«ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة» حديث متفق عليه، ويؤمن به الشيعة والسنّة والسنّة والشيعة كي لا نغضب أحدا. اثنتان وسبعون فرقة مسلمة ستدخل النار إلا واحدة ستدخل الجنة، ولم يعلن الحديث النبوي من هي الفرقة الناجية، وحتى إن سلمنا بتخريجة بعض المذاهب بنقلها غير المؤكد عن الرسول عليه وآله الصلاة والسلام بأن الفرقة الناجية هي الفرقة السائرة على ما الرسول عليه وأصحابه، فإن الأصحاب اختلفوا وانقسموا بعد الرسول، وهو ما يعني أن ما كان يقصده الرسول بالأصحاب ليس المعنى المتعارف عليه اليوم، وهذا ما يعني أننا اليوم كسنّة وشيعة وشيعة وسنّة فرقتان فحسب من 73 فرصة للفرق المسلمة بأن يكونوا الفرقة الناجية. بلغة الأرقام فإن أي فرقة مسلمة لها احتمال مقداره 1.4% فقط لأن يكونوا الفرقة الناجية، وبالتأكيد فإن كل فرقة لها أدلتها وبراهينها على أنها الفرقة المصيبة الناجية من النار، ولا أعلم إن كان المسلمون وصلوا إلى هذا العدد من الفرق أم بعد، ولكن في النهاية أكرر بأن احتمال كل فرقة لا يتجاوز الـ1.5% فحسب. على الرغم من هذه الاحتمالات الضعيفة التي أكاد أجزم أن هذه الاحتمالات لو عرضت على أي شخصية طائفية في الكويت لقرار تجاري أو سياسي أو حتى اجتماعي فلن يضحي ويجازف بنفسه لاحتمال طفيف جدا كهذا، ومع ذلك فشخصيات كهايف وعاشور والمطوع والصوّاغ يتناحرون لإثبات عقيدة أفضل من الأخرى وما أكثر جمهورهم في بلادي! بكل تأكيد فإن من وضع الأسئلة المقسمة للتلاميذ في اختبارات التربية الإسلامية يستحق العقاب ليس لمجرد أنه أيد عقيدة دون الأخرى، بل ما الفائدة المرجوة من ترسيخ الطعن بعقيدة مذهب وتأكيد آخر والاحتمالات لكل عقيدة لا تتعدى الـ2%؟! لنفرض أن الشيعة هم الخطأ والسنّة هم الفرقة الناجية فهل ستحل مشكلة المرور؟ وهل ستتوقف أزمة الكهرباء؟ وهل سيزول الفساد؟ لا أرى دنيويا لمسلمي اليوم أي فضل علي، فلا السيارة ولا التلفون ولا الكهرباء ولا تقطير الماء ولا التكييف ولا الكمبيوتر ولا الطائرة ولا شيء يخدم البشرية من صنع إسلامي، وذلك باختصار لأن كمية من الرجعيين قررت أن تكتشف طوال أربعة عشر قرنا من الزمان من هي الفرقة الناجية، وانصرفوا عما يخدم البشر والبشرية. سؤال قبل الختام: «شتسوى عليكم يا أهل الفتنة ألا يكون لا الشيعة ولا السنة هم الفرقة الناجية؟» خارج نطاق التغطية: اقتراح لوزارة الكهرباء مقدم من شخص أمّي قد لا يفقه شيئا وقد يكون حله مفيدا في أزمتنا، الاقتراح أن يتم تقليص إضاءة أعمدة الكهرباء في الطرق خلال فترة الصيف إلى 4 «لمبات» بدلا من 6 في كل عمود.
اليوم: 29 يونيو، 2010
طويت صفحة أخرى من الزمن (2)
"كنت أنام حالماً بنادية لطفي في "النظارة السوداء" وميرفت أمين في "أبي فوق الشجرة"، وأصحو مرتعباً على حقيقة يومي مع نجمة إبراهيم في "ريا وسكينة" وزينات صدقي في "إسماعيل يس طرزان".
