هي قضيتنا لا قضية زميل وصاحب رأي، اتفقنا أو اختلفنا معه في ما يقول وفي ما يكتب، هي قضيتنا حين نفكر، هي قضيتنا حين نعبر، هي قضيتنا حين ننتقد ونسطر ما نراه يضر بالمصلحة العام ويثير هواجسنا من مستقبل مقلق، ومهما كانت قسوة الكلمة على الغير المتضرر، فالكلمة ليست فعلاً ولا عملاً. هي تعبير عن رأي، وهي إفصاح عن المعنى كما يريده صاحبها، وإذا أجاز المشرع، وهو يتخبط في معنى حرية التعبير حين صدّر تشريعات "دراكو"، كما هي ممثلة في قوانين الجزاء وأمن الدولة والمطبوعات والنشر، أن يُعمل مثل تلك التشريعات فتلك مسؤوليته من ناحية، ومن ناحية أخرى فهو (المشرع) يوكل ضمناً إلى سلطة القضاء حق تعديل حالة الشذوذ لتلك التشريعات، كي يرمم عوارها لمصلحة الحرية الإنسانية وحق التعبير. وهذا أساس تلك الحرية وقوامها الراسخ في العصر الحديث. هكذا نفهم مبدأ الفصل بين السلطات وهكذا يتعين علينا أن نقف دون تردد لمصلحة حق الكلمة مسموعة كانت أو مكتوبة.
ليست هي قضية المواطن محمد الجاسم اليوم بعد أن زج به في سجون أمن الدولة، لأنه كتب وعبر عن رأيه، وليس من حقنا وليس من حق أحد أن يشق صدر الزميل محمد الجاسم وينبش عما قصده ومبتغاه حين كتب وعبر، وليس من حق أحد أن يزج برؤيته وفهمه الخاصين في تفسير ماذا أراد صاحب الكلمة وماذا عساه رمى حين كتب وقال! فالقضية هي قضية كلمة لا أكثر، هي قضية حروف لا يجوز أن يكون جزاؤها السجون ومصادرة الحرية… هي رأي بالنهاية، هي رأي آخر نقبله أو نرفضه، هي مسألة من شأننا الخاص، ولنا كذلك حق اللجوء إلى حكم القانون من غير تعسف ومن غير جور… أكرر من غير تعسف ومن غير افتراضات سوء النية، ونصب الفخاخ لصاحب الرأي.
خلقت القوانين- وقبلها الأعراف قبل التدوين- كي تحافظ على المجتمع، وتؤسس كيان الدول حين وجدت فكرة القانون في العصور الغابرة، واليوم ليس القانون أداة لحفظ نظام الحكم فقط، وإنما وسيلة لحفظ كيان الدولة المشتق من حفظ حريات الأفراد في دولة الحداثة…!
قبل أن نلجأ إلى حكم القانون علينا الاطمئنان إلى حكم العدالة، والعدالة هي الإنصاف وروح الإنسانية… والإنسانية لا تعني غير كرامة الإنسان وحريته في ممارسة وجوده، فهي حرية العقل الواعي… تلك أولويات وبديهيات لا يجوز الحياد عنها ولا يصح أن نهشها تحت أي ذريعة كانت.
ختاماً، من حقنا نقد رأي محمد الجاسم وبيان أوجه الخطأ فيه، لكن ليس من حق أحد ولا من سلطانه أن يصادر حريته ويروعه بسيف القانون متى انحرفنا عن سكة سير صاحب الشأن، فبالتأكيد أنه متى سكتنا اليوم عن سجن صاحب الرأي، فسنصمت غداً حين نكون شهوداً على مذبحة حرية الفكر.