محمد الوشيحي

ما بين المندي والكنافة

هم لا يعلّقون على أي مقالة أكتبها إلا إذا كانت تتحدث عن إيران وأخطارها. عندها يدخلون أفواجا، حاملين معهم «كليشة» ثابتة يتبادلونها فيما بينهم، وكأنها عصا سباق التتابع، فيكتب أولهم في السطر الأول: «ليس دفاعا عن إيران»، وبدءا من السطر الثاني يكتب معلقة عن إيران تجعل أحمدي نجادي يشك في ولائه لدولته، ثم يختمها قبل اتهامي بالطائفية. بعده يتسلم الراية «إيراني هوى» آخر، وهكذا! وعندما انتقد الحركات الدينية السنية يطفئون الإضاءة على ألسنتهم ويلحفونها، ويتحولون إلى «صكتم بكتم»، لا حس ولا خبر… ولا أدري من هو الطائفي في هذا اليوم الأغر من تاريخ أمتنا المجيدة، لكن الذي أعرفه، أن نومهم ويقظتهم في يدي، إذا أردت إيقاظهم كتبت عن إيران ومتطرفي الشيعة، فيأتون شُعثاً غُبراً ليكتبوا تعليقاتهم قبل أن يغسلوا وجوههم، أما إذا أردتهم ينامون كتبت عن أي شيء آخر… جرس المنبه في يدي، أو العصمة في يدي.
وعلى الضفة الأخرى من النهر الأسود، وبعد أن يذكر أحد «علماء» السنة محاسن طبق المندي، بالهناء والشفاء، وقبل أن تتشرف الكنافة بمصافحة معدته الكريمة، يفتي بتكفير كاتب شاء حظه أن يُستفتى فيه تلك اللحظة! هكذا ببساطة، الحياة سهلة يا صديقي، والقتل أسهل… يا عمنا الشيخ، حفظك الله ورعاك، ما هو موقعك في المؤسسة الدينية الذي أهّلك لتكفير كاتب مسلم اختلف معك في فهم الدين؟ لا شيء / إذاً لماذا لم ترد على حجته بحجة، أو ترفع دعوى قضائية في حقه؟ أين الآية الكريمة «وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم»؟ أين وزارة العدل في عالمك الوردي الجميل، بل أين الحكومة بقضها وقضيضها، والدولة بخيلها وجندها؟ في لحظة واحدة، أصبحتَ أنت الوزارة والدولة والشعب والمرور والجسور والمطاعم والأندية؟ هذه من طبائع الشيخ «باناسونيك» الذي يعلن عن جهاز بسبعة استخدامات. لكن «باناسونيك» لا يقتل ويدفن قتلاه بلا كفن… وإن قلنا لهم: هذا تطرف، قالوا: نحن «أمة وسطا».
مصيبتنا ليست مع المشائخ العقلاء، الذين ينظرون إلى الدين كبرج شامخ لا تهزه ريح مقالة من هنا ولا عاصفة كتاب من هناك، فلديهم من الحجج ما يفحم ويلجم. هؤلاء قطعا نجلهم ونحترمهم. مصيبتنا فقط مع وكلاء السماء التكفيريين، الشيعة منهم والسنة، الذين يكفرون بعضهم البعض في الخفاء، وفي العلن يتبادلون الفراشات الملونة، ولا تظهر قوتهم إلا على العزّل. كارثتنا هي وكلاء السماء الذين يعانون من مرض الانطوائية، كل منهم يريد أن يعيش على ظهر كوكب الأرض لوحده، لا وجود لمن يختلف معه، فإن وجد، فلا مانع من قتله… ولو انتهى الاختلاف لبارت سلعتهم.
الزميل عبد الله بن بجاد العتيبي، سعودي مسلم كتب رأيه في مقالة، فكفره شيخ لا مسمى رسمي له في الدولة. وبالتأكيد لم يكن العتيبي أول كاتب يكفرونه ولن يكون آخرهم. هم استمرأوا فعلتهم هذه (التكفير) لأننا قابلناها، ككتاب، بصمت العبيد الذين يمسحون دموعهم خلف الجدران خوفا من أن يراهم أسيادهم يبكون فيزداد غضبهم.
عبد الله بن بجاد، اسمعها من الكويت: نحن معك، فلا يتوقف مداد فكرك، ولا نامت أعين الوكلاء.

 

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *