائرية والعراقية مما سيعدل كفة الجو، الا ان قرار المشير القاتل بالانسحاب الفوري من سيناء كان السبب الحقيقي للنكسة لا ضرب الطائرات التي يمكن تعويضها بسهولة.

يتبع…

د. أحمد الخطيب

الكويت من الإمارة إلى الدولة (3)

أيـام الدراسـة وأحداثـها

إذاً، فطفولتي وحتى فترة مراهقتي بعيداً عن الوطن وبداية تعليمي بالخارج لم تكن عادية على الإطلاق، إلا أن تلك الأجواء العامة الجميلة وبوجود شخصية كخالد العدساني وصديق كمرزوق فهد المرزوق، جعلتنا نفكر ونحن طلاب في المرحلة الثانوية أن نعمل شيئاً من أجل الكويت ونبدأ بإنشاء نادٍ أدبي في المرحلة الأولى من عملنا الوطني. فاتصلنا نحن الثلاثة، أنا ومرزوق فهد المرزوق وعبدالله يوسف الغانم، بالطلبة الكويتيين الدارسين في مصر نطلب منهم التعاون والتنسيق، وكان ردهم إيجابياً. واتفقنا أن نلتقي في إجازة الصيف بالكويت لنطرح الموضوع على بعض الأصدقاء الموجودين في الكويت، وتم ذلك. متابعة قراءة الكويت من الإمارة إلى الدولة (3)

سامي النصف

حروب العرب.. السويس 56

انشأ الخديو اسماعيل قناة السويس لاسباب سياسية بحتة هي رغبته في الاستقلال عن الباب العالي وحكم السلطان عبدالعزيز، واستبدال حركة مضيق البوسفور بحركة قناة السويس، لذا ابحر عام 1869 بيخته «المحروسة» ترافقه 6 فرقاطات بحرية لزيارة القائمين على امبراطوريات وممالك وجمهوريات اوروبا لدعوتها للحفل الاسطوري الذي سيقيمه لافتتاح قناة السويس وزيارة مصر لمدة 24 يوما وقد حضر في اليوم الموعود 6 الاف مدعو وغاب السلطان العثماني.

وقد اثبتت قناة السويس في بدايتها فشلا اقتصاديا ذريعا حيث كان مصممها ورئيس مجلس ادارتها المهندس الفرنسي دليسبس يتوقع ان يمر بها سنويا 6 ملايين طن نظرا لانفتاح اسواق الصين واليابان حسب قوله، فلم يمر بها الا 652 الف طن مما جعل اسهمها تنهار في بورصتي باريس ولندن (كحال مشروع اليوروتنل هذه الايام الذي يربط بريطانيا بفرنسا) وقد أصدرت الشركة سندات لم يرغب احد في شرائها وفيما بعد وبسبب انهيار اسعار القطن وتفشي وباء الكوليرا وكلفة القناة وقروض الخديو اسماعيل تم بيع اسهم الشركة ومعها حصة مصر في الارباح المقدرة بـ 15% من الدخل للشركات البريطانية والعالمية ابان عهد الرئيس الانجليزي درزائيلي.

السد العالي هو مشروع قديم لمهندس ري يوناني كان يعيش في مصر تم طرحه على برلمان 1924، وفي خطاب تأميم القناة في 26/7/1956 لتمويل بناء السد العالي يذكر الرئيس عبدالناصر ان اميركا عرضت عليهم دفعة اولى مكونة من 16 مليون دولار اي حسب قوله اقل من خمسة ملايين جنيه مصري كما ان الدفعة الاخيرة كما اتى في الخطاب هي 100 مليون دولار اميركي اي 35 مليون جنيه مصري اي ان الجنيه المصري عندما بدأ الحكم القمعي في مصر مغامراته العسكرية كان يعادل 3.3 دولارات اي اعلى من سعر صرف الدينار الكويتي هذه الايام الذي هو الاعلى في العالم والارقام لا تكذب.

