محمد الوشيحي

البلكونة… على البحر

سبحانه يخلق من الشبه أربعين. ففي مصر تحمّس أحد نواب الحزب الوطني الحاكم، واسمه نشأت القصاص، وارتدى ملابس "القصّاب"، وطالب الشرطة بقمع المتظاهرين بالنار وبئس المصير، فثارت ثائرة الناس، فقرر حزبه معاقبته بـ"توجيه اللوم إليه"، بلا شفقة، أو شفكة، كما تنطقها المذيعات بنات الذوات واللوات.

وقد شاهدته وهو يتحدث في برنامج تلفزيوني، فهاتفت نفسي، بعد أن تفقدت نظارتي الشمسية وموبايلي وساعة يدي: "الحمد الله أن نشأت بيه اكتفى بالمطالبة بإطلاق النار، ولم يقرر حرقهم واستخراج الصابون من جلودهم".

وفي الكويت، انتقد معالي رئيس البرلمان جاسم الخرافي لجوء النواب إلى إقامة الندوات في الشارع. ومن يلومه، حفظه الله، فهو في عين الحكومة مليح، وكل ما "يطلب" المليحُ مليحُ، لذا فهو لا يحتاج إلى الشارع هذا ولا الشارع اللي بعده، ولا يعلم أن الناس خرجوا إلى الشارع كي لا يناموا في الشارع بعد إقرار قانون الخصخصة الذي سيُقر اليوم، ويصبحوا "شوارعية" فعلاً، كما قال معاليه.

معالي جاسم الخرافي، تطل بلكونته على البحر، لا الشارع، لذا لا يعلم أن الشارع هو الذي أعاد الدستور بعد أن طارت الرياح بأوراقه، وكان هو من ضمن الريح، والشارع هو الذي غيّر الدوائر الانتخابية، وهو الذي انتخب النواب، وهو الذي يجب أن يخدمه معاليه فيرصفه ويتفقد متانته.

معالي جاسم ، لم يقدم إلا مقترحاً واحداً طيلة حياته البرلمانية الممتدة منذ عام 75 إلى اليوم، ولم ينزل من كرسي الرئاسة يوماً إلى داخل القاعة، بين النواب والوزراء والناس العاديين، ولا ينقصه إلا أن يقف خلفه عَبْدان عاريان برمحيهما.

ومعالي جاسم يلعب في الجناح الأيمن لفريق النجاح الكويتي العظيم، في حين يلعب وكيل المراجع الشيعية محمد باقر المهري – ذو الفاكس الذي لا يعطل – جناحاً أيسر. فلله دره من فريق.

وفي منطقة "أم الهيمان" المنكوبة بيئياً، يتهامس المتهامسون أن المصانع المخالفة تعمّدت تلويث البيئة بقصد التخفيف من زحمة السكان. وبعد أن أعلن الطاحوس موعد استجوابه صرحت الحكومة: "في ظل اهتمام الحكومة بالبيئة، ومكافحة التلوث، قررت غلق المصانع المخالفة في الفترات المسائية"، على اعتبار أن الناس سيكونون صباحاً في أماكن العمل، ولن يبقى في البيوت إلا الأطفال الرضع والمسنّات الركّع، ولا يتجاوز عدد هؤلاء أربعةَ آلاف نفر شوارعي، وقلعتهم.

ولو تدخّل سفراء الدول الأوروبية واليابان وأميركا في القضية، واطّلعوا على الأوضاع البيئية في أم الهيمان، لغضبوا ولراسلوا دولهم ولارتفعت الاحتجاجات العالمية إلى عنان السماء، عندئذ ستصدر الحكومة بيانها: "في ظل اهتمام الحكومة بالبيئة قررت نقل المصانع الملوثة وتوقيع العقوبات على أصحابها". فيا مهندس أحمد الشريع ويا جيرانه المتابعين للملف، لا تتكئوا على البرلمان، فغالبية نوابه "عقلاء"، بعيد عنكم، واركبوا سياراتكم حالاً وخذوا لكم لفّة على سفارات الدول المهتمة بالبيئة، بدءاً من سفارتي اليابان وألمانيا. وعليّ النعمة ستنتهي مشكلتكم وكأنها لم تكن.

واللهم احمِ معالي جاسم الخرافي واحمِ فاكس المهري.

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *