محمد الوشيحي

خصخصة جدي 
بريمان

كان الله في عونكم، سأكتب عن الاقتصاد والتجار، ومن لا يرغب في القراءة فليصم أذنيه، وأنا أولكم. ولغير الكويتيين أقول إن البرلمان والحكومة بصدد إقرار قانون خصخصة، وهو شبيه بمعاهدة «سايكس بيكو». خذ أنت هذا، وأنت خذ ذاك. والفرق بين قانون الخصخصة الكويتي الذي صاغته اللجنة المالية في البرلمان ومعاهدة سايكس بيكو هو لون شعر المجتمعين وسحناتهم. وكان جدي لأمي، رحمه الله، محمد الوشيحي، وكنيته بريمان، قاطع طريق من الطراز الفاخر، وهو أول من طبّق قانون الخصخصة ببندقيته العصملّية، وكان يحسم خصخصته من المداولة الأولى مباشرة، فلم يكن يملك الوقت لمناقشة التعديلات. وعندما مات لم يصدق أحد معارفه: «غير صحيح، لو أنه مات ودُفن فعلاً لهرب الموتى من مقابرهم عراة، بعد أن شلّحهم أكفانهم».

والقانون يحضر ويرفض تكليف التجار صياغة قوانين تجارية، كي لا يتم تفصيلها على مقاساتهم. ولجنتنا المالية تحت سيطرة التجار، وملعون أبو القانون. على أن النائب خالد السلطان حلّق بعيداً، فاقترح أن تبيع الحكومة مشاريعها ومرافقها للتجار، وأن تدفع هي المال كي تساعد التجار في شراء سلعتها. أي والله. يعني يشترون الحكومة بفلوس الحكومة. يعني الحكومة هي التي شسمه وهي المسؤولة عن الماجلة، كما يقول المثل الصايع.

وبعض تجارنا يتعاملون مع الدولة كما يتعامل الطفل الدلوع مع أمه، لا هو يكف عن مطالبه ولا هي تكف عن تحقيق رغباته. وكنت قد تساءلت في الأزمنة السحيقة في برنامج تلفزيوني «هل الكويت دولة مؤقتة؟»، فناحت على رأسي النائحات وصاحت الصائحات، وهاتفني من تباكى على الهواء مباشرة فأبكاني. وبقراءة قانون الخصخصة الحالي ألغيت علامة الاستفهام، وخصوصاً أن جميع التسهيلات متاحة للتجار ومن دون ضرائب. وسأدفع عمري لمن يطلعني على التحويلات المالية التي يكدسها بعض التجار في الخارج، كي يتكئوا عليها إذا اهتزّت الكويت أو هوت في الجب.

ولتجارنا خصوصيتهم، ففوائد قروض البنوك في الكويت هي الأعلى أو تحت الأعلى مباشرة، وأسعار المكالمات والاتصالات والسلع هي الأفحش، وعقود المشاريع هي الأكثر كلفة والأسوأ تنفيذاً، وأسعار السيارات هي الأغلى في المنطقة، وكنت قبل سنتين أبحث عن سيارة أشتريها، أجدد بها شبابي، وأزيل بها الغبار عن وجهي، فراقت لي واحدة، فصعقني غلاء مهرها، ستة عشر ألف دينار إلا ديناراً واحداً، فأضربت عن الشراء، وارتضيت العزوبية مكرهاً، فاقترح عليّ صديق أن أبحث عن مثيلاتها في الخليج، ففعلت، وذهلت عندما علمت أن سعر شقيقتها التوأم في السعودية اثنا عشر ألفاً وثلاثمئة دينار. فاشتريتها من السعودية. وها هي تسمع صوتي.

ويحدثني مدير أحد المطاعم فيقول: «تكلفة كأس الكوبتشينو على المطعم، شاملة كل شيء من إيجار محل ورواتب ووو، هي ستة فلوس، أكرر ستة فلوس، ونبيع الكأس للزبون بسبعمئة وخمسين فلساً»، ولكم أن تحسبوا نسبة الأرباح، وأن تتذكروا عدم وجود ضرائب.

هؤلاء هم من سيحكمكم غداً، وسيتحكّم بكم، فأبشروا واستبشروا، وفتّكم بعافية. 

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *