سامي النصف

أحلام الكويت

ماذا لو قامت علاقة شقيقين او جارين او صديقين على معطى عطاء متصل من الاول للثاني جاوز امده وزمنه قرونا عدة، بينما لم يشهد الاول الا الأذى والتعدي ونكران الجميل من شقيقه الثاني؟! هل من الخطأ ضمن تلك المعادلة الحقيقية والواقعية، فيما لو صحا ضمير الشقيق الثاني وقرر كنوع من الأريحية وردّ الجميل التقدم ببادرة كريمة نحو جاره وشقيقه وصديقه؟!

عُرف منذ الازل عن الاحبة اهل العراق انهم وبعكس اهل الشام يكرهون السفر والغربة والهجرة وارتياد البحر «حتى اضطرهم صدام لذلك» لذا كان اقتصاد العراق يقوم على زراعة الغلة في هلاله الخصيب، ثم يقوم اهل الكويت وسفنهم بالاسفار وخوض غمار البحار لتصدير تلك الغلة الى دول الخليج وفارس افريقيا وشبه القارة الهندية ليحضروا بدلا منها لأهل العراق ما يحتاجونه من أرز واخشاب وتوابل وغيرها.

وما ان ظهر الثراء في كويت الخمسينيات حتى كان العراق وشعبه المستفيد الاول من الخير الكويتي عبر الدعم المالي المباشر واستقدام الاشقاء العراقيين كخبراء واطباء ومدرسين وعمالة هامشية، كما اصبحت الكويت ملاذا لكل مضطهد في العراق ابان سلسلة حكم الانقلابات العسكرية الذي ساهمت الكويت باسقاطه عام 2003 وتحرير شعب العراق من نير طغيانه.

وفي مرحلة قاسم كانت الكويت ذات الحكم الوراثي المحافظ اول من اعترف بالحكم الثوري اليساري الجديد وارسلت وفود التهنئة بعد ايام فقط من انقلاب 14/7/1958، كما زار حاكم الكويت الشيخ عبدالله السالم بغداد في اكتوبر من نفس العام للتهنئة وعرض تقديم المساعدة حيث استقبله عبدالكريم قاسم في المطار كحاكم دولة، وبقيت العلاقة وثيقة حتى 16/6/61 عندما وجه قاسم دعوة للشيخ عبدالله السالم او من يمثله لحضور احتفالات تموز (يوليو) وبعدها بثلاثة ايام فقط ومع اعلان استقلال الكويت انقلب قاسم رأسا على عقب مسددا طعنة بالظهر لمن دعمه «كرر قبل مدة رجل كل العصور عدنان الباجي في شهادته على العصر مع احمد منصور تبريره لتلك المطالبات رغم اعترافه بان الكويت من توسط له وفتح له باب الرزق في دولة الامارات».

وبقيت العلاقات الكويتية ـ العراقية وثيقة ابان حكم العارفين وامتدت لايام البكر رغم اعتداء قواته علينا في «الصامتة» وبعده صدام الذي قال للصحافيين ذات مرة إنه ابلغ ابناءه بأن يلجأوا الى الكويت فيما لو حدث له طارئ قبل ان يغدر بنا ويغزو ارضنا، وفي مرحلة لاحقة ساهمت الكويت بشكل رئيسي في عودة الديموقراطية والحرية للعراق وعودة مهجريه عبر تسخير ارضها ومائها وسمائها لعملية تحرير العراق 2003.

ان مساحة العراق الحالية هي 440 الف كم2 اي 25 ضعف مساحة الكويت البالغة 17 ألف كم2 فقط (ثالث اكثر بلاد العالم اكتظاظا بالسكان)، وللعراق مطلان على النهر والبحر بينما تحرم الكويت من وجود مطل طبيعي على شط العرب تشرب من خلاله الماء العذب الزلال بدلا من ماء البحر غير الطبيعي الذي يعيش عليه مواطنوها ومقيموها والذي يعتمد على حرق مادة باهضة الثمن هي البترول لتكريره وتقطيره.

آخر محطة:

حلم الكويت هو ببادرة عراقية مستحقة يفتح من خلالها ملف الحدود بشكل ايجابي لا للمطالبة وفرد العضلات بل للعطاء والامتنان وتعويضا لغزو 90 الذي لن نحتاج بعد تلك المبادرة لاي مبالغ نقدية كتعويضات وهو ما سيفيد اقتصاد العراق الشقيق، مضمون المبادرة «الحلم» هو منح العراق الشاسع ارضا للكويت تجعل لها مطلا على شط العرب وتزيد مساحتها الصغيرة الى 20 او 25 الف كم2 ولن تنقص من مساحة العراق الكبيرة شيئا.

