محمد الوشيحي

حاخامنا

نحن واليهود «الحال من بعضه والجيب واحد»، وأتذكر مقالة كتبتها بعنوان «مشايخ آل كابوني»، استنكرتُ فيها طريقة تفكير بعض جهّال الدعاة الذين تحوّلوا إلى قناصة، يختبئون فوق السطوح في انتظار مرور يهودي أو بوذي أو مسيحي، بل إنهم قصفوا أوروبا وأميركا واليابان وبقية سكان الكوكب من غير المسلمين في عقر ديارهم بما لذ وطاب من الأمراض والزلازل والبراكين والشلل ووو، والحمد لله أن الحيوانات والنباتات سلمت منهم: «اللهم زلزل الأرض من تحت أقدامهم» ليش يا شباب؟ لأنهم أعداء الله (على اعتبار أننا أحبابه)، «اللهم دمر بلدانهم واجعل عاليها سافلها»، «اللهم سكّن ما تحرك منهم وحرّك ما سكن»، والجملة الأخيرة تعني أن يصيب العدو مرضٌ يجعل كل عضو ساكن من أعضائه يتحرك، كالأنف مثلاً، فيقف العدو أمامك وأنفه يرفرف، وأذنه تدور، في حين تثبت الأعضاء المتحركة وتسكن. وأتحدى أكبر «كونسولتو طبي» أن يعالج مرضاً كهذا.

وأتذكر أنني تلقيت رسالة مؤدبة، بعد كتابة المقالة، من عمي الكاتب السوداني الجميل «جعفر عباس»، الذي لا أدري كيف يجد وقتاً لشرب الماء، دع عنك التنزّه مع الأسرة أو مشاهدة التلفزيون، إذ إنه، ما شاء الله، يكتب في خمس صحف أو ست، إضافة إلى منصبه الذي يشغله في قناة الجزيرة كمدير لإدارة الجودة… أقول راسلني يستأذن في نشر مقالتي في عموده الصحافي، فأجبته فوراً: «الفضل لك لا لي». وأزعم أن مقالتي تلك هي أكثر مقالاتي انتشاراً، أو فلنقل «من أكثر مقالاتي انتشاراً»، في المنتديات العربية والصحف والمدونات، فقد نشرها كاتبان في أعمدتهما الصحافية، والعهدة على ذاكرتي…

المهم، كتبت المقالة من هنا، وعينك ما تشوف إلا النور من هنا، كتبت: «لماذا لا يدعو الدعاة بأن يهتم المسلمون بالمختبرات والبحوث؟»، فجاءتني الردود: «عليك لعنة الله، وهل دعا بذلك محمد بن عبدالله الهاشمي (صلى الله عليه وسلم)، أو أحد من صحابته، وهل كان في وقتهم مختبرات وإدارات بحوث، لعنة الله عليك يا مبتدع؟!»، وكتبت: «لماذا لا يدعو الدعاة بأن يساهم أطباؤنا في اكتشاف أدوية للأمراض المستعصية؟»، فجاء الرد: «يا عدو الله، ألا تعلم أن العسل وحبة البركة والرقية الشرعية فيها كل الشفاء، ولا حاجة إلى مختبراتك ومختبرات أعمامك اليهود، شلت يمينك»، فبيّنت لهم: «حتى لو شُلّت يميني، سأكتب باليسرى على الكمبيوتر، لا فرق، ادعوا على الكمبيوتر (شُل كيبوردك)»، وكتبوا وكتبت وكتبوا وكتبت، وكانت كتاباتهم تبدأ باللعن، وتنتهي بالدعاء الأسود.

وهذه الأيام خرج إلينا في الفضائيات دعاة ما أجملهم على القلب، منهم الشاب السعودي الرائع أحمد الشقيري، الذي كتب عنه الزميل الهادئ العميق الجميل «حمد نايف العنزي» في هذه الجريدة يمتدحه… الشقيري استنكر مثل هذا الدعاء على غير المسلمين، ووضع اقتراحات أخرى للدعاء أجمل من دعاء القصف والدمار الشامل. كذلك فعل الشيخ سلمان العودة، والدكتور طارق السويدان الذي أعتذر إليه عن ظلمي إياه، إذ حسبته من هذه النوعية من الدعاة الأفاقين (حقك عليّ يا دكتور فقد أخطأت في حقك).

وليت دعاتنا يغيّرون دعاءهم ليصبح: «اللهم علّم الشعب كيف يتظاهر ضد الفساد والمفسدين تظاهراً سلمياً، اللهم سكّن يد النائب المرتشي وهي قابضة على الفلوس وحرّك لسانه للخارج والداخل وهزهز أكتافه كي يتجمهر عليه الصحافيون بكاميراتهم فيفضحوه، اللهم أعد كرسي رئاسة «برلمان الشعب» إلى الشعب، اللهم وافضح أهداف الضباع والثعالب، وهكذا»، فيدعو كل شيخ ما يهم مواطني بلده.

وكما ذكرت في البداية، نحن واليهود «الحال من بعضه والجيب واحد»، إذ خرج قبل أيام حاخام أهبل – يبدو أن جذوره عربية – يدعو على زعماء العرب بالطاعون. 

حسن العيسى

مع يعقوب شاهين الغانم وبرده يأتي نسناس

يطبع المكان صورته في وجدان الفنان المبدع، ثم تتحدث اللوحة عن ذلك المكان بلحظة وجوده وتحفظه خالداً من التلاشي في الزمن المطلق، ولا يبقى غير ذكرى الماضي. ونقل إلينا الفنان الكبير أيوب حسين- شفاه الله- ذلك الماضي بفرشاة الرسم المعبرة عن حياة الأمس, وترك لنا إرثاً رائعاً لهوية غابت وطمست اليوم في طيات حداثة وتفاهة السلعة في أكوان الاستهلاك والغرق بمادية النهم الاستهلاكي، أما السيد غانم يوسف شاهين الغانم فقد وضع القلم مكان فرشاة أيوب العملاق، وبسط لنا لوحات مخطوطة بخمسة كتب خطها من وحي ذاكرته، وتخبرنا عن أيام الجمال والقبح، وأيام بهجة البسطاء وليالي الشقاء، تذكرنا بالجميل والتراحم والقبيح الكريه حين يتشكل ببؤس الفقر والمعاناة.
بزغ قبل أيام نجم سهيل، وفي سهيل يقول الشاعر "… يا سهيل الجنوبي برده يأتي نسناس…"، ويكتب غانم "… ومن المناظر التي رأيتها أن المواطن يقضي تقريباً جزءاً من يومه منقع جسمه بالبحر وأما المرأة بغرفة الجليب وهي تلطف جسمها بالماء البارد يستخرج كأنه مثلج…" ويضيف غانم الشاهين "ومن الأشياء الواجب ذكرها أن الحمارة والجصاصة حميرهم تتعب بالصيف فيكون عملهم أكثر الأحيان بالليل أو أذان الفجر. ومن جراء ذلك ترتفع أسعار حطب البادية من عرفج وحمض… أما الذين يصيفوا بالخارج فإني أتذكر منهم الشيخ فهد السالم ومحمد العتيبي وزيد السرحان وهؤلاء وجهتهم لبنان وسوريا". ولنترك الصيف ونرى كيف يصف لنا السيد غانم حياة البؤس في مهن لم تكن تعيب الفرد كما يحدث بثقافة اليوم النفطية وإنما تشرفه فيقول "… من المهن التي عاصرتها أنني رأيت كيف كان المواطن يطرق البوادي بهذا البر الشاسع واضعاً على كتفه شوال (خيشة) وهو يرتحل على رجله خارج من بوابة الشامية أو نايف ووجهته البادية، وهو يتقصى خطوات الجمال الذاهبة والايبة… فعندما يتبعها يعرف بأنها وصلت آبار كيفان لترتوي ويقف بقربها ويضع (الشوال) على جنب وينتظر الجمال بعد ارتوائها وقد اخذت تلقي فضلاتها من بطنها فينتظرها حتى تجف من الشمس ثم يأخذ الجلة ويضعها بداخل الشوال…" لتباع بوسط الصفاة بالمغرفة (المغراف) التي تسع من كوب شاي اربع مرات. كان يباع هذا الكوب ما بين بيزة او بيزتين…" وتستعمل تلك الفضلات كوقود للطبخ.
ويمضي بنا غانم واصفاً الديرة حين تهجم عليها أسراب الجراد "… فما يأتي صباح باكر فإذا بالطبيعة تغيرت وأظلمت البادية والمدينة وغابت الشمس وتحول النهار كأنه ليل دامس. وما تمر ساعة أو ساعتين وإذا بهذا الظلام أسراب ملايين الجراد وقد حل بالمدينة وقراها وأكل الأخضر واليابس… وحلت بالمدينة وقراها كارثة. ومن كثرته امتلأ البحر بملايين الجراد فقذفته الأمواج على الساحل… (وحين يجف إضافة مني) يصبح كالخشب اليابس، فيأتي أصحاب المزارع والبهائم يحملوه على دوابهم ويذهبوا به إلى بيوتهم ويخزنوه بكميات كبيرة…".
"وهذا الجراد أكله الأوائل قبل الإسلام وبعد الإسلام لأنه نظيف ولا يأكل إلا الخضار والأعشاب. فهو عندنا أكل خضارنا وشجرنا انتقمنا منه فأكلناه مطبوخاً حاراً ومشوياً بلونه الذهبي…".
 لن تتسع مساحة المقال لعرض الكثير من لوحات غانم شاهين الغانم في كتبه الخمسة… هي تستكمل أعمالاً قدمها المرحوم حمد السعيدان في الموسوعة الكويتية… وهي تضيف إلى كتابات الفاضل سيف مرزوق الشملان وصفحات من تاريخ الكويت للوالد يوسف بن عيسى وغيرهم حين تصور الذاكرة الاجتماعية للدولة بالأيام الخوالي. اقتبستها وعرضت بعض صورها دون محاولة تعديل الأسلوب واللغة المختلطة باللهجة الكويتية… تركتها على دفئها وببساطة روح صاحبها… ويبقى هناك الكثير، مثل أصل كلمة فريج سعود وسكة عنزة ومطير، وطحن الحبوب، والضريرين وعملهما العظيم في تنظيف "القلبان"… سأعود إليها إن شاء الله… بدون أن أنسى أن جراد الأمس كان حشرات ابتلعناها… أما جراد اليوم فهو بشر يبلعوننا ويهضمون غدنا… يهضمون الدولة… ونعجز عن هضمهم.

