سعيد محمد سعيد

نزولاً إلى الشباب… صعوداً إلى الحكومة (1)

 

كان مساء يوم أمس الأول الجمعة لطيفاً على رغم حرارة الجو وكثافة الرطوبة في قريتي العزيزة… البلاد القديم، حيث عاشت ليلة من الليالي المميزة في أيام المناسبات الدينية والناس في ذهاب وإياب… هنا، بعض الناس من مختلف مناطق البحرين يستفسرون عن الطريق الذي يقودهم إلى مجلس عزاء المرحوم والد الشيخ حمزة الحواج…

هناك… في المسافة الواقعة بين مأتم الجشي ومسجد السدر، مجموعة من الشباب والصغار يتحركون بابتساماتهم ليقدموا الضيافة للمارة في سياراتهم… نخي خباز.. بسكويت ومختلف الحلويات ومنها «اللقيمات» والعصير البارد… الأنوار الملونة الزاهية تضاعف من بهجة الفرحة فيما تصدح المدائح والأهازيج من مكبر الصوت فيتبادل الناس التهنئة بمناسبة ذكرى المبعث النبوي الشريف.

يقطع الناس مسافة لا تزيد على 300 متر، في المنطقة الواقعة بين مدرسة البلاد القديم الابتدائية للبنات ومسجد جمالة ليتفاجأوا بنحو عشرة من الشباب والصغار أيضاً، ولكن بالنار والحجارة وحاويات القمامة المحترقة وقطع الطوب والطابوق والأخشاب والحديد الملقى على الطريق… يضطرب الشارع فتهرب السيارات يميناً وشمالاً، ويقف البعض مكتوف الأيدي يشاهد ما يجري في قلب القرية المحتفلة على يد مجموعة من الشباب الملثمين، والله يلوم من يلوم ذلك الإنسان (لأنه) وقف مكتوف الأيدي ولم يتكلم أو ينصح الشباب… لأنه إن تكلم، فسيقع فيما لا يحمد عقباه، ولربما وجد نفسه مسجّىً في قسم العناية المركزة بضربة شديدة من يد ملثم مجهول، فمن لأسرته وعياله غير الله سبحانه وتعالى؟ وكفى بالله حسيباً.

يعبر الناس منطقة المشهد الملتهب، لتعود الحياة الطبيعية من جديد بالقرب من مأتم أنصار الحسين «ع»، حيث الناس تتبادل التهاني والتبريكات، وتنشط حركة المضيف بتوزيع المأكولات والحلويات على المارة… بضع أمتار بسيطة، وإذا بك تودع شارع «البلاد القديم» من أمام مدرسة الخميس الابتدائية للبنين ببعض حاويات القمامة المحترقة… وقطع الحديد والطابوق، مخفوراً بالسلامة.

ولو شئت أن تعود من جديد على ذات الطريق، وتصل إلى منطقة (المشهد الملتهب)، ستجد أن الحياة عادت إلى طبيعتها عندما قام الأهالي بمساعدة المارة بإبعاد الطابوق وحاويات القمامة والطوب، بعد أن مضى الملثمون إلى حال سبيلهم، فتشارك الأهالي في إزاحة ما خلفوه من (نضال)!

كل ذلك جرى في أقل من ساعة زمن على مسافة لا تزيد على كيلومتر واحد في قلب القرية… والسؤال هو: ما هو الهدف الذي أراد شباب «المشهد الملتهب» في تلك الليلة تحديداً تحقيقه؟ وهل يمكن أن تكون هذه الممارسة شكلاً من أشكال الاعتراض على الملفات العالقة كالقمع والحرمان من الحقوق والتجنيس واستخدام الشوزن والفساد وانتهاك الحقوق وما إلى ذلك من أمور معروفة مكررة لا يختلف اثنان على رفضها – بل وهناك إجماع على ضرورة وضع الحلول لها – كما لا يختلفان أيضاً على رفض العنف والتخريب وتعريض الممتلكات العامة والخاصة للتدمير وزج الشباب في دوامة خطيرة.

ليس هيناً إطلاقاً مناقشة وضع كهذا، لكن يمكن اعتبار ما تقدم بمثابة تمهيد لسلسلة سنتناول فيها الكثير من المشاهد المؤثرة سلباً على السلم الاجتماعي وما يتوجب فعله… يكون محورها الشباب والحكومة… الحكومة معروفة، لكن الطرف المهم – وهم الشباب – ليس محدداً! فهل هم المطالبون بحراك ومشاركة سياسية؟ أم هم الذين يشاركون في فعاليات المجتمع بقوة وحماس وتحرك سلمي؟ أم الذين يخربون ويحرقون لمجرد الحرق والتخريب – مهما كانت شعاراتهم – كشباب المشهد الملتهب وسط أجواء احتفالية دينية كريمة؟

سيكون مقام الحديث طويلاً..

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سعيد محمد سعيد

إعلامي وكاتب صحفي من مملكة البحرين، مؤلف كتاب “الكويت لاتنحني”
twitter: @smsmedi

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *