شهدت الساحة «الدينية» اخيرا فضيحتين مدويتين، الأولى تعلقت بأحد وكلاء المراجع الدينية، الذي ظهر في أفلام انتشرت على الإنترنت وهو يمارس الجنس مع نساء متزوجات وغيرهن، وسبق أن تطرقنا الى قصته قبل أيام. أما الفضيحة الثانية فتتعلق برجل دين سلفي قبضت عليه شعبة السلطات في الرياض على ذمة مطالبات مالية كبيرة، فهذا النهابي، كان يعمل خطيبا، وكان صاحب لحية كثة، كما يظهر في صور عديدة له، ولكنه تحول فجأة الى شخص حليق ويعيش حياة عصرية بكل بذخها من ملابس ومركبات وعز وترف، وتبين لاحقا أنه نصب على الآلاف الذين وثقوا بوعوده، والذين تظاهروا مطالبين باستعادة حقوقهم منه!
نقول ذلك على ضوء رسالة انتشرت على الانترنت تضمنت مقالا لأحد أكبر «الدعاة» في السعودية يتكلم فيه عن المرأة بأحسن القول وأجمل الوصف. ولكن الحقيقة، وعلى الرغم من جمال ما كتب، تقول ان من الصعب احترام ما كتب هذا الداعية، لأنه لم يعرف عنه يوما احترامه للمرأة ولا لمكانتها ولا لدورها الإنساني. كما كشف برنامج «نقطة تحول»، الذي تقدمه «إم بي سي»، الذي سبق ان شاركنا فيه، من مقابلات مع بعض هؤلاء الدعاة، حقيقة الحياة التي يعيشها هؤلاء بأغلبيتهم، إن لم يكن جميعهم. فهؤلاء الدعاة ورجال الدين يعيشون في قصور باذخة ويقودون سيارات فارهة ويمتلكون بساتين واسعة غنّـاء. كما يمضي الاغلب منهم الصيف في البلاد الباردة. كما قال أحدهم، وأيضا من خلال ذلك البرنامج نفسه، انهم يؤمنون بالعلم ولهذا أرسلوا أبناءهم لتلقيه في أميركا! ولم يتردد الشيخ عايض القرني في القول في البرنامج الوثائقي نفسه، عن أنه يتلقى الهدايا والهبات، بكل أنواعها، والتي تقدم له بصفته شيخا وواعظا وعالما.
وهذا يقودنا للسؤال الأزلي، الذي سبق أن طرحه الأديب علاء الاسواني في مقال مميز، وهو: هل الأخلاق بلا تدين أفضل أم أن التدين بلا أخلاق أفضل؟ وهو سؤال تعتمد إجابته على مدى قدرة فكر المجيب عن التفريق بين ما هو في مصلحته، على المدى البعيد، ومصلحة مجتمعه ووطنه، وبين عكس ذلك تماما! فأخلاق بعض الدعاة، شديدي التدين، هي التي حرمت قبل سنوات امتلاك أطباق التقاط القنوات الفضائية، وهي الأخلاق نفسها التي دفعت الدعاة أنفسهم الى توقيع عقود بالملايين للظهور في تلك القنوات «المحرم» مشاهدتها!
والأخلاق نفسها هي التي دفعت الموظفة «س» الى ترك عملها لكي تؤدي صلاتها في الوزارة، وتعود الى مكتبها، ولكن تدينها لم يمنعها من عدم إنهاء معاملة المراجع، والطلب منه العودة في اليوم التالي، في كل هذا القيظ!
ويقول الأسواني في مقاله إن معهد «غالوب» للاستقصاءات توصل الى حقيقة أن المصريين -مثلا- هم أكثر الشعوب تدينا، والأكثر انحرافا في الوقت نفسه، ويقول إن هذا صحيح بشكل عام، لأن ضميرهم الديني لا يؤلمهم عند ارتكاب المخالفات، وان هناك انفصالا بين العقيدة والسلوك لديهم (!) وأجاب الأسواني عن السؤال الأزلي بالقول إن التدين الحقيقي يجب أن يتطابق مع الأخلاق، وإلا فإن الأخلاق بلا تدين أفضل.
* تارتوف: شخصية رجل دين فاسد ابتكرها الأديب الفرنسي موليير.
أحمد الصراف