سامي النصف

حتى لا نصطدم بجبل الجليد

لا يمكن تصور أن تصبح الكويت مستقرا لرجال الأعمال الأجانب والعرب إذا لم نقم بتغيير جذري منذ الآن لكثير من المفاهيم الخاطئة التي نتعامل بها ومنذ اللحظة الأولى مع ضيوف الكويت من وصولهم للمطار حتى خروجهم منه مرورا بكيفية التعامل معهم في الوزارات والإدارات والمؤسسات والشركات الحكومية التي يشتكي منها المواطن فكيف بالغريب.

نرجو ألا نعيد من خلال توقعاتنا العالية وتصرفاتنا الخاطئة القصة التراثية الشهيرة لمن أعلن زواج ابنه من بنت السلطان ودفع الأموال الهائلة لحفلة العرس المنتظر دون ان يعني نفسه سؤال العروس (ونعني المستثمرين والسائحين) فيما إذا كانت قابلة بذلك الاقتران في منطقة تغص بالمنافسين من العرسان الآخرين الراغبين في تلك الزيجة المباركة.

وفي وقت يقدم فيه العرسان من الجيران هداياهم ومغرياتهم للسائحين والمستثمرين عبر المعاملة الراقية والاحترام والقضاء على البيروقراطية الحكومية وضبط المرور وتوفير الطاقة والمياه وتحسين ظروف البيئة ورفع مستوى الخدمات التعليمية والصحية والتركيز على الاقتصاد بدلا من السياسة، نجد اننا لم نبدأ الخطوة الأولى في تذليل العقبات أمام الزائرين، كما ان حياتنا الاجتماعية تزداد انغلاقا مع كل يوم يمر بسبب بركات لجان الظواهر السالبة والممارسات القراقوشية لبعض رجال الأمن.

ومن استحقاقات المركز المالي فتح مجتمعاتنا وقلوبنا للزائرين وكسر الاحتكار الترفيهي للكويتيين حيث من الضرورة بمكان ان يستبدل نظام الشاليهات والمزارع والجواخير والاسطبلات الخاصة بمشاريع قرى سياحية تسخر من خلالها الشواطئ والأراضي العامة لخدمة المواطن والزائر والمقيم سواء بسواء فلن يأتي أحد إذا ما أبقيناه خارج أسوار وسائل الترفيه المحتكرة.. والحديث ذو شجون.

آخر محطة:

(1) هل يصدق أحد ان الفنادق الكويتية لا تكتفي برفض إسكان العازب، بل تفرض إحضار ورقة الزواج للمتزوج ومعها الزوجة بشحمها ولحمها كشرط لإشغال الغرف التي لا يزيد متوسط ملئها طوال العام في الكويت اللا سياحي على 10%، ماذا لو كانت الزوجة مسافرة أو هناك حالة زعل في العائلة فما العمل؟ قوانين بالية من «الداخلية» يجب إلغاؤها.

(2) ما سبق هو قمة عوائق جبل الجليد المختفي بأكمله تحت الماء والذي إذا لم نتعامل معه بطريقة ذكية وحكيمة فستصطدم به سفينتنا وستغرق بأسرع من غرق.. التايتنك.

حسن العيسى

صور فاشية كويتية


هناك أكثر من ألف صورة للفاشية، ولا يشترط أن تطل علينا بالملابس العسكرية عندما تروج لعقيدتها أو فكرها أو لأي شكل من أشكال عقدة التفوق بسبب العرق أو الدين أو الهوية، ومن ثم تفرض رأيها الأوحد وتدعي فيه الكمال وتنحر الرأي الآخر، وتتأله متعالية برؤيتها على غير المنتمين إلى حزبها ودولتها، فقد تتشكل بصور أخرى تظهر فيها وجه السماحة ومسايرتها لأحكام العادات الاجتماعية المزعومة والاحترام المفترض والحياء العام، و"يالله تزيد النعمة" على هذا الرياء الفاشي.


