سامي النصف

شيء من الاقتصاد

حتى بداية الحرب الاهلية اللبنانية عام 1975، كان سعر الدينار الكويتي يعادل 7 ليرات لبنانية، وكان الامر مرشحا لتعادل سعر صرف العملتين خلال 5 سنوات (اي دينار كويتي = ليرة لبنانية، بدلا من دينار = 5 آلاف ليرة حاليا) نظرا للهبوط الشديد في اسعار النفط بالثمانينيات في وقت كان يفترض فيه ـ لو لم تقم الحرب الاهلية اللبنانية ـ ان يرتفع معدل الدخل في لبنان بسبب تدفق اموال «البترودولار» الخليجية والعراقية والايرانية الى ما يقارب الدخل في سويسرا وسنغافورة المشابهة اوضاعها للاوضاع اللبنانية.

 

ومع تسلم صدام الحكم اواخر السبعينيات واوائل الثمانينيات، كان سعر الدينار العراقي يساوي الدينار الكويتي، بل اصبح قبيل شنه الحرب على ايران يعادل دينارا كويتيا ومائة فلس (بدلا من دينار كويتي = 5 آلاف دينار عراقي حاليا)، وفي كلتا الحالتين اللبنانية والعراقية تسببت الاوضاع السياسية غير الحكيمة في تدمير تام للاوضاع الاقتصادية، مما يدل بشكل قاطع على ان معدلات وجود التعقل والاتزان في الدول اهم كثيرا من وجود الثروات الطبيعية كالنفط والمياه والمعادن والاجواء المناخية المناسبة والمزارات السياحية.

 

في عام 2001، لم يكن سعر اونصة الذهب يزيد على 255 دولارا، الا انه ارتفع بشكل متواصل خلال السنوات العشر الماضية الى ما يقارب 1250 دولارا حاليا متخطيا بكثير عوائد ودائع البنوك والاسهم والاراضي والسندات.. الخ. ويعتقد البعض ان السعر قد يرتفع الى ما يتجاوز 2000 دولار للاونصة خلال المدة المقبلة (والله اعلم) لسبب بسيط هو اكتشاف كبار الاقتصاديين ان اغلب دول وبنوك وشركات العالم الكبرى هي مفلسة بالفعل ولا تساوي شيئا بالمفهوم الاقتصادي الحقيقي، وان العملات الرئيسية في العالم لا تساوي في حقيقة الامر الورق الذي تطبع عليه وهو ما يعيد إلى الاذهان ما حدث في المانيا بعد الحرب العالمية الاولى عندما قامت بطباعة المارك لتسديد ديونها دون غطاء ذهبي مما جعل عملتها تنهار خلال سنوات قليلة (1918 ـ 1924) من دولار = 8 ماركات الى دولار = 4.2 مليارات مارك، واصبح على الالماني ان يحضر معه عربة مليئة بالماركات ليشتري ربطة خبز.

 

ولا يكفي الاقتصاد العالمي مرارة وقوع ازمة عالمية غير مسبوقة في التاريخ ولا افلاس او تعثر اكبر البنوك والشركات العظمى كسيتي غروب وميريل لينش وغولدمان ساكس وشركتي العقار فان مي وفريدي ماك وشركة التأمين الاميركية العريقة حتى اضيف لها هذه الايام شركة طاقة كبرى انخفض سعر سهمها من 62 دولارا الشهر الماضي الى 29 دولارا هذه الايام بسبب المشاكل البيئية التي تسببت فيها.

 

ما سبق هو ارضية جيدة لتذكير بعض مشرعينا بأن يتوقفوا عن دغدغة المشاعر بعمليات الهدر المالي والتي اذا اضحكت شعبنا اليوم فإنها ستبكيه قطعا في الغد، فما يصرف لن يعود قط، ولا يمكن لدولة مثل اليونان على سبيل المثال ان تدعو شعبها لاعادة ما اخذه كوسيلة لسد عجز الميزانية، لذا فاتقوا الله في شعبنا الطيب ولا تبيعوه احلاما تتحول عند الصباح الى كوابيس مرعبة.

 

آخر محطة: 1 ـ لدينا في الكويت خبرة متراكمة تقارب 60 عاما في الاستثمار المالي في الاسواق العالمية كبديل وحيد للنفط، حيث لا نملك بدائل صناعية او زراعية او خدماتية كالدول الاخرى وتلك الخبرة المالية والاستثمارية سابقة لخبرات دول اخرى مثل اليابان والصين وكوريا والدول الخليجية والاوروبية الاخرى التي لم تملك فوائض الا في السنوات الاخيرة، فهل احسنا الاستفادة من تلك المتغيرات الدولية عبر الدخول والخروج والشراء والبيع في الوقت المناسب؟ نرجو ذلك.

2 ـ هل نحن مستفيدون وملتزمون بما جاء في رؤية الكويت 2035 وخطة التنمية وتقرير لجنة الكويت الوطنية للتنافسية؟ واذا لم نقم بذلك فما فائدة تلك الدراسات والمعلومات التي تحتويها؟!

احمد الصراف

مجرد سؤال

يعتبر الفنان الأميركي الراحل جورج كارلن من أشهر فلاسفة الكوميديا في أميركا، إن لم يكن في العالم، وأكثرهم إثارة للجدل. ولكارلن مجموعة أقوال يوردها البعض في كتاباتهم وتنتشر على الإنترنت من دون الإشارة لقائلها، وربما أكون أحدهم. وفي احدها يقول ان من تناقضات عصرنا أننا أصبحنا نمتلك عمارات أطول ولكن وجهات نظر أكثر ضيقا، وأننا ننفق أكثر ولكن نتمتع بالحياة بصورة أقل. كما أصبحنا نمتلك بيوتا أكبر، ولكن عائلاتنا أصبحت أصغر، كما أن شهاداتنا أعلى ولكن مداركنا أقل، ومعرفتنا أوسع ولكن أحكامنا أضيق، ومشاكلنا أكثر ربما لأن الخبراء بيننا أكثر. كما أن صحتنا أصبحت أضعف بالرغم من زيادة أدويتنا وأطبائنا، كما ونوعية. وأصبحنا نشرب أكثر وندخن بشراهة، ونصرف بغير تدبير ونضحك بدرجة أقل، ونقود السيارة بسرعة ونغضب بسرعة أكبر، ونطيل السهر ونقوم من النوم متعبين ومتأخرين، ونقرأ أقل ونشاهد التلفزيون أكثر وفوق هذا نادرا ما نفكر بالروحانيات.
وبالرغم من أننا نجحنا في مضاعفة ثرواتنا، كأمم وأفراد، فان قيمنا تناقصت. وأصبحنا نتكلم كثيرا ولكن نحب بدرجة أقل، ونكره هذا ونبغض ذلك.
وبالرغم من نجاحنا في خلق حياة لأنفسنا فاننا فشلنا أن نحياها بطريقة سليمة، وأضفنا سنوات لعمرنا ولكن لم نضف قيمة لتلك السنوات. ونجحنا في الوصول للقمر إلا أننا واجهنا صعوبة في الوصول والتواصل مع جارنا عبر الشارع. وتمكنا من اختراق الفضاء الخارجي ولكن عجزنا عن ملامسة فضائنا الداخلي! كما نجحنا في تنظيف مناطق كبيرة من التلوث ولكن نسينا تنظيف أرواحنا من الأحقاد والضغائن، وأصبحنا نكتب أكثر ونتعلم أقل، وما تعلمناه هو أن نستعجل ولكن فشلنا في أن نتروى! كما صنعنا كمبيوترات أضخم بإمكانها خلق نسخ أكثر وتقارير أشمل، ولكن تواصلنا مع بعضنا أصبح أقل وأقل. وأصبح عصرنا عصر الأكلات السريعة والهضم المتكاسل، وأجسام أكبر ولكن شخصيات أصغر وأضعف. وأصبحنا نعيش عصر الدخل العائلي المزدوج ولكن بحالات طلاق أكثر. ونسكن بيوتا أجمل ولكن بشروخ عائلية أكثر.. إنه عصر السرعة في السفر واستخدام الحفاظات والمناديل الورقية وكل شيء استهلاكي سريع، وأصبحت صيدليات المنزل تحتوي على أدوية للكآبة والترهل وخلق السعادة الوهمية والشعور المزيف بالسكون والاطمئنان! إنه عصر يأتي لك فيه هذا المقال بأسرع من لمح البصر فإما أن تأخذ بمعانيه، أو ببعضها على الأقل، أو تقلب الصفحة وتستمر في حياتك، ولكن قبل أن تفعل تذكر أن من المهم أن تقضي وقتا أطول مع من تحب فلن يكونوا من حولك إلى الأبد، وأن تضم صغارك الى صدرك وتقول لهم كلمة حانية فهؤلاء أيضا لن يطول مكوثهم حولك عندما يكبرون ويذهبون لحال سبيلهم..».
ويقال ان من أقواله في تعريف السيجارة انها لفافة تبغ في طرف منها نار وفي طرفها الآخر شخص غبي، وهو راض بذلك! أما السيجار الكوبي ففي طرفه نار وفي طرفه الآخر غبي أكبر، وهو سعيد بذلك!
وهنا يخطر على بالي مجرد سؤال: لو كان جورج كارلن يعيش بيننا فما الذي كان سيقوله فينا، هذا إذا تجرأ أصلا على قول الحقيقة؟!

أحمد الصراف

سامي النصف

الموت في غزة والإبادة في صبرا

الصور العادية بألف كلمة، أما التقرير الوثائقي المصور فيغني في رأيي عن مائة ألف كلمة، قامت الإعلامية البريطانية الشابة سارة والمصور البريطاني جيمس ميللر (33 عاما متزوج ولديه طفلتان) بتصوير حي للأوضاع المأساوية في غزة عبر المكوث هناك لأشهر عديدة والتقاء الأطفال والنساء، وبعد النهاية المأساوية التي جرت لهما تم عرض الفيلم المسمى «Death in Gaza» على قنوات عالمية واسعة الانتشار، كما حاز الفيلم عدة جوائز عالمية.

