سيكون مهماً تذكير القراء الكرام بما طرحه رئيس تحرير «الوسط» منصور الجمري في عموده المعنون بـ «النزول الى الشباب واجب على الجمعيات المؤثرة» يوم الأحد 20 يونيو/ حزيران الماضي حين كتب ما نصه: «ضحايا العنف هم أولاً الشباب الذين ينخرطون فيه، والمجتمع ثانياً، قبل أن تتضرر أجهزة الدولة… والتاريخ يشير إلى أن العنف نتائجه مدمرة لأنه لا يمكن الحفاظ على الحياة أو تسيير الشأن العام من خلال العنف، كما أن العنف لا يفرق في الأهداف عندما يتحرك على الشارع، ويختلط الصديق بالعدو، ولا تعلم فيما إذا تحقق أي هدف مشروع، لأن الحركة من خلال العنف لها منطق مختلف تماماً عن الحركة من خلال العمل السلمي المدني» (انتهى الاقتباس).
ولا أفشي سراً حينما أقول إن لقاءات ونقاشات كثيرة جمعتني مع بعض الشباب والصغار سواءً في مواقع التحريق من خلف لثامهم، أو من خلال اتصالاتهم بالصحيفة أو عرض وجهة نظرهم في لقاءات منزلية، لكن الشيء المؤسف في الأمر برمته أن بعض الصغار والمراهقين الملثمين يحفظون بضع عبارات أكبر منهم بكثير من قبيل التمييز والتجنيس السياسي والدفاع عن المظلومين… ولربما وجد بعضهم فرصته في الحديث عن (الفساد والتقرير المثير والاعتداءات على الطائفة والقمع والتعذيب) وعناوين أخرى كبيرة حفظوها عن ظهر قلب، دون أن يدركوا مخاطر فعالهم تلك بتدمير مناطقهم السكنية والتسبب في خلافات مع الأهالي وهذا ما حدث في كثير من المناطق، بل هذا ما دفع بعضهم لأن يتركوا هذا الأسلوب الذي وجدوا فيها ضرراً يفوق نفعه بكثير وإن دغدغت مشاعرهم ومسامعهم إشادات البطولة والنضال والتصفيق الكاذب.
على أنه في المقابل، يحتاج الكثير من الشباب الذين لا مناصّ من وجودهم في الساحة السياسية، إلى من يستمع لهم، لكن لن يكون ذلك من قبل الحكومة مباشرة… فلا يجب أن نتوقع أن يجلس ممثلون مع الحكومة مع شباب ملثمين للتفاوض مثلاً؟ لكن ما طرحه رئيس التحرير منصور الجمري بالنسبة لإلقاء اللائمة على الشخصيات والجمعيات السياسة ذات الأثر الكبير في الشارع هو لوم مقبول، فهؤلاء الشباب الذين ينشطون في حرق إطارات وأعمال أخرى هم جيل المستقبل، وإذا لم تستطع أن تصل إليهم الجمعيات المؤثرة اليوم فقد لا تستطيع أن تصل إليهم غداً عندما يصبح مثل هذا النشاط أمراً اعتادوا عليه بشكل روتيني وبصورة تمثل خطراً أكبر، بل ولربما تركوا الدراسة وحرموا أنفسهم من أية فرصة تتوافر أمامهم من أجل الانخراط في مثل هذه النشاطات.
ومع تكرار الرفض التام لكل أعمال العنف والعنف المضاد، فإنه ليس في وسعنا حرمان الشباب من التعبير عن آرائهم والمشاركة في الأنشطة المطلبية السلمية، لكن هناك حاجة لأن تنشئ الحكومة جسوراً مع منظمات المجتمع المدني للتباحث ضمن «شراكة مجتمعية حقيقية»، حول كل القضايا التي تترك آثاراً سلبية مدمرة في المجتمع.
بين يدي، دراسة حديثة حول أسباب غياب مشاركة منظمات المجتمع المدني في صياغة أمن المجتمع البحريني، تشير نتائجها الأولية إلى أنه في السؤال عن كيفية ضمان مشاركة حقيقية لمؤسسات المجتمع المدني في الحفاظ على أمن المجتمع، وهل هي من خلال: تطوير آليات التعاون بين تلك المؤسسات مع وزارة الداخلية، الدفاع، الأمن الوطني، أو من خلال تقديم الدعم المالي السخي لتلك المؤسسات، أو من خلال استحداث أنظمة وإجراءات قانونية تحفظ حقوق تلك المؤسسات في المشاركة، أو من خلال تشكيل مؤسسة غير حكومية مستقلة تعنى بالمشاركة في التنمية، أو كل ما ذكر، اختارت نسبة 47.8 في المئة (كل ما ذكر)، فيما اختارت نسبة 26.1 في المئة تطوير آليات التعاون بين تلك المؤسسات مع وزارة الداخلية، الدفاع، الأمن الوطني، أما بالنسبة لتقديم الدعم المالي السخي لتلك المؤسسات فكانت نسبة من اختار هذه الكيفية 14.1 في المئة، واختار 12.0 في المئة استحداث أنظمة وإجراءات قانونية تحفظ حقوق تلك المؤسسات في المشاركة.
والسؤال هو: «هل في مقدور الحكومة والمجتمع المدني إنشاء جسور حقيقية بينهما تسهم في حفظ أمن المجتمع وتستوعب الشباب وتلبي احتياجاتهم وتطلعاتهم وتفتح المجال للحوار البناء في شأن كل الملفات المهمة؟»… يتبع