شهر يوليو وأنا كهاتين، السبابة والوسطى. والشهور تتشابه شكلاً وتختلف مضموناً، تماماً كما يتشابه الذئب والكلب في الشكل، فقط في الشكل، ويختلفان في كل أو جل ما عدا ذلك. فالكلب يبحث عن كفيل يرمي له العظم، ويوجهه ويأمره ويوقّع معاملاته، فهو لا يجرؤ على الكسب بمفرده، وإذا لم يجد كفيلاً سرح في الشوارع مع آخرين من فصيلته، سمّاهم الناس «الكلاب الضالة». وهو يخشى صعود القمم، وتجده دائماً بين الرمم، وقد يتربى في حضن أرملة عجوز، وقد يتربى في حضن ولد مترف، أو تحتضنه وتداعبه راقصة ثرية، أما الذئب فلا كفيل له إلا نابه ومخلابه، وهو يسرح وحيداً، عادة، في البراري لا في الشوارع، وإذا تاه وسرح في الشارع اختبأ الجبان خلف حليلته، وولولت الحليلة واحتضنت أطفالها وأغلقت الأبواب وتأكدت من قفلها، وتدخلت الشرطة والمطافئ وسيارات الإسعاف والكاتب أحمد محمد الفهد (هو كاتب يتمتع بسخافة مرعبة، أساساته مائية، لكنه أشرف مليون مرة من بعض الكتّاب الذين يتطاولون على أهل خصومهم، ويفجرون في الخصومة. وهو كاتب ما أحلى مداعبته، وما أظرف مناغشته، فبين حين وآخر أرميه بكلمة أو جملة فتصيبه في جبهته، وأتعمد أن أبعدها عن ترقوته، ثم أتركه يئن في مقالة كاملة، فأضحك حتى أتألم، وأتساءل وأنا أضع يدي على بطني: من أين له كل هذه السخافة؟).
ويا سلام على شهر يوليو في السنين الخوالي، عندما كنت أتسلّم «ميزانية السفر» من الأصدقاء، مئتي دينار من كل واحد بخلاف التذاكر، فنرمح ونتصرمح ونسهر سهرات لا يسهرها «أغا خان» بجلالة بذخه، فتجف الميزانية خلال خمسة أيام، فيلعنون الساعة ويلعنون أنفسهم التي سوّلت لهم الاعتماد على مجنون يحترم التبذير ويحتقر التدبير، وأشاركهم اللعن، ونعيش في ضنك، إلى أن نعود إلى الصباحية سقتها «المزون» السود.
واليوم، أسمع دويّ أقدام شهر يوليو مقبلاً، مرحبا الساع، على رأي أهل الإمارات. ولك عليّ يا يوليو العزيز ألا أشغلك بالسياسة عن السياحة، ولي عليك، قبل أن تصحبني إلى قمم الجبال، أن تستأذن لي القراء وإدارة التحرير بالغياب شهراً أو يزيد، على أن أكتب كل يوم خميس طوال المدة هذه إما استراحة أو مقالة، بدءاً من الخميس المقبل.
في أمان الله…