يقال إن الموت رحمة، فكم من مريض تمنى الموت تخلصا من آلامه، وكم من سجين «سياسي» اشتهى الهلاك لينتهي تعذيبه. ومن هنا، فإن هدم بيت عائلة كعقاب قد لا يكون أقصى ما يمكن إيقاعه بها، فالتدمير لا يتطلب أكثر من بضع أصابع دينامايت ليصبح البيت كومة حجارة على الأرض. وبالتالي يصبح التعذيب المستمر أكثر فعالية والذي يمكن أن يبدأ من خلال قطع الكهرباء عن سكانه في مرحلة أولى، وبعدها بأيام قطع المياه، وفي مرحلة ثالثة غلق مداخل ومخارج البيت ليحرم سكانه من معرفة ما يدور حولهم أو الاتصال بالخارج، مع ترك فتحات صغيرة في حوائط البيت لتتسرب منها القوارض المخيفة التي ستقوم بنشر الأوبئة، وبث الرعب في نفوس ساكني البيت، وقلب حياتهم إلى جحيم لا يطاق يتمنون الموت فيه على الحياة.
ولو شبهنا حال ذلك البيت بما جرى ويجري في بعض الدول، مع الفارق، لوجدنا أن الكهرباء التي قطعت مثلت النور والإبداع والفن والثقافة والمعرفة. وأن المياه مثلت الصحة والتعليم والمشاريع التنموية، أما إغلاق مداخل البيت ومخارجه، فقد مثلت الرقابة على الفكر والعقل والتصرف وعد الأنفاس وكل ما ينتجه الفكر الإنساني الخارجي من إبداع، ومن ثم الانقطاع عن العالم وكراهية الآخر وتكفيره! أما القوارض فقد مثلت مجموعة قوى الفساد، المالي والفكري، التي خربت الأفكار ونهبت الخزائن، قبل وأثناء وبعد أحلك فترات التاريخ، وما جلبته معها من عناصر متشددة في تعصبها وتخلفها، والتي لم تترك شيئا إلا وقامت بتخريبه وإتلافه، ونشر الأوبئة فيه. في كل هذا يكمن العذاب الذي ربما يكون الموت أكثر رحمة منه!
* * *
أعترف بأنني لا أحمل ضغينة لأحد، وليس في قلبي حقد ولا كره حتى لأولئك الذين سبق أن تناولتهم بالنقد أو الهجوم، شفاهة أو كتابة، لسبب أو لآخر، من سياسيين ورجال دين أو مسؤولين في الحكومة أو من مؤسسات أو أفراد حامت، ولا تزال تحوم، حولهم كثير من الشبهات. كما لا أعتقد أن اللوم على ما يحدث من خراب يقع في غالبيته على رأس السياسيين أو كبار الإداريين بقدر ما يقع على عاتق من اختيروا، واستمروا في اختيارهم، بالرغم من كل ما أشيع عنهم من فساد أو عجز في الإدارة.
وأن يكون هناك سفيه أو أكثر يدعي معرفة ما لا يعرفه غيره من علوم الدين والدنيا، والتبحر في قضايا الفقه وغيرها ليس بالأمر المستغرب، شرقا وغربا، ولأي دين أو عقيدة أو مذهب انتمى، وهذا يمتد من غابات أندونيسيا وحتى أدغال الأمازون مرورا بمجاهل أفريقيا والشرق بأقصاه وأوسطه وأدناه وغرب العالم وجنوبه وشماله، ولكن اللوم، أو الشرهة، على من سهل لفكر هؤلاء بالانتشار من خلال الظهور على قنوات تلفزيوناته والنشر في صحفه والخطابة من على منابره. فالخطورة ليست في القول بقدر ما هي في النشر. ففي مجالسنا الخاصة نرتكب شتى مخالفات القول والكلام في حق الغير، ولا نجرم غالبا على أقوالنا، ولكن ما أن تجد تلك الأقوال نفسها طريقها للنشر حتى تتحول إلى جرائم يعاقب عليها القانون! وبالتالي نجد أن الخطر على الأمن الداخلي والسلام الأهلي والنسيج الاجتماعي للدولة يكمن في تلك القوارض الصغيرة التي تنتشر بين الصفحات والقنوات الفضائية تعض يد هذا وتلتهم أظافر ذاك ناشرة الطاعون في المجتمع غير عابئة بأن في ذلك خراب المجتمع وانهياره، ولمعرفة هؤلاء ما علينا سوى التمعن في بعض الكتابات والبرامج التلفزيونية. وبالرغم من أن سماع ما يقوله هؤلاء وقراءة ما يكتبونه، أمر مؤلم إلا أنه من السهل السيطرة عليه واحتوائه بطريقة أو بأخرى، ولكن الخطورة الكبرى تكمن في قيام قوى الفساد، وبدعم من قوى متنفذة، بنشر الخراب والفساد في المجتمع وتعميمه، ليصبح هو الطبيعي والسائد، وغيره هو الشاذ.
* * *
• ملاحظة: كتب أحدهم قبل فترة أن المطر «احتبس» في السماء، ولم ينزل على الكويت، بسبب زيادة الشرور والآثام في المجتمع، فهل من الممكن أن يفيدنا عن سبب نزول المطر علينا قبل فترة قصيرة؟ وهل اختفت الشرور والآثام خلال أيام قليلة بسبب كتاباته وبرامجه التلفزيونية مثلا؟
أحمد الصراف