قد يكون من البديهي القول إن حالة «النكتة» وتبادل الطرفة واللطائف السياسية بين شعوب العالم، وخصوصاً الشعوب العربية والإسلامية، هي حالة طبيعية تدخل تحت عنوان :»التنفيس»، لكن هناك نكتة سياسية محبوكة حبكة فكاهية لطيفة ذات معنى كبير وصائب، وقد يضحك بسببها حتى رئيس الدولة (المنكوت عليه) بينه وبين نفسه في السر!
وهناك أيضاً قائمة طويلة لا تنتهي من النكات السياسية والاجتماعية القذرة من ناحية استخدام المفردات والمعاني وقلة الذوق وسخافة الأسلوب، لكن المتلقي قد يموت من الضحك وهو يقرأها في موقع الكتروني أو عندما تصله عبر هاتفه النقال أو بريده الإلكتروني الخاص او حين يسمعها في جلسة أناسة مع الأصدقاء والأحبة، وتبقى مجرد نكتة حتى لو كانت تتجاوز حدود الأدب والأخلاق والعرف والذوق السليم.
والمجتمع البحريني، حاله حال الكثير من المجتمعات العربية والإسلامية، يستقبل الناس فيه الطرائف والنكات ويرسلونها، سواء كانت توافق الذوق السليم أم لا توافقه، فالأمر سيان بالنسبة لدى البعض الذي لا يرى فيها ما يسيء إلى شخصه الكريم، ولا يرى فيها إساءة إلى الشخص المرسل إليه، وسواء كان المرسل أو المتلقي رجلاً أم إمرأة… مراهقاً أم رجلاً ناضجاً، تسقط حدود الأخلاق طالما هي نكتة سياسية، فلا ضير من أن يضحك الناس! لا بأس، بيد أن هناك تطوراً لافتاً في استخدام الوسائط الحديثة والرسائل الإلكترونية بأنواعها وتصاميم الجرافيك التي يعصر فيها (المبدع) رأسه وفنه لينتج عملاً مثيراً للضحك يرسله إلى آلاف الناس، ويقوم الآلاف بإرسالها إلى آلاف أخرى وهكذا تكبر خانة ألوف الألوف، لكن قلة هم أولئك الذين تتوقف لديهم الرسالة النكتة فيحذفونها لأسباب يجدونها لا تناسب ذوقهم ولا أخلاقهم ولا وازعهم الديني، حتى وإن كان السياسي أو الرئيس أو الحاكم غير محبوب بالنسبة إليهم، لكن هناك رادع أخلاقي يمنعهم من نشر مثل تلك النكات والمسجات والتصاميم السمجة.
ولأن الطرائف والنكات، محمودة أم مذمومة، لطيفة أم سخيفة، أصبحت اليوم تطير بسرعة عبر شبكة الإنترنت ومواقعه الإلكترونية، وعبر الهواتف النقالة والوسائط المتعددة، فإن منها ما يسيء إلى شعائر دينية مقدسة لدى فئة من المسلمين، ومنها ما يسيء إلى مشاعر مكونات ومجموعات بشرية، ومنها ما هو طائفي بغيض كريه، ومنها ما يأتي بردود فعل غير متوقعة بسبب سخافتها واستهزائها بشخصيات ورموز وشعائر دينية يمارسها المسلمون على اختلاف مذاهبهم والأدهى من ذلك، أن تتصدر صفحات جرائد محترمة يفترض أنها تتمتع بمهنية وموضوعية، ومع شديد الأسف، تتيح عروض الاتصالات المجانية فرصة ذهبية لأن تتكاثر الألوف تلو الألوف من المرسلين والمستقبلين الذين يشاركون في نشر (الوقح من الأعمال) فقط تحت عنوان: «ما فيها شي… خلنا نضحك»، وليس لإيقاف ذلك من سبيل إلا (الذوق السليم)، وخصوصاً أن الغالبية العظمى من (ناشري النكتة) هم من المراهقين والشباب وإن لف لفهم من هو ناضج عمراً وفكراً.
شخصياً، ضحكتُ كثيراً وأنا أقرأ طرفة وردت عبر بريدي الإلكتروني تقول: «يحكى أن حاكماً عربياً كان في رحلة صيد مع نفر من حاشيته، وبينما هم يبحثون عن الطرائد، رأى الحاكم أرنباً يركض فأخذ بندقيته ورماه لكنه أخطأ الهدف! فقال أحد أفراد الحاشية من المنافقين: «سبحان الله! أول مرة أشوف أرنب يركض وهو ميت»، أيضاً، شعرت بالأسى وأنا استقبل تصاميم ومسجات تسيء إلى بلادنا وإلى عوائلها وإلى رموزها وإلى مشاعرها الدينية، تخلو من الذوق والاحترام والأدب، وتقترب من صفة المنافقين الذين يرتدون لباس أولياء الله الصالحين.