يمثل العراق أقصى الشمال العربي بينما يمثل السودان أقصى جنوبه، والاثنان مبتليان بمن رفع شعار «تموت أمة ليهنأ فرد» بدلا من الشعار المعروف الذي يطالب الأفراد بالفناء لتهنأ الأمم بالعيش الكريم، الجار العراق والشقيق السودان مقبلان على أخطار ماحقة ستبقي منطقتنا جالسة على صفيح سياسي وأمني ساخن الى ما شاء الله.
في العراق يعرقل الرئيس المالكي تشكيل الوزارة رغم خسارته الانتخابات ورغم ان حلفاءه المؤثرين كحال المجلس الأعلى وحزب الدعوة يرفضون إعادة ترشيحه لرئاسة الحكومة، تعنت المالكي يهدد بعودة عمليات القتل والقتل المضاد الى العراق الجريح، كما يجعله مهددا بالتفكك على معطى الأزمة الحالية خاصة مع تقلص عدد القوات الأميركية الداعمة للأمن والسلام في بلاد الرافدين.
مع بداية السبعينيات، وبعد انقلابه العسكري المشؤوم قرر الرئيس جعفر النميري تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية في السودان (طبقت بالفعل عام 1983)، والذي يغلب على جنوبه الطابع المسيحي والوثني، ولم يكن النميري في حقيقة الحال متدينا أو ملتزما بأصول الشريعة وانما أراد عبر رفع ذلك الشعار المدغدغ استغلال الموجة السائدة آنذاك لدعم نظامه المستبد، الا انه في الوقت ذاته أشعل عبر ذلك الشعار بدايات الحرب الأهلية السودانية بين الشمال والجنوب.
في عام 1989 خطط د.حسن الترابي لانقلاب عسكري أطاح بالحكومة الديموقراطية المنتخبة بقيادة الصادق المهدي، وأعلن قيام الجبهة الإسلامية القومية (العربية) الحاكمة، ثم أسس عام 1991 المؤتمر الشعبي العربي الإسلامي مما رفع درجة التناقض مع الجنوب السوداني، حيث انه لا عربي ولا مسلم، وتجددت الحرب الأهلية التي جند لها حتى طلبة المدارس والجامعات دون فائدة ولم ير الجنوب خلال تلك العقود الا جيوش الحكومة ومتطوعيها تقوم بغزوه وتدمير قراه ومدنه حتى توقفت الحرب عبر اتفاقية نيفاشا في 9 يناير 2005.
لقد طالبت بعض الصحف السودانية وبحق بأن يرشح حزب المؤتمر جنوبيا لانتخابات الرئاسة السودانية التي جرت قبل أشهر قليلة كنوع من الطمأنة للجنوبيين قبل استفتائهم على الوحدة او الانفصال بداية العام المقبل، وللحزب بعد أربع سنوات ان يقوم بترشيح شمالي آخر، الا ان الحرص على اسعاد وتحقيق رغبات الفرد حتى لو كانت على حساب تفكك الأمة جعل الحزب الحاكم يخالف ذلك الطرح المنطقي ويرشح شماليا مما يمهد لخلق حالة يوغوسلافيا جديدة سنشهد بزوغها العام المقبل.
آخر محطة:
حتى منتصف الخمسينيات كان السودان (2.5 مليون كم2) جزءا من مصر وكان مقبلا على استفتاء به خياران الأول البقاء ضمن دولة الوحدة والثاني الانفصال، وقد قام الرئيس عبد الناصر بسلسلة أخطاء فادحة قطع عبرها الصلات العديدة التي تربط شعبي وادي النيل حيث ضرب الشيوعيين (أغسطس 1952) وأحزاب العهد الملكي (نوفمبر 1953) والاخوان المسلمين (نوفمبر 1954) ولم يبق ضمانا لبقاء الوحدة الا بقاء الرئيس محمد نجيب (نصف السوداني) والمحبوب هناك الا ان سيطرة شعار مصلحة الفرد فوق مصلحة الأمة ووحدتها جعل عبد الناصر يعزله بطريقة مهينة ويسجنه مما حسم الأمر ومهد لانفصال الجنوب (السودان) عن الشمال (مصر) والتاريخ يعيد نفسه هذه الأيام.