قمت وصديق بالتباحث مع جهة فنية في بلد عربي لتكليفها بإنجاز مشروع ما مقابل أتعاب محددة. وعند الانتهاء من التفاصيل وبعد تحضير الاتفاقية للتوقيع النهائي، وبعد مراجعة محامي الطرفين لكل بنودها، اكتشفت وصديقي أن أحد بنودها ينص على أن يتحمل الطرف الاول -اي نحن- كل الرسوم والبراطيل والرشاوى التي يقوم الطرف الثاني بدفعها لمختلف الأطراف الأخرى المعنية بإنهاء إجراءات المشروع الإدارية! وهنا نظرت وصديقي بعضنا لبعض بدهشة ورفضنا التوقيع على العقد، لأنه كفيل بـ«خراب بيوتنا»، فنحن هنا مطلوب منا توقيع اتفاقية تحتاج إلى حمل طابع رسمي لتصبح قانونية، والموافقة على بنودها بذلك البند الغريب يشكل صك إدانة واضحا بحقنا، متى ما أرادت أي جهة الإضرار بنا! وهنا ضحك الطرف الأول بصوت عال وطمأننا بأن الموضوع «عادي وشرعي» ومنسجم مع «أصول التعامل في بلده». وهنا قام وأحضر ملفاً يتضمن عقوداً مماثلة لعقدنا وتحمل تواقيع أكبر القوم وأكثرهم دسماً، كدليل على ان الأمر عادي وليس فيه ما يريب!
لا أريد الاستطراد أكثر لحساسية الموضوع لجهة ما، ولكن ما أريد قوله إن الأمور في الكويت في طريقها لأن تصبح شيئاً يماثل وضع تلك الدولة، الذي لا يختلف كثيراً عن أوضاع بقية دولنا العربية والإسلامية المباركة، وسبب شكوكي اننا ونحن في الطريق، وردتني مكالمة من أحد مديري مصلحة تجارية كانت تخصني، وتخليت عنها، مع بقية المصالح الأخرى قبل فترة بسيطة، لرغبتي في التفرغ للكتابة، اتصل ليبلغني بأنه يواجه مشكلة مع إحدى الشركات الحكومية الكبرى، وانني سبق أن تدخلت قبل سنوات وحللت ما يماثلها مع شركة أخرى! وتتلخص المشكلة في أن حارس بوابة الشركة الحكومية التي تقوم المصلحة بتزويدها بالبضائع يرفض السماح لمركبات صاحبنا بتجاوز البوابة قبل دفع «المقسوم» أو الرشوة، وبخلاف ذلك، فإن على عمالها نقل البضائع على أكتافهم لمسافة طويلة إلى داخل المخازن! وكيف انه قام بالاتصال بمسؤول أمن تلك الشركة للشكوى على الحارس، فلم يلق تجاوباً، بل وجد تشجيعاً بضرورة تطييب خاطر الحارس وإعطائه ما يريد لأنه، حسب قوله، إنسان فقير ومؤمن!
من الواضح هنا ان هذا الحارس، بحكم تواضع عمله، لا يمكن أن يتجرأ على مثل هذا التصرف والمخاطرة في طلب رشوة لو لم يكن مطمئناً لوضعه، وبأنه لن يُطرد إن كشفت ألاعيبه، ولابد أنه مسنود أو رأى ما يماثل تصرفه ممن يرأسه الذي شاهد الأمر ذلك مع من هو أعلى منه، وهكذا حتى نصل إلى رأس الشركة!
نعود ونكرر.. إننا بحاجة إلى الأخلاق أكثر من حاجتنا إلى مظاهر التدين، وخاصة الكاذبة منها، فمن الصعوبة بمكان العيش في مجتمع بلا أخلاق، ولكن من السهل العيش في مجتمع بلا تدين! وأمامنا مثالان، دولنا الحبيبة والطيبة من جهة ومجموعة الدول الاسكندنافية.. من جهة أخرى!
أحمد الصراف