الشاطئ الطويل الخالي من مطاعم الفاست فود وسيارات الاستعراض الشبابية تتسابق مسرعة ثم تستلقي بجثث أصحابها في حوادث السير لم تكن به في تلك الأيام الضائعة غير بضعة "حظور" (مفردها حظرة) لصيد الأسماك يملكها جيراننا من عائلات عوازم السالمية، ومرات كثيرة كنت أشاهد أحد أولاد المانع أو صديقنا عطية سفر- وكان طويلاً عملاقاً- وهم على ظهر "جالبوت" مركب صغير مصنع يدوياً من التنك والأسفلت الطري لمنع دخول الماء (نطلق عليه اسم طاري)، كان يلقبون "تيتانك" الدمنة "بالتناكه"، كان الطويل الصديق عطية مع شقيقي شملان يحملان فوق "التناكه" قفصاً من أسلاك دقيقة يسمونه "قرقور" توضع فيه بعض الأسماك الصغيرة الميتة وبعض القباقب (سرطان البحر) والشرايب السوداء (قنافذ البحر) تشابه إلى حد كبير "افروديتات" اليوم للبعض من رائدات "مولات" بني نفط.
ويرمى القرقور بالبحر وقت المد… وتربط فوقه بحبل قطعة خشب أو فلينة- لا أذكر تماماً- وتترك كوسيلة استدلال على مكان القرقور… ثم يعودون إليه بعد مدة لإفراغه من صيد اليوم… لا أذكر عدد المرات التي غزوت فيها تلك "القراقير" غائصاً هارباً من الملل، لا لأفرغها من جوفها من الصيد فهي ملك لأصدقاء وأقرباء… ولكنها كانت وسيلتي للتسلية بالعبث بها… ثم أصعد بعدها إلى سطح البحر… أبحث عن سمك حي له جسد كامل الدسم الإنساني يشبع نهمي المجنون… لكن لم يكن هناك شيء غير أمواج الخليج الواهنة يتلألأ فوقها ضوء شمس يخفت وهج حرارتها وقت ساعات العصر وقبيل الغروب، تظهر كأنها أهلة من الفضة اللامعة طفت بهدوء فوق سطح الركود… بأي قدر وبأي حق كتب علينا في أيام الحرمان تجرع كؤوس المرارة في ذلك الزمن الماضي… التي عادت إلينا اليوم أكثر ضجراً وسأماً… فأعود وأسرح بذكرياتي وأسأل عمن يفرض علينا حكم القهر… ومن يمارس اليوم حريته ويسلب حرياتنا في الوجود… في البهجة… في لمحة الشباب… وفي ضجر الكهولة.
مضت الأيام مسرعة تقضم بنهم من سنين العمر.
وحدث في أول سنة بكلية الحقوق بالجامعة أن تحدث الكثيرون عن "ثورة الشباب" عام 68 في فرنسا… وفي الولايات المتحدة… كان فكر المؤسسات الحاكمة وقيمها محل رفض عند شباب تنبض عروقهم بالعشق وقلب الدنيا على عوالم مؤسسات النظم، وما يفرض من السلطات الحاكمة، ووقف فلاسفة مثل ميشيل فوكو وسارتر سنداً لها، وغنى معها مطرب البيتلز جون لينون الذي قتل في بداية الثمانينيات… في تلك الأيام أحرقت السيارات والمحلات في باريس وانقلبت الأحوال، وأسقط الجنرال ديغول في استفتاء لاحق… لم يرحم شعب فرنسا محرره الإنسان الكبير… فتلك شعوب لم تكن تدين بغير دين الحرية، وولاؤها للجمال ولآمال الشباب العريضة لا للعطايا وشراء الولاءات، وفي الولايات المتحدة كان هناك نوع آخر من العنف ضد العنصرية… كان العالم يغلي ويموج بينما كنا نتجرع ذيول هزيمة حزيران المنكرة… ورحيل الحلم القومي العربي إلى غير رجعة… لينهض بعدها شعار "الإسلام هو الحل"… فبعد عبدالناصر يأتي الظواهري… وبعد بن بللا قدم بن لادن.
أطلقوا على ثورة الشباب "ثورة الجنس" في فرنسا… أما في الكويت… فتحركنا بعدها بسنة للمطالبة بالاختلاط في الجامعة… ولم نعرف من إرهاصاتها غير مسيرات بسيطة لمجلس الأمة ومحاضرة تشرح حركة ثورة الشباب في العالم من الدكتور اللبناني الراحل حسن صعب ألقاها في مدرج بكلية التجارة والاقتصاد… قدم المحاضر حسن مدير الجامعة المرحوم د. عبدالفتاح إسماعيل… أطال مدير الجامعة الحديث لتعريفنا بالمحاضر الكبير… مللنا… كنا ننظر إلى مدير الجامعة على أنه المتحدث باسم المؤسسة المحافظة التي تفرض العزل بين الجنسين وتجتر الخطاب الرسمي الممل والمكرر للدولة بمجلسيها النواب والوزراء… فقاطعه الطالب عدنان حسين بعبارة: يا دكتور لم نأت هنا لنسمعك… جئنا لنسمع الدكتور حسن صعب…
خجلت قليلاً من "دفاشة" (غياب الحلم) عدنان وهمست عندها ابنة العم نسيبة عبدالعزيز المطوع لعدنان… اص… عدنان… اصبر… عيب…! لكن كان عدنان ونحن وأوهامنا كما حاضر عنها حسن صعب في واد، وكان الواقع الحاكم في وادٍ آخر… مضت تلك الأيام… ولم نعد نملك منها غير فقاعات صغيرة في بحر الذكريات… ويظل الزمن يمضي والمكان يذوي ويزول ونزول معه، فلسنا في النهاية غير ذرة مكان في كون بلا نهاية ولا بداية.