احمد الصراف

من هو صاحب الفضل الأكبر؟

يلاحظ من يتابع ما يكتب في المدونات وما يرسل من تعليقات وردود للصحف على مواقف السياسيين ومقالات الرأي، يلاحظ الكمّ غير المريح من الحقد والكراهية الذي بدأ بالانتشار في المجتمع، مصحوبا بادعاءات سخيفة لا تعني، حتى لو صحت، شيئا، كالقول بأن البدو أصل الكويت، ولهم الفضل الأول والأخير في نشوئها، ليرد عليهم آخرون بالقول ان الحضر هم الأصل وأصحاب الفضل وغيرهم طارئون جدد، ليتصدى لهم فريق ثالث قائلا انهم عندما عبروا البحر وجاؤوا الكويت لم يكن فيها أحد غير بضعة صيادي سمك وبعض المزارعين! والغريب، إضافة إلى تفاهة هذه الادعاءات، أن لا شيء يمكن تحقيقه أو الوصول له من قولها، فليست هناك جهة تمنح جوائز وشهادات لمن يثبت أنه من أوائل من وصل واتخذ الكويت وطنا، علما بأن الجميع مواطنون متساوون أمام القانون، أو هكذا يفترض!!
ولو اطلع هؤلاء المادحون لأنفسهم ولأعراقهم وطوائفهم على حقيقة أوضاع المناطق التي سبق ان قدموا منها، أفرادا وجماعات، من واقع أفلام وثائقية معروفة المصدر ومن المخطوطات والكتب التاريخية، سواء جاؤوا من صحارى الجزيرة وبراريها، وتخوم نجد وحواضرها، أو من جزرها وثغورها، أو من الجانب الآخر من خلجانها، ومن قرى ومدن فارس وما فوقها وحولها، لما وجدوا في كل تلك الوثائق المصورة والمكتوبة سهولا خضراء ومياها جارية وثروات معدنية وحقول قمح وذرة على مد النظر، ولا مداخن مصانع وطرقا معبدة وقطارات وسيارات فارهة وصحة وعافية وثقافات وفنونا عالمية وعلوما متقدمة، بل لن يروا سوى قحط وأوبئة وجوع وفقر وبطالة دفعت الجميع للهجرة والنزوح، شيبا وشبانا، أفرادا وجماعات، مشيا وعلى دواب تشكو الجوع والسقم، أو على ظهور سفن متهالكة، تعدك بالموت أكثر من الحياة، ولو كان في مواطن هؤلاء وأهاليهم ومساكنهم سابقا خير لما عافوها وقدموا لحر الكويت وجدبها وفقرها!
هذه هي الحقيقة، ومن أراد أن يستثني نفسه وأسرته وجماعته وقبيلته فهو حر، لكن الحقيقة مرة وغير سهلة البلع، ولكن ما هو جميل ومشرف أن الجميع جاء بحثا عن لقمة عيش شريفة، وليس هناك ما يخجل منه، فما حدث في الكويت حدث ما يماثله في آلاف الأمكنة طوال التاريخ البشري، وعلينا جميعا التوقف عن الادعاءات الفارغة التي لا يمكن أن تؤدي لشيء غير تفرقة فئات المجتمع!
لا تنسوا أن كمال الجسم البشري يكمن في امتلاكه لكامل أعضائه وعملها جميعا لمصلحة البدن، وبالتالي ليس لعضو فضل على آخر!

تصارعت أعضاء الجسد فيما بينها على من هو صاحب الفضل الأكبر! فقالت العين انها الفضلى، فلولاها لما رأى الإنسان شيئا، ولأكلته الحيوانات بسهولة، فردت الأرجل قائلة انه لا فائدة من رؤية الخطر إن لم تكن هناك أرجل تبعدك عنه، فانبرت الأيدي بالدفاع عن نفسها قائلة انها صاحبة الفضل الأكبر فهي التي تعمل وتخبز وتحوك وتبني، فانبرى اللسان قائلا ان كل سعي الإنسان هو البحث عن لقمة يأكلها وهو الذي يتذوق ويعرف الطعام الطيب من الخبيث ويعطي الجسم قوته، وهكذا قالت بقية الأعضاء واشتد الخلاف وارتفعت الأصوات، وفجأة صدر صوت كالرعد من المؤخرة أسكت الجميع، وهو يقول: تبا لكم جميعا، قد تكونون جميعا أعضاء مهمة للجسد الذي يجمعنا، ولكن ليس لأحدكم فضل كفضلي، فالجسد يمكن أن يستمر في الحياة من غير واحد أو أكثر منكم، والأمثلة على ذلك لا تحصى، ولكن عملي أنا هو الاهم، فتوقفي عن أداء وظيفتي لبضعة أيام فقط كفيل بإصابة الجسد كله بالتسمم وموتنا جميعا، فالرجاء التوقف عن هذا الهراء ومحاولة كل طرف إسداء الفضل لنفسه!

