لست من الذين يضخمون الأمور تجاه الوضع الأمني في البلد، فينظرون إلى ظاهرة حرق الإطارات وحاويات القمامة على أنها (خطر مزلزل يهدد كيان الأمة)! أو يشيرون بذلك إلى أن الأمن في البحرين غير مستقر ومضطرب إلى الدرجة التي يمكن من خلالها التأثير على مختلف جوانب الحياة بشكل سلبي! إلا أنه من الأهمية بمكان أن تتضافر الجهود للتصدي لحوادث العنف التي ينتج عنها مصابون أو قتلى من أي طرف وهي الأخطر، مع الاعتبار لضرورة النظر في الملفات والقضايا المهمة التي تثير الشارع ومعالجتها ضمن إطار مشترك بين الحكومة والأطراف ذات العلاقة، سواء كانت موالاة أم معارضة.
لكن تبقى تلك الظاهرة من الظواهر السلبية المضرة بأمن المجتمع مهما كان حجمها، وإن اعتاد الناس عليها وأصبحت ضمن قائمة «مشاكل الإجازة الأسبوعية»، ثم هي في الواقع، أي الممارسات المحصورة في التعبير عن المطالب من خلال النار والعنف والتخريب، ليست هي السبيل النضالي المسدد لنيل الحقوق ولربما استفادت منها أطراف تريد إلحاق الضرر بأي حركة مطلبية، أو أي مبادرة بين الدولة والمجتمع لتحقيق تقدم.
قضيتان هما (كرزكان والمعامير)، صدرت أحكام ضد المتهمين فيهما بقتل الشرطي ماجد أصغر علي وشيخ رياض أججتا الوضع بشكل واضح، وأياً كانت ردود الفعل تجاههما، فلا يمكن إغفال الدور الذي يلعبه فريق الدفاع في متابعة القضايا، وكذلك دور الوجهاء والشخصيات المؤثرة بالإضافة إلى ما يتاح لذوي المتهمين وكذلك ذوي الضحايا من حقوق يمكن الاتفاق بشأنها مع الدولة تصل إلى حد التماس العفو من جلالة الملك.
وفي الواقع، لا يمكن اختزال مواقف المواطنين تجاه هاتين القضيتين في مسار واحد، فهناك طرف يدافع عن المتهمين ويطالب بتبرئتهم واعتبار الأحكام ذات عوامل سياسية وهذا حقهم، وهناك أيضاً طرف آخر يرى ضرورة تطبيق القانون على المدانين في قضايا القتل وإنصاف الضحايا وذويهم وهذا حقهم أيضاً، لكن لطالما كانت قضيتنا هي الشباب وحراكهم السياسي، فلابد من التفريق بين الحق في المطالبة وفقاً لما كفله القانون، وبين العبث الفوضوي، فهناك استمرارية للأنشطة المطلبية السلمية القوية من خلال المسيرات والاعتصامات التي رفعت مطالب بإيقاف التجنيس العشوائي ووقف الانتهاكات والتعذيب والقمع والمطالبة بحفظ أملاك الدولة وغيرها، وهي على قانونيتها وسلميتها، أقوى تأثيراً وحضوراً من مجرد حرق إطارات وحاويات قمامة، ولا يمكن الاستعاضة بالدخان كوسيلة للمطالب بدلاً عن المواقف المبدئية القوية في الأنشطة المتاحة، وهذا ما بدا في مسيرة يوم الجمعة الماضي المطالبة بوقف التجنيس السياسي وانتهت دون اندلاع مواجهات.
وستبقى فئة الشباب فئة محورية في الحراك السياسي، وأجد ما طرحه رئيس التحرير منصور الجمري في عموده يوم الأحد 20 يونيو/ حزيران الماضي جديراً بالتأمل من جانب الحكومة والمجتمع المدني، حيث أشار إلى الحاجة مرات ومرات إلى أن نعيد إلى الساحة السياسية الحديث عن ضرورة ترشيد الساحة لتوجيه الطاقات نحو العمل السلمي، والابتعاد عن أعمال العنف، التي تبدأ بحرق إطار وتمر عبر زجاجات المولوتوف ولا تتوقف عند حد. علينا أن نصل برسالة واضحة إلى الجميع بأن العنف لا يمكن أن يكون مفيداً لأحد، وأن ما يتحقق بسبب العنف إنما أمده قصير، ولكن عواقبه كبيرة… هذا إضافة إلى آثار العنف على الناس، وعلى الذين يتعودون عليه، وعلى الضحايا الذين ليس لهم علاقة بالحدث السياسي… وللحديث صلة.