حسن العيسى

عراق فوبيا

هدأت اليوم حرب التصريحات في الكويت، وهي الحرب التي أعلنت على تصريح مقابل من مندوب العراق في الجامعة العربية، الذي طالب فيه بتسوية مسألة الحدود بين البلدين، عبارة قالها ومضت؛ واستنكرت الحكومة الكويتية ونواب "الأمة" وأصحاب الرأي ما قاله المندوب العراقي، وسارعت الحكومة العراقية- ولا نعرف هويتها ولا مدى سلطتها على أرض العراق- إلى نفي واستنكار ما صرح به المندوب العراقي، فصرح بقوة وزير الخارجية العراقي هوشي زيباري، مستنكرا ما تفوه به مندوب العراق لدى الجامعة، وأقر أكثر من مسؤول عراقي كبير بتقسيم الحدود بين البلدين كمسألة منتهية، حسب قرارات الأمم المتحدة… إلا أن كل ذلك لم يطمئن لا الدولة الكويتية ولا الكثير ممن نطقوا بعنتريات الغطرسة في الإعلام الكويتي، وكالوا أسوأ عبارات التكبر والتعالي ليس على العراق كوطن وإنما على كل ما يرمز إلى العراق، ما هذا؟ وكيف نسمح لأنفسنا بالتفكير بلغة العاطفة القبلية المتشنجة وننسى العقل؟ بعد أيام تمر علينا الذكرى العشرون للغزو العراقي، ومازلنا نحيا حتى هذه اللحظة تحت هواجس الاحتلال وعقدته، بكلام آخر ما زالت تلك العقدة هي التي تحكم النفوس عند الكثيرين من أهل البلد، ويكفي قراءة سريعة لعدد من صحفنا اليومية وكتابات الكثيرين من الزملاء لندرك بعدها حجم وكم عقدنا النفسية من العراق وكل من يحكم العراق أو يحيا فيه. عن أي عراق نحمل هذا الهم الكبير بعد أن ملأنا النفس خوفاً وريبة منه، هل هو عراق حكومة المالكي أم عراق أياد علاوي ودولة القانون أم عراق مقتدى الصدر أم عراق القبائل والقوميات والطوائف المتناحرة؟! من نحاسب وأي مسؤول عراقي نلوم اليوم كي نظهر سخطنا على أي كلمة تصدر من مسؤول أو غير مسؤول أو من نائب عراقي أو كاتب صحافي في جريدة نكرة في العراق؟! الواجب يفرض علينا أن نتعقل بلغة الخطابين الرسمي والشعبي، ولا نمارس بأي صورة كانت تصريحات وكتابات التحريض والكراهية لشعب أو شعوب بأكملها، فنحن لا نملك بساط الريح كي يحمل الدولة بمن فيها ويضعها في مكان عال على جبال الألب، وإذا تركنا جانباً المسألة القومية وعلاقات القربى بين البلدين فعلينا الإقرار بأن لدينا مصلحة ثابتة في عراق قوي وموحد يقيم أسسه على ركائز ديمقراطية ليبرالية وعلمانية تتسامى فوق الهويات القبلية والطائفية، مهما بعد هذا الحلم عن العراق وعنا، فما يحدث في العراق ينعكس علينا حتماً، ولم تكن التجاذبات الكلامية الطائفية الأخيرة التي شهدناها في عدد من جلسات مجلس الأمة، وما رافقها من استعراضات بعض أئمة الفكر الديني إلا مرآة مصغرة لما يجري في العراق.

في العدد الأخير من شهرية لوموند دبلوماتيك كتب رستم محمود مقالاً مهماً اجتزأت منه تلك الفقرة "… هل تقرأ الكويت راهن العراق؟ على أنه الأخ الجريح الذي لا يشفى من لوثة غضبه وشراسته إلا بسنوات طويلة من تصالحه النفسي والمادي مع واقعه، أم أن الثأر من الأيام الماضيات، سيدفع الكويت إلى مزيد من نكء جروح جاره وإضعافه…" لنسأل أنفسنا إذا كنا قرأنا واقع العراق أم أننا لم نفعل ولم نقرأ قبل هذا واقعنا؟!!

احمد الصراف

مستشفى الإرسالية في جزيرة العرب

«الغنى لا يجلب المنفعة دائما، بل تصاحبه عادة البطر وقلة الأدب».
***
في نهاية القرن التاسع عشر أرسلت إحدى الكنائس الأميركية بعض الأطباء للبصرة لتقديم الخدمات الصحية لسكانها، الذين كانوا في غالبيتهم من المرضى والمعوزين. وبعد سنوات، ومع بداية القرن الماضي انطلق عدد من هؤلاء الأطباء وأسرهم للاستقرار في البحرين، وتبعهم بعد سنوات، ومن البصرة أيضا، عدد آخر للعمل في الكويت، وافتتحوا في المنطقتين مستشفيين لخدمة سكانهما.. مجانا! ولكن مع زيادة الثروة في الكويت الناتجة عن عائدات النفط، وافتتاح المزيد من المستشفيات الكبيرة والحديثة فيها -وإن من ناحية المباني غالبا- قررت السلطات الكويتية في ستينات القرن الماضي التضييق على إدارة الارسالية ودفعها لإقفال مستشفاها «التبشيري» ومغادرة الكويت للأبد، وهذا ما حصل.
واليوم، عندما ننظر إلى الخلف وإلى ما قدمه مستشفى الارسالية الأميركية في الكويت من خدمات لآلاف المواطنين والمقيمين على مدى نصف قرن، من دون منة أو حتى توفيق في إقناع حتى فرد واحد على اعتناق المسيحية، وهذا ما كان يتهمون به، نشعر بأسى عميق لجحودنا. فلولا ذلك الثراء الذي انهمر علينا من حيث ندري ولا ندري لكنا أكثر رقة ووفاء مع من خدمونا من دون مقابل عندما كنا في أمس الحاجة لمجرد وجودهم بيننا فما بالك عندما نعرف كم حياة أنقذوا وكم ابتسامة شكر رسموا وكم ألما أزالوا؟!
وما يجعلني أعتقد أن مستشفى الإرسالية في الكويت لم يغلق طوعا، كما أشيع في مناسبات عدة، وأن ضغوطا مباشرة وغير مباشرة دفعتهم لحزم أمتعتهم والرحيل، هو أن عديل مستشفى الارسالية في الكويت لا يزال يمارس عمله في البحرين، ويقدم الخدمات الطبية المميزة نفسها لأهاليها منذ 107 سنوات وباسمه القديم نفسه، ومن دون منة، وأيضا من دون نجاح في تحويل أحد عن دينه! ويعود سبب استمرار وجود المستشفى هناك هو أن البحرين لم ينلها ما نال الكويت من ثراء، وبالتالي سلمت من الكثير من الأمراض التي عادة ما تصاحب الغنى المادي المفاجئ. ومستشفى الارسالية في البحرين لا يتميز بكونه أول مستشفى في الخليج بل والأعلى تصنيفا، حيث حصل عام 2007 على اعتماد المجلس الطبي الاسترالي واعترافه بتميزه، ولو لم نكن بذلك الصلف لكان مستشفى الارسالية الأميركية لا يزال يمارس عمله في وطننا ويمثل تحديا للمستشفيات الخاصة والحكومية ولتأثرت الخدمة الصحية في الكويت -حتما- بشكل إيجابي من وجوده.

أحمد الصراف