أخبرني صديق بقصة وجيه طلب منه بعض المواطنين في منتصف القرن الماضي، تدخله لعزل المسؤول عن بيع المياه العذبة للمستهلكين لأن ذمته أصبحت كبيرة وسرقاته أصبحت معروفة، وقال إن الوجيه هز رأسه، وقال بعد صمت: هذا سرق وشبع الآن، وإن عزلناه وعيّنّا آخر مكانه، فما الذي يضمن ألا يبدأ بالسرقة؟ وقال الصديق ان هذه حال الكويت، وهكذا كان وضعنا وعلى هذا المنوال نسير، وبالتالي ما تبذلونه، ككتّاب ومصلحين وسياسيين، من جهد لا يمكن أن يقضي على الفساد بل يساهم فقط في إبطاء تسارعه وليس القضاء عليه، وان ما يسري على الكويت يسري على أي مجتمع، بلا استثناء، منذ عصر الفراعنة وممالك قورش وقوانين حمورابي حتى عهد باراك حسين أوباما، بكل ما يمثله من نظافة يده.. اليمنى!
ملابسات وتبعات سؤال النائب السعدون وجواب الوزير الشيخ أحمد العبدالله الصباح لا تخرج عن مسألة كبرى يمكن اختصارها بكلمة واحدة وهي «الفساد»! فالحرب على كيكة التنمية بدأت مبكرا، ومبلغ العشرين مليارا، أكرر 20 مليارا، المخصص للمشاريع النفطية، من أصل ميزانية التنمية البالغة 37 مليار دينار، ليس بالمبلغ السهل الهين ليترك لزيد وعبيد ليلتهماه، فهناك من هم أكثر «أحقية» به! علما بأن الجرأة في الهبش والاستحواذ بلغت مستويات عالية جدا، فلا أحد يعرف اليوم أين ذهبت مئات الملايين التي صرفت على طوارئ الكهرباء عام 2008، ولا الخمسة والعشرون مليون دينار (بس) التي صرفتها وزارة الإعلام على تغيير أنظمة إرسال واستقبال لم تتغير، ولا ضعف ذلك المبلغ الذي صرف على برامج تدريب نفطية لم تتم أصلا، وهو مبلغ كاف لتأسيس 5 جامعات متخصصة وليس تدريب بضع مئات من الموظفين؟
جميل أن يحاول النائب الفاضل السعدون كشف بؤر الفساد في الجهاز الحكومي من خلال أسئلته الجديدة، وفضح عقود كبار الموظفين مع الجهات الخاضعة لهم، ولكن أين كان، وهو النائب المحنك، طوال 30 عاما من هذا النوع من الأسئلة؟ وحتى لو خلصت نيته ومن معه من تكتله، وليس لدينا ما ينفي ذلك، فهل بإمكانهم منفردين فعل شيء دون مساندة بقية أعضاء المجلس؟ وما الجواب الذي سيحصل عليه السيد السعدون لو وجه سؤالا لكل زميل له في المجلس عن تفاصيل ومبالغ العقود التي تحت أيديهم مع الجهات التي يفترض بهم مراقبتها؟ وما الذي سيسمعه السيد السعدون لو سأل كل زميل عن عدد الشركات أو الجهات التي يوجد اسمه على قوائم مدفوعاتها الشهرية أو السنوية؟
وهنا نقتدي بشهرزاد ونسكت عن الكلام المباح وغير المباح، فنحن، إن خلصت نوايانا، فإن عددنا لا يزيد على عشرة، أما هم فبعشرات الآلاف!
أحمد الصراف