بين المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين، مقومات ومشتركات لها خصوصيتها بين البلدين بدرجة خاصة تختلف عن سائر دول مجلس التعاون الأخرى تاريخيا واجتماعيا وثقافيا واقتصاديا، ما يمكن وصفه بأنه علاقة تجاوزت الحدود الجغرافية وبلغت مبلغا – يمكن وصفه أيضا – بأنه جمع المملكتين في وطن واحد، على رغم التطلعات الكثيرة لدى أبناء البلدين لإزالة ما هو قائم من معوقات على الصعيد الاقتصادي وكذلك على صعيد بعض المعاملات الإجرائية القابلة للتيسير.
زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، عاهل المملكة العربية السعودية إلى البحرين اليوم ونزوله ضيفا كبيرا على جلالة عاهل البلاد الملك حمد بن عيسى آل خليفة وعلى شعب البحرين الكريم، ستفتح آفاقا أوسع لتدعيم هذه العلاقة، وخصوصا أن العمق الإستراتيجي المهم الذي تمثله السعودية والبحرين في منطقة الشرق الأوسط والعالم، لا يقتصر على العلاقات الثنائية فحسب، فهناك الكثير من الملفات الإقليمية المهمة التي تتطلب توحيد الجهود وفقا لحكمة العاهلين، وحرصهما على مسيرة دول مجلس التعاون والمنطقة العربية.
إن حساسية القضايا المشتركة في هذه المنطقة، والمرور بتحولات مقلقة على صعيد الأمن الإستراتيجي أولا، ومستقبل اقتصاديات المنطقة ثانيا، ألقت بظلالها على الداخل الخليجي، وعلى وجه الخصوص تلك المرتبطة بالقضية الفلسطينية والعلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية وملفات إيران والعراق ولبنان وانعكاساتها على الأوضاع الداخلية، ليس في البحرين والسعودية فحسب، بل في كل دول مجلس التعاون والدول العربية، وما برز خلال العقدين الماضيين من الزمن على الأقل، من مخاطر داخلية عنوانها الطائفية والإرهاب والخطاب الديني والإعلامي المدمر… كل ذلك يستوجب خطة عمل مشتركة وحازمة لمنع تجاوزها حدودها الحالية والتي لا يستهان بخطورتها.
ومن وجهة نظري المتواضعة، فإن أهمية الملفات السالفة الذكر، لا يمكن أن تكون أهم من إصلاح الداخل الخليجي أولا، ولعل البداية، بشارة خير بلقاء العاهلين عبدالله وحمد، نحو ترسيخ رؤية منهجية تعيد تأسيس (المواطنة والوطنية) على الصعيدين الوطني والخليجي للتحصن ضد مخاطر تلك الملفات، ذلك أن تقديم وطنية أبناء الوطن الواحد بمختلف مذاهبهم واتجاهاتهم وأعراقهم، هي اللبنة الأساسية للانطلاق نحو معالجة القضايا الأخرى، فلا يمكن أن يكتمل بناء البيت الواحد وسط انفلات خطاب التناحر والتأجيج والمساس بالأمن الوطني، وليس لذلك المنهج من رادع إلا بوجود قرار سياسي يقدم المصلحة العليا بناء على المواطنة والوطنية الخالصة من شوائب الطائفية والإرهاب والتآمر. السعودية والبحرين، لديهما هذا التوجه، فهنا في بلادنا، لدينا مشروع إصلاحي أطلقه جلالة العاهل، وهذا المشروع لا يمكن أن يجمد في حدود زمنية ولا بأس من العودة إلى أساسه والعمل وفق متطلبات كل مرحلة، وفي السعودية، برزت تجربة الحوار الوطني التي انطلقت في شهر يونيو/ حزيران من العام 2003 بمبادرة من جلالة الملك عبدالله، وكان أول محاورها: الوحدة الوطنية، ثم انتقل الحوار إلى محور آخر هو: «الغلو والاعتدال: رؤية منهجية شاملة»، أسست لمعالجة قضايا كالعنف والإرهاب والتطرف، والدعوة إلى الوسطية والتسامح باعتبارها المنقذ من المخاطر التي تهدد استقرار الداخل.
هذه زيارة تاريخية كبيرة ومهمة… الآمال والتطلعات أيضا كبيرة ومهمة، أما حكمة القائدين، فهي البوابة التي يمكن أن ننتقل من خلالها إلى صورة جديدة ترسم واجهة المستقبل.