محمد الوشيحي

حامل العلمين… 
خالد الفضالة

الشاب خالد الفضالة، أمين عام التحالف الوطني الديمقراطي (التيار الليبرالي في الكويت) صدر ضده، أمس الأربعاء، حكم أول درجة بالسجن ثلاثة أشهر وغرامة مالية، في القضية التي رفعها ضده سمو رئيس الوزراء، بعدما قال الفضالة في حملة «ارحل نستحق الأفضل» إن «تخريجات» مصاريف ديوان الرئيس تعتبر غسل أموال.

أذكر المعلومة هذه لمن يقرأ صحافتنا من خارج الكويت…

ومعلش، كنت قد وعدت صديقي، شهر يوليو، بعدم الحديث عن السياسة، إلا أنه سيعذرني وهو يعلم ما حدث للفضالة… والفضالة، لمن لا يعرفه عن قرب، ذو نَفَس طويل يبزّ نفَس المقرئ المرحوم عبدالباسط عبدالصمد إذا تجلّى على مقام النهاوند، وهو صبور كالسدرة(*)…

وبعدما تهاوى التيار الليبرالي في الكويت، وسقط «العَلَم» من أيدي فرسانه، وانقلب بعضهم فانضموا إلى الخصوم، وولى الغالبية الأدبار أمام سطوة ذوي القرار والدينار، التفّ هو ومجموعة معه عائدين، فحمل العلمين، الكويتي والليبرالي، وتقدم الجموع، فتعرض لطعنات في صدره من الخصوم، وأخرى في ظهره من بعض الليبراليين الرخوم، الذين اعتادوا ربط فانيلّاتهم على مؤخراتهم كما تفعل حسناوات أوروبا أثناء التسوق. خالد الفضالة، بحسب موقعه، كان بإمكانه أن يقف أمام المرآة ويعتني بتسريحة شعره، ويتعلم الجلوس على الركب أمام الكبار، فيجني الثمار. كان بإمكان «بو سند»، خالد الفضالة، أن يتبادل الغمزات والتنسيق مع بعض جمعيات النفع العام التي نعرفها ونعرف غمزاتها، ليكنز أموالاً يغار منها قارون، لكنّه سيكون شخصاً آخر غير خالد الفضالة. على أن أول من سيعارضه ويتبرأ منه لو فعل ذلك هو والده الوطني الشهم الدكتور سند الفضالة. فهذا الخالد من ذاك السند.

وأمس الأربعاء، بعد صدور الحكم بسجن الفضالة، تلقيت اتصالاً من زميل عربي: «ماذا لديكم أيضاً؟ ما حكاية (سجن ناشط سياسي كويتي) التي وصلتنا تواً؟»، فأجبته: «الكويت تعاني الزحمةَ، ويبدو أن الحكومة قررت تخفيف الضغط عن الشوارع، فباشرت رفع القضايا على معارضيها. والفضالة ليس ناشطاً عادياً كما هو حال المكدّسين على أرفف الجمعيات، الفضالة يا سيدي أحد أبرز السياسيين بحسب موقعه. والكويت ستستمر تدور في الساقية كما يدور الثور، ما لم تتغير الأوضاع. الكويت يا زميل تتأرجح على حبل غير مشدود، وتفرد ذراعيها كي لا تسقط من علٍ وترتطم بالأرض فيتهشم رأسها، والفضالة وبقية المعارضة يشدون الحبل ويحبسون أنفاسهم ويتضرعون إلى الله أن يحفظها». وأكملت: الفضالة، مذ كان طالباً في أميركا، بدأت صافرات إنذار الفاسدين تنطلق محذرة منه، وبعد عودته إلى الكويت صرخ بأعلى وطنيته «إلا الدستور»، فأزعجتهم الصرخة، وأنيس منصور يقول: «لا يصرخ الإنسان بصوت منخفض»، ثم ساهم في حملة «نبيها خمس» التاريخية، وقاتل لإقرار حقوق المرأة، ولم يكُ يوماً عنصرياً ولا طائفياً، ووو، فأدركوا أنه سيزعجهم، فقرروا أن «يخرّبوا عشّه قبل أن يكبر طيره».