احمد الصراف

المخيف والمهم والمضحك

جرت في عام 1993 انتخابات مجلس إدارة جديد لاحد البنوك، وكنت ضمن من فاز وقتها. وكان أول اقتراح تقدمت به هو عدم منح أي تسهيلات مالية لأعضاء مجلس الإدارة، أو لأقاربهم من الدرجة الأولى، إن لم تكن مغطاة بالكامل بضمانات رهن قوية، وعلى الأعضاء غير الراغبين في ذلك إغلاق حساباتهم والانتقال للتعامل مع مصارف أخرى! وأعلمت المجلس بأنني سأكون أول من يطلب إلغاء التسهيلات المصرفية غير المضمونة الممنوحة لي ولشركتي، والسابقة لانتخابي عضوا في المجلس. وللشهادة، كان التجاوب جيدا من الجميع وتمت الموافقة على الاقتراح والعمل به في حينه. أذكر ذلك ليس من باب التباهي ولكن لكي أدلل على حقيقة أن ليس من السهل اتباع الطريق الصحيح، ومقاومة الرغبة العارمة في الإثراء السريع وغير المشروع، فقد كان بإمكان قلة منا، المسيطرة على مقدرات البنك، الحصول على تسهيلات سهلة بملايين الدنانير، كما سبق وحصل في مراحل سابقة، وربما لاحقة، ومع مصارف كثيرة أخرى.
ما أود التطرق اليه هنا يتعلق بالفضيحة الفريدة، والمثيرة للاستغراب، والأولى من نوعها التي كشفها الشيخ أحمد العبدالله، وزير الإعلام ووزير النفط، في إجابته عن سؤال السيد أحمد السعدون، عضو مجلس الأمة، والتي وردت فيها، بصراحة مخيفة، تفاصيل العقود التي حصل عليها بعض أعضاء المجلس الأعلى للبترول، وهي الجهة الأكثر التصاقا بأمن الكويت ورفاهيتها ووجودها، ولا أدري كيف يحدث ذلك في الوقت الذي يفترض فيه أن هؤلاء الأعضاء يقومون بين الفترة والأخرى بإبراء ذممهم المالية ونفي وجود أي علاقة مالية لهم مع أي جهة نفطية؟
من السهل إطلاق مختلف الأوصاف والتهم على الأعضاء الذين أوردت بعض وسائل الإعلام أسماءهم الصريحة من واقع إجابة الوزير الرسمية والموثقة، وغالبيتهم سبق أن تولوا مناصب حكومية حساسة كالوزارة وإدارة سوق الكويت للأوراق المالية ورئاسة شركات مساهمة عملاقة ومناصب أمنية مهمة وبينهم مسيّسون دينيا وملتحون لا يتركون صلاة من دون إقامتها في مواعيدها، فهؤلاء، والحق يقال، آخر من يلامون، ضمن قائمة المسؤولية، وذلك لوجود مصلحة مالية دسمة لهم في هذه المخالفات الصريحة. ولكن اللوم يقع على الأعضاء غير المتورطين! فأين كانوا طوال سنوات؟ ولماذا سكتوا؟ هل طمعا في حصة أم لعجزهم عن الاستفادة كغيرهم؟ والمصيبة أكبر إن لم يكونوا يعلمون!
كما أن المسؤولية تشمل الحكومات السابقة، ووزراء النفط المتعاقبين فيها، بمن فيهم الوزير الحالي، الذي يبدو أنه لا يزال راضيا عن أداء هؤلاء الأعضاء ووجودهم في المجلس الأعلى، لا بل حاول تبرير عقودهم بالقول إن الحكومة مضطرة للاستعانة «بخبرات» القطاع الخاص في المجلس الأعلى للبترول! ولكن أليس في البلاد غير ها الأولاد؟
المخيف في الموضوع أن الشيخ أحمد العبدالله بط، أو ثقب القربة التي يتولى مسؤوليتها، فكم قربة هناك عند وزير المالية مثلا، أو حتى الأوقاف التي نتفت بطانتها الكثير من أرصدتها وطالبت بالمزيد؟
والمهم أن عقود هؤلاء السادة الأعضاء ستبقى سارية وقد تجدد، فالعرف السلطوي الكويتي يعارض دائما قطع الأرزاق.
والمضحك أن الوزير علل تأخره في إرسال الرد على سؤال النائب السعدون بحجة كثرة الجهات المرتبطة بأعمال المجلس! وكان بإمكان الوزير، اختصارا للوقت، توجيه سؤال لأعضاء المجلس طالبا منهم تزويده بتفاصيل عقودهم مع أي من الشركات والمؤسسات النفطية، وكان سيحصل على الجواب منهم خلال يوم واحد، بدلا من الانتظار لــ360 يوما!
* * *
• ملاحظة: أرسل السيد خالد بودي، عضو المجلس الأعلى للبترول، تصريحا للصحافة نفى فيه حصوله على أي منفعة من عضويته في المجلس! وإذا كان هذا صحيحا، فلمَ سكت عن تنفع بقية زملائه من عضويتهم، وإن لم يكن يعلم بتصرفاتهم، فلماذا لا يزال عضوا في المجلس؟

أحمد الصراف