لا أعتقد أن الغرب بحاجة الى من يدافع عنه، فقد ضمت ضلوع دول هذه المجموعة، خلال نصف القرن الماضي، ومع موجة الانقلابات العسكرية المباركة التي اجتاحت الكثير من الدول العربية، ضمت آمال عشرات ملايين المهاجرين الفارين من الفقر والبطالة وبطش دكتاتوريي الكثير من دولنا، وكل ذلك الفساد الرهيب اجتاحنا، حيث وجدوا في أوروبا واستراليا ودول أميركا ملاذا آمنا ووطنا جميلا. ولكن كما في الشرق فقد أصيب هؤلاء المهاجرون، وخاصة أبناء العقدين الأخيرين، بفيروس التطرف نفسه الذي أصاب الشرق، وبدأت مطالبهم «الدينية» بالتصاعد والازدياد بدءا من المطالبة بمساجد وجلب أئمة وفتح مدارس خاصة ومحاكم شرعية وقضاة، مرورا بــ«حقهم» في مقابر إسلامية وجزارين ومسالخ إسلامية وعطل وأقنعة ونقاب وجلابيب… ومع كل هذا تسامحت تلك الدول بدرجات متفاوتة مع هذه المطالب وغيرها الكثير، وكان من الممكن استمرار ذلك التسامح والتعايش الثقافي المتعدد لولا موجة الإرهاب التي بدأت في 9/11 ولا يبدو أنها ستنتهي قريبا، والتي قضت على كل أمل في استمرار ذلك التعايش السلمي بين الأغلبية المسيحية المتسامحة صاحبة الأرض وبين الأقليات المسلمة المهاجرة، التي يغلب عليها التعصب. ولكن المرأة المسلمة، كحالها دائما، كانت الضحية المباشرة لما تم إقراره من «حقوق» للأقليات المسلمة، حيث لم يتغير وضعها وأحكام التصرف «بها ومعها» عما كان ولا يزال الوضع عليه في بلدها الأصلي! وفي مقال مميز للمستشرقة الإيطالية فالنتينا كولومبو (Valentina Colombo)، التي زارت الكويت قبل فترة بدعوة من دار الآثار الإسلامية، بعنوان «ضحايا التعايش الثقافي» تطرقت فيه الى نقطة غاية في الأهمية والخطورة، حيث ذكرت أن هذا التعايش الذي سمح للأقليات المسلمة بالذات بأن تكون لها محاكمها الشرعية الدينية، ضمن أمور كثيرة أخرى، كانت له انعكاسات مؤلمة على أوضاع المرأة المسلمة. فهذا التعايش أجبر بطريقة ما سلطات الدول الغربية على غض النظر عما تتعرض له المرأة المسلمة في مجتمعاتهم من اضطهاد، واعتباره أمرا داخليا يخص أفراد تلك المجتمعات ولا علاقة لها به، خاصة أن غالبية الحكومات الغربية تسمح بازدواج الجنسية وبأن يكون للأقليات صحفهم وقنواتهم التلفزيونية بلغاتهم الأصلية، وغالبا بدعم حكومي، كما تسمح لهم بإقامة احتفالاتهم الدينية وممارسة شعائرهم وتقاليدهم بحرية. كما تسمح لهم بارتداء أزيائهم في العمل والمدرسة وحتى في الخدمة العسكرية (غطاء الرأس للسيخ في بريطانيا)، كل هذا المد من التعايش الثقافي دفع السلطات للتسامح كثيرا إزاء الجرائم التي تقترف باسم الشرف مثلا، حيث لا تلقى منها الشدة المطلوبة، وهذا شجع على زيادة ارتكابها. وقد تطرقت البروفيسورة كولومبو في مقالها الى كتابين صدرا عن امرأتين مسلمتين، الأولى ألمانية من أصل تركي والثانية مغربية – إيطالية وعضو في البرلمان، تتحدثان فيهما عن تجاربهما الشخصية في مجال مساعدة النساء المهاجرات من مجتمعات مسلمة، وكيف أن قوانين الثقافة والتعايش المشترك ليست فقط غير صالحة للعصر بل هي ضد الحقوق الإنسانية للمرأة. ووردت في الكتاب الأول قصص مرعبة عما تتعرض له المرأة من عنف في المعاملة مثل الضرب المبرح والقسر على الزواج بمن لا تريد، وغالبا في سن مبكرة جدا، وشيوع قتل الشرف عند أول شك. واتفقت الكاتبتان على أن هناك حاجة لتغيير قوانين الدول الغربية بحيث يمكن التعامل بشدة أكبر مع مثل هذه الجرائم، ورفض نظرية تعايش الثقافات، وفرض القيم الغربية على بقية الأقليات، إن رغبوا في العيش في مجتمعات متسامحة، وإلا فعليهم الرحيل منها!
أحمد الصراف