ويا خالد الفضالة ماذا أصاب الكويت؟ وبمَ سنجيب إذا قرأ أمامنا أحفادنا: «بأي ذنب قُتلت»؟

ومنذ اللحظة سيبدأ التنافس على الفزعة لخالد الفضالة وللحريات، ضد نهج الحكومة القمعي، بين أنصار «التكتل الشعبي» وأنصار «التحالف الوطني». والغلبة طبعاً كالعادة ستكون لأنصار الشعبي الذين سيتحملون مؤونة السفر، ويصبرون على وعثائه. وليعذرنا الأصدقاء في التحالف، فالسموم واللواهيب تحرق الجلود وتجفف الحلوق.

***

(*) السدرة: شجرة صحراوية تصبر عن الماء فترات طويلة. 

حسن العيسى

من سيكون المتَّهم القادم؟!

تحت مظلة دولة المؤسسات الدستورية، يصبح من حق أيِّ فرد أن يلجأ إلى القضاء إذا أصابه سبٌّ أو قذفٌ وفق نصوص القانون، ولا مكان للاستثناء حين يكون المتضرر موظفاً عاماً.   
لكن إذا كان هذا الموظف العام شخصية قيادية أو رمزاً سياسياً فهناك حدود وقيود يُمليها واقع الحريات الدستورية في الدولة، أوّلها حق النقد وحق إبداء الرأي في منهج وسياسة تلك الشخصية القيادية في إدارة مؤسسات الدولة، فلو لم يكُن للشيخ ناصر  المحمد صفة سمو الشيخ ناصر محمد الأحمد رئيس مجلس الوزراء، لما كان هناك مكان ولا سبب لانتقاده، وهنا لا يُنتقَد "شخص" الشيخ ناصر، إنما يكون محل الانتقاد "ممارسة" سموه في إدارة شؤون الدولة، وبهذا تختلف دولة المؤسسات الدستورية عن دولة الاستبداد، ونفرق بين ممارسة السلطة العامة والتعسُّف في استعمال السلطة، حين يتم في الحالة الأخيرة إغراق أصحاب الرأي بسيل من الدعاوى تحت مبرر الضرر من جراء السبِّ أو القذف أو خرق قانون أمن الدولة أو المطبوعات أو النشر.
واهمٌ من تصوَّر أن قضية و"قضايا" الزميل محمد الجاسم انتهت، وأن "قضيتنا" تم كسبها بسبب الإفراج المؤقت عن الزميل.   
قضيتنا، كما نكرر، عنوانها حرية الضمير وحرية نقد رموز المؤسسات العامة، مهما كانت قسوة وشدّة كلمات ممارسة حق النقد.
عنوان القضية في الأمس محمد الجاسم، واليوم تحمل عنوان خالد الفضالة، وغداً سيكون عنوانها أي فرد كتب أو تحدث منتقداً شخصية قيادية أوكل إليها قيادة مؤسسات الدولة.
نعرف أن لدينا نصوصاً تعارض أبسط المعايير الدستورية، ونعرف أن لدينا تراثاً عريضاً يكاد يقدِّس مؤسسة الحكم، وأن الخليفة هو ظلُّ الله في الأرض كما قال أحد خلفاء بني العباس، وأن مفهوم "الهيبة" يعني الجلال والرهبة وعدم جواز المساس  بمن هم في مؤسسة الحكم… ونعرف أن لدينا مجلس نواب "لا يهش ولا ينش"، وأعجَز من أن يتصدى لتعديل التشريعات الجائرة المعارضة للدستور، ونعرف أن الحكومة تحيا في شهر عسل ممتد مع برلمان رجع الصدى، لكن في الوقت ذاته لدينا أمل كبير في "القِلّة" من النواب وأصحاب الرأي الذين تحركوا في الأمس مع الجاسم، أن يشدّوا عزمهم الآن، ليس من أجل خالد الفضالة ولا غيره من القادمين في دولة الرأي الواحد والفكر الواحد، إنما من أجل دولة الحريات ودولة الدستور.

احمد الصراف

إيران وتركيا.. مثال صارخ آخر!

تقوم العقائد بفعل ثلاثة أشياء بطريقة فعالة جدا: تقسيم الناس لشيع وطوائف، السيطرة عليهم، وإغراقهم في الوهم.