وكان الحكم العسكري الانقلابي في مصر وعبر «محكمة الغدر» التي عقدت في عام 1953 قد تخلص من كبار ساسة مصر وعقولها المفكرة النيرة ولم يفرق بين الساسة الوفديين والسعديين والاحرار الدستوريين ووصمهم جميعا بالفساد وادخلهم السجون ثم دخل معترك الصراعات الدولية وحده دون خبرات متراكمة على الاطلاق حيث يقر في نفس خطاب التأميم والاعتراف سيد الادلة بأنه لم يحلم او يتدرب قط على شؤون الحكم (!) لذا سلم مقاليد الامور في مصر لاغبياء وحشاشين وانصاف مجانين امثال الاخوين صلاح وجمال سالم والمشير عامر فانتهى الامر بهم الى التصادم مع العالم اجمع ولم يستفيدوا من رعب الغرب التاريخي من المد الشيوعي كما استفاد من ذلك قادة دول شرق اسيا.

وقد عقد الرئيس عبدالناصر صفقة اسلحة تشيكية «فاسدة» مع الروس لم يستفد منها بشيء ولم ينتصر بها حتى وفاته في حرب مما جعل الولايات المتحدة والبنك الدولي يوقفان تمويل بناء السد بعد ان اظهرت مصر العداء لهما ثم قام الاتحاد السوفييتي على الفور بتقديم عرض بديل بشروط وفوائد اقل شعورا منه بالذنب ورغبة منه في دخول منطقة الشرق الاوسط من اوسع ابوابها.

وبدلا من ان يستبدل القادة الثوريون هذا العرض بذاك ومن ثم يتم بناء السد دون حرب او ضرب قام الرئيس عبدالناصر ودون ابلاغ مجلس قيادة الثورة او مجلس الوزراء باعلان قرار التأميم كحال قرار صدام باحتلال الكويت الذي لم يبلغ به احدا، والذي انتهى بكارثة الحرب والهزيمة، ومن ثم جعل السد العالي الاعلى كلفة في التاريخ بعد احتساب تعويضات قناة السويس المؤممة وكلفة دفعات السلاح المدمرة، وحقيقة ان فتح مضايق تيران ادى في النهاية الى كارثة حرب 67 التي هي الابن الشرعي لهزيمة 56 التي ابقت القيادات العسكرية «المنتصرة» امثال المشير عامر وقائد سلاح الجو صدقي محمود الذي ضربت طائراته على الارض في عامي 56 و67 والمشير الذي خسر سيناء مرتين كذلك في 56 و67.

آخر محطة:
كم هم اذكياء هؤلاء الاسرائيليون ممن سكتوا بل ربما ساعدوا على خلق اكذوبة النصر عام 56 رغم سهولة تفنيدها مما جعل الضفادع الثورية «المنتصرة» تنتفخ حتى انفجرت عام 67، هل من دروس هذه الايام معتبرة مما حدث؟ لا اعتقد..!

سعيد محمد سعيد

لطمة على الوجه!

 

لماذا يزداد إهمال الكثير من الأجهزة الحكومية لعملها وينخفض مستوى أدائها ويتدهور شكل ومضمون إنتاجها، على رغم المتابعة التي دخلت حيز «الرقابة» من جانب الحكومة، بل ومن جانب سمو رئيس الوزراء شخصيا بتأسيس خطاب جديد: هو خطاب إداري نحتاج إليه؟! المحاسبة، الرقابة، المساءلة، التقييم، تيسير إجراءات المواطنين… كل ذلك كان محط اهتمام الحكومة، فلماذا تميل الأمور جهة مؤشر الأداء المقبول أو الضعيف؟!

ولماذا تلمع الإنجازات في الصحف والتصريحات وفي التقارير السنوية فقط؟ في حين أن كاتب الفصول في تقرير سنوي هنا أو هناك، يتحدث «سرا» لبعض أصحابه (أنه أَلَّفَ الكثير ورمى في قلب التقارير والتلميعات إنجازات ضخمة عملاقة)، والحال، أن هناك أجهزة سادرة «غيها» وتحتاج فعلا إلى من يلطمها على وجهها لتستيقظ، ونريد من القضاء البحريني النزيه العادل الشريف، أن يكون هو المبادر وهو صاحب الفضل.

لا يمكننا أن نتدخل في الأحكام القضائية أيا كانت سلامتها من عدمها… قوتها أم ضعفها… لكن، ليس من المعقول أن تخرج الكثير من الجهات الحكومية المسئولة والمتورطة في قضايا إهمال وسوء أداء وتجاوزات من بعض القضايا التي ينظرها القضاء، ويقع اللوم على المواطن… سواء كان بسيطا من ذوي الدخل المحدود كما يحدث بالنسبة إلى المادة رقم (4) القديمة الجديدة لأي موظف خدمات أوقع خطأ، أو رجل أعمال كما حدث بالنسبة إلى المواطن عبدالله الكبيسي الذي وجد نفسه واقفا أمام حكم بعشر سنوات في قضية غرق «بانوش الدانة»، وهو الذي يعترف بشجاعة ببعض الخطأ، ويقر ببعض الخطأ ومستعد – كما أعلن مرارا – لتحمل الخطأ الذي ارتكبه هو، أما الأخطاء التي ارتكبها غيره من أجهزة وإدارات حكومية، ومن قبل الراكب الإنجليزي وشركته السياحية، وكذلك الخطأ الذي ارتكبه القبطان… كل تلك الأخطاء، تشكل أرتالا لا طاقة لإنسان على تحملها وحده، في حين أن هناك آخرين يجب أن يحملوا وأن ينالوا جزاء ما فعلوا من خطأ.

ونحن في الوقت الذي ندعو فيه إلى تكريم أي جهاز حكومي استطاع أن ينجز ويحقق ما نفخر ويفخر به من عمل، لا يمكن أن نقبل بأن تصدر الأحكام القضائية ونتائج لجان التحقيق لكي تسدل الستار عن أخطاء ارتكبها جهاز حكومي، لأن في ذلك خطر علينا حاضرا ومستقبلا، وانظروا في كثرة الأخطاء، لكن قبل أن تنظروا، أريد توجيه كلمة إلى كل الأحبة: لا تنظروا في كثرة الأخطاء، أعتذر، اطلعوا فقط على تقرير ديوان الرقابة.

د. أحمد الخطيب

الكويت من الإمارة إلى الدولة (2)

الـطـريـق إلـى الجامعة

لم يكن قرار السفر إلى الخارج للدراسة لشاب في الرابعة عشرة من عمره وبوصاية والدة لا تعرف القراءة والكتابة بالقرار السهل. لعلها كانت قوة شخصية الوالدة، وكونها قد تحملت مشقة تربيتنا، وكدحت لإعاشتنا. لعلها إذاً قد رأت في التعليم فرصة لحياة أفضل، أو لعلها رأت فيه تعويضاً عما قاسيناه في حياتنا، وخصوصاً بعد إصابة الوالد. وهكذا لم تمانع في سفر أخي عقاب للدراسة في البحرين، ولا في سفري إلى بيروت. أما أنا فلعلي لم أدرك مشقة الغربة، أو أن إحساسي بمصاب والدي، الذي لم يعالج معالجة صحيحة بعد معركة هدية، وبقي الكسر الكامل ليده اليمنى كما هو دون أن يلتئم، كان دافعاً للسفر لتحصيل العلم والعودة لتعويض والدتنا ما تحملته من شقاء. متابعة قراءة الكويت من الإمارة إلى الدولة (2)

سامي النصف

حروب العرب.. فلسطين 48

لنبتعد هذا الأسبوع عن الهم الكويتي خاصة وانا في اجازة خارج البلاد وسنتطرق بمناسبة شهر مايو (ضياع فلسطين) ويونيو (ضياع الأرض العربية) في خمسة مقالات عن حروب العرب، واعتقد ان بعض ما سيأتي في هذه المقالات لم يتطرق له أحد من قبل، حيث ان الحقائق هي أول ما يضحى به عند كتابة تاريخنا الحديث لصالح التوجهات المؤدلجة.