يبدأ الفيلم بلحظة تفجير سيارة مسؤول فلسطيني ومن معه، ونرى الأطفال الصغار وهم يساعدون في لمّ بقايا جسده المتناثرة، فهذا طفل يلتقط إصابع وذاك رأسا وثالث أمعاء.. الخ، كما يلتقي الفريق الإنجليزي بالطفلين أحمد ومحمد اللذين يعملان مع المقاومة الإسلامية ويبديان رغبتهما الشديدة في الاستشهاد والموت بدلا من الحلم بالحياة، كما نتابع عملية استشهاد الطفل أسامة الشاعر الذي لا يزيد عمره على 14 عاما.

كما يلتقي سارة وجيمس بفتاة فلسطينية عمرها «16 عاما» وشقيقتها الصغيرة وقد استشهد لهما 8 من الإخوة والأقارب المباشرين، والفيلم الوثائقي شديد الحزن والتأثير على المشاعر الإنسانية ولا يمكن لمن يشاهده إلا ان يتعاطف مع الأوضاع القائمة في غزة والقطاع، كما يلتقيان بأمهات فلسطينيات يطالبن بإنهاء الأوضاع المأساوية حيث يتوقعن في كل مرة يخرج فيها أبناؤهن وأطفالهن ان يصل خبر بموتهم واستشهادهم.

تتصل الطفلة الفلسطينية واختها بالصحافية والمصور بعد أن اقتربت الجرافات والعربات المحملة بالجنود من بيتهما لهدمه فيحضر الاثنان ويقومان بعمل لقاء مع أهلهما ثم يقرران العودة للفندق ونسمع من الجرافات والعربات أغاني فيروز وكلاما بالعربي يثبت ان هؤلاء الجنود هم من عرب فلسطين المنضوين تحت الجيش الإسرائيلي، ويخرج المصور جيمس ميللر يحمل العلم الأبيض وبجانبه سارة ومترجم وخلفهم الكاميرا تصور ما يحدث ويخبرون الجنود بأنهم من الصحافة البريطانية، إلا ان رصاصة تنطلق من الجنود تصيب رقبة ميللر وتقتله في الحال، ويذكر في نهاية الفيلم الحزين ان احدا لما يحاسب حتى اليوم على تلك الجريمة.

وفي فيلم وثائقي إسرائيلي اسمه «Waltz With Bashir» حائز كذلك عدة جوائز عالمية، يروي الإسرائيلي اري فولمان وبصدق قصة غزو لبنان وما حدث في مخيم صبرا وشاتيلا ويعترف بأن القتلة تخفوا بزي الجيش الإسرائيلي لطمأنة الفلسطينيين، كما ان ذلك الجيش بقيادة شارون ظل لمدة ليلتين يطلق القنابل المضيئة في سماء المخيم مما ساعد القتلة في جرائمهم، الفيلم ومثله مقال لإسرائيلية نشرته صحيفة «الهيرالدتريبيون» السبت الماضي يظهران أن هناك ضمائر حية محبة للسلام مازالت باقية في إسرائيل تحتاج الى من يدعمها.

آخر محطة:

من قبل ما يقارب القرن كتب كثير من المفكرين العرب كأمير البيان شكيب أرسلان وكذلك المفكرون الفلسطينيون عن كيفية الاستفادة الإيجابية من اضطهاد العالم لليهود ووجودهم في منطقتنا لتطويرها. المساعدة الحقيقية للفلسطينيين وحل الوضع المأساوي القائم لا يتأتى بالتحريض والتثوير والتأجيج بل بمحاولة الوصول لحل سلمي يفيد الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي يقوم على مبدأ كسب الطرفين وحقن دمائهم، فكفى بغضا وكراهية وترويعا لأطفال فلسطين ولبنان وإسرائيل فقد جرب الفرقاء مسار الحرب والدم فلم يستفد أو يكسب أحد، وحان أوان تجربة مسار السلام الحقيقي.

حسن العيسى

واحات في صحراء د. النفيسي


ما قاله الدكتور عبدالله النفيسي في أحد الدواوين بشأن السيد المهري من أن السيد المهري جاء "سباحة من البحر" خطأ، ومهما تكن شدة الخلاف القديم بين الدكتور النفيسي والسيد المهري فإنه لا يبرر أي نزعة استعلاء على الغير مهما تباينت أصولنا واختلفت توجهاتنا، فنحن أبناء وطن واحد في النهاية، ويفترض أن نكون متحدين في القاسم الإنساني، لكن يظل الدكتور النفيسي مثالاً حياً للمثقف القلق، ويفترض بهذا المثقف أن يتعالى بإنسانيته فوق اعتبارات العرق والطائفة وكل إشكال "القبائلية".


مع ذلك يسلط الدكتور عبدالله بقعة الضوء المثيرة على كثير من مواقع الظلام في الدولة والمجتمع الكويتي، فحين يقرر أن الديمقراطية في الكويت صحراوية على أرض رخام فهذا وصف صحيح برأيي، فهي اليوم "صحراوية" بفكرها الجاف وقسوة بيئتها وبسبب حالة الاستقطاب القبائلي مهما كانت هذه القبائلية ملتحفة ومتغطية بمسميات مختلفة مثل العائلة والطائفة والشللية والعرق… هي اليوم صحراء جرداء عانى عبدالله النفيسي ونحن معه خواءَها وخواء الفكر الذي أنتجها، وليس هذا عيب الديمقراطية كأسمى مراحل التطور السياسي وإنما هي كذلك عندنا بسبب هيمنة السلطة الواحدة على سمائها منذ عام 67 من القرن الماضي عام تزوير الانتخابات، ثم في أوائل الثمانينيات حين غيرت وعدلت الدوائر الانتخابية لتكرس التقسيمات العشائرية والطائفية، فحرمت تبعاً لذلك هذه الديمقراطية أمطار التحديث والتطور والثقافة وكل أسباب التقدم والمعرفة، وتم عبر سنين طويلة مسخ هذه الديمقراطية الوليدة في المنطقة من الداخل الكويتي ومن الخارج الذين رأوا فيها شذوذا عن معايير ونواميس العروبة في ديمومة البقاء بالحكم الى ما شاء الله. فانتهينا اليوم إلى ما نحن فيه.


يهمني كذلك تقسيم الدكتور النفيسي للمجتمع الكويتي إلى أربعة أقسام، قسم واحد يريد الاستمرار في السلطة، وقسم ثانٍ يسعى إلى الحكم وهو كارثة السياسة الكويتية الآن، وقسم ثالت من المثقفين والكتاب والصحافيين القلقين من اللاجدوى، وهي "لا جدوى" كويتية بصدق وليست فلسفية عبثية وجودية من الحياة وخلوها من المعنى، هذا القسم الذي يرى الأمور تسير من سيئ الى أسوأ، ويشاهد الدولة تعبر حفرة صغيرة لتقع في بئر عميقة! هي "لا جدوى" فراغ الفكر والكتابة الجادة حين تضج صفحات عديدة من جرائدنا ووسائل إعلامنا بثرثرة مسح الجوخ ويعلوها أتربة الرياء واجترار معانٍ منتهية الصلاحية لكنها تلائم ثقافة "الجمهور عاوز كده"، وكان هذا ما فهمته وفسرته عن القسم الرابع في المجتمع الكويتي من حديث الدكتور عبدالله النفيسي.


مهما يكن عليه الأمر، ومهما كان جدب صحرائنا في السنوات الأخيرة، تبقَ هناك واحات قليلة وارفة الظلال فيها، يجتهد ويعمل بها عدد من نواب الأمة ومن أصحاب الرأي الذي لا ينشد أصحابه عرض الدنيا… فليس بإمكاننا أن نفقد الأمل في الغد مهما طالت واستدامت جروحنا، فبالأمل نبقى وبنخيل واحاته سنستظل ببسمة الفرح ولن "نغسل أيدينا" من قدر التاريخ وسنة التغيير.


احمد الصراف

أنا التلفزيون

طلبت المدرّسة من تلاميذ فصلها كتابة نص عما يتمنون أن يكونوا عليه أو يحدث لهم.
في نهاية الدوام المدرسي جلست المدرّسة في بيتها تراجع ما كتبه طلبتها، واسترعت نظرها رسالة بعينها، وما ان انتهت منها حتى امتلأت مآقيها بالدموع تأثراً بما قرأت، وفي تلك اللحظة دخل زوجها عائداً من عمله وشاهد تأثرها الشديد، فسألها عما حدث، فمدت يدها له بورقة الاجابة وطلبت منه قراءتها، فقرأ: يا الهي سأطلب منك الليلة شيئاً خاصا جدا. أريدك ان تحولني الى جهاز تلفزيون، وأن آخذ مكان جهازنا في البيت، وان اعيش مثله بيننا، وان يكون لي مكان خاص بي وان تجتمع عائلتي حولي. وأن أعامل بجدية عندما أتحدث، وأن اكون مركز الاهتمام وألا اقاطع عندما اسأل، وان اتلقى العناية نفسها التي يحظى بها التلفزيون عندما لا يعمل لسبب أو لآخر، وان اتمتع برفقة والدي عندما يعود الى البيت مساء، حتى عندما يكون متعبا، وأن تتعلق بي أمي حتى وهي حزينة أو متكدرة، بدلا من كل عدم الاهتمام الذي القاه الآن.. كما أريد يا إلهي من أخي أن يتعارك من اجل ان يكون معي، وأن اشعر ان عائلتي بين الفترة والاخرى تترك كل شيء فقط لتقضي بعض الوقت معي، واخيرا اتمنى ان اجعلهم جميعا سعداء.. واتمنى ألا أكون قد بالغت في طلبي، فما اريده هو أن اعيش كجهاز التلفزيون.
***
وما إن انتهى الزوج من قراءة الرسالة حتى قال متأثراً: شيء محزن، يا له من طفل حزين ووالدين تعيسين، ولكني يا حبيبتي لا أجد الامر يستحق كل هذا الحزن!! فردت عليه قائلة: كاتب هذه المقالة هو ابننا.
***
(نص مترجم بتصرف من الإنترنت)

أحمد الصراف

سعيد محمد سعيد

والله… نحب هذا الوطن

 

في حلقة الأسبوع الماضي من برنامج «حلول» الذي يقدمه الزميل علي حسين بتلفزيون البحرين، والذي تناول أزمة «السكن» من أبعادها المختلفة إدارياً وبلدياً واجتماعياً، تحدث أحد المواطنين وشقيقته في تقرير وصف معاناة تلك الأسرة التي اختزلت معاناة آلاف الأسر المدرجة على قائمة الانتظار والتي يصل عددها إلى 50 ألف طلب.

بعد 18 عاماً من الانتظار، لم يجد المواطن إلا أن يقدم شقيقته على نفسه، أي أنه يمني النفس بأن تحصل شقيقته على وحدة إسكانية قبله، حتى مع شدة معاناته مع المرض واعتلال صحته… أما المواطنة، فلم تتمالك نفسها وهي تصف الحالة الصعبة التي تعيشها هي، ويعيشها بالطبع معها الآلاف من الأسر، فتركت العنان لصوتها أن يتهدج وتبكي لتقول :»والله نحب هالوطن»، وكأنها تريد أن تقول إن أبناء البحرين الذين تتصل عروقهم بتراب بلدهم يريدون أن يعيشوا في أمان واستقرار وطمأنينة، ولا يمكن لأحد أن يلومها أو يلوم أمثالها حين تحيطها الآلام وسط عاصفة من المعاناة النفسية الشديدة.

لماذا يلوم البعض، ممن يحسب نفسه مدافعاً عن الحكومة ومحباً مخلصاً لها، الناس حين يضجّون بسبب ذهاب الوحدات السكنية التي حلموا بها لسنوات طويلة إلى آخرين لم يمضِ على وجودهم في البلاد عقد من الزمان؟ وكيف يعطي لنفسه الحق في أن يصف المواطن بأنه (ناكر نعمة) لأنه عبّر عن غضبه بسبب حرمانه من حلمه في (بيت العمر) الذي ذهب إلى من لا يستحقه؟… لم يعد من اللائق تصنيف المواطنين وفق انتمائهم المذهبي في حال تذمرهم وسخطهم مما يجري… فإن كان ينتقد الحكومة بسبب غياب الآلية العادلة المنصفة في منح الوحدات السكنية يصبح من طائفة تكره الحكومة، وإن بلع لسانه وأغلق فمه وسكت عن حقه المشروع، فإنه محب للوطن موالٍ له ومن طائفة تحب الحكومة، وهو أسلوب شائع على ألسنة بعض النواب وبعض الخطباء وبعض كتاب الصحف وبعض المسئولين الذين يعتبرون المواطن الذي يعبر عن تذمره وغضبه بأنه مدسوس محرض لا ينتمي إلى هذا الوطن.

هناك أخطاء جسيمة شهدتها آلية توزيع الوحدات بمشروعات إسكانية في مناطق متعددة ولابد من الاعتراف بهذه الأخطاء لكي يتم تصحيح الوضع مستقبلاً، والأمر الباعث على القلق أكثر ما أثاره رئيس لجنة المرافق العامة والبيئة بمجلس النواب جواد فيروز في أحد المؤتمرات الصحافية إلى أن الأرقام التقديرية تشير إلى أن البحرين بحاجة إلى 162 ألف وحدة سكنية بحلول العام 2030، فيما لاتزال معدلات البناء لا تزيد على 2000 إلى 3000 وحدة بمعدل كل عامين تقريباً.

ولعل التوصيات المهمة التي تشمل بناء مدن إسكانية جديدة، وتطوير مشروع امتدادات القرى بالتوازي مع المشاريع العامة، والبدء في تنفيذ البنى التحتية بالتزامن مع بدء تنفيذ المشاريع الإسكانية، والعمل على إعادة ملكية الأراضي للدولة، ومشاركة القطاع الخاص للحكومة، وتوزيع القسائم والوحدات السكنية على مستحقيها في قوائم الانتظار، وضمان نسبة محددة لمشاريع الإسكان العام في المشاريع الاستثمارية السكنية، وتبني مشروع البيوت الآلية للسقوط، والاستفادة من مناطق الحزام الأخضر للمشاريع الإسكانية، وتشريع قانون يمنع تداول العقارات للأجانب واقتصاره على المواطنين… لعلها توصيات كفيلة بإيجاد حلول للمشكلة، لكنها تتطلب ترجمة على أرض الواقع.

في برنامج «حلول» لم يقصّر المسئولون في طمأنة المواطنين، وأن هناك برنامج عمل طموح لتغطية الطلبات، لكن قائمة الوعود طالت يا جماعة الخير والأطول منها معاناة آلاف الأسر البحرينية الأصيلة… فمتى الفرج؟

سامي النصف

حلول إنجليزية لمشاكل كويتية

يبلغ عدد سكان بريطانيا 60 ضعف عدد سكان الكويت بعجز في الميزانية العامة بلغ بسبب عطايا ومنح الحكومة العمالية السابقة، 770 مليار جنيه استرليني مرشحة للصعود خلال السنوات الخمس المقبلة الى 1.4 تريليون جنيه استرليني «عجز اليونان بالمقارنة يبلغ 273 مليار يورو».

الحكومة البريطانية الجديدة بقيادة كاميرون وغليغ قررت معالجة الاوضاع السابقة بقرارات تاريخية جريئة اعتمدت في اولها على العناية بمخرجات التعليم كوسيلة لتأهيل الانسان البريطاني الكفيل بسد عجوزات الميزانية، لذا قررت استبدال نظامي «A-level» و«Gcse» الشهيرين بنظام تعليمي جديد يطبق العام المقبل يعتمد في نصفه على شق نظري ونصفه الآخر على شق عملي مرتبط بالتدريب في الشركات والمصانع والمزارع لسد حاجيات السوق.