***
يعتبر الكثيرون ايران بلدا رائعا، ففيها تتفاوت درجات الحرارة من الشمال البارد الى الجنوب الحار لأكثر من 20 درجة، كما تكسو الغابات مناطق شاسعة منها، وتغطي الثلوج هامات جبالها، ولها شواطئ رملية رائعة، وبها كم هائل من الآثار تتوزع على مدن عدة رائعة الجمال، وأسواقها القديمة لا تضاهى بثرائها، وشعبها يميل للحياة الجميلة La Dolce Vita، كما تشتهر بتنوع منتجاتها الغذائية ومطبخها الشهير.
وعلى الرغم من امتلاك ايران لكل مقومات التقدم الصناعي والزراعي وأن تكون بلدا سياحيا من الدرجة الأولى، وهنا أعتقد شخصيا أنها وأميركا -والى حد أقل بكثير روسيا والعراق- الوحيدتان في العالم اللتان تمتلكان كل شيء تريد أي دولة امتلاكه من أرض وشعب وثروات ومياه ومعادن وعمق ويد عاملة! فإننا نلاحظ -بعد التمعن في وضعها- أنها، وعلى الرغم من شعبها الشديد المراس البالغ عدده 75 مليونا، ومساحتها الشاسعة التي تزيد على مليون و600 ألف كيلو متر، لا تشكل أهمية على المستوى الدولي بغير صوتها العالي وقدرتها على خلق الهلع والرعب لمن يعاديها. فهي لا تنتج -تقنيا وصناعيا وفنيا- شيئا يستحق الاشارة إليه، وتعتمد في معيشتها على الاستيراد من الخارج وما تبيعه من بترول، والحصار «الغربي» الذي بدأت آثاره بالظهور ستكون له تبعات اقتصادية وبشرية وزراعية بالغة القسوة عليها، وهنا نجد أن هم شعبها، كما هي حال غالبية شعوبنا، أصبح يتركز في نهب ما يمكن نهبه في ظل كل الفساد المستشري، والوقوف على أبواب السفارات للحصول على فيزا، أو الهرب من جحيم الملالي لأقرب دولة، ويا حبذا لو كانت أوروبية أو أميركية، وللأبد. أما حال نصفها من النساء فحدث ولا حرج، كل ذلك لأن من أمسك بمقدراتها، أو حكمها طوال عقود طويلة، انتقل بها من الحكم العسكري الفاسد الى السافاك ومن ثم للحرس الثوري، وكان هدفهم جميعا قمع وقتل وسجن كل من يعارض النظام، وتحويل البلاد إلى سجن كبير، مع هدف وحيد هو ابقاء القيادة، أيا كانت، في الحكم بانتظار قدوم المهدي!
والسؤال هو: ما الذي ينقص ايران لتصبح دولة مزدهرة؟ ولماذا يهرب منها مواطنوها ويعرضون أنفسهم للموت أو السجن في سعيهم للبحث عن عمل؟ أليست هي لقمة العيش؟ وكيف تفشل كل الأنظمة التي حكمت ايران منذ مائة عام أو أكثر -وبكل غنى الدولة- في أن تؤمن لهذا الشعب الحد الأدنى من الكرامة والعيش الكريم؟ وكيف فشلت ايران، بكل امكاناتها، في أن تكون دولة جاذبة لليد العاملة بدلا من أن تكون طاردة لها؟ أليس هو النظام الديني المتيبس الذي فعل الشيء ذاته في غالبية دولنا العربية الاسلامية المباركة؟!
ولو نظرنا الى تركيا، التي حولها مصطفى كمال أتاتورك الى دولة علمانية متقدمة، التي يقارب عدد سكانها سكان ايران يعيشون على نصف مساحة الأرض، وليس لديهم أي من موارد ايران العظيمة، لوجدنا أن تقدمها الصناعي والزراعي والتجاري مبهر على كل المستويات. كما تتمتع بحرية وديموقراطية تفوقان بأشواط كثيرة ما لدى ايران، ويكفي أن المواطن التركي معزز مكرم بما له من حقوق في الح.ل والترحال وقت ما شاء، ولا توجد عشرات محطات التلفزيون والاذاعة في خارجها تهاجم نظامها وتطالب باسقاطه!
ان مثال ايران وتركيا مثال آخر صارخ، اضافة الى مثال الهند وباكستان، على ما يمكن أن ينتج عن تبني العلمانية كنظام سياسي، مقارنة بالأنظمة الدينية التي لا تؤمن الا بالرأي الواحد، والحاكم الواحد المطلق الصلاحية.

أحمد الصراف