تلك فاشية حين تنتهج وزارة الداخلية عقوبة حلق رؤوس الشباب الذين يعاكسون الفتيات في الأماكن العامة، هنا لا يهم "الفاشية" ما إذا كانت مثل تلك العقوبة التي تمس الجسد الإنساني متفقة مع حكم القانون وشرعية حقوق الإنسان، كما هي في المواثيق الدولية أم لا! فالقانون هو رهن المزاج الفردي وإعماله في يد القضاة الضباط حين يكونون هم الخصم والحكم في آن واحد. وهي فاشية أيضاً عندما تتجاوب وزارات الدولة مع دعوة النائب وليد الطبطبائي إلى منع إنجاز معاملات المراجعين المرتدين "تي شرت والشورت"، حفاظاً على حياء الموظفات، كما جاء في تبرير الوزارات، كما نشرتها جريدة الوطن…! النائب وليد الطبطبائي يقترح فرض الزي الوطني على الموظفين، وهو يمهد لفرض النقاب والحجاب على الموظفات، والجلباب القصير واللحية الممتدة على الموظفين بداية، ثم كل يقطن في دولة اللا معنى الكويتية في النهاية، والسلطة الحاكمة ستساير رؤية هذا المنهج السلفي الخائب، فلن يضيرها بشيء، فالرافعة الدينية تؤسس وتستكمل شرعية الحكم حين تغيب شرعية الديمقراطية الصحيحة القائمة على الرضاء العام واستنارة الوعي العام بأنوار التقدمية الليبرالية وحقوق الإنسان.


وهي أيضاً فاشية عندما تمتنع وزارة العدل عن تصديق عقود زواج الكويتيين من غير الكويتيات، حتى تروج "غصب على خشومهم" فرض الزواج من الكويتيات، وهي فاشية حين ننسى خدم المنازل ونترك مصيرهم لمجهول الضمير الغائب لأرباب الأسر، وهي فاشية حين "تتحنبل" السلطة وتلاحق أصحاب الرأي في كل صغيرة وكبيرة بحجة هذا هو القانون وهذه "خلاجينه"! وهي فاشية هزيلة حين تدور معارك الرأي بالصحافة ليس على أساس الفكر والنهج وإنما بقذائف السب والقدح في صاحب الرأي الآخر، وتعييره بأصله وفصله… وكأن "المفكر" الكاتب من شعب الله المختار، ثم تأتي ردود قراء الجهل والفاشية النفطية منتشية ترقص فرحاً من عبارات الذم لجهابذة العقل الغائب… أليست تلك بعض صور الفاشية التي نحيا بها، ويتعيش بعضنا على رممها العفنة.


احمد الصراف

*تارتوف الخليجي!