في الشق الصحي تم فرض عقوبات صارمة على اي مستشفى او عيادة يتسبب الاستعجال او الاهمال به في عودة المريض للعلاج من نفس المرض خلال 30 يوما من خروجه من المستشفى او انتهاء علاجه، كما قررت الحكومة رفع مستوى علاج الامراض الخطيرة وعلى رأسها مرض السرطان ورفع مستويات عيش من يصاب به الى ما يقارب اعلى الارقام العالمية المختصة بهذا المجال.

كما تم تخفيض عدد منضوي الجيش من 101 ألف مقاتل الى 80 الفا فقط وهو التخفيض الاكبر في تاريخ الانجليز، والعدد يقل كثيرا عن عدد مقاتلي اصغر حرس جمهوري في اصغر بلد ثوري عربي او اسلامي فقير مما قد يوحي بأفكار شريرة خلاقة كاحتلال بلاد العم «ابوناجي» وسبي رجالهم ونسائهم.

على مستوى السلطتين الاولى والثانية أمر كاميرون الوزراء بأن يستخدموا المواصلات العامة (باصات، تكاسي وقطارات) للوصول الى مكاتبهم مما جعل زوجة وزير التربية تتندر بالقول ان الصندوق الاحمر الخاص بأوراق الوزارة يرسل من بيتها لمكتب زوجها في سيارة مكيفة فارهة بينما يستقل الزوج الوزير الباص للوصول لنفس المكتب، في الشق التشريعي قررت الحكومة خفض عدد اعضاء مجلس النواب توفيرا للنفقات بـ 61 نائبا، كما قررت وقف المنح المالية لمن تنتهي مدتهم (30 ألف جنيه استرليني معفاة من الضرائب) كما اوقفت محاسبة النواب من قبل زملائهم اعضاء لجنة القيم خوفا من المحاباة وقررت تشكيل لجان المحاسبة من غير النواب.

آخر محطة: اهتمام الحكومة البريطانية بضمان وصول رسالتها للشعب البريطاني جعلها تعين سيدة اعلامية تدعى جيل راولنز براتب سنوي يزيد بمقدار 40 ألف جنيه عن راتب الرئيس ديفيد كاميرون.

محمد الوشيحي

واااو… يا وجه الله


آخ بس لو تأخذ المعارضة بنصيحتي، عليّ النعمة لأقلبن عاليها واطية، ولألخبطن المسائل لخبطة لم يُخلق مثلها في البلاد. فلا يعرف أحد الرايح من الجاي. ويقول خبراء التكتيك العسكري: "الخطة ُستخدم مرة واحدة، ناجحة كانت أم فاشلة، وتُرمى بعد ذلك". والمعارضة الكويتية تستخدم الخطة ذاتها سبع مرات كلها فاشلة، وتخسر و"يربح" الآخرون. لذا سأطرح خطتي، علّها ولعلّها، وهي كالتالي:


لماذا لا نزايد على فريق الحكومة من النواب والصحف والفضائيات في التطبيل والتزمير والهز والرقص؟ فإذا أرست الحكومة صفقتين على فلان وعلان مخالفةً كل الشروط والشرائع، فليخرج الرئيس السعدون في مؤتمر صحافي وهو يشير بإبهامه إلى الخلف كعادته ويقول: "حقيقة، هاتان الصفقتان تدعمان الدستور، ولا يسعني إلا أن أقول وااااو يا حكومة"، ويعقد النائب الفذ مسلم البراك ندوة لتهنئة الحكومة على صفقتيها، ويعلن أنه أرسل بوكيه ورد إلى هيئة الاستثمار، ويرسل الدقباسي والطاحوس بطاقتي تهنئة إلى رئيس الحكومة ووزيري الداخلية والإعلام، وتصدر كتلة التنمية والإصلاح على لسان النائب الرائع الدكتور جمعان الحربش بياناً بعنوان "نبيها هيبة… بلا معارضة بلا خيبة".


ويكتب "قلم الدستور" الأستاذ أحمد الديين: "يا لتينك الصفقتين"، ثم يبعث لي بـ"مسج" غاضب: "مطوّلة خطتك؟"، ويكتب سعود العصفور وهو يحك خده ويشتم نفسه: "يا وجه الله ما أجملهما من صفغتين"، ويكتب الزميل الحوثي سعد العجمي وهو يقفز: "في الحكيكة، هاتان الصفكتان تخدمان المنطكة، من تعز إلى الحديّدة، والدليل تأييد مسلم البراك والطاحوس لهما"، ويكتب زايد الزيد عن الصفقتين اللتين لا علاقة للزميل محمد الصقر، ناشر هذه الجريدة، بهما: "رغم أن الصفقتين أعطيتا لنائب سابق يملك صحيفة يومية فإنهما مطابقتان للشروط"، ويكتب مشاري العدواني: "رغم أنني أول من اكتشف الصفقتين، وأول من استخدم النار في الطبخ، وأول من ركب القطار البخاري، وأكبر عصبي في الكويت، وأضرب الطاولة أثناء كتابة المقالة، فإن الحكومة لم تكوكس هذه المرة"، وأكتب أنا: "عليّ النعمة أثناء خدمتي العسكرية، على أيام جدي بريمان وجدتي وضحة، رحمهما الله، كنت برفقة إخوتي منصور وخالد وسعود وعبد الرحمن، وكنت أحمل أطفالي روان وغلا وسلمان وسعود (على اعتبار أنني الوحيد الذي خدم في العسكرية، وأن عمودي الصحافي ملك للعائلة)، علمت بنبأ الصفقتين فتمنيت لو كان سمو الرئيس بجانبي كي أقبّل أنفه وأقف خلفه بمحاذاة كتفه ونحن على الشرفة".


