«الغنى لا يجلب المنفعة دائما، بل تصاحبه عادة البطر وقلة الأدب».
***
في نهاية القرن التاسع عشر أرسلت إحدى الكنائس الأميركية بعض الأطباء للبصرة لتقديم الخدمات الصحية لسكانها، الذين كانوا في غالبيتهم من المرضى والمعوزين. وبعد سنوات، ومع بداية القرن الماضي انطلق عدد من هؤلاء الأطباء وأسرهم للاستقرار في البحرين، وتبعهم بعد سنوات، ومن البصرة أيضا، عدد آخر للعمل في الكويت، وافتتحوا في المنطقتين مستشفيين لخدمة سكانهما.. مجانا! ولكن مع زيادة الثروة في الكويت الناتجة عن عائدات النفط، وافتتاح المزيد من المستشفيات الكبيرة والحديثة فيها -وإن من ناحية المباني غالبا- قررت السلطات الكويتية في ستينات القرن الماضي التضييق على إدارة الارسالية ودفعها لإقفال مستشفاها «التبشيري» ومغادرة الكويت للأبد، وهذا ما حصل.
واليوم، عندما ننظر إلى الخلف وإلى ما قدمه مستشفى الارسالية الأميركية في الكويت من خدمات لآلاف المواطنين والمقيمين على مدى نصف قرن، من دون منة أو حتى توفيق في إقناع حتى فرد واحد على اعتناق المسيحية، وهذا ما كان يتهمون به، نشعر بأسى عميق لجحودنا. فلولا ذلك الثراء الذي انهمر علينا من حيث ندري ولا ندري لكنا أكثر رقة ووفاء مع من خدمونا من دون مقابل عندما كنا في أمس الحاجة لمجرد وجودهم بيننا فما بالك عندما نعرف كم حياة أنقذوا وكم ابتسامة شكر رسموا وكم ألما أزالوا؟!
وما يجعلني أعتقد أن مستشفى الإرسالية في الكويت لم يغلق طوعا، كما أشيع في مناسبات عدة، وأن ضغوطا مباشرة وغير مباشرة دفعتهم لحزم أمتعتهم والرحيل، هو أن عديل مستشفى الارسالية في الكويت لا يزال يمارس عمله في البحرين، ويقدم الخدمات الطبية المميزة نفسها لأهاليها منذ 107 سنوات وباسمه القديم نفسه، ومن دون منة، وأيضا من دون نجاح في تحويل أحد عن دينه! ويعود سبب استمرار وجود المستشفى هناك هو أن البحرين لم ينلها ما نال الكويت من ثراء، وبالتالي سلمت من الكثير من الأمراض التي عادة ما تصاحب الغنى المادي المفاجئ. ومستشفى الارسالية في البحرين لا يتميز بكونه أول مستشفى في الخليج بل والأعلى تصنيفا، حيث حصل عام 2007 على اعتماد المجلس الطبي الاسترالي واعترافه بتميزه، ولو لم نكن بذلك الصلف لكان مستشفى الارسالية الأميركية لا يزال يمارس عمله في وطننا ويمثل تحديا للمستشفيات الخاصة والحكومية ولتأثرت الخدمة الصحية في الكويت -حتما- بشكل إيجابي من وجوده.
أحمد الصراف