محمد الوشيحي

«الدار تشره علينا»

بعدما أدخل البعض الكويت في «كرتون» ووضعها في غرفة المخزن، وانصرف إلى فئته وطائفته، لا أعتقد بأننا نحتاج إلى أغان وطنية كما نحتاجها اليوم، بشرط أن تكون الأغاني أغاني بالفعل. إذ إن بعض الأغاني الوطنية، التي نسمعها هذه الأيام، تسقط الجنين من بطن أمه لشدة سخافتها وسطحيتها، في حين يشعل بعضها الدماء في الرؤوس ويفجر براكين الحماسة في القلوب.
كثيرا ما بحثت، لكن من دون فائدة، عن أغنية «الدار تشره علينا»، التي صاغ كلماتها بحرفنة واقتدار الشاعر الكبير المرحوم مرشد البذالي، وتغنى بها الفنان سليمان الملا. هاكم بعض كلماتها: «حنا فدايا البلد، والدار تشره علينا، وقت اللوازم نبين/ الحين والاّ بعد، محْدن تهقوا وطنا، من ماضيات السنين/ كوبان يا من قعد، ما شفت فعل النشاما، لطامة العايلين/ لعيون ضافي الجعد، لا صوتنّ العذارى، بالصوت يا الطيبين»، (كلمة «كوبان» تقال للتوبيخ، و«ضافي الجعد» تعني طويلة الشعر) . والشاعر هنا يصور الحروب كما كانت تجري في السابق، عندما كانت كل عذراء جميلة ترمي بوشاحها لتكشف عن شعرها، وهو من كبائر الأمور حينذاك، ثم تقوم بنداء الفرسان بأسمائهم، متجاهلة الجبناء، فيتقدم الرجال إلى المعركة وهم سكارى… هذه القصيدة، على الرغم من بساطة مفرداتها إلا أن أنياب كلماتها بارزة بشراسة مرعبة، تفوح منها رائحة التحدي والفخر والاعتزاز والاعتداد… هذه هي الأغاني الوطنية، «والاّ اقعد عند أمك».
تمعنوا في كلمات الكبير مرشد تلك، ثم تمعنوا في كلمات هذه الأغنية بعدما تسدّون أنوفكم لشدة نتانة الرائحة، أجلكم الله، وتجلسون القرفصاء ورؤوسكم المطأطئة بين ركبكم: «العشق يجمعنا، حبنا لها دوم/ مهما ابتعد عنك، لا بد رديت/ كويتي أنا كويتي، الكويت هي بلادي/ الله يحميك، من كل شر يا بلادي/ حنا ترى جنودك، كلنا ترى فداك/ أغلى اسم عندي، اسمك يا الكويت»… يا حرام.
بعض الكلمات «تقطع الخلف»، وبعضها يهز الجبال ويحرك الدماء في رؤوس الرجال. مسكين من لا يؤمن بأهمية الشعر… بالله عليكم لاحظوا معي الانكسار في هذه الأغنية المثيرة للشفقة، لاحظوا كيف يُقتل الشعر ويُسحل في شوارع الضعف والركاكة، لكن لا تنسوا بأنها كلمات وطنية يُفترض أن تثير الحماسة في قلوب ورؤوس الناس: «من عقب حضنك أضمه لا بكيت؟/ من عقب صدرك أضمه يا غلاة؟/ قربي خدك أبوسه يا كويت/ يا حياتي يا بعد كل الحياة/ ببوسك يا الكويت/ حياتي يا الكويت/ يا روحي يا الكويت/ حياتي يا بلادي»… اسم الله عليك يا روح ماما.
بالفعل، ليس كل ما يُغنى شعرا. الشعر هو كما كتب المرحوم الدكتور أحمد العدواني في أغنيته الشهيرة التي لحنها رياض السنباطي وغنتها كوكب الشرق أم كلثوم: «يا دارنا يا دار، يا منبت الأحرار/ يا نجمة للسنا، على جبين المنى، السحر لمّا دنا، غنى لها الأشعار/ يا دارنا يا دار، يا منبت الأحرار».
قنواتنا الفضائية وإذاعاتنا، يرحمنا ويرحمكم الله، انتقوا لنا ما يداوي جراح هذا البلد المصاب بطعنات عديدة في ظهره من أيدي أبنائه، ولتكلّفوا من تثقون بذائقته الشعرية لانتقاء الأغنيات الحماسية، لأن… «الدار تشره علينا».

 

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *