قال غوبلز، وزير دعاية النازي: عندما اسمع بمثقف أضع يدي على مسدسي، تحسبا! وقال صديقي يعقوب: عندما يزورني من تفوح منه رائحة «دهن العود» ويرتدي غترة حمراء على دشداشة صفراء، ويربي لحية الإخوان، ويمثل بنكا أو شركة إسلامية استثمارية أضع يدي على محفظتي، خوفا من ضياع مالي!
***
سمعت تلك الطرفة، أو النصيحة، من صديقي منذ أكثر من 5 سنوات تقريبا، ولم أعرها كثير اهتمام في حينه، فقد كنت وقتها في أوج تحقيق أرباح كبيرة من استثماراتي في شركات يديرها من هم على شاكلة من تنطبق عليهم تلك الأوصاف، وكنت سعيدا لأنني خالفت رأيه، فقد كان يتندر بالقول أمام الآخرين بأن مخالفتي له حققت لي الكثير من الربح، وأن واحدا ممن تنطبق عليهم أوصاف «دهن العود والغترة واللحية» قام بزيارته في مكتبه وعرض عليه شراء عشرة ملايين سهم في شركة «إسلامية» تحت التأسيس، وأنه انسجاما مع معتقداته الاستثمارية رفض العرض وتبين بعدها أنه خسر فرصة تحقيق أكثر من عشرة ملايين دينار من صفقة واحدة عندما ارتفعت أسهم تلك الشركة وغيرها لمستويات عالية. ولكن الأيام مرت والشهور تتالت والسنوات ركضت وتبين أن «يعقوب الكبير» كان على صواب وكنا، نحن الجشعين، على خطأ تام! فعند أول هزة مالية تهاوت الشركات الاستثمارية، الإسلامية منها بالذات، كأحجار ثقيلة معلقة بخيوط واهية من شجرة كبيرة، وتبين أن الموضوع كله «فالصو» (وهذه ربما تكون مشتقة من كلمة Faults الإنكليزية، والتي تعني خدعا أو عيوبا أو جنحا) وقد خسرت الكثير الكثير من الاستثمار في أسهم تلك الشركات، وبالرغم من كل تلك الخسائر فلا تزال رائحة دهن العود تفوح والغترة الحمراء في مكانها واللحية على طولها!
نعود لنقول ونحذر (وهنا نتحدث مع أنفسنا أيضا) بأن من الخطأ الكبير إقحام المعتقدات الدينية في الأمور المالية البالغة التعقيد، فسقوط هذه، شئنا أم أبينا، يؤثر سلبيا في الأخرى. وقضايا الاقتصاد في عالم اليوم بالغة التعقيد وتحتاج لنفسيات أبعد ما تكون عن الأمور العقائدية، فهذه لا يرجى من إقحامها، كما تبين لاحقا، غير تحقيق أقصى الأرباح من استغلال سذاجة الآخر، وكل ما كتبه «فطاحلة» المفسرين والمنظرين، من شيعة وسنة، في قضايا الاقتصاد والتمويل والتسليف والرهن لا يكاد يساوي قيمة الورق الذي كتب عليه!
أحمد الصراف