أجزم حينذاك أن أسهم فريق الحكومة ستنخفض، وستمسح الحكومة أرقامهم من موبايلها، فتضرب معهم لخمة، فيتزاحمون كالعادة على بابها آخر الشهر، فيخرج لهم الهندي: "شنو يبي؟ يالله روح"، فيخرج المذيع الشاعر إياه على الشاشة مستصرخاً: "حنا ططو، حنا عمى عين القطو"، فلا يجيبه أحد، فيصرخ: "يا شباب، يا أخوان شمة، حنا ططو"، ولا مجيب، فيطلب من المشاهدين الصعود على الأسطح لأداء صلاة الاستسقاء، ثم يخرج ليبدأ برنامج زميله الجديد المتخصص في مناقشة العجائز عن السياسة، فيتحدث وهو مطرق: "سيداتي سادتي، أخيّاتي عزوتي، رحنا ملح، أي نعم ما غير رحنا ملح"، فيتلقى اتصالاً من أم عقاب فيرحب بها: "هلا خيّتي، هلا عزوتي، هلا سندي ومسندي، شهرين ما استلمت معاشي، ونبيها هيبة، ونبيها معاشات".


ويكتب نبيل الفضل مقالته الوداعية وهو يجمع حاجياته في شرشف: "مسلم البراك… انبطاحي"، ثم يركب تكسي بعد أن سُحبت منه سيارته الميزاراتي، وتصرح النائبة معصومة المبارك: "عيب عليكم، يا جماعة عيب عليكم، من الصبح واحنا على مكتب سموّه، والحراس يطردوننا، عيب"، وينفض النائب علي الراشد التراب عن يافطاته القديمة، ويمسحها بكمّه، ويعقد ندوة تحت شعار "إلا الدستور".


وخلال ستة أشهر، بهالشارب، سيبدأ العنكبوت بناء المدن الجديدة في وسائل الإعلام إياها، وسيتغيب نواب الحكومة عن الجلسات، وسنشاهد في نشرات الأخبار: "الكويت تستدين من صندوق النقد الدولي بعد خلوّ خزينتها". لحظتذاك، تتحرك المعارضة فـ"تزيّت" فوهات مدافعها، وتعيد توزيع الذخيرة، وترفع بيرقها الأحمر.


حسن العيسى

حكومة تأمر ومجلس يطيع… شتبون بعد؟!


الحمد لله، كل دول العالم "السنعة" لديها حكومة واحدة تدير الدولة، لكننا في الكويت أفضل منهم، وهذا بالتأكيد لأننا لسنا من دول "السنع". الحمد لله لدينا حكومتان، مبنى الحكومة الأولى قرب قصر السيف ويطل على البحر، واسمها مجلس الوزراء، وحكومة أخرى، تقابلها تقريباً، واسمها "مجلس الأمة". ويا بخت الحكومة رقم واحد، فلديها وكلاء يمثلونها ويبصمون على قراراتها في كل المناسبات، بالحق وبالباطل. ويا بختنا بالاثنتين! صورة ومرآة عاكسة والعكس صحيح، مايسترو حكومي وكومبارس مجلسي، ولو قلبت الصورة فلن يختلف الأمر في دولة المركز المالي ومركز الحريات الفكرية للمنطقة!


كيف نفسر إقرار سرية الجلسة من نواب حكومة رقم 2 حتى قبل الاستماع إلى أسباب السرية المزعومة! وما الدواعي إلى طلب السرية؟ وما وجه الخطورة في علنية الجلسة؟! موضوع استجواب النائب خالد الطاحوس لم يكن عن قضايا تمس أمن الدولة أو مما يعرض مصالحها العظمى للخطر، أو يهدد أمنها الاجتماعي والاقتصادي كما تكرر وتدندن مدونات قوانين الجزاء وأمن الدولة والمطبوعات والنشر في نصوص "الماغنا كارتا" الكويتية. كان موضوع الاستجواب قضية لا تلامس وعي الكثيرين من أهل الكويت، هم وحكومتهم ومجلسهم، كان عن البيئة والكارثة البيئية، سواء كانت في أم الهيمان أم في أي مكان آخر في دولة بني نفط. ربما لم يكن مُهِمّاً أن يعرف الناس بلغة الأرقام سواء تقدم بها النائب خالد الطاحوس أو شمَّر د. البصيري عن ساعديه للرد عليها وقبرها في مهدها؛ فقد تم إصدار حكم مُبَيَّتة أسبابه مسبقاً حتى قبل الاستماع إلى مرافعة الادعاء أو الدفاع، وهكذا تصاغ الأحكام العادلة "ولا بلاش"! أحكام جاهزة مُعَلَّبة تحت الطلب من غير مرافعة ومن دون سماع لا اتهام ولا دفاع، المهم ما تريده "حكومة الحكومة" يصير، ويصبح أمراً واقعاً، تفرك الحكومة مصباح علاء الدين بيدَي الواسطة والمال الحلال فيرد عليها المارد: أمرك مطاع يا مولاتي! هكذا علينا أن نفهم الديمقراطية، وهكذا يكون مبدأ الفصل بين السلطات في كويت القرن الحادي والعشرين!


