يصعب على الكويتيين ممن كانوا بوعيهم أثناء وقوع تجربة الغزو والاحتلال الصدامي للكويت ان ينسوا بسهولة الموقف المخزي لنسبة كبيرة من الشعب والقيادة الفلسطينية من قضية احتلال وطنهم، وكيف وقفوا، واهالي غزة بالذات، مع صدام وغنوا وزغردوا متمنين الفناء للكويت والموت لشعبها والحرق لآبار بترولها، ولكن لا يمكن لحالة العداء والحقد ان تستمر الى الابد، وخصوصا على ضوء ما تعرض ويتعرض له الشعب الفلسطيني من قتل وتشريد على ايدي اعدائهم من يهود وعرب، وعلى ايدي بعضهم في المقام الاول، فلا توجد نفس فيها ذرة من الانسانية لا تكترث لما يعانيه الشعب الفلسطيني من صنوف التنكيل والعذاب والحرمان من ابسط ضروريات الحياة، فما يحدث جريمة يشارك بها الجميع، وعلى رأس هؤلاء حركة حماس، ومن يقف وراءها من الاخوان المسلمين وانظمة كايران وحزب الله وغيرهم.
وفي مسعى لتأييد الحق الفلسطيني انتشرت على الانترنت رسائل كثيرة معبرة، تبين مدى معاناة الشعب الفلسطيني على ايدي الجنود الاسرائيليين. (والغريب، او العكس، ان أغلبية منتجي ومخرجي هذه الاعمال العالية الجودة، هم يهود وغربيون) وكيف ان اسرائيل لا تختلف عن نظام الفصل العنصري الذي كان سائدا في جنوب افريقيا، وكيف ان الجدار العازل هو عنوان الفصل! ولكن لو وجد الاسرائيليون لأنفسهم عذرا في ما يقومون به ضد اعدائهم الفلسطينيين، فهل لدى بقية الدول العربية، والاسلامية، اي عذر في اتباع انظمة فصل عنصرية، بدرجة أو اقل، مع مواطنيها؟
فحكومة السودان مثلا، التي تحصل على نصف عائدات النفط من حقول بترول الجنوب، المسيحي في غالبه، لا تنظر، وفق تقارير الامم المتحدة، إلى الجنوبيين الا كمواطنين من درجة ادنى ومصدر للرقيق، اما في موريتانيا فهناك طبقة الاسياد، وغالبا من العرب، وطبقة الرقيق، وأغلبتيهم افارقة سود، كما تتبع كل دول مجلس التعاون تقريبا نوعا او اخر من الفصل العنصري، وتحظر على فئات محددة وكبيرة من شعوبها تولي مناصب او اعمال معينة، او حتى دخول مناطق محظورة، فعندما تختفي الديموقراطية يصبح كل شيء ممكنا، فما الفرق بين نظام فصل عنصري ونظام صدام وزمرته الذي استمر جاثما على صدر العراق ثلاثين عاما؟ وكيف يمكن ان نصف إسرائيل بأنها دولة عنصرية، وقد تكون كذلك، ونظام زوار الفجر متبع بتقنية مخابراتية عالية في أغلبية دولنا؟ وكيف تقبل اسرائيل، العنصرية، لمواطنيها من عرب مسلمين ومسيحيين ودروز ان يكونوا اعضاء في برلمانها، ويحققوا ما شاؤوا من ثروات، وان يشاركوا من دون خوف من الاعتقال، في مختلف التظاهرات المناوئة للحكومة، والاوضاع في دولنا غير ذلك تماما، حيث ترفض أغلبية انظمتنا حتى الاعتراف بوجود من يختلفون عنهم ديانة، كاتباع الاقلية المسيحية التي تلقى التجاهل غالبا لدينا، والافناء الذي يتعرض له مسيحيو العراق وايران، والعزل الذي يتعرض له اقباط مصر؟ وكيف يصبح النظام في اسرائيل عنصريا ودستور الجمهورية الايرانية الاسلامية الذي ينص صراحة على ان رئيس الجمهورية يجب ان يكون من مذهب شيعي محدد، غير عنصري؟
ومتى كان لفلسطين اهمية في الوجدان الشيعي، والايراني بالذات، وكل الادبيات الدينية لا تعطي للقدس او المسجد الحرام، مثل تلك الاهمية التي تعطيها لاماكن مقدسة اخرى، ام انها السياسة وألاعيبها؟
أحمد الصراف