تاهت قضية شروق الفيلكاوي في أضابير «اللا اهتمام» بحقوق المرأة، وركنت العدالة الإنسانية جانباً على حافة الطريق الكويتي الغارق في هموم الرواتب والكوادر وهبات دولة الخلافة الكويتية، ونسينا الشروق وغطسنا في الظلام.
تقدمت شروق الفيلكاوي الحاصلة على ليسانس حقوق بدرجة امتياز مع مرتبة الشرف إلى وظيفة «وكيل نيابة فئة ج» حسب إعلان وزارة العدل المقرر عن حاجة الوزارة إلى شغل تلك الوظيفة، غير أن الإعلان قصر أن يكون المتقدم إلى الوظيفة من ماركة «ذكر» كويتي على خلاف حكم الدستور والقانون، فطعنت شروق في هذا الإعلان، بعد أن رفضت الوزارة قبول أوراقها للتقدم إلى الوظيفة، واعتبرت شروق إعلان الوزارة بمنزلة قرار إداريٍّ سلبي، لها حق الطعن فيه بعد التظلم ورفض تظلمها، وتقدمت بصحيفة دعوى تطعن فيها بعدم دستورية ذلك القرار الإداري السلبي، وتنعى عليه مخالفته للدستور ومبادئ المساواة التي نص عليها الدستور.
لنقف قليلاً هنا ونسأل إذا كنتم تتذكرون كيف كانت ردود إدارة الفتوى والتشريع أيام زمان حين طعنت مجموعة من الناشطات في عدم دستورية قانون الانتخابات (قبل التعديل) وكان رد الحكومة عبر إدارة الفتوى يتلخص في رفض الطعون، وكانت مع «الخيل ياشقرا» ومع النص القانوني الظالم، ولو بركل أبسط المبادئ الدستورية، كذلك حدث الأمر ذاته مع شروق الفيلكاوي، ووقفت الإدارة الحكومية تتلمس السبل الفقهية وآراء الشرع لرفض دعوى شروق، وكأن الدول يحكمها رأي الفقهاء الديني، لا قطعية النص الوضعي…! وعندما طُرح النقاش في الصحافة أخذ بعض أساتذة القانون الدستوري يناقشون الموضوع بما ذهبت إليه المدرسة الشرعية التابعة للفقيه زيد أو للفقيه عبيد بشأن هل تعد ولاية القضاء عامة أم خاصة؟ وهل يجوز للمرأة توليه أم لا يجوز! وإذا كان هذا رأي النخبة فقيسوا عليه آراء العامة!
حكمت محكمة الدرجة الأولى الإدارية برفض الدفع بعدم دستورية قرار وزارة العدل وقررت «أن التعيين في وظائف القضاء يستند إلى السلطة التقديرية للجهة الإدارية، ولزوم توافر الشروط القانونية في المرشح، وأن الرقابة في هذا المجال التقديري هي في التحقق من أن القرار الصادر في هذا الشأن يستند إلى سبب موجود مادياً وصحيح قانوناً…». ثم قالت المحكمة: «… لما كان ما تقدم، وكان الثابت بنص المادة الثانية من الدستور أن دين الدولة الإسلام، والشريعة مصدر رئيسي للتشريع، وكان المرسوم… في شأن تنظيم القضاء وإن لم يتضمن نصاً صريحاً بحظر تعيين المرأة في القضاء، إلا أنه كذلك لم يورد نصاً بوجوب مساواتها بالرجل في شغل تلك الوظيفة….»!.
لننتهِ من حكم المحكمة، ونسأل أولاً: هل نحن محكومون بالنص التشريعي الوضعي وبنصوص الدستور الذي يؤكد مبدأ المساواة بين المواطنين بصرف النظر عن جنسهم أو دينهم؟ أم أن المدارس الفقهية الدينية هي التي تحكمنا؟! وثانياً: إذا لم يكن قانون تنظيم القضاء قد تضمن نصاً صريحاً بحظر تعيين المرأة… أَفَليس من الأولى أن نرجع هنا إلى الأصل، ونقول إن الأصل هو الإباحة لا التحريم؟ وإن الأصل هو المساواة لا عدم المساواة؟! وإن الأصل هو الدستور لا مدارس الفقه؟! وإن الأصل في حكم القانون هو العدل، والعدل هو الإنصاف لا الانحياز؟! وإن الأصل هو أن يكون القانون أداة تطوير المجتمع لا انعكاساً ومرآة لمعتقداته ورغباته متى اصطدمت بالحقوق الطبيعية للإنسان التي تسمو فوق أي اعتبار؟!
أمام شروق طريق الاستئناف والتمييز… فإن لم ينفع ذلك… فهناك طريق التشريع… فهل سيتحرك من أجلها نوابنا التقدميون أم سيتركون قضية شروق من غير شروق فجر الحرية والكرامة؟