شهدت الساحة «الدينية» اخيرا فضيحتين مدويتين، الأولى تعلقت بأحد وكلاء المراجع الدينية، الذي ظهر في أفلام انتشرت على الإنترنت وهو يمارس الجنس مع نساء متزوجات وغيرهن، وسبق أن تطرقنا الى قصته قبل أيام. أما الفضيحة الثانية فتتعلق برجل دين سلفي قبضت عليه شعبة السلطات في الرياض على ذمة مطالبات مالية كبيرة، فهذا النهابي، كان يعمل خطيبا، وكان صاحب لحية كثة، كما يظهر في صور عديدة له، ولكنه تحول فجأة الى شخص حليق ويعيش حياة عصرية بكل بذخها من ملابس ومركبات وعز وترف، وتبين لاحقا أنه نصب على الآلاف الذين وثقوا بوعوده، والذين تظاهروا مطالبين باستعادة حقوقهم منه!
نقول ذلك على ضوء رسالة انتشرت على الانترنت تضمنت مقالا لأحد أكبر «الدعاة» في السعودية يتكلم فيه عن المرأة بأحسن القول وأجمل الوصف. ولكن الحقيقة، وعلى الرغم من جمال ما كتب، تقول ان من الصعب احترام ما كتب هذا الداعية، لأنه لم يعرف عنه يوما احترامه للمرأة ولا لمكانتها ولا لدورها الإنساني. كما كشف برنامج «نقطة تحول»، الذي تقدمه «إم بي سي»، الذي سبق ان شاركنا فيه، من مقابلات مع بعض هؤلاء الدعاة، حقيقة الحياة التي يعيشها هؤلاء بأغلبيتهم، إن لم يكن جميعهم. فهؤلاء الدعاة ورجال الدين يعيشون في قصور باذخة ويقودون سيارات فارهة ويمتلكون بساتين واسعة غنّـاء. كما يمضي الاغلب منهم الصيف في البلاد الباردة. كما قال أحدهم، وأيضا من خلال ذلك البرنامج نفسه، انهم يؤمنون بالعلم ولهذا أرسلوا أبناءهم لتلقيه في أميركا! ولم يتردد الشيخ عايض القرني في القول في البرنامج الوثائقي نفسه، عن أنه يتلقى الهدايا والهبات، بكل أنواعها، والتي تقدم له بصفته شيخا وواعظا وعالما.
وهذا يقودنا للسؤال الأزلي، الذي سبق أن طرحه الأديب علاء الاسواني في مقال مميز، وهو: هل الأخلاق بلا تدين أفضل أم أن التدين بلا أخلاق أفضل؟ وهو سؤال تعتمد إجابته على مدى قدرة فكر المجيب عن التفريق بين ما هو في مصلحته، على المدى البعيد، ومصلحة مجتمعه ووطنه، وبين عكس ذلك تماما! فأخلاق بعض الدعاة، شديدي التدين، هي التي حرمت قبل سنوات امتلاك أطباق التقاط القنوات الفضائية، وهي الأخلاق نفسها التي دفعت الدعاة أنفسهم الى توقيع عقود بالملايين للظهور في تلك القنوات «المحرم» مشاهدتها!
والأخلاق نفسها هي التي دفعت الموظفة «س» الى ترك عملها لكي تؤدي صلاتها في الوزارة، وتعود الى مكتبها، ولكن تدينها لم يمنعها من عدم إنهاء معاملة المراجع، والطلب منه العودة في اليوم التالي، في كل هذا القيظ!
ويقول الأسواني في مقاله إن معهد «غالوب» للاستقصاءات توصل الى حقيقة أن المصريين -مثلا- هم أكثر الشعوب تدينا، والأكثر انحرافا في الوقت نفسه، ويقول إن هذا صحيح بشكل عام، لأن ضميرهم الديني لا يؤلمهم عند ارتكاب المخالفات، وان هناك انفصالا بين العقيدة والسلوك لديهم (!) وأجاب الأسواني عن السؤال الأزلي بالقول إن التدين الحقيقي يجب أن يتطابق مع الأخلاق، وإلا فإن الأخلاق بلا تدين أفضل.

* تارتوف: شخصية رجل دين فاسد ابتكرها الأديب الفرنسي موليير.

أحمد الصراف

سعيد محمد سعيد

نزولاً إلى الشباب… صعوداً إلى الحكومة (4)

 

اختتمت عمود يوم الأحد الماضي بنتائج دراسة حديثة حول أسباب غياب مشاركة منظمات المجتمع المدني في صياغة أمن المجتمع البحريني، وطرحت هذا التساؤل: «هل في مقدور الحكومة والمجتمع المدني إنشاء جسور حقيقية بينهما تسهم في حفظ أمن المجتمع وتستوعب الشباب وتلبي احتياجاتهم وتطلعاتهم وتفتح المجال للحوار البناء في شأن كل الملفات المهمة؟».

