سمعت من زمان نقلاً عن أهل الخير هذه العبارة ان المشرع حين وضع مبدأ المشاركة بين الكويتي والأجنبي في قانون التجارة القديم في بداية الستينيات، كان يهدف إلى أن يكون رأس المال من الكويتي ويقدم الأجنبي الخبرة، وانتهت الأمور إلى أن يغادر الأجنبي برأس المال وينتهي الكويتي بالخبرة…! عبارة تضخمت بمعان عنصرية إلا أنها قد تصدق أحياناً، ولا أعرف لماذا تذكرتها حين شاهدت النائب السابق جمال العمر في تلفزيون قناة سكوب- ولم يكن جمال محسوباً يوماً على المعارضة- يبدي خشيته من المبالغ "الفلكية" التي خصصت للخطة الخمسية نحو تحقيق حلم أو وهم الكويت مركز مالي وتجاري للمنطقة، فقد خصص لوزارة الأشغال ما يزيد على ثلاثة مليارات دينار كويتي، كي تظهر الكويت بالشكل اللائق حسب المواصفات الخليجية، وتلك المواصفات تلخص الحداثة والتنمية بعمارات شاهقة من الأسمنت وشوارع من الأسفلت… ولا شيء عن الثقافة والتنمية البشرية كأعظم رصيد لما بعد عهد البترول.
أعود إلى السيد جمال العمر، فقد سأل جمال متعجباً: كيف يمكن أن نخصص كل تلك الأموال للمشاريع القادمة، ولدينا هذا الكم الرهيب من النقص في الخدمات من أزمة مرور وشوارع ومستشفيات وبيروقراطية؟ وقال بما معناه: كيف نبدأ تلك المشاريع العملاقة وننسى واقع حالنا، ليس هناك معنى لتلك الأموال التي ستخصص "للخطة" ولوزارة الأشغال تحديداً غير فسح المجال لمزيد من الفساد ومزيد من السرقات.
لنترك كلام جمال فقد وضع إصبعه على الجرح، ونتخيل كيف يمكن "هبش" الثلاثة مليارات دينار تكلفة "عشيش" الكويت كمركز مالي وتجاري، فرغم اقتناعي بنزاهة السيد وزير الأشغال وجدية ديوان المحاسبة ورقابة لجنة المناقصات فإن كل أجهزة الرقابة تلك لا تمنع متنفذاً من ماركة "الديولكس" أن يختار مقاولاً كبيراً، ويكون أجنبياً في أغلب الأحوال، ويتم الاتفاق معه على نسبة مشاركة بين الكبير (المتنفذ) والمقاول الكبير الآخر، وبدوره يقوم الأخير، وبناءً على رغبة الأول، بتوزيع بعض حصص الكعكة الكويتية على فلان وعلان من أهل الخير، لضمان صمتهم وشراء ودهم، وهكذا تمضي الأمور، فمجلس الأمة مضمون وفي الجيب الحكومي، و"دهان السير" سيجري على قدم وساق، وبدلاً من محطة مشرف للمجاري ستكون هناك عشرات المحطات الطافحة بالخراب والآسن، وبدلاً من مستشفى جابر، الذي توقف العمل فيه، سيكون هناك مئات الأراضي المسورة لمشاريع الوهم حوطت بأسوار مزينة برسوم الوعود الخادعة عن موعد الافتتاح الكبير وسيكون في المشمش، وعوضاً عن استاد جابر أيضاً، سيكون هناك مئات التجاوزات في ملاعب الكويت القادمة… والكويت كلها هي ملعب لهم…! من هو المتهم الذي سيحاكم بالغد في المشروعات الفاشلة؟ من سيساءل في النهاية… المصمم الأجنبي الذي قالوا عنه إنه لا يوجد خطأ في تصميماته أم الخطأ في الوزارة المشرفة… أم الخطأ منسوب للمقاول الذي ترك البلاد بعد أن أدى الواجب في المقاولة الكبرى لكويت المركز المالي والتجاري للمنطقة…؟ ليس هناك من كلمة عزاء نقولها لأبنائنا غير: لكم الله.