ماذا لو قامت علاقة شقيقين او جارين او صديقين على معطى عطاء متصل من الاول للثاني جاوز امده وزمنه قرونا عدة، بينما لم يشهد الاول الا الأذى والتعدي ونكران الجميل من شقيقه الثاني؟! هل من الخطأ ضمن تلك المعادلة الحقيقية والواقعية، فيما لو صحا ضمير الشقيق الثاني وقرر كنوع من الأريحية وردّ الجميل التقدم ببادرة كريمة نحو جاره وشقيقه وصديقه؟!
عُرف منذ الازل عن الاحبة اهل العراق انهم وبعكس اهل الشام يكرهون السفر والغربة والهجرة وارتياد البحر «حتى اضطرهم صدام لذلك» لذا كان اقتصاد العراق يقوم على زراعة الغلة في هلاله الخصيب، ثم يقوم اهل الكويت وسفنهم بالاسفار وخوض غمار البحار لتصدير تلك الغلة الى دول الخليج وفارس افريقيا وشبه القارة الهندية ليحضروا بدلا منها لأهل العراق ما يحتاجونه من أرز واخشاب وتوابل وغيرها.
وما ان ظهر الثراء في كويت الخمسينيات حتى كان العراق وشعبه المستفيد الاول من الخير الكويتي عبر الدعم المالي المباشر واستقدام الاشقاء العراقيين كخبراء واطباء ومدرسين وعمالة هامشية، كما اصبحت الكويت ملاذا لكل مضطهد في العراق ابان سلسلة حكم الانقلابات العسكرية الذي ساهمت الكويت باسقاطه عام 2003 وتحرير شعب العراق من نير طغيانه.
وفي مرحلة قاسم كانت الكويت ذات الحكم الوراثي المحافظ اول من اعترف بالحكم الثوري اليساري الجديد وارسلت وفود التهنئة بعد ايام فقط من انقلاب 14/7/1958، كما زار حاكم الكويت الشيخ عبدالله السالم بغداد في اكتوبر من نفس العام للتهنئة وعرض تقديم المساعدة حيث استقبله عبدالكريم قاسم في المطار كحاكم دولة، وبقيت العلاقة وثيقة حتى 16/6/61 عندما وجه قاسم دعوة للشيخ عبدالله السالم او من يمثله لحضور احتفالات تموز (يوليو) وبعدها بثلاثة ايام فقط ومع اعلان استقلال الكويت انقلب قاسم رأسا على عقب مسددا طعنة بالظهر لمن دعمه «كرر قبل مدة رجل كل العصور عدنان الباجي في شهادته على العصر مع احمد منصور تبريره لتلك المطالبات رغم اعترافه بان الكويت من توسط له وفتح له باب الرزق في دولة الامارات».
وبقيت العلاقات الكويتية ـ العراقية وثيقة ابان حكم العارفين وامتدت لايام البكر رغم اعتداء قواته علينا في «الصامتة» وبعده صدام الذي قال للصحافيين ذات مرة إنه ابلغ ابناءه بأن يلجأوا الى الكويت فيما لو حدث له طارئ قبل ان يغدر بنا ويغزو ارضنا، وفي مرحلة لاحقة ساهمت الكويت بشكل رئيسي في عودة الديموقراطية والحرية للعراق وعودة مهجريه عبر تسخير ارضها ومائها وسمائها لعملية تحرير العراق 2003.
ان مساحة العراق الحالية هي 440 الف كم2 اي 25 ضعف مساحة الكويت البالغة 17 ألف كم2 فقط (ثالث اكثر بلاد العالم اكتظاظا بالسكان)، وللعراق مطلان على النهر والبحر بينما تحرم الكويت من وجود مطل طبيعي على شط العرب تشرب من خلاله الماء العذب الزلال بدلا من ماء البحر غير الطبيعي الذي يعيش عليه مواطنوها ومقيموها والذي يعتمد على حرق مادة باهضة الثمن هي البترول لتكريره وتقطيره.
آخر محطة:
حلم الكويت هو ببادرة عراقية مستحقة يفتح من خلالها ملف الحدود بشكل ايجابي لا للمطالبة وفرد العضلات بل للعطاء والامتنان وتعويضا لغزو 90 الذي لن نحتاج بعد تلك المبادرة لاي مبالغ نقدية كتعويضات وهو ما سيفيد اقتصاد العراق الشقيق، مضمون المبادرة «الحلم» هو منح العراق الشاسع ارضا للكويت تجعل لها مطلا على شط العرب وتزيد مساحتها الصغيرة الى 20 او 25 الف كم2 ولن تنقص من مساحة العراق الكبيرة شيئا.