مجوس إيران وملالي طهران
في كل عيد ميلاد تُحكى قصة ولادة المسيح بتفاصيلها، ومنها حادثة زيارة ملوك المجوس الثلاثة، الذين أتوا من الشرق، ليشهدوا ميلاد السيد. وطالما ألهبت هذه الزيارة بتفاصيلها مخيلة الكثيرين، ونالت عظيم اهتمام الباحثين، وكانت مدخل المجوس لقلب المسيحية من أوسع الأبواب.
والمجوسية، أو الزرادوشتية، هي من أقدم ديانات العالم، ويعتبرهم جل رجال الدين المسلمين من أهل الكتاب الذين أشار اليهم القرآن (اضافة للمسيحيين واليهود وربما الصابئة)، وكانت ايران تدين بالزرادوشتية قبل اتخاذ غالبيتها الاسلام دينا. وللمجوس آلهة خير وعددهم 12(!!) وكذلك عدة آلهة شر. ولا يزال يعيش المجوس في ايران على الرغم من محاربة كل الأنظمة لهم. وسبق أن هاجر جزء منهم الى الهند قبل 1000عام ويعرفون هناك بــ«بارسي» Parsi، نسبة لفارس، ومنهم الملياردير تاتا. ويحترم المجوس النار والشمس لرمزيتهما، والنار لا تنطفئ في معابدهم، ولكنهم لا يعبدونها، كما يشاع عنهم، بل يعبدون الاله «أهورامزدا». وتقول بعض المصادر عنهم (كتاب هالة الناشف 1972) ان سلمان الفارسي كان مجوسيا، قبل تحوله للمسيحية ثم الاسلام. وأن المجوس كانوا يتواجدون في البحرين، كما تواجدوا في العراق ومناطق كثيرة أخرى.
ويقف رجال الدين المسلمون من المجوسية موقفا شديد السلبية يفوق موقفهم من البوذية أو الهندوسية، ولغير سبب مفهوم. وعلىالرغم من كل هذا العداء فان المجوس اليوم قوم شديدو الاحترام لغيرهم وهم مسالمون لا يؤذون أحدا، رغم قوتهم المعنوية والمادية، كما أنهم محل ثقة واحترام لكل من تعامل معهم.
نقول ذلك بمناسبة رسالة الكترونية وردتني من صديق بعنوان: «الجهل والتخلف المجوسي»، وعند فتح الرابط وجدت خطبة لرجل دين شيعي ايراني يتحدث فيها عن معجزة حدثت في طائرة تعرضت لخلل كبير ولكن تم انقاذها، أو اصلاح الخلل فيها، بالدعاء(!)، وبحثت عن الصلة بين عنوان الرسالة ومضمونها فلم أجد، وهنا انتبهت الى أن الكثيرين يميلون لربط النظام الديني في ايران بالمجوس وديانتهم رغم أن هؤلاء، كغيرهم من الأقليات، هم الآن من ضحايا نظام الملالي في طهران، كما أن الصفة لا علاقة لها بالموضوع. ووصف النظام الايراني بأنه مجوسي أمر مضحك وبعيد عن الحقيقة، على الأقل من الناحية الدينية البحتة وطريقة المعيشة والعادات والتقاليد، وبالتالي لا يتضمن اهانة محددة، هذا على افتراض أن من قام بوصفهم بالمجوس يقصد الاساءة لهم، علما بأن للمجوس دورا كبيرا في بناء حضارة فارس القديمة والعريقة، ووصف الشعوب الايرانية اليوم بالمجوس يشبه وصف المصريين بالفراعنة. فهل النظر لما قدمه الفراعنة للحضارة المصرية ما يسيء لمصريي اليوم؟ قد يكون الجواب بــ«نعم» عند المنتمين الى حضارة الرمال!!
أحمد الصراف