محمد الوشيحي

بيج مقلّمة

كمال أتاتورك – أحد الرجال الذين يستحقون كلمة «والنعم» قبل أن يتم توزيع هذه الكلمة بالمجان على بوابات الأسواق المركزية – تولى رئاسة تركيا وهي مهزومة ومفتتة ومنكسرة تتناهشها الذئاب والأسود والنمور والضباع، فأعلن موعداً لإلقاء كلمته، فاحتشد الناس، فوقف وقال كلاما أبكى الجبال والسحب، وبدأ حديثه بصرخة من أقصى حباله الصوتية: «رددوا خلفي: انهضي… تركيا»، فرددوا. وقال محافظ اسطنبول، أو رئيس بلديتها (لا أتذكر) في كتابه: «كانت خطبته مسائية، وكانت ليلة مهيبة، كنا نردد خلفه ببكاء: انهضي تركيا، كنا نسمع صدى أصواتنا في السماء، كانت الأرض تهتز وكانت الجبال تبادلنا الصوت بصدى، كانت تلك اللحظة بداية تركيا الحديثة، تركيا القوية، الواثقة، المدنية، العادلة، كانت صرخاته وصرخاتنا تعلن بداية نهوض تركيا العظيمة لتعود كما كانت وأفضل».

وبالفعل، انتصرت تركيا في عهد أتاتورك في جميع حروبها واستردت أراضيها المسلوبة، بعدما انتصر الانسان التركي من الداخل على هزائمه النفسية، وبعدما شاهد الناس العرق على جبين قدوتهم أتاتورك. وفي الكتاب ذاته يستغرب المحافظ (أو رئيس البلدية) من نشاط أتاتورك الخيالي: «ساورني الشك أنا ونظرائي في أن أتاتورك ليس شخصا واحدا، كان يتنقل بسرعة بين المدن ليتفقدها، وكان يكرر: قدموا إلى تركيا والأتراك كل ما تستطيعون»، ويشدد على أن «تركيا تتسع لجميع الأديان والطوائف، فتعبدوا كما تشتهون، ويا ويل من يتجاوز على الآخرين»، ونفذ وعيده، فغادرت الطائفية تركيا إلى غير رجعة، ويضيف الكاتب: «قال لنا، سأغفر الأخطاء غير المتعمدة لكنني سأقسو بشدة على الكسالى»، وكان يكرر: «القائد يتحمل المسؤولية لا مستشاروه، فإذا صلح القائد انتقى خيرة المستشارين، لا يحق للقائد إلقاء المسؤولية على مستشاريه»… ونهضت تركيا من الداخل والخارج، وطاولت رقاب الأتراك النجوم. ثم مات أتاتورك، فبكى المتدينون عليه قبل العلمانيين.

الشعوب تتذكر عظماءها من أمثال اتاتورك، بل وتتذكره الشعوب الأخرى. وفي مكتب أتاتورك في أنقرة، سألني «بو عنتر»، ولي عهدي سلمان ذو الستة أعوام: «هذا اللي صورته عندنا بالبيت؟»، فأجبته: نعم، هذا أتاتورك العظيم.

وفي الكويت «يهيمن مجلس الوزراء على مصالح الدولة»، كما ينص الدستور، ومجلس الوزراء يرأسه الشيخ ناصر المحمد، وهو قيادي حازم، في عهده أضحت الدولة كما الزبدة تحت شمس آب، فانكسرت الكويت بعدما انكسرت نفسيات الكويتيين من الداخل، وانتشرت «القوارض» الطائفية والعائلية والقبلية والاقتصادية والفئوية، وارتدت «القوارض» بشوتا، وبكينا دما على ديرة كانت هي الأجمل في السهرة، وكان فستانها الأشيك، وإطلالتها الأميز، فانتُهك كل ما فيها كي لا يصعد ناصر المحمد المنصة، وتحملت، ولم يُشترَ لها فستان واحد يسترها أمام الضيوف، وتحملت، وجاعت رغم غناها، وشحب وجهها، وبانت على خديها آثار دموع القهر.

آخ كم بكينا البارحة على فحوى الرسائل المتبادلة بين الرئيس والنائب محمد هايف. آخ يا بلد. وأخشى أن نقرأ غدا: «سأستجوب الرئيس إذا لم يلبس فانيلة بيج مقلّمة».

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *