لا يمكن أن يترك مكبر الصوت في المساجد والجوامع لمن أبدى رغبته في رفع الأذان لينال الثواب والبركة، وليس من حق القيّمين على دور العبادة أن يتنازلوا (لآخرين) حين يبدون رغبتهم في أن يرفعوا الأذان حتى لو كان أولئك الآخرين ليسوا متمكنين ولا بالحد الأدنى من القدرة على رفع الأذان… هذا إذا اعتبرنا أن الأذان يتطلب بالفعل ممارسة وتدريباً، وأن المؤذن الجيد لن يصل إلى التمكن من رفع الأذان إلا بعد الممارسة والإتقان.
سأطرح بضع ملاحظات بشيء من الصراحة تتعلق بمستوى رفع الأذان في كثير من المساجد والجوامع، فقد لاحظت كما لاحظ الكثيرون غيري، أن بعض من يبادرون لرفع الأذان لا يصلحون إطلاقاً لرفعه! فالأذان نداء مقدس، ولهذا فإن من الضرورة بمكان أن يكون المؤذن مقتدراً من ناحية سلامة النطق والقراءة السليمة والصوت الحسن ناهيك عن استعداده النفسي لرفع الأذان.
بعض من يرفعون الأذان، سواءً كانوا من أولئك الذي يريدون التفنن في رفعه بالطريقة الإيرانية أو بطريقة أهل الهند وباكستان وبنغلاديش، يرتكبون أخطاءً فادحة في اللفظ وفي طريقة المد غير الصحيحة مما يجعل الآذان تنفر من ذلك الأسلوب بكل صراحة، وبعضهم يعتقد أن الصراخ وإنهاء الكلمة بشيء من التلحين الغريب إنما هو نوع من الإبداع… زد على ذلك، أن هناك من يترك الميكروفون للأطفال ظناً منه أنه يشجعهم دون أن يكلف نفسه عناء الاستماع لهم مرة ومرتين وثلاث على انفراد، ويقدم لهم الملاحظات ويعلمهم قبل أن يسمح لهم برفع الأذان.
حريٌّ بالمؤذنين، ومن بينهم مجموعة رائعة ومتمكنة باقتدار، أن يتقنوا مقاماً من المقامات المشهورة وهي الحجاز، البيات، الصبا، العجم، الرست، السيكا، النهاوند والكرد، فتلك المقامات التي تستخدم لقراءة القرآن الكريم، يؤذن بها أيضاً، ويكفي للمؤذن أن يتقن ولو مقاماً واحداً.
ولأن وزارة العدل والشئون الإسلامية، بادرت بتنظيم دورات تدريبية للخطباء والدعاة، فلا بأس من أن تنظم بين حين وآخر دورات لتدريب المؤذنين، وبخاصة الجدد منهم، ففي تركيا على سبيل المثال، تكررت الشكاوى من أصوات المؤذنين غير العذبة والمزعجة أحياناً في مدينة اسطنبول، لهذا، لجأت السلطات في عدد من المدن هناك إلى إقامة دورات مجانية ودروس خصوصية لتحسين أصوات المؤذنين.
قد يعتقد البعض أن الموضوع لا يرقى إلى مستوى الأهمية! لكن بالنسبة للكثيرين، وأنا منهم، فإن الأذان له قدسية كبيرة ولابد من المحافظة على مكانته وتأثيره العميق في النفوس، وعدم تنفير الناس منه بأصوات وأداء سيء، خصوصاً بالألسن التي لا تتقن العربية إطلاقاً