أحمد الصراف

علي محمود خاجه

ساهر الليل وزوارة خميس

كلنا نتعاطف مع أبطال قصة الحب في «ساهر الليل»، وسنمنّي النفس بنهاية سعيدة مفرحة تجمع الأحباب بعضهم مع بعض، متخطين جميع العقبات التي ستواجههم وكسر حاجز الطبقة الاجتماعية، وكلنا في الوقت نفسه نستنكر الخيانات المتكررة في «زوارة خميس» ونشمئز مما يحدث من إهانة للروابط الأسرية، وأعتقد أن القادم سيكون أشنع. في رمضان أفضِّل الابتعاد عن السياسة، فالناس سئمت منها، حتى الساسة أنفسهم يبدو أن تأثير الصوم عليهم يصيبهم بلوثة، ولا يوجد أبلغ من تصريح النائب الدويسان للتدليل على ما أقول، فالنائب الموّقر يريد منحة مالية لمن يتزوج الثانية شرط أن تكون كويتية للقضاء على العنوسة، ولا أعلم لماذا كلما أردنا أن نعالج مشكلة لا بد أن يكون للمال يد فيها؟ فيأتي رمضان مثلاً فنجد من يريد صرف راتب شهر إضافي يعيننا على الصوم مع أن المفترض أن يقل الأكل في رمضان! نقدم الرواتب والكوادر لكل مهنة على الرغم من أننا نشكو كثرة العاملين وقلة الإنتاج. عموماً عودة إلى الدويسان الذي نسي أن الزواج الثاني يدمر أسراً بأكملها ويرفع معدلات الطلاق، غير أنه على ما يبدو يفضل كلمة المطلقة على كلمة غير المتزوجة، ولكن كما قلنا الصوم وعمايله… إلا أنني كما قلت لن أكتب عن السياسة والسياسيين باستثناء ما بدأت به المقال. مسلسلان كويتيان يعرضان على قناة «أبوظبي» لفَتا انتباهي وكسباني مشاهداً لهما، هما مسلسل «ساهر الليل» ومسلسل «زوارة خميس»؛ الأول، يتحدث عن حقبة السبعينيات وأسجّل للمخرج إعجابي لتمكنه من تصوير تلك الحقبة بشكل جيد مع بعض الهفوات كصوت مشاري العفاسي في الأذان في الحلقة الثانية عشرة تحديداً. على أي حال، فإن هذا المسلسل يطرح قصة ثلاث أسر كويتية إحداها محدودة الدخل ويقع أبناؤها في قصة حب شاعرية هادئة جميلة مع فتيات من الأسرتين الميسورتَي الحال، وهو ما سيشكل المعضلة بالتأكيد في القادم من الحلقات. أما «زوارة خميس» فهو ينقل حال أسرة كويتية كبيرة الحجم بمشاكلها وقضاياها وهمومها، ولعلّي أجد أن التركيز على الخيانة الزوجية أحد أبرز خيوط هذا المسلسل والتي يعتقد البعض أن بها من التطرف في الطرح الشيء الكبير. وأعتقد أن الدراما لا بد أن تبالغ في الأمر قليلاً كي تصلح للمشاهدة. عموماً، فأنا لست ناقداً فنياً ولا صاحب اختصاص كي أقيّم العملين درامياً بقدر ما أريد أن أوصل فكرة معينة تختمر في ذهني ولا أجد لها إلا إجابة واحدة. فكلنا سنتعاطف مع أبطال قصة الحب في «ساهر الليل»، وسنمنّي النفس بنهاية سعيدة مفرحة تجمع الأحباب بعضهم مع بعض، متخطين جميع العقبات التي ستواجههم وكسر حاجز الطبقة الاجتماعية، وكلنا في الوقت نفسه نستنكر الخيانات المتكررة في «زوارة خميس» ونشمئز مما يحدث من إهانة للروابط الأسرية، وأعتقد أن القادم سيكون أشنع. والسؤال هو: ما دمنا نتمنى أن ينتصر الحب وما دمنا نكره الخيانة وتحديداً الزوجية جميعنا وليس الغالبية، فلماذا إذن توجد هذه المشاكل في مجتمعنا؟ لماذا نمزق القصص الحقيقية التي نعيشها ونلعب دائماً دور الأشرار في الحياة ونرفضها في المسلسلات؟ لماذا تتخم البيوت بقصص الخيانة ونحن نشمئز منها؟ لا أجد إجابة إلا أننا جمعٌ منافق، يدين الشيء ويمارسه، يكره الشيء في الخيال ويفعله في الواقع، اسألوا أي شخص تصادفونه إن كان سمع بخيانة زوجية أم لا؟ اطرحوا على أي شاب أو فتاة إن كانا سمعا أو عاشا قصة حب تحطمت على صخور الطبقة أو المذهب أو العائلة أم لا؟ هذا ما نحن عليه وهذا ما نعيشه، ولن تتغير مسلسلاتنا وكآبتها ما لم يتغير المجتمع، فالفن جريدة العصر، يقدم أحوالها وقصصها إلينا، ولن تفرحنا أعمالنا الفنية ما لم نتخطَّ هذا النفاق الذي نعيشه. 

سامي النصف

عما يفعله المسلمون بسمعة الإسلام

نشرت مجلة «التايم» الأميركية واسعة الانتشار على صدر غلافها صور عائشة الافغانية الجميلة ذات الـ 18 ربيعا والوجه القمري الابيض، والشعر الاسود الفاحم، وقد جدعت جماعة الطالبان أنفها وقطعت أذنيها، وكان تساؤل المجلة المحق: «ماذا سيحدث إن تركنا أفغانستان؟!».

يعتقد كثير من الاميركيين ان الرئيس أوباما مسلم كونه ولد مسلما واسم أبيه حسين (لنا أن نتصور ما كنا سنقول لو كان أبوه يهوديا اسمه مناحيم) كما أنه يتخذ مواقف طيبة من القضايا العربية والاسلامية بعكس سلفه الرئيس بوش، بدل ان يدعم عرب ومسلمو أميركا ذلك الرئيس المعتدل أمام الهجمة التي يتعرض لها من قبل اليمين المتطرف، اختاروا موقعا يطل على مبنى التجارة الدولي ليكون مركزا ومسجدا اسلاميا، رغم أن تلك المنطقة لا يوجد بها مسلم واحد وأرض الله واسعة… من لديه هذا النوع من الاصدقاء لا يحتاج للأعداء أبدا!

بودنا أن نعرف أسماء حكومة القاعدة الخفية، ومن أين تحصل على المال والسلاح وطبيعة شبكة اتصالاتها التي توصل أوامر تلك الحكومة القابعة في كهوف تورا بورا الى اتباعها في مشارق الأرض ومغاربها بعد أن قارب اليمن على الانشطار وقيام الحرب الأهلية فيه بسبب تنظيم القاعدة الذي دمرت عملياته القتالية الصومال وقارب على تفجير العراق بعملياته التفجيرية التي لا تنتهي.

أعاد د.عبدالمحسن العبيكان للأذهان مؤخرا دعوى صحة فتوى رضاعة الموظفة لزميلها أو زملائها في العمل، متناسيا حقيقة بيولوجية هي عدم قدرة النساء على الرضاعة إلا في الفترة القصيرة التي تتلو الولادة، تلت ذلك فتوى منه أعلنت عدم صحة صلاة وصيام أهل الطائف وبقية المناطق الجبلية في السعودية، وهو ما اعتبره كارثة كونهم يسكنون جبالا عالية قد لا تغيب الشمس عنها الا بعد 4 – 6 دقائق من موعد افطار توقيت أم القرى والمناطق المنخفضة حسب قوله.

والرد على فتوى د.العبيكان له ألف وجه ووجه، ففي بدء الدعوة النبوية لم تكن مواقيت الصلاة والصيام بدقة الساعة السويسرية الحالية، بل كانت تقوم كما يعلم الجميع على أوقات «تقريبية» فقد تفطر قرية قبل أو بعد قرية قريبة منها بدقائق عديدة ولم يخطئها أحد آنذاك كما قام بذلك شيخنا الفاضل، ثم هناك استحالة في تطبيق فتواه، حيث يستوجب الأمر وضع مواقيت صلاة وصيام لكل جبل وتل وعمارة عالية على حدة، بل يجب أن تخلق مواقيت متباينة لسكان الارتفاعات المختلفة في ذات الجبل أو العمارة، وهو أمر مستحيل وليت شيوخ ديننا يستوعبون حكمة الأولين في عدم التطوع والتبرع بالافتاء، وحكمة الآخرين في حصر الافتاء بدار الافتاء والمفتي العام.. والصمت حكمة!