من خصائص العرب الباقية حب المغامرة والمقامرة ومن طباع المقامر حقيقة ان ندمه على خسارته الصغيرة يجعله يتسبب في خسائر أكبر واكبر لتعويضها، ومن ذلك فإن رفض زعيم فلسطين المتوج أمين الحسيني قرار «لجنة بيل» عام 36 الذي يعطي اليهود ٪10 من الأرض والعرب ٪90 منها دون مبرر عقلاني جعله يدعي رغبته في الحصول على كامل الأرض عام 48 بتعارض مع قرارات المجتمع الدولي القاضية بالتقسيم حتى يعوض هذه بتلك.

وللحاج أمين الحسيني دور مفصلي شديد الغموض فيما يخص قضية فلسطين وحرب 48، فقد وصل لمنصب الافتاء الذي أهله لقيادة القضية عبر دعم الحاكم البريطاني الصهيوني لفلسطين، وتظهر أوراق الخارجية البريطانية السرية التي نشرها الباحث الفلسطيني تيسير قبعة ان راعي القضية كان وسيطا فاعلا في بيع الأراضي الكبرى لليهود (!) كما لجأ المفتي أواخر الثلاثينيات الى أباطرة القمع والإبادة هتلر وموسليني مما كان له أفدح الضرر على سمعة القضية الفلسطينية دوليا بينما راهن اليهود على معسكر الديموقراطية وحقوق الانسان، كما ضخم المفتي عام 48 من مذبحتي دير ياسين وكفر قاسم بحجة رغبته في خروج الشعب الفلسطيني من أرضه كي يتم تسليحه وعودته ظافرا لتحريرها، وقد خرج الشعب الفلسطيني بسبب تلك الغلطة الشنيعة ولم يعد بعدها.

وقد جعل انضمام اليهود لقوات الحلفاء منهم قوة عسكرية ضاربة لا يستهان بها بينما أباد جنرال البرد من غرر بهم المفتي من العرب بعد ضمهم للحملة النازية الفاشلة على روسيا، أما الشوام وأهل المغرب العربي الذين حاربوا مع الحلفاء المنتصرين فقد اعتبروا خونة للأوطان لا تجوز الاستعانة بهم في حرب فلسطين المقدسة التي قادتها العواطف لا العقول العسكرية المحترفة.

ومن أكاذيب تلك الحرب قضية «الأسلحة الفاسدة» التي أثارها الصحافي احسان عبدالقدوس، وقد حُقق في تلك القضية بعد انقلاب 52 ولم يثبت بها شيء، والحقيقة ان الحصار الدولي على العرب واليهود كان فاعلا الا ان اليهود استطاعوا عبر الرشاوى ان يحصلوا من بعض ساسة وجنرالات اميركا اللاتينية على الكثير من الطائرات والدبابات والاسلحة الجديدة الفائضة عن الحاجة بعد انتهاء الحرب الكونية الثانية ولم يستغل العرب وجودهم الملاييني في البرازيل والارجنتين والمكسيك للحصول على مثل تلك الأسلحة وتلك هي احدى الغلطات الكبرى المسكوت عنها.

والحرب هي مثلث على رأسه القرار السياسي الذي كان مختطفا آنذاك من قيادات لكل منها إما مصالح خاصة أو رغبة في ارضاء بعض الضغوط الداخلية، فالملك فاروق كان يأمل بتحقيق حلمه بإحياء الخلافة الإسلامية وقيادتها بدعم من الإخوان المسلمين عبر بوابة الحرب في فلسطين التي دخلها رغم معارضة رئيس وزرائه ووزير حربه، كما رغب الملك عبدالله في ضم أراضي فلسطين الخضراء لمملكته الصحراوية، أما أنظمة العراق وسورية ولبنان فقد دخلت الحرب لارضاء قياداتها العسكرية أمثال طه الهاشمي وشوكت شقير وعدنان المالكي وغيرهم، ومازلت لا أعلم بعد قراءتي آلاف الكتب والوثائق شيئا عن الاجندة الخاصة بالمفتي أمين الحسيني..!