ولعل أبسط إجابة يمكن سوقها هنا هي أن عدم إفساح المجال من جانب الدولة للمجتمع المدني للمشاركة الفاعلة في ترسيخ الأمن والسلم الاجتماعي سيؤدي إلى تفاقم المشاكل مستقبلاً، ويتطلب ذلك إنشاء جسور التعاون بين الطرفين للتعاطي مع الملفات الأمنية المهمة، ومعالجتها وفق ما تتطلبه المعالجة… أمنياً إذا ما كانت المشكلة أمنية، وسياسياً إذا ما كانت المشكلة سياسية، وقس على ذلك سائر الملفات والقضايا طبقاً لمسبباتها وآثارها.

إن عدم وجود دور مؤثر لمنظمات المجتمع المدني على الساحة الأمنية له عواقب في غاية الخطورة، ودعونا نلقي نظرة على نتائج الدراسة التي أشرت إليها أعلاه، ففي الجانب المتعلق بكيفية مشاركة منظمات المجتمع المدني في تعزيز الأمن أشارت نسبة 44.4 في المئة من المبحوثين إلى حرص المجتمع المدني على المشاركة الديمقراطية لإنجاح المشروع الإصلاحي وتنمية الوطن، وقالت نسبة 29.6 في المئة بالتعاون مع الدولة في دراسة الظواهر والقضايا الاجتماعية والأمنية، أما من اختار (الكيفية) بقيام تلك المؤسسات بالأنشطة والفعاليات والتوعية لتحقيق المزيد من المكتسبات للسلم الاجتماعي فبلغت نسبتهم 26.0 في المئة.

أما من الذين رأوا أن المجتمع المدني ليس له أي دور في تعزيز الأمن، أرجع 62.4 في المئة من المبحوثين السبب إلى عدم إتاحة الفرصة لتلك المؤسسات لشراكة مجتمعية حقيقية مع وزارة الداخلية، بينما الذين أرجعوا السبب إلى أنها هي ذاتها لا ترغب في أن يكون لها دور وتكتفي بالعمل السياسي فبلغت نسبتهم 25.8 في المئة.

وأرجعت نسبة 11.8 في المئة السبب لاستمرار وجود ممارسات يمكن إدراجها ضمن ما يسمى بعقلية الحرس القديم.

ولعل من أهم التوصيات التي خرجت بها الدراسة هي تأسيس هيئة وطنية مستقلة تضم في عضويتها ممثلين عن الحكومة من جهة، وممثلين عن منظمات المجتمع المدني لتطبيق مفهوم «الشراكة المجتمعية»، على أن تتولى هذه الهيئة مسئولية معالجة الظواهر المضرة بالأمن الوطني بكل حرية وموضوعية وتجرد، وبدعم كامل من الحكومة من خلال تشخيص الوضع الأمني وفق أسلوب علمي مدروس، وتصنيف الظواهر والقضايا الأمنية كل واحدة على حدة، والعمل على دراستها والبحث في أسبابها واقتراح سبل معالجتها، كما أن من التوصيات المهمة هي أن تتصدى الدولة للخطاب الديني والإعلامي المثير للعداء والطائفية والاحتراب بين أبناء المجتمع، وتطبيق القوانين على المتورطين وعدم التهاون معهم، ويشمل ذلك التصدي لظاهرة إصدار الكتب والمطبوعات السرية والتقارير ذات الانعكاس المدمر للوحدة الوطنية.

ومن الضروري، حسب التوصيات، أن تبادر الدولة والمجتمع المدني إلى كشف ممارسات التمييز والتصنيف المذهبي، وتجريم التشكيك في ولاء وانتماء المواطنين البحرينيين لبلادهم وقيادتهم، وإتاحة الفرصة لمنظمات المجتمع المدني والوجهاء وعلماء الدين للتواصل المنجز المدعوم من الدولة لتلبية احتياجات المواطنين، وإنشاء قنوات فاعلة لإنهاء المشاكل الأمنية والاجتماعية، والتصدي لممارسات ذوي النفوذ المتجاوزة لقوانين وأنظمة البلد.