بعد أن انتهينا من السروال الإسلامي والحجاب الإسلامي وغير ذلك من البدع التجارية جاء من يبشرنا بنجاح علمائنا في «اختراع» مفاصل بشرية إسلامية. ففي مقابلة في «الوطن 3/26» مع طبيب المفاصل هشام عبدالفتاح ورد في صدر الصفحة بالبنط العريض جدا: «.. المفصل الإسلامي» أحدث الطرق للقضاء على الخشونة والالتهابات! وعندما تقرأ المقال لا تجد فيه شيئا من هذا، بل تجد ان العنوان مضلل تماما ومسيء دينيا، وزيادة في السخرية من عقل القارئ ترد في الفقرة الأخيرة من المقال أن المفصل الذي يتحدث عنه صاحبنا هو من صناعة غربية كافرة وأطلقت عليه تسمية «الإسلامي» فقط لأنه «يعيد الحركة للإنسان ويمكنه من أداء الصلاة دون مشاكل»! وكأن المفاصل الصناعية الأخرى تعيق الإنسان من الحركة وتمنعه من أداء الصلاة، وتشجعه على الفجور!
وفي الحلقة الأخيرة من الترجمة الدقيقة لكتاب «مشاهدات الرحالة فريا ستارك» التي قدمها الزميل حمزة عليان (القبس 3/23)، ورد أن أبناء البادية تكفيهم «كلمة الشرف» لشراء البضائع، أو عند إجراء أي تعاملات بيع وشراء. وبالرغم من صحة هذا الكلام، الذي ورد في أكثر من مرجع، فإنه ناتج عن ظروف البيئة الصحراوية ولا علاقة له بالضرورة بالأخلاقيات. ففي ظل غياب الورقة والقلم والشهود، والأهم من ذلك السلطة، المقبولة من الطرفين، التي بإمكانها الاقتصاص من المقصر وردّ الحقوق لأصحابها، عند وقوع خلاف مالي، فإن إعطاء كلمة الشرف هي الوسيلة الوحيدة المتاحة لعقد الصفقات. كما أن الوفاء بالدين، بشكل عام، يكون عادة ناتجا عن الرغبة في الاستمرار في التعامل مع الغير، أكثر منه أمانة أو صدقا في التعامل، وكثيرا ما شاهدنا عند وقوع الأزمات والكوارث المالية أن الجميع على استعداد لسجن صديقه وأخته وأخيه في سبيل المال، وتجارب سوق المناخ العديدة خير دليل، هذا في الكويت التي كان شعبها من دون منازع، وإلى وقت قريب، أكثر الشعوب العربية والإسلامية أمانة، فما بالك بحال البقية!
* * *
أعتقد بأن شخصية «جحا»، الذي تروى الكثير من الطرائف على لسانه، شخصية خيالية على الأرجح، هذا على الرغم من وجود أسر لبنانية وفلسطينية ومصرية، من المسلمين والمسيحيين، تحمل الاسم نفسه. ويقال إن جحا هو الاسم الحركي لأبو الغصين الفزاري، الذي عاش أيام الأمويين، أو أنه الملا نور الدين الذي عاش في زمن الصفويين في إيران، أو هو الشيخ نصر الله خوجه الذي عاش زمن العثمانيين. وكما جحا هناك أيضا أشعب وشخصية أبو العبد البيروتي الذي تروى الكثير من النكت «الجنسية» على لسانه!
ويروى أن جحا اصطحب يوما ابنه للسوق واشترى حمارا، وفي الطريق سمع الناس يسخرون من قسوة قلبه لتركه ابنه الصبي يمشي إلى جواره. فترجل عن الحمار وطلب من ابنه امتطاءه، وهنا صادف جمعا آخر فسمعهم يصفون ابنه بقلة الأدب لسماحه لنفسه بركوب الحمار وترك أبيه الكهل يمشي! وهنا قام جحا بمشاركة ابنه في امتطاء الحمار ومر بجمع فسمعهم يشتكون من قسوة قلبه ويشفقون على الحمار من ثقل ما حمل، فترجل وابنه عنه وسارا بجانبه، فسمع جماعة اخرى تسخر من منظره وابنه وهما يسيران بجانب حمار اشترياه أصلا للركوب لا السير معه، فلم يجد جحا بداً من قيامه وابنه بحمل الحمار على رأسيهما، فحملاه وسارا به، فضحك الناس من غباء الاثنين. وهنا نظر جحا لابنه وقال له: انك لا تستطيع أن ترضي الناس جميعا. وهكذا حالنا، وحال غيرنا، مع التعليقات على مقالاتنا التي ترد موقع «القبس» على الإنترنت.
أحمد الصراف