د. أحمد الخطيب

الكويت من الإمارة إلى الدولة (1)

البدايات… من الدهلة إلى بيروت

“الدهلة” فريج أو حي صغير من أحياء مدينة الكويت القديمة يقع في وسطها تقريباً، بين حديقة البلدية الآن التي شيدت في موقع مقبرة قديمة على شارع الجهرا غرباً وسوق واجف شرقاً والصفاة جنوباً وفي الشمال حي السبت الذي يعزل الدهلة عن فريج الجبلة وفريج سعود اللذين ينتهيان “بالفرضة” الميناء التجاري الرئيسي للكويت في ذلك الزمان. وفي ذلك الوقت من عام 1928 وفي ذلك الحي ولدت. متابعة قراءة الكويت من الإمارة إلى الدولة (1)

سعيد محمد سعيد

القوم… يا سيدي!

 

ما أغرب فعلهم وما أعجب قولهم…

القوم يا سيدي – نحن وهم وأولئك – يعرفونك أنت أنت… الشاب الوطني المناضل الشريف «المعمم» الطيب الوقور الهادئ… الذي حمل هم بلاده وناسه، سنة كانوا أم شيعة، ويدرون أنك أنت «الإنسان» قبل ذلك وبعده، ولكنهم يا سيدي تناسوا لحظة، على حين غرة أو «لا»، أن لك ما للإنسان السوي أو غير السوي، من الإحساس بالألم والحزن والفرح والضيق والراحة واليسر والعسر…

بالأمس يا سيدي، كانت صورك تملأ جدران قريتنا الشامخة بكبريائها الذي سرعان ما انكشف، لأنها حين تتنازل سريعا عن أمثالك، وتأوي إلى الارتفاع على سلالم من ورق، فإنها تنكشف: فلا الديمقراطية تعرف، ولا الحق تقول ولا «الموت» الذي يردده الكثيرون بتحد وقوة… يمكن أن يجعلهم ينهضون من القبور إلى الحياة!

القوم يا سيدي، لا رأي لهم… ما أشد هذا الوضع! فهم تارة يرفعون صورتك ويهتفون باسمك، وتارة أخرى يقبلون شاشات التلفاز التي تظهر عليها، وتارة لا ينفض أي سامر في مجلس، أو محاضرة في محفل، بل وصلاة في مسجد، إلا بعد أن تذكر ويذكر فضلك ويأتي من معاناتك ونضالك الشيء الكثير.

واليوم، أنت أشهر من يشتم في الملتقيات الصبيانية العفيفة الطاهرة المنزهة التي يفتي فيها صغار الرؤوس (كبار الألسنة) ممن امتهن على الدوام مهنة الهجوم والشتائم والصياح والتشويه، من وراء «الشاشات»، يفعل ذلك وهو يرفع رأسه مفتخرا بالتزامه الديني والأخلاقي، وبتفقهه في أمور الدين والدنيا، ولكن لا بأس من أن يشتمك قليلا أم كثيرا.

ليس للمواقف المستقلة مكان في حياتنا… «إمعات» نذهب هنا وهناك… في مقدورنا الصياح بأقوى مراكز الحناجر صلابة في المسيرات والاعتصامات والمظاهرات، سلمية أم غير سلمية، لأننا نرى في جمعنا الكثير من الناس/ القوم، لكن كلمة «الحق» لا تخرج من أفواهنا الا بالشديد القوي… ونحن فرادى، إذ يغمرنا النفاق.

القوم يا سيدي، أكلوا لحمك نهشا نهشا… ورأوا في أنفسهم/ أنفسنا، قمة الصلاح والإصلاح والصمود والقوة والعزة والنبل والفخر، غضبوا لأنك لم تشارك وغضبوا لأنك شاركت! شتموك لأنك لم تصبر على البلاء يوما، وشتموك لأنك صبرت!

والآن يا سيدي، أيها الشاب الطيب، يا أبا مجتبي، يا «علي سلمان» الشيخ، ليس أمامك سوى أن تبقى أنت أنت… ودع القوم يا سيدي/ نحن/ هم/ أولئك، يتمزقون – حقدا وكرها – شر ممزق!