الرئيس الخرافي صرَّح متسائلاً: إذا كانت سرية الجلسات إفراغاً للدستور من محتواه فلماذا وضع المُشرِّع هذه المادة؟ جوابي للرئيس يكون بسؤال آخر أتقدم به، وهو: لماذا قرر المشرع الدستوري مبدأ علنية الجلسات بدايةً وفق المادة 94 من الدستور؟ المبدأ والأصل هو علنية الجلسات، وبهذه العلنية تتحقق الرقابة الشعبية، وبهذه العلنية تتحقق الديمقراطية الصحيحة، أما سرية الجلسات فقد أجازها المُشرِّع على سبيل الاستثناء وللضرورة، والضرورة تقدر بقدرها، وليس من قدرها سرية استجوابات الشيوخ! وفي النهاية لنقل شكراً للحكومة رقم واحد التي تُقرِّر، وشُكْرٌ آخر لحكومة المجلس التي تبصم.


احمد الصراف

جميعنا قبليون

نشرت إحدى الأسر قبل فترة نعيا لفقيد لها، وذيلت الإعلان باسم قبيلة (….) وكان الإعلان مثال تندر البعض، لأن المنطقة التي سبق أن قدمت منها تلك الأسرة للكويت قبل أكثر من مائة عام، من إيران لا تشتهر بقبائلها! ولكن هذا اعتقاد خاطئ، فغالبية المجتمعات البشرية، وقبل نشوء ما يعرف بالمجتمعات المدنية الحكومية بقوانين ودساتير مكتوبة، كانت عبارة عن تجمعات قبلية متنافرة الخلفيات والمصالح، لها قوانينها الشفهية الخاصة التي تتوقع من المنتمين اليها الدفاع عنها والتمسك بها، وبالتالي فقبائل الجزيرة العربية، وبداوتها، ليست حالة نادرة، فلا تزال مناطق واسعة في إيران مثلا تشتهر بقبائلها، كالبختارية في وسط فارس. كما تتحكم القبائل في غالبية مفاصل الدولة في أفغانستان واليمن، والعراق إلى حد كبير. وللقبائل وجود طاغ في غالبية الدول الأفريقية والمجتمعات الرعوية في آسيا، ويمكن القول عموما ان قوة القبيلة وتأثيرها السلبي على المنتمين لها يبدآن بالتضاؤل مع تقدم المجتمعات وتحولها للمدنية الحديثة، وهكذا بدأت الكويت عندما بدأت القبائل من الجزيرة العربية، بشكل كبير، وبنسبة أقل من بر فارس والعراق والبحرين وغيرها، بالهجرة اليها واختيارها موطنا نهائيا، حيث نتج عن هذا الاستقرار اندماج القبائل والثقافات والعادات وتداخلها بعضها ببعض مكونة ما اصبح يعرف بالمجتمع الكويتي. وكان هذا صحيحا حتى قبل ثلاثين عاما، عندما رأت جهات في السلطة أن من الأفضل وقف عملية انصهار مكونات أو وحدات المجتمع واعادة الفرز في عملية «تنظيف عرقي» واضحة، بحيث تصبح مناطق كاملة مغلقة على قبائل أو طوائف معينة يصعب على الآخرين اختراقها، ان انتخابيا أو حتى سكنيا، وقد رأينا ذلك في مناطق الأندلس والعارضية، وإلى حد ما في بيان والرميثية. وهكذا بجرة «قلم سياسي» توقفت عملية الانصهار وبدأت العودة الى الجذور السابقة، أو الألقاب القبلية التي سبق أن هجرها البعض لتضاف مجددا الى نهايات أسمائهم. كما رأينا كيف أعيدت الأهمية والهيبة لكبار ممثلي القبائل وأمرائها، وهي الهيبة التي تلاشت تقريبا أو فقدت أهميتها ودورها الحيوي بعد الانتهاء من عملية التجنيس في بداية ستينات القرن الماضي. وبهذا يمكن القول ان المجتمع الحضري الكويتي هو الوحيد تقريبا الذي تخلى عن تجربة الصهر الحضاري، وعاد الى نمط الفرز القبلي والطائفي لاعتقاد البعض في السلطة ان سياسة «فرق تسد» هي الأفضل، ولكن يبدو من الأحداث والتطورات الأخيرة المتلاحقة أن هؤلاء البعض كانوا على خطأ، وأن وقف عملية الاندماج الطبيعي والحضاري بين فئات المجتمع لم تكن حكيمة تماما، لكونها عكس التطور البشري الطبيعي. وبالرغم من أن الوقت لم يفت ولا يزال هناك متسع منه لانقاذ ما يمكن انقاذه، فانه يمر بسرعة كبيرة فهل هناك من يسمع؟

أحمد الصراف