تقوم العقائد بفعل ثلاثة أشياء بطريقة فعالة جدا: تقسيم الناس لشيع وطوائف، السيطرة عليهم، وإغراقهم في الوهم.
***
يعتبر الكثيرون ايران بلدا رائعا، ففيها تتفاوت درجات الحرارة من الشمال البارد الى الجنوب الحار لأكثر من 20 درجة، كما تكسو الغابات مناطق شاسعة منها، وتغطي الثلوج هامات جبالها، ولها شواطئ رملية رائعة، وبها كم هائل من الآثار تتوزع على مدن عدة رائعة الجمال، وأسواقها القديمة لا تضاهى بثرائها، وشعبها يميل للحياة الجميلة La Dolce Vita، كما تشتهر بتنوع منتجاتها الغذائية ومطبخها الشهير.
وعلى الرغم من امتلاك ايران لكل مقومات التقدم الصناعي والزراعي وأن تكون بلدا سياحيا من الدرجة الأولى، وهنا أعتقد شخصيا أنها وأميركا -والى حد أقل بكثير روسيا والعراق- الوحيدتان في العالم اللتان تمتلكان كل شيء تريد أي دولة امتلاكه من أرض وشعب وثروات ومياه ومعادن وعمق ويد عاملة! فإننا نلاحظ -بعد التمعن في وضعها- أنها، وعلى الرغم من شعبها الشديد المراس البالغ عدده 75 مليونا، ومساحتها الشاسعة التي تزيد على مليون و600 ألف كيلو متر، لا تشكل أهمية على المستوى الدولي بغير صوتها العالي وقدرتها على خلق الهلع والرعب لمن يعاديها. فهي لا تنتج -تقنيا وصناعيا وفنيا- شيئا يستحق الاشارة إليه، وتعتمد في معيشتها على الاستيراد من الخارج وما تبيعه من بترول، والحصار «الغربي» الذي بدأت آثاره بالظهور ستكون له تبعات اقتصادية وبشرية وزراعية بالغة القسوة عليها، وهنا نجد أن هم شعبها، كما هي حال غالبية شعوبنا، أصبح يتركز في نهب ما يمكن نهبه في ظل كل الفساد المستشري، والوقوف على أبواب السفارات للحصول على فيزا، أو الهرب من جحيم الملالي لأقرب دولة، ويا حبذا لو كانت أوروبية أو أميركية، وللأبد. أما حال نصفها من النساء فحدث ولا حرج، كل ذلك لأن من أمسك بمقدراتها، أو حكمها طوال عقود طويلة، انتقل بها من الحكم العسكري الفاسد الى السافاك ومن ثم للحرس الثوري، وكان هدفهم جميعا قمع وقتل وسجن كل من يعارض النظام، وتحويل البلاد إلى سجن كبير، مع هدف وحيد هو ابقاء القيادة، أيا كانت، في الحكم بانتظار قدوم المهدي!
والسؤال هو: ما الذي ينقص ايران لتصبح دولة مزدهرة؟ ولماذا يهرب منها مواطنوها ويعرضون أنفسهم للموت أو السجن في سعيهم للبحث عن عمل؟ أليست هي لقمة العيش؟ وكيف تفشل كل الأنظمة التي حكمت ايران منذ مائة عام أو أكثر -وبكل غنى الدولة- في أن تؤمن لهذا الشعب الحد الأدنى من الكرامة والعيش الكريم؟ وكيف فشلت ايران، بكل امكاناتها، في أن تكون دولة جاذبة لليد العاملة بدلا من أن تكون طاردة لها؟ أليس هو النظام الديني المتيبس الذي فعل الشيء ذاته في غالبية دولنا العربية الاسلامية المباركة؟!
ولو نظرنا الى تركيا، التي حولها مصطفى كمال أتاتورك الى دولة علمانية متقدمة، التي يقارب عدد سكانها سكان ايران يعيشون على نصف مساحة الأرض، وليس لديهم أي من موارد ايران العظيمة، لوجدنا أن تقدمها الصناعي والزراعي والتجاري مبهر على كل المستويات. كما تتمتع بحرية وديموقراطية تفوقان بأشواط كثيرة ما لدى ايران، ويكفي أن المواطن التركي معزز مكرم بما له من حقوق في الح.ل والترحال وقت ما شاء، ولا توجد عشرات محطات التلفزيون والاذاعة في خارجها تهاجم نظامها وتطالب باسقاطه!
ان مثال ايران وتركيا مثال آخر صارخ، اضافة الى مثال الهند وباكستان، على ما يمكن أن ينتج عن تبني العلمانية كنظام سياسي، مقارنة بالأنظمة الدينية التي لا تؤمن الا بالرأي الواحد، والحاكم الواحد المطلق الصلاحية.
أحمد الصراف