آخر محطة:

 (1) العزاء الحار للزميل جاسم بودي ولآل بودي الكرام على وفاة فقيدتهم نجود، للفقيدة الرحمة والمغفرة ولأهلها وذويها الصبر والسلوان، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

(2) وقع خطأ مطبعي في مقال الأمس، حيث ان اسم السمكة جمه وجمعها جموه.

(3) زرت متحف محمود خليل قبل سنوات قليلة وكتبت مقالة عن تلك الزيارة التي أصر خلالها رجال الأمن على رؤية جوازي الذي كان بالصدفة معي وكأنني في المطار أنوي المغادرة وليتهم اهتموا بعملهم الأساسي بدلا من تلك القشريات التي أضاعت تلك اللوحة النادرة.

(4) ويقال إن لوحة زهرة الخشخاش التي سرقت لم تكن أصلية بل هي نسخة طبق الأصل عملت في الكويت عام 77 بعد سرقتها الأولى وإبان وجود اللوحة الاصلية هنا لمدة عام مما أهّل السارقين لعمل نسخة أصلية منها آنذاك وان السرقة هذه المرة إما بالخطأ أو للتغطية على تلك الجريمة.. والله أعلم.

احمد الصراف

قبو البذور والظواهر السلبية

يوجد عدد لا يستهان به من العلماء في الدول الغربية، الذين يقلقهم كثيرا مصير الإنسان والحيوان والزرع والشجر وكل شيء آخر على سطح الأرض، وهؤلاء عادة ما يتلقون الدعم المادي من جمعيات علمية أو شركات عالمية، ويؤمن هؤلاء بضرورة اعتماد شعوب مناطق العالم بعضهم على بعض، وأن مصير الإنسانية مترابط. كما يعتقدون أن قلة من البشر ستنجو إن وقعت كارثة كونية، أو لا أحد أبدا، والصدفة هي التي ستقرر من يبقى ومن يفنى. وتحسبا لذلك اليوم قام هؤلاء، الذين لا يهدأ لهم بال، باختيار جزيرة نائية في النرويج تقع في منطقة تشتهر بصقيعها الدائم وصخرها السميك، على بعد 1120 كيلومترا من القطب الشمالي، وأنشأوا هناك قبوا داخل جبل متجمد أسموه «قبو يوم القيامة» وقاموا حتى الآن بحفظ أكثر من 525 ألف نوع من البذور جلبوها من مختلف دول العالم، ويعتبر القبو أكبر مستودع للمحاصيل على الأرض.
ونقلا عن موقع «لايف / ساينس» قام أخيراً وفد أميركي برئاسة السيناتور بنجامين كاردن بتسليم المشرفين على القبو مجموعة من بذور الفلفل الحار الخاصة بمناطق أميركا الشمالية. ونقل عن السيناتور القول ان العالم يعتمد على بعضه حين يتعلق الأمر بتنوع المحاصيل، التي تعتبر المادة الأولية الرئيسية لتحقيق مخزون غذائي جيد.
والآن ما الذي تستطيع دولنا المساهمة به في هذا المجال الحيوي؟ وإن قررنا المشاركة في مثل هذا المشروع الإنساني العظيم، فهل نرسل عضوا من لجنة الظواهر السلبية ليحمل لهم «بذورنا» المتمثلة بالنقل والبنك وغيرهما؟ ولماذا لا تحاول جهة ما بإقناع المشرفين على مشروع قبو يوم القيامة بتوسيع المشروع وجعله يهتم بالاحتفاظ بخواص البشر، فإن أصيبت الأرض بكارثة وتسبب الأمر في فناء كل شيء عليها، وبدأت الحياة فيه من جديد، واستعان إنسانه بالبذور لزرع المحاصيل وتوفير الغذاء، فمن أين سيأتي بالعقول المميزة كالتي يمتلكها بعض نوابنا، وخاصة من أعضاء لجنة الظواهر السلبية الذين طالما أثروا التجربة البرلمانية في هذا البلد الصغير «بروائح» مشاريعهم ومقترحاتهم للحكومة؟ وعليه أقترح قيام جهة غير حكومية، لانشغال غالبية الوزراء والوكلاء بقراءة خطة التنمية، بمحاولة إقناع «سلطات» قبو القيامة بفتح قسم لــ DNA البشر، وأن تكون نواته عينات من هؤلاء النواب! وبالتالي نضمن عند وقوع أي كارثة كونية أن البشرية لن تحرم من عقولهم!
كما نقترح إرسال الخواص العقلية لبعض مشايخ الدين الذين تفننوا أخيرا في إصدار أغرب الفتاوى وأجمل النواهي وأعدل الأوامر، ليس فقط لندرة الخواص البشرية لهؤلاء، بل وأيضا لكونهم من المؤمنين بانحدارنا من نسل خير أمة وأننا خير البرية والبشرية، وأن العالم أجمع على ضلال مبين، ولا نتردد في الدعوة من فوق منابرنا أن يتيتّم أبناؤهم وأن تترمّل نساؤهم، وأن يحرق زرعهم، وربما لهذا سارع علماء الغرب لإنشاء قبو البذور قبل فوات الأوان!
***
• ملاحظة: نتقدم بالشكر الجزيل والحار لإدارة المركز العلمي في السالمية على اقامتها حفلا كبيرا في المركز بمناسبة قدوم القرقيعان، بيت سيد بورميضان.
ونتمنى في السنة المقبلة رؤية كل الجهات المعنية بالعلم مثل جامعة الكويت والجامعات الخاصة ومؤسسة الكويت للتقدم العلمي ومعهد الأبحاث (العلمية) والمتحف العلمي تشارك المركز العلمي في هذه الاحتفالية.

أحمد الصراف

محمد الوشيحي

ينصر دينك 
يا البدوي

بالعربي المشبرح، حريتنا الصحافية والإعلامية في الكويت، كما نفطنا، تتناقص، وما لم نبحث عن «مكامن» أخرى فستنضب. وغالبية صحفنا تتسابق وتتزاحم على حوض الحكومة ومائدتها. والصحف الكويتية (لمن لا يعرف من غير الكويتيين) صحف خاصة لا حكومية، بيد أنها في الفترة الأخيرة تجاوزت الصحف الحكومية في البلدان العربية القمعية في الدجل والنفاق والرقص حافية القدمين على بلاط الحكومة طمعاً في النقوط.

وقريباً سنبكي عند قبر حرياتنا كما تبكي الخلوج ابنها (يدّعي الشعراء أن بكاء الناقة الخلوج على ابنها ليس كمثله بكاء)، وسيجرّنا الناس ليبعدونا عن القبر، فنقاومهم فنعجز، فنغادر ونحن نلوي رقابنا إلى حيث قبرها.

وفي مصر، اشترى رئيس حزب الوفد «السيد البدوي» و»رضا إدوارد» وشركاؤهما جريدة «الدستور»، وهي الجريدة المعارضة الأكثر شراسة، والثانية انتشاراً، والتي تخلو من الإعلانات وتعتمد على البيع المباشر واشتراكات القراء. وقد دخلتُ مبناها المتواضع جداً، فأدركت أن الصدق والهمّة والشجاعة تستطيع أن تبقى على قيد الحياة حتى وإن لم تجد ما تأكله. وإذا كان الساسة ينقسمون إلى «صقور وحمائم»، فجريدة «الدستور» من أشد الصقور شراسة. (لا أدري هل هذه مقالة أم عالم الحيوان!).

المهم، اشترى «البدوي» و»إدوارد» الجريدة من مالكها ومؤسسها عصام إسماعيل فهمي، على أن يبقى «إبراهيم عيسى» رئيساً لتحريرها، ويبقى «إبراهيم منصور» رئيساً للتحرير التنفيذي كما كان، ويبقى بقية الطاقم كما هو… وهنا ثارت ثائرة القراء الذين يدعمون الدستور كما يدعم المشجعون الإنكليز أنديتهم، بجنون وحُب، فهاجموا إبراهيم عيسى وعنّفوه بل وشتموه بتعليقاتهم على موقع الجريدة، خوفاً من أن يتغير خط الجريدة، فتتحول إلى طبلة في يد حزب الوفد، وهو ما أنكره «عيسى» فصدّقوه وصدّقناه.

وكل هذا لا يهم بقدر ما يهمني تصريح المالك الجديد «السيد البدوي» الذي أعلن أن الملّاك لن يتدخلوا في السياسة التحريرية للجريدة إطلاقاً، إذ لا يجوز – وهذا كلام البدوي أو معنى كلامه – أن يفرض ذوو الأموال آراءهم على الناس.

وما إن قرأت التصريح حتى صرخت: «ينصر دينك أيها السيد البدوي»… فعلاً، هذا ما كنت أردده للأصدقاء من الزملاء الكتّاب: «لا يروّضنكم ملاك الصحف ورؤساء التحرير»، قلت هذا بعد أن تزايد تذمر الزملاء الكتّاب من تناقص الحرية (في بالي الآن أكثر من ثمانية كتّاب، من ذوي الوزن الثقيل والمتوسط، من مختلف الصحف، يشكون منع مقالاتهم أو تقطيعها وتشويه جثثها). والخطر والموت الحمر هو أن يكتب الكتّاب ما تمليه عليهم صحفهم، فيصبح المال هو صاحب القلم، وتتحول الصحف إلى حظائر، ويصبح الكتّاب قطيعاً من الخرفان التي لا تغادر الحظيرة خوفاً من فقدان العلف.

طبعاً هذا لا يمنع أن ينظر الكاتب إلى مؤسسته الصحافية التي يعمل فيها كما ينظر إلى أهله، فيدافع عنها ويحميها من هجمات الجراد، ويتجنب الصدامات مع إدارتها ما استطاع إلى ذلك سبيلاً. أما إن وصلت الأمور إلى منتهاها، فليحمل «عزبته» على ظهره وليغادر، فلن يجوع، واسألوا الشاعر السعودي الأمّي الحكيم سعد بن جدلان الأكلبي الذي صاغ قصيدة شامخة، لطالما أزعجْتُ آذان الأصدقاء وأنا أغنّي عجز أحد أبياتها: «الفول بريالين والخبز بريال».

فيا زملاء، ثوروا لا أبا لكمُ، ثوروا بمقالاتكم وإن مُنعت، ثوروا قبل أن يُدخلكم الراعي الحظيرة.

***

الإعلامي الجميل تركي الدخيل، أهلا بك زميلاً في رحاب هذه الجريدة الليبرالية… الدلة يا ولد.

سامي النصف

لماذا تحولنا إلى جموم؟

«الجم» لغير الناطقين باللهجة الكويتية هي سمكة غبية يضرب بها صيادو الأسماك المثل في الحمق في التصرف والغفلة في الحركة ومن ذلك فما ان يرموا سناراتهم في البحر حتى يكون سمك «الجم» أول ما يتم اصطياده، ولأنه لا يؤكل يتم رميه في البحر إلا انه وبذكاء شديد يعود للسنارة وهكذا حتى يقتله الصياد في نهاية الأمر‍‍!

لا أعلم لماذا ـ أو متى ـ تحولنا من «يهود» الخليج كما كنا نسمى كرمز للشطارة والدهاء والذكاء الى «جموم» الخليج حيث بتنا والعياذ بالله لا نجيد عمل أي شيء صح فأخطاؤنا وكم غفلتنا يجعلان الرضيع يشيب، والثكلى والأرملة تموتان ضحكا على ما تريان وتسمعان من أعمال وأفعال أصبحنا نختص بها دون الخلق.

وقد جرى العرف في العالم أجمع ان يتم التعلم من الأخطاء فلا تتكرر كما ان الخطأ يصحح بالصواب، لدينا تكل وتمل ايدي الصيادين ونحن نقفز من البحر الى ايديهم أو سناراتهم، كما ان تصحيح الأخطاء لدينا يتم بأخطاء أكبر منها فإذا ما صرفت الحكومة دينارا تصايح بعض رجال السلطة التشريعية ممن يفترض عملهم بهم الرقابة ووقف الهدر لصرف ألف دينار مستشهدين بذلك الدينار اليتيم الذي صرف.. عفارم!

ويصطفي العالم الأذكياء والمبرزين من أبنائه لتقلد المسؤولية في القطاعين العام والخاص كي يتسابقوا على الإنتاج والإنجاز، لدينا تتم محاربة هؤلاء المبدعين محاربة شديدة ويضربون ضرب غرائب الابل ويستبدلون عادة بمن يسفك ويدمر موارد الدولة وكلما زاد الدمار زاد الحب والود والتعظيم والتبجيل ولا حول ولا قوة إلا بالله!

آخر محطة:

 (1) لا نفهم إطلاقا معنى ومغزى تعليق ميزانية «الكويتية» وهو ما يمس سلامة وراحة وأرواح المسافرين ويشكل عقوبة مباشرة للآلاف من الموظفين.. فأين الحكمة؟!

(2) «الجزيرة» و«الوطنية» شركتا طيران كويتيتان يملك أسهمهما آلاف الكويتيين ـ للمعلومة لست منهم ـ وتوفران خدمة رائعة لمسافرينا والشركتان تتعرضان هذه الأيام بسبب الأوضاع الإقليمية والعالمية لخسائر بالملايين مما يهدد بقاءهما، كما جرى لشركة «سما» السعودية التي توقفت عن الطيران ـ للمعلومة تحويل الشركتين الى الربح كي تستمرا في عملهما الرائع لا يحتاج إلا الى خفض أسعار الأرضيات والخدمات في المطار وإعطائهما خصومات في أسعار وقود الطائرات ـ فهل نتحرك قبل خراب البصرة؟!

حسن العيسى

ثقافة الغبقات بمركز الكون

تشع علينا كل عام في شهر رمضان فلسفة ثقافة الغبقات حين تستحوذ على الحيز الكبير في معظم جرائد الصحافة الكويتية، وتكثف كثيراً في صفحات المجتمع كي تتألق بها صور أهل الصيت مسلطة الضوء على أهميتهم  ومركزهم الاجتماعي المبهر. الشيخ الفلاني يتوجه إلى غبقة فلان… والشيخ الآخر بدوره يقيم غبقة رمضانية لرجال الإعلام أو لتنظيمات سياسية كانت تقف طرفاً نقيضاً في انتقاد السياسات الحكومية، إلا أنه اليوم هناك هدنة الشهر المبروك تبزغ ببركاتها ورياء أشخاصها، وتشع بها أنوار الرحمة والتواصل بين اللاعبين السياسيين، وتركد معها أتربة معارك "دون كيخوته" بين رموزنا السياسية وخصومهم. الابتسامات الدبلوماسية والمجاملات تطفح متورمة على وجوه السياسيين أصحاب القرار تصاحبها مجاملات خاوية من الطرف الآخر تفرضها الأخلاق الكريمة للشهر الفضيل… السياسة والاقتصاد يغطان في نوم عميق في إمبراطورية مركز الكون الكويتي، لكنها في الرمضانيات الصيفية، تخنقنا مع شخيرها لزوجة الرطوبة والأغبرة المعلقة بين السماء والأرض، وتلفها الاختناقات المرورية، ثم السيارات المتلاصقة على خلاف قوانين الوقوف قرب بيوت الله حين تغلق الدروب في ساعات صلاة التراويح وبعدها، وتتعالى الأسوار صعوداً محتضنة سجون الكويت الروحية.
الكثيرون، وأنا منهم، يغلقون أبوابهم في زنازين المنازل، فلا حاجة إلى تدوير سويتش السيارة حتى تحشر في علب السردين المرورية بالشوارع… وماذا ستجني في النهاية  لتبارك في صالات "ثنك تانك" بمراكز العلم والثقافة بالدواوين الكويتية… عبارات تتردد كل مساء وفي كل عام رمضاني مثل: مبارك عليكم الشهر… والحمد لله لا جوع ولا عطش… صبوا القهوة… هات البخور يا ولد فعندنا زائر كبير… تفضلوا على الحلويات والموالح يا جماعة… وبعدها… يستهل سيل من الأحاديث الساذجة عن الأحوال الاجتماعية العامة وأخبار منقولة عن وكالات "يقولون… وسمعنا" تتخللها فواصل من النكات السمجة… ثم تأتي حفلات السحور العامرة… وتنتفخ البطون من بركات "الخير والنعمة"… ويمضي بعدها الجميع إلى حالهم بعد ساعات طويلة قضوها في بحوث عميقة لعلم الاجتماع الكويتي… ماذا قبضت؟ لا شيء غير اجترار عبارات تعيد مضغها كل عام في دنيا الخيرات الروحية حين بزغت من باطن الأرض.
مسكينة صحافتنا المسائية… فلا أخبار يكترث لها القراء… غير قط ينط على قطة… والشرطة تلقي القبض على فاطر دخن سيجارة وخرق قانون المجاهرة بالإفطار… ثم هناك إعلانات تجارية فوق إعلانات تجارية تنفخ صفحات ملونة عريضة تضج بينها لقطات أخبار جدباء تؤكد بتصميم كبير ثقافة الاستهلاك حين سكن سرطانها نفوسنا وأضحى وعينا سلعة من سلع الفرح العابر بمدينة الأحلام والمركز المالي التجاري القادم بعلم الغيب… ثم هناك المسلسلات الرمضانية الساذجة تفرض بعد الفطور قليلاً من الوقت كي تهضم البطون المرتخية أكوام التشريب وتلال الهريس وتختم بحلوى اللغيمات وصب القفشة تسد الكروش وتخدر العقول.
أما كتابنا… فكثير منهم أيضاً مساكين… فلا مجلس ولا حكومة… ولا فسحة مكان للتعليق على أخبار تنتقد رأي أو مشروع هذا النائب أو ذلك الوزير… أما أخبار العالم… فلا تهم القارئ الكويتي… فقد حشر في وعينا بعد التحرير أن الكويت مركز الكون… ونحن نكتب من أجل ما يريده القارئ، لا من أجل الفن والإبداع… والحصفاء من كتابنا هم من أخذ إجازته مع عطلة المجلس… فمع غيابه ترتاح وتعطل الحكومة… فالكل هنا بإجازة صيفية وبجوفها تسكن بخدر وسكون إجازة رمضانية تسورها حوائط عالية من الملل والسأم… علينا في النهاية ملء الفراغ بفراغ فكر آخر ينبض بكلمات الخواء…!
لنتوقف الآن ونتأمل قليلاً دراريع بعض نسائنا المزركشة بألوان الوردي والأصفر والأحمر في ليالي الشهر قبل زيارتهن لغبقات المساء غير المختلطة… فهن يقمن بعروض أزياء لعالم ما بعد الحداثة الكويتي في صالات الدراريع والنضال من أجل كاميرات حقوق المرأة… وما عليهن غير انتظار الرجال حين يعودون منهكة بطونهم من غبقات الفكر العميق في دواوين رمضان… الحمد لله… العالم بخير ونعمة… مادامت الكويت بخير ونعمة… وكل غبقة وكل رمضان وأنتم بخير.

احمد الصراف

المال للفن

قام مجموعة من الشباب، روحا وجسدا، من الكويتيين العتاق في حبهم لوطنهم بتأسيس شركة تهدف لتشجيع وإنتاج وإخراج المشاريع الثقافية من دون النظر لعامل الربحية كثيرا، وكان ذلك قبل خمس سنوات، استطاعوا خلالها الاهتمام بعديد من المواهب في المسرح والموسيقى والفن التشكيلي، وخلق اتصال بينهم وبين موهوبي دول عدة. وقد تمكن هذا المشروع حتى الآن من إنتاج مسرحيتين خارج الكويت، الأولى «رسالة إلى هاملت»، والثانية «ريتشارد الثالث»، من إخراج المبدع العالمي سليمان البسام!
وقبل عام فكر المؤسسون بإنتاج مسرحية تتطرق لبعض الظواهر السلبية في الكويت، ومن هنا وقع الاختيار على نص مسرحية ترتوف للعبقري الفرنسي موليير، لتكون أول إنتاج محلي، وتم بالفعل الطلب من الزميل المبدع جعفر رجب إجراء التعديلات المناسبة على النص، وتكويته بطريقة مناسبة، وهكذا خرجت للوجود مسرحية «حيال بو طير» من إخراج البسام، وإنتاج شاكر ابل بالتعاون مع الإعلامي باقر دشتي، وبطولة الفنانين سعد الفرج، هدى الخطيب، مناضل داود، فيصل العميري، أحمد ايراج، فاطمة الصفي، شوق، نصار النصار، والمسرحية تتطرق لموضوع المتاجرة بالدين وكذب الكثيرين منهم، وبأسلوب مغاير لما اعتدنا عليه، خاصة وأن سليمان البسام أصبحت له بصمة عالمية لا يمكن تجاهلها بسهولة.
ولأسباب خاصة لم يجز النص وقتها في الكويت، وبالتالي عرضت المسرحية على أحد مسارح الحمرا في بيروت في شهر يوليو الماضي، وكانت لحظات جميلة عشتها وأنا منبهر من أداء الجميع، وقد أضحكني فيصل العميري كثيرا، وكنت بحاجة للضحك، كما بهرني نصار النصار بتمثيله، فقد كان فله وفلته، أما الآخرون فقد كانوا كالعادة عمالقة في كل شيء.
كما سعدت كثيرا بالفرقة الموسيقية التي صاحبت التمثيل بأدائها الجميل، والتي تكونت من المطرب الواعد سلطان مفتاح، وعازف العود فيصل البلوشي، وعازف الأورغ زياد زمان، والإيقاع لأحمد الدبوس وعبدالله المطيري.
وقد أعلمني أحد مسؤولي الشركة، أو الفرقة أن النص أجيز اخيرا للعرض في الكويت، ولكن وزارة الإعلام تحفظت على «القفلة الأخيرة» للمسرحية والتي تحمل الزبدة أو الخلاصة، ونتمنى أن تثمر الجهود عن إجازتها كاملة، فهي مسرحية جميلة، وتختلف عن كثير من الإسفاف الموجود، وتعيدنا إلى التاريخ الجميل للمسرح الكويتي الرائد، والذي طالما اشتهرنا به!
وجدير بالذكر ان المهارات والخبرات التي ساهمت في هذا العمل الفني الكبير الذي سنكتب عنه مرة أخرى عند اقتراب موعد عرضه في الكويت، قد قدمت من الكويت والإمارات والعراق ولبنان وفرنسا.
***
• ملاحظة: تلقيت قبل يومين دعوة شخصية من «حدس»، الاسم الحركي لحزب الاخوان المسلمين التابع للتنظيم العالمي للاخوان، لتهنئتهم في مقرهم بشهر رمضان، لم ألبّ. الدعوة لانها تضمنت عدم اصطحاب نساء! وهنا نتمنى ألا يكون صاحبنا نفسه خلف فكرتها لاقناعي بفكرة توقيع ميثاق الشرف!

أحمد الصراف