محمد الوشيحي

دستور يا أسيادنا


آخ بس لو شاهدت أحداً من جماعة مراسلون بلا حدود» لكنت عاجلته بطراق، وأردفت الطراق بكوعٍ على رأس معدته، قبل أن أسأله: «على أي أساس وضعت الكويت، زوراً وكذباناً، في صدارة الحريات الصحافية على الوطن العربي؟ أين أنت من صحافة مصر يا ابن التي لا تنام في بيتها؟ هل قرأت ما تنشره صحف المعارضة هناك من أخبار وتحقيقات، وما يكتبه كتّابها، وقارنته مع ما يُنشر هنا؟ هل قارنت نسبة المعارضين إلى الحكوميين هناك بنسبة المعارضين إلى الحكوميين هنا؟

نحن هنا يا سيدي الفاضل، يا ابن المذكورة أعلاه، يكتب الواحد منا وعينه على الورقة والقلم، وعينه الأخرى على الباب والشباك، لذا، قد تقرأ مقالة أحدنا عن سعر الشعير «وفي فجأة» تنحرف مقالته إلى بر الوالدين! «فلا تلمهُ ولا تعتب فتهجرهُ».

وكنت قد تلقيت اتصالا قبل نحو سنة: «ألو، الوشيحي، أنا فلان من الصحيفة الخليجية الفلانية، وفكّرنا بالتحدث معك عن الكتابة في صحيفتنا بشرط ألا تحرجنا مع حكومة الكويت الشقيقة، أمامك الشأن العربي والدولي بشكل عام، حلّق فيهما كما تشاء»، فأجبته: «تشرفت، لكنني سمكة لا تجيد العوم إلا في بحرها، وبحري هو الشأن المحلي، فأنا لا أفتي إلا فيما أفقه، وبما أنك متابع لمقالاتي كما تقول فستعرف أنني لا أكتب حتى عن الرياضة الكويتية ولا عن الاقتصاد الكويتي، وإذا غامرت وكتبت في أحد هذين الهلاكين، فستجد كتاباتي كبطانية الطائرة، إن سحبتها على صدرك تعرّت ساقاك، وإن غطيت بها ساقيك تعرّى صدرك. على أنني لو كتبت عن شأننا المحلي فسأمرّ في طريقي على شأنكم المحلي، وشأننا كما تعلم يبزّ شأنكم، وبعيرنا يبز بعيركم، وقد أحرجكم مع حكومتكم الشقيقة، وستشتعل الحرائق، شقيقة بشقيقة والبادئ أظلم. لذلك ومن أجل ذلك، أرى أن (البيعة) فاسدة».

وقبل أيام، اقترح علي أحد الأصدقاء المصريين الكتابة في إحدى الصحف المصرية، فقفزت فرحاً وهلعاً، وأجبته: «موافق عمياني»، فإذا به يهاتفني ليخبرني بأن رئيس تحرير صحيفة «الدستور»، الصحيفة الأشرس في صحف المعارضة المصرية، الزميل إبراهيم عيسى، يتابع الشأن الكويتي، وينتظرنا في مكتبه… وأثناء الاجتماع، راح الزميل إبراهيم عيسى يسألني عن الصحافة الكويتية، وعن الصحف التي تم إغلاقها، وأسباب ذلك، والحريات الصحافية في الكويت، ووو، واتفقنا على نشر مقالة واحدة كل يوم جمعة في جريدة «الدستور». وكانت مقالتي المنشورة هناك يوم الجمعة الماضية، أمس الأول، هي الغرسة الأولى التي سأتعهدها بالماء والشمس والسماد الحسن.

وإبراهيم عيسى مغامر، متمرد، صلّى صلاة مودّع، وهو لشدة مغامرته، اصطحب معه منذ بداية ترؤسه تحرير الدستور مجموعة من الشبان الموهوبين المتمردين، وراهن عليهم، فقرأ الناس أسماءهم للمرة الأولى في جريدته، إبراهيم منصور، شادي عيسى، بلال فضل، ذو السبع صنايع، وكسّاب، وآخرون نعلمهم والله يعلمهم، قطع بهم ومعهم الرحلة الطويلة بنجاح، وقدّموا للقراء صحافة فتيّة عفيّة شقيّة يسرح التيس على زندها ويمرح.

وكي تكتب في صحيفة مصرية بحجم الدستور، وبين عمالقة القلم، يجب أن تتصادق أولاً مع الريح والعاصفة وشمس الصيف، كي يسمك جلدك، وها أنذا أبعث بالهدايا إلى العاصفة وشقيقتيها… وتهادوا تحابّوا… ودستور يا أسيادنا.

***

إلى الشامخ الذي توقف قلبه المتعب أمس بعد أن سطر تاريخاً يعجز أبناء النساء أن يسطروا حتى ربعه، النائب الوطني الشهم محمد الرشيد: «رحمة الله عليك يا كبير، وعزاؤنا للكويت ولابنك وخليفتك الدكتور أنس محمد الرشيد، ولابن أختك الزميل صالح الشايجي، ولعائلتك، وللكويتيين، ولمحبي الكويت وعظمائها». 

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *