لم يكن النائب العراقي عزت الشابندر ممثلاً لأرض السواد – وهي العراق – حين صرح بكل فجاجة بأن الكويتيين في حاجة إلى صدام مرة أخرى كي يؤدبهم، فالعراقيون أنفسهم قبل الكويتيين هم مَن تجرعوا مرارة السم أيام حكم نازي العروبة صدام حسين، وإذا كان تصريح الشابندر حماقةً ما بعدها حماقة، فمن العقل ألا نجاريها بعنتريات مقابلة صدرت من بعض نوابنا حين وجدوا في شخصية نيابية عراقية سيئة مثل الشابندر مناسبة لتقويض كل محاولة للتعاون بين دولتين جارتين، الأولى هي الكويت، التي مازال الكثير من أهلها يحملون جروح الماضي من جراء الغزو الصدامي، والثانية هي الدولة العراقية التي تحاول لملمة أشلائها المبعثرة من بين الطوائف المتقاتلة، ومن بين سياسات انتهازية وفساد مالي وحروب بالوكالة عن دول أخرى يُهْرَق فيها الدم العراقي رخيصاً.
لم يكن احتجاز الطائرة المستأجرة للخطوط العراقية في مطار لندن من قِبَل الجهات القضائية، تنفيذاً لأحكام صادرة لمصلحة الخطوط الكويتية، عملاً موفقاً من الناحية السياسية؛ فقد كانت تلك الرحلة «عرساً عراقياً» بتعبير الأستاذ عبدالرحمن الراشد في جريدة الشرق الأوسط، الذي أضاف: «إنه مهما كان الحق القانوني فإن الحسابات السياسية عندما توجد تبقى لها الكلمة العليا… ولا يوجد خلاف سياسي يبرر الاستيلاء على طائرة وفتح جروح بين البلدين تكلف الكويت والعراق أكثر وأكبر من مطالب شركة الطيران الكويتية». كان من الأولى أن نتسامى فوق جروح الماضي، ولا نشغل أنفسنا بتهليلات وصرخات الحروب «القبائلية» للثأر من الجانب العراقي أو الكويتي، فالعراق بحاجة إلى الكويت، كما أن الأخيرة بحاجة إلى العراق مهما طال الأمد. ومَن يتصور غير ذلك فليفكر في طريقة لنقل مثلث الأرض الكويتية من رأس الخليج لحشْرِهِ في قلب القارة الأوروبية، فهذا قدرنا وهذا مصيرنا وعلينا التفكير بحصافة العقلاء. وحين يصرح وزير الخارجية الكويتي د. محمد صباح السالم بأن الكويت على استعداد لاستثمار التعويضات التي حصلت عليها من العراق في إنشاء البنية التحتية للعراق وتطوير الجزء الجنوبي منه ليكون منطقة صناعية، فذلك يدل على حصافة الدكتور محمد الصباح ووعيه بمسؤولية الكلمة، وهو يعرف، مثل زميله العراقي السيد هوشيار زيباري، أن مشكلة العلاقة بين الكويت والعراق هي مسألة إقرار الحكومة العراقية واعترافها القاطع بقرار الأمم المتحدة لعام 1993 بتقسيم منطقة الحدود بين البلدين… لكن أين هي الحكومة العراقية اليوم؟ ومتى ستنتهي التجاذبات السياسية في الدولة العراقية المتشظية؟! وحتى يحلَّ ذلك اليوم القادم فأضعف الإيمان الآن أن نبدأ في ترميم الجسور بين الدولتين، والتسامي فوق النعرات العصبية التي يطلقها هذا الطرف أو ذاك، ولا يجوز رهن علاقتنا المستقبلية مع العراق بابتزازات ورهانات انتخابية تسكب الزيت على نيران الجهل والتعصب الأعمى.