محمد الوشيحي

إلى لقاء…


شهر يوليو وأنا كهاتين، السبابة والوسطى. والشهور تتشابه شكلاً وتختلف مضموناً، تماماً كما يتشابه الذئب والكلب في الشكل، فقط في الشكل، ويختلفان في كل أو جل ما عدا ذلك. فالكلب يبحث عن كفيل يرمي له العظم، ويوجهه ويأمره ويوقّع معاملاته، فهو لا يجرؤ على الكسب بمفرده، وإذا لم يجد كفيلاً سرح في الشوارع مع آخرين من فصيلته، سمّاهم الناس «الكلاب الضالة». وهو يخشى صعود القمم، وتجده دائماً بين الرمم، وقد يتربى في حضن أرملة عجوز، وقد يتربى في حضن ولد مترف، أو تحتضنه وتداعبه راقصة ثرية، أما الذئب فلا كفيل له إلا نابه ومخلابه، وهو يسرح وحيداً، عادة، في البراري لا في الشوارع، وإذا تاه وسرح في الشارع اختبأ الجبان خلف حليلته، وولولت الحليلة واحتضنت أطفالها وأغلقت الأبواب وتأكدت من قفلها، وتدخلت الشرطة والمطافئ وسيارات الإسعاف والكاتب أحمد محمد الفهد (هو كاتب يتمتع بسخافة مرعبة، أساساته مائية، لكنه أشرف مليون مرة من بعض الكتّاب الذين يتطاولون على أهل خصومهم، ويفجرون في الخصومة. وهو كاتب ما أحلى مداعبته، وما أظرف مناغشته، فبين حين وآخر أرميه بكلمة أو جملة فتصيبه في جبهته، وأتعمد أن أبعدها عن ترقوته، ثم أتركه يئن في مقالة كاملة، فأضحك حتى أتألم، وأتساءل وأنا أضع يدي على بطني: من أين له كل هذه السخافة؟).

ويا سلام على شهر يوليو في السنين الخوالي، عندما كنت أتسلّم «ميزانية السفر» من الأصدقاء، مئتي دينار من كل واحد بخلاف التذاكر، فنرمح ونتصرمح ونسهر سهرات لا يسهرها «أغا خان» بجلالة بذخه، فتجف الميزانية خلال خمسة أيام، فيلعنون الساعة ويلعنون أنفسهم التي سوّلت لهم الاعتماد على مجنون يحترم التبذير ويحتقر التدبير، وأشاركهم اللعن، ونعيش في ضنك، إلى أن نعود إلى الصباحية سقتها «المزون» السود.

واليوم، أسمع دويّ أقدام شهر يوليو مقبلاً، مرحبا الساع، على رأي أهل الإمارات. ولك عليّ يا يوليو العزيز ألا أشغلك بالسياسة عن السياحة، ولي عليك، قبل أن تصحبني إلى قمم الجبال، أن تستأذن لي القراء وإدارة التحرير بالغياب شهراً أو يزيد، على أن أكتب كل يوم خميس طوال المدة هذه إما استراحة أو مقالة، بدءاً من الخميس المقبل.

في أمان الله… 

سامي النصف

الكهرباء والبيوت الخضراء ومصباح القصيبي

يذكر الدكتور المبدع غازي القصيبي، شفاه الله، في كتابه «علوم الإدارة» انه وضع مصباحا زهيويا (كاز) في مكتبه في أول يوم تسلم فيه كرسي وزارة الكهرباء وتعهد ألا يطفئه حتى يوصل الكهرباء لأصغر بيت في أكثر المناطق بعدا ونأيا عن العاصمة وهو ما تم، نرجو من وزير الكهرباء الشاب ان يقوم بالمثل ولا يطفئ ذلك المصباح إلا بعد القضاء التام على ازمات الكهرباء المتتالية التي تستغل لغير مقاصدها.

تعمد بعض الدول الخليجية الشقيقة للأخذ بمنهاجية إنشاء البيوت الخضراء منخفضة الكلفة التي توفر الكهرباء بنسبة 60% عن البيوت العادية، كما توفر ما نسبته 80% من استخدام المياه عبر إعادة تدويرها (المياه الرمادية) واستخدامها للزرع والحمامات وغسل السيارات وغيرها من استخدامات ثانوية في بلدان لا امطار ولا انهار فيها.

ولا يكتفى ضمن تجربة البيوت الخضراء برخص الثمن وتوفير الطاقة والمياه بنسب ضخمة، بل يتم في الوقت ذاته توفير ملايين الاطنان من انبعاثات ثاني اكسيد الكربون المصاحبة للاستهلاك غير الرشيد للطاقة، وتمتاز البيوت الخضراء بدخول الشمس لها، مما يقلل الأمراض الجسدية، ووجود اسقف شفافة لها لرؤية السماء والنجوم مما يحسن النفسيات بشكل عام ويخفف من نسبة التلوث الضوئي داخل المنزل.

وقد استخدمت تلك التقنيات في إنشاء برج خليفة الأعلى في العالم بدبي حيث توجد 387 خلية شمسية على سطحه تستخدم لتبريد وتسخين 140 ألف ليتر من المياه يوميا، كما تستخدم المياه الناتجة عن مكيفات البرج في عمليات سقي الزرع وتنظيف المرافق العامة.. إلخ.

وفي دراسة بحثية لذلك النوع من المباني الخضراء الذكية ثبت انها سريعة الإنشاء بشكل مذهل ورخيصة التكاليف بشكل لا يصدق، كما ان اسقفها وجدرانها اقوى من البيوت العادية بعشرات المرات حيث اثبتت تلك المنازل، حسب ما جاء في الدراسة، جدارتها ابان اعصار كاترينا وعواصف ألمانيا، حيث بقيت صامدة عندما تهدمت البيوت الاخرى امام رياح بلغت سرعتها 300 كم/ ساعة، وقد ثبت انها تحتاج الى رياح واعاصير سرعتها 650 كم/ ساعة لزحزحتها.

آخر محطة:

(1) لماذا، وبحق، لا نتفق جميعا على غسل السيارات مرة في الأسبوع او على الأقل مرة كل ثلاثة ايام واعتبار السيارة المغبرة افضل «وطنيا» من السيارة التي يتم غسلها وتلميعها كل يوم؟!

(2) سافر الأبناء قبل شهر ومنعت غسل سياراتهم في غيابهم ومازلت استعمل تلك السيارات دون ان يلحظ احد عدم غسلها (احداها سوداء واخرى رمادي غامق)، فأغلب الغبار المتراكم يتطاير مع اول تحرك للسيارة.

(3) التنبؤ الرياضي ببلاش لذا ارجح فوز البرازيل والارجنتين وألمانيا وهولندا في مباريات اليوم والغد كما ارى ان المراكز الثلاثة الأولى في المونديال لن تخرج عنهم… والله أعلم!

حسن العيسى

طويت صفحة أخرى من الزمن (1)

كانت الرمال في وقت المد ترتخي بكسل على امتداد شاطئ الدمنة، في أوقات الجزر كانت تظهر صخور الكلس (جير) الجارحة تغطيها أعشاب خضراء كالغائط المائع، تتخللها مساحات من الطين الداكن، في الجزر لم يكن يسمح لنا بالعوم، فكان الكبار يقولون لنا إن "الفراييل" ترقد في الطين وبين الصخور، و"الفراييل" جمع فريالة، وهي نوع من الأسماك الصغيرة تحمل شوكة سامة على ظهرها، وإذا لامسها السباح تغرز به وتصيبه أوجاع شديدة في باطن قدمه، ولا أعرف الاسم العلمي للفريالة، لكن في أوقات الجزر، كان جزر آخر يتمدد في صدري اسمه الفراغ والملل, فالبحر حين تكون "الماية طفوح" (المد) كانت فرحتنا به كبيرة فنبتهج بالسباحة، وحدث مرة أن تضاعفت بهجتي حين تمددت أمامي على الرمال الساخنة مجموعة من النساء الأجانب لا يغطي أجسادهن البيضاء غير قطعتين من الملابس، أما بقية الأجساد الطويلة النحيلة المستلقية على الرمال الساخنة من أجل "صن تان" فكانت عرايا، كن مرمراً من النور سقط سهواً في خليج "اوه  يا مال"، كانت تلك المجموعة من السيدات اللواتي جئن في ذلك الصيف أداة معرفتي كيف يكون جمال الجسد الأنثوي، كنت أراقبهن بعين الصقر، وهو يدرك سلفاً غياب أمله في الغنيمة وخيبة أحلام المراهقة… لكن إن كان واقعي محروماً من متع إشباع الرغبة لمراهق صغير  فلم يكن خيالي يعاني الحرمان… فكان هناك العوض الوقتي يتم تخديره مؤقتاً بحكم عادات الحرمان وسواطير العيب والممنوع بوسائل أخرى حين أنفرد بذاتي، أحاور فيها خيالات حوريات الإفرنج، وأحياناً ترافقني صور فوتوغرافية من مجلة الموعد أو الشبكة لنجمات السينما المصرية كسعاد حسني أو نوال أبوالفتوح وهما بالمايوه المحتشم ذي القطعة الواحدة، ويستر قليلاً من الفخذين، وتمضي معها لحظات… وينتهي كل شيء… يخمد بركان الحرمان قليلاً ليعود مرة ثانية بعد وقت قليل… وهكذا كانت تسحقنا سنوات المراهقة في "بئر الحرمان".

احمد الصراف

دهن العود والغترة واللحية

قال غوبلز، وزير دعاية النازي: عندما اسمع بمثقف أضع يدي على مسدسي، تحسبا! وقال صديقي يعقوب: عندما يزورني من تفوح منه رائحة «دهن العود» ويرتدي غترة حمراء على دشداشة صفراء، ويربي لحية الإخوان، ويمثل بنكا أو شركة إسلامية استثمارية أضع يدي على محفظتي، خوفا من ضياع مالي!
***
سمعت تلك الطرفة، أو النصيحة، من صديقي منذ أكثر من 5 سنوات تقريبا، ولم أعرها كثير اهتمام في حينه، فقد كنت وقتها في أوج تحقيق أرباح كبيرة من استثماراتي في شركات يديرها من هم على شاكلة من تنطبق عليهم تلك الأوصاف، وكنت سعيدا لأنني خالفت رأيه، فقد كان يتندر بالقول أمام الآخرين بأن مخالفتي له حققت لي الكثير من الربح، وأن واحدا ممن تنطبق عليهم أوصاف «دهن العود والغترة واللحية» قام بزيارته في مكتبه وعرض عليه شراء عشرة ملايين سهم في شركة «إسلامية» تحت التأسيس، وأنه انسجاما مع معتقداته الاستثمارية رفض العرض وتبين بعدها أنه خسر فرصة تحقيق أكثر من عشرة ملايين دينار من صفقة واحدة عندما ارتفعت أسهم تلك الشركة وغيرها لمستويات عالية. ولكن الأيام مرت والشهور تتالت والسنوات ركضت وتبين أن «يعقوب الكبير» كان على صواب وكنا، نحن الجشعين، على خطأ تام! فعند أول هزة مالية تهاوت الشركات الاستثمارية، الإسلامية منها بالذات، كأحجار ثقيلة معلقة بخيوط واهية من شجرة كبيرة، وتبين أن الموضوع كله «فالصو» (وهذه ربما تكون مشتقة من كلمة Faults الإنكليزية، والتي تعني خدعا أو عيوبا أو جنحا) وقد خسرت الكثير الكثير من الاستثمار في أسهم تلك الشركات، وبالرغم من كل تلك الخسائر فلا تزال رائحة دهن العود تفوح والغترة الحمراء في مكانها واللحية على طولها!
نعود لنقول ونحذر (وهنا نتحدث مع أنفسنا أيضا) بأن من الخطأ الكبير إقحام المعتقدات الدينية في الأمور المالية البالغة التعقيد، فسقوط هذه، شئنا أم أبينا، يؤثر سلبيا في الأخرى. وقضايا الاقتصاد في عالم اليوم بالغة التعقيد وتحتاج لنفسيات أبعد ما تكون عن الأمور العقائدية، فهذه لا يرجى من إقحامها، كما تبين لاحقا، غير تحقيق أقصى الأرباح من استغلال سذاجة الآخر، وكل ما كتبه «فطاحلة» المفسرين والمنظرين، من شيعة وسنة، في قضايا الاقتصاد والتمويل والتسليف والرهن لا يكاد يساوي قيمة الورق الذي كتب عليه!

أحمد الصراف

سعيد محمد سعيد

«الأذان»… شيء من الصراحة

 

لا يمكن أن يترك مكبر الصوت في المساجد والجوامع لمن أبدى رغبته في رفع الأذان لينال الثواب والبركة، وليس من حق القيّمين على دور العبادة أن يتنازلوا (لآخرين) حين يبدون رغبتهم في أن يرفعوا الأذان حتى لو كان أولئك الآخرين ليسوا متمكنين ولا بالحد الأدنى من القدرة على رفع الأذان… هذا إذا اعتبرنا أن الأذان يتطلب بالفعل ممارسة وتدريباً، وأن المؤذن الجيد لن يصل إلى التمكن من رفع الأذان إلا بعد الممارسة والإتقان.

سأطرح بضع ملاحظات بشيء من الصراحة تتعلق بمستوى رفع الأذان في كثير من المساجد والجوامع، فقد لاحظت كما لاحظ الكثيرون غيري، أن بعض من يبادرون لرفع الأذان لا يصلحون إطلاقاً لرفعه! فالأذان نداء مقدس، ولهذا فإن من الضرورة بمكان أن يكون المؤذن مقتدراً من ناحية سلامة النطق والقراءة السليمة والصوت الحسن ناهيك عن استعداده النفسي لرفع الأذان.

بعض من يرفعون الأذان، سواءً كانوا من أولئك الذي يريدون التفنن في رفعه بالطريقة الإيرانية أو بطريقة أهل الهند وباكستان وبنغلاديش، يرتكبون أخطاءً فادحة في اللفظ وفي طريقة المد غير الصحيحة مما يجعل الآذان تنفر من ذلك الأسلوب بكل صراحة، وبعضهم يعتقد أن الصراخ وإنهاء الكلمة بشيء من التلحين الغريب إنما هو نوع من الإبداع… زد على ذلك، أن هناك من يترك الميكروفون للأطفال ظناً منه أنه يشجعهم دون أن يكلف نفسه عناء الاستماع لهم مرة ومرتين وثلاث على انفراد، ويقدم لهم الملاحظات ويعلمهم قبل أن يسمح لهم برفع الأذان.

حريٌّ بالمؤذنين، ومن بينهم مجموعة رائعة ومتمكنة باقتدار، أن يتقنوا مقاماً من المقامات المشهورة وهي الحجاز، البيات، الصبا، العجم، الرست، السيكا، النهاوند والكرد، فتلك المقامات التي تستخدم لقراءة القرآن الكريم، يؤذن بها أيضاً، ويكفي للمؤذن أن يتقن ولو مقاماً واحداً.

ولأن وزارة العدل والشئون الإسلامية، بادرت بتنظيم دورات تدريبية للخطباء والدعاة، فلا بأس من أن تنظم بين حين وآخر دورات لتدريب المؤذنين، وبخاصة الجدد منهم، ففي تركيا على سبيل المثال، تكررت الشكاوى من أصوات المؤذنين غير العذبة والمزعجة أحياناً في مدينة اسطنبول، لهذا، لجأت السلطات في عدد من المدن هناك إلى إقامة دورات مجانية ودروس خصوصية لتحسين أصوات المؤذنين.

قد يعتقد البعض أن الموضوع لا يرقى إلى مستوى الأهمية! لكن بالنسبة للكثيرين، وأنا منهم، فإن الأذان له قدسية كبيرة ولابد من المحافظة على مكانته وتأثيره العميق في النفوس، وعدم تنفير الناس منه بأصوات وأداء سيء، خصوصاً بالألسن التي لا تتقن